ريما....والذكريات
إهداء .... الى كل ريما فى لبنان والوطن العربى....
اليك........يا من منحتنى القدرة على كتابة تلك الكلمات
وانزوت...كائنا غريبا هناك..بعيدة عنهم بمسافة تسمح لها بمراقبتهم....تجلس على ذاك التل الدموى وهم يقلبون فى ذكرياتها ويتوغلون فى سنين عمرها القليلة...تلك كراستها...وهاك قلمها....هناك....رأس دميتها العزيزة التى طالما احتضنتها وأمها تندندن لها "نامى نامى يا صغيرة...يالا أغفى ع الحصيرة"، صوت الموسيقى هادئا ينساب قى أذنيها...وعينى الدمية تنظران اليها بعتاب...لم تركتنى وحدى هنا؟ لم تخليت عنى من أحضانك؟.....زفرت تنهيدة حارقة من صدرها الصغير وضمت رجليها اليه يحوطهما ذراعيها الصغيرين وعادت لترقب....يمرالشريط أمامها بلون أحمر قانٍ كلون شريطة شعرها التى اعتادت ان تبحث عنها كل صباح بعد ان ترتدى زيها المدرسى، فلقد اتفقت مع امها على ذلك منذ يومها الدراسى الأول..."ريما...شعرك ضفيرة..اجدلها لك بيدى كل صباح وتلك الشريطة الحمراء ستانية الملمس هديتى لخصلاتك الحريرية" ومن يومهارافقت شريطتها خلال وقت المدرسة، وتجرى على ابيها تقبله بعد عودتها..."بابا...فك لى الشريطة...بدى اشلح الأواعى لنلعب سوا أنا وِياك"...ها هو صوت أبيها قادما من زمن الذكريات....."القريبة"..ريما: لا تتشاقى....اعتادت ان تكون هى وحاجاتها...اهم ما فى المنزل وألأكثر تدليلا، ألم تكن الصغيرة الوحيدة.....ربى!! ما هذا؟
إنه إنجيل أبى..كان يمسكه بيمينه وأمى بيساره مسرعا الى الكنيسة ليلحق بالصلاة...فقد كانت أجراس الكنيسة تدق...اسمعها تدق...لازالت تنادينا...فلم يذهب أحد!! كتاب ابى بلون شريطة شعرى...أجراس الكنيسة ضاعت اصواتها مع ذلك الأزيز الذى ارعبنى وفيروز تصدح فى التلفاز "انا وشادى غنينا سوا"...لكن الأزيز يعلو وأصوات الكنيسة تندثر..رباه ما هذا؟ إنهم ينتزعونه من ذكرياتى...ينتزعونها أيضا..رباااه!!!!....ريما إجرى ماما ع أوضتك فوق بسرعة...إجرى ريما..انها كلمات أبيها...ظل يصرخ ليعلو صوته صوت الأزيز المخيف...وعيناى تلمعان...سقطت دميتى من بين يدى...جريت لحجرتى..وها هم ينتزعونهما من ذكرياتى..وقبلها من حياتى...أبى وأمى متعانقان تحت الأنقاض..حتى الآخرة...يكسو جسديهما لون شريطتى...أفاقت ريما..هبت من إنزوائها...ضاعت الصرخة فى أعماقها..وطفرت دمعتها ذات السنوات السبع...وانتبهت انها ترقبهم يقلبون ذكرياتها من فوق تل جثث جيرانها. فكت شريطة شعرها الحمراءوأهدتهااليهم..."عمى اربطها فيانكو ع راس صاروخك...بلكى اسرائيل عم تقبل هديتى"
وأغشى عليها.............
القاهرة 1 أغسطس 2006