الثلاثاء ١٠ آب (أغسطس) ٢٠١٠
بقلم أسامة جودة

سعيدة

سعيدة تدعى ولم تعرف قط سعيدة رغم ابتسامتها الدائمة ,ولا أظن هذا مجرد إحساس يحتمل الصواب والخطأ ,إنها حقيقة واقعة، كلما رأيتها هام عقلي في جمالها الأخاذ وسرح قلبي في شذاها الفواح، لكنني أفيق سريعا ً لأرى ملابسها القذرة ورائحتها النتنة من أثر دم الطيور التي تذبحها وتقوم بتنظيفها عند بائع الطيور الذي يجاورنا محله ,صوتها الصاخب يعلو ويجلجل في الشارع ,تشاكس كل عابري الطريق بمداعباتها وضحكاتها وطريقتها المميزة في الحديث والتي تتبدى منها دوما بساطتها المفرطة ولا أنسي يوم أبديت لها إعجابي بعباءتها الجديدة فما لبثت أن ردت علىَ قائلة بلا أي خجل:

"دأنا شحتاها النهاردة"

أضحكنى الرد وأبكاني في آن واحد، استشعرت بؤس تلك الفتاة التي لم تتجاوز الثامنة عشرة من عمرها ,تعمل في السوق منذ كانت في العاشرة ,تخرج من المدرسة وتذهب لمحل الطيور الذي يملكه جارهم الطيب، تضع أكل الطيور وتنظف أوساخهم وترمى بمخلفات الذبح على جبل القمامة القريب ثم تمسح المحل قبل إغلاقه ,لم تكمل عامها الأول في المدرسة الإعدادية بسبب مللها من الدراسة أو قل إن شئت فشلها في التعليم وأيضا ً لعدم قدرتها على توفير مصاريف الكتب والكراسات والدروس كباقي زميلاتها وتفرغت للعمل بالمحل وستظل هكذا حتى تتزوج مثلها كباقي أخواتها الذين سبقنها في العمل حتى الزواج.

راودتني مراراً أفكار خبيثة وأنا أتخيلها وقد ارتدت قميص نوم قصير فاضح ,كم ستبدو مثيرة ؟! وفكرت مرة أن أتزوجها وأذهب بها بعيداً عن الحارة التي يعرفنا أهلها جيداً وقلت لنفسي سأغير شكلها بالملابس الأنيقة وبعض الزينة والماكياج وسأعلمها كيف تتحدث كامرأة ولن يعرف أصلها أحد ,كم تبدو زيجة سهلة وملائمة لظروفي القاسية !! ,لن يطلب منى أبوها الكهل المسكين شبكة ثمينة أو مهر كبير وستكون أقصى طلباته جلباب جديد له وكساء لأولاده ووجبة شهية مما حرموا منه من زمن بعيد، أما سعيدة ستكون عروساً رائعة وسأشعر معها برجولتي كاملة فبالتأكيد لن أجد مشقة في إقناعها بأي شيء أراه فلن يكون لها رأياً غير رأيي الأصوب دائماً وبالتأكيد ستجلس دوما تحت قدماي وستقبلهما من وقت لآخر وبالتأكيد لن اخجل من صفعها على وجهها أو تكسير عظامها إن رأيت منها مالا يروق لي ,وبالتأكيد أيضاً ستتحملني على أي صورة وفى كل الظروف.

عندما علمت في يوم أنها خطبت لعربجى فحل وأنها ستتزوج قريبا ألقيت بأفكاري السابقة في بحر الظلمات وقررت إكمال سعيي لادخار مهر العروس التي ستسعدني بعد أن اطمئن قلبي أن سعيدة ستصبح يوما ما سعيدة.

تمت.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى