الجمعة ١٤ تموز (يوليو) ٢٠٠٦
بقلم
سقط البناء يا أبي
وَصَلتْنا الريحُ يا أبيخفّتْ واعتدلتْ واشتاقتْ لمهجعِنافدفعتْ سحابةً مثخنةَ الحنينِ لتسقيَ أرضاً بنا تملّحتكنّا نُجاريها في وحدتِنا كأطفالٍعلى الخواءِ يصطبحونَ بلا رغيفِ خبزٍيجهشُ في صرّةِ آلامِهم وبلا حساءٍ في طبقِ الجوارِأبٌ مُهلهل الثوبِ صادقُ النَّوايا يصطاد حجراً بنصلِ الفأسِويرمي جذعَ جدارٍ في حانةِ النهرِخُذوا مزيداً من ثوانيكمإلى ساعةٍ أخرى فنحن تعطلَ عندنا الزمنُودارت علينا الشمسُ من ناحيةِ الكوفة .نحن أبناءَ السباخِ المرسومة على المهملاتِ من الأرضمع القطيعِ نمضي ونعوي في هجيرةٍ لا خوف فيهانحن أبناءَ الظباءِ الخائفاتِ .وعول المسرّةِ نَسفُّ في أحداقِ الطريقِ إنْ مرّ القحطُ بأرضٍ فبنا يمرُّلا زرع فينا ولا ضرع يدرُّستأتي النساءُ العذباتُ يشرقْنَ من عرباتٍ تقودهنّ جيادُ ضامراتٌكُنَّ يحصدْنَ الملحَ في حوطةِ بلُّورٍ من عفّةِ الله انخرطتكُنَّ يستبدلْنَ بالزرع ملحاًاستقبلناهن مرّةً بثمرِ اللوزِووردةِ ماء النارِاقتربنا فصار اللوزُ جمراًوانفرطَ على السعيرِ حَبُّ خلودِنا والماء ما ارتشفناهُتبدد وسطَ الدهشةِ ماءُنحن مسار الريحِ إنْ أتتسناجرةٌ عربٌ أخذْنا الجبلَ للنهرِفانهزمَ الماءُ وعادَ الجبلُ بلوثةِ الغجرِحين هطلت عليه كالدود في ثمرِ المواسمِسناجرةٌ عُدنابلا جبلٍ ولا ماءوللربِّ حطباً صرنا في كانونه الموقَد يوم صقيعاستعرنا بنارِ الجنوبِ والتهبنا ومن حولِنا طائفةٌ انبهرتأيُّهم كان البدايةَ؟ أيُّهم كان الضميروأنتم قيل لنا .. ماذا ؟أتستعرون ثانيةً حين تشرقون ؟ومن حانٍ لحانِ تشرقون ؟كنتم خرجتم توّاً من حروبٍ غابرةٍوكنتم خرجتم توّاً من صحبةٍ عاثرةٍيا أبي ما عبقت في الصحوةِ سوى نفحةٍ من عطرِك الأخاذففي الصباحِ يأتي مع فنجانِ الشايورطبِ البدايةِ المُهتزِّ في نخلةٍباركتها السماءُ وسحرُ الأساطيرشاركني المُخيلةَ يا أبيإنْ نحن بدأنا ما بدأتَ بهوإن نحن سرونا بما سروتَ عليهدائخون حبيبي في الصيفِ وفي الشتاءِدائخون نتوجسُ خيطاً من فضّةٍ يؤدي بنا إلى ماءِ السبيلِونسلك درباً نحو ثمرِ البدايةِ المُعَلّقِ في قناديل الجنّةنهريّونبحريّونجبليّونصحراويوننهطلُ كالطينِونُجرَفُ في سيلٍ يزفرُنا نحو الجحيم ونظلُّنظلُّ هاطليننأخذُ سوسنةً لصباياخرجْنَ من طينِ اللذةِ على عُمرةِ الماءنوزعُ ورداتٍ على ضفائرَ سودٍوضفائرَ حمرٍوضفائرَ شقرٍوضفائرَ عجزَ عنهنّ الوصفُونستنشق عبيرَ الجنّةِ ، في كؤوسِهنّ الناهلةِ ، طلاًّأية نهودٍ هتك بهنّ اللهُ أستارَنا في الصباح؟هاطلونكأننا الهلامُ في المساء نُبعثُ من جزائرَ نائيةٍهل كُنّا سوى صغارٍمن فتيةٍ نعطي بلا حدودٍوردتَنا المفزوعةَ على ساقها الجذلِ الرشيقِ ؟أخذْنا بعضاً من جوعِنا الليليّ ودخلْنا في يراعِ الكلامِعلى أُمهاتٍ جافلاتٍ في الفراشِمنفوشات الأحلامِ والدثارِ والشَّعْرِالذي ما تدثر يوماً أمام زرقةِ السماءإلاّ لغايةٍ أرادتها أسرابُ الطيرِ .نائيّونكأننا لسنا من زهرِ الأيامِنأكلُ الخردلَ البرِّيَّو"الشفلّحَ " الفاجرَ الحمرة المتفتقَ على عذابِناو نباتاً لا نعرفُ له تسميةً غير " زهرة الغريب "يأكلنا الحمضُ المتلفعُ بالتربةِوتُنعشنا رائحةُ النعناع في حدائقِ الشاي العصرينعجنُ يومَنا بالقهرِ ونأتدمُ بسويق الفطركم تفاحةٍ هجرت موطنَها لتسكنَ بين فخذي باديةكم ذاكرةٍ استوطنت في الصقيعِ البعيدأيها الهادئون بوجهِ أكاذيبِ الزمانِأيها الصاخبون الحمقىالمجازفونخانتكم الروابطُوتهتكت بكم الساعةُفاعطبوا ظهورَ خيولِكم لكي تصلَ بكم إلى آخر الزمانجوّابون أنتم في هذه الجبالِوفي هذه الوديانتسرقون نجمةَ الله وتعطونها للدليلتلوكون البلاياأيها الصدّاحون في آخر الدُّناإنْ اصطفيتم شيئاًفاصطفوا هرشَ الرمّان فهو الأيسر للانحناءتُشاغلنا الريحُ والسحابةُ الفارغةُنُعمِّرُ ليلَنا بالخمرةِ السوداءوخيطِ بياضٍ من كفنِ التاريخنتوسدُ شقائقَ وحشتِنا .نحن أبناءَ الغفلةِ نزدهرُ بالكلامِ حين نكون بطوناً فارغةًتشهد لنا الريحُنحن متربي الوجوه والثياب والجوانب والنفوسسلعةً لن نكون وهذا البيع حراميا أبناءَ أخيارنا هذا البيع حرامكلهم يبيعونلنا الغبارَ و بقواربَ الطلعِ يحتفظونهذا البيع حرامونحن سلعة لن نكونوعلينا كُتِِبَ اللقاحُ نتكاثرُ بالرحيقِ السماويوالبيع حرام .خوّافون ؟لالا نمشي إلاّ في ليلِ السعلاةِ وليلِ الجنياتِ وليلِ بناتِ نعش وعاشقةِ الدارِمَنْ منّا تساءل مرّةً عن تخاريفَ موروثةٍ ؟نمت معنا ومعها نمونا .صباح النسيمصباح الحصادآفةٌ هو التاريخ ونحن من أعماقه نأتيما بالنا لا نقيم له قصراًعلى الورقِأو خربةً في الذاكرةِصخّابون ؟أجل تأتي العرباتُ محملةً بأمهاتِنا المتعباتِ وأكوامِ البلُّورتدخل عينَ الشمسصدرَ الحيّ وفي المساء تصدحُ الحانةُغيابون ؟لالا نهتدي إلاّ بالعزّةِوالصاحبُ فينا نُسلمُه قيادَنا حتى تهتزَّ له السماءُفتطلق ضيماً أو طيراً يشهد الله كأنها أبابيلنحن ثمرةٌ من شجرةٍ مباركةٍمن تربةٍ مشكورةٍ طيبةٍاستسقت غيثاً روى جذراًامتدَّ في حُلُمٍ إنسانيِّ ، ربانيٍّ ، ملائكيٍّ أو في بؤرةٍ جنِّمحتالون ؟لادفنّا أسرارَنا البدائيةَ ، هل لنا أسرار؟، في مجرى الماءوالماء ُ العذبُ أخذها إلى ساقيةٍوالساقيةُ أخذتها إلى جدولوالجدول أخذها إلى نهرٍ يرتشفُمن بحرٍ هائجٍ أصدافَ الأُلفةِوسمكَ الوحشةِ وأعشابَ الدهشةِدفاعون؟نعم ، عن البلاءِ والصعابِ والحريقِ والغريقِأكلنا في الهجيرةِ زادَنا وبانت عيوبُنا أو شقوقُناانكشفتْ أمامَ الناسِ صيحاتُنا لعزّةِ الأبناءعيّابون ؟معاذ اللهخشيةٌ فينا تُسلّينا وتمنعنافائضون كأننا من حطبٍ ، لقطٍ في طريق كأننا ما تحفّيناحفاةٌ وغير الشمس ما داهمتنا شمسُولا لوحتنا شمسُتلظيناطلاّبون ؟لمَن ؟تهادي .. تهادي .. تهاديفالماء في منزلقِ البحرِ والربُّ يذكي في قيامتِه أوارَ نارٍونحن حطب البدايةوحطب النهايةونحن حطبٌ لطوبِ الطريقِتهادي .. تهادي .. تهاديكالسفين إنْ شئتِأو كالنسيمأو كقافلةِ نوقٍ من ورقِ التوتِتهادي .. تهادي .. تهاديحريراً أمامنا فالأمهات تدفعنا نحو البحرِأو نحو البرّيِّةِ أو نحو يبابِ الطريقِهي الغفلةُ نجني ما غاب في باطنِ الأرض من شهدِونحن مفطرونوعلى الحصباء مفطرونلا نأتي من دقيقِ الدهشةِ شيئاًومن سمكِ الذهولِ سوى ما أصبْنايا أبتِ ضاع الدليلُفاخرجْ لنا إلى عرضِ البرّيِّةِ تُرشدنايا أبتِ ضاعَ الدليلُوالرومُ ما استخلفوا علينا سوى روميٍّوالساقطِ من ثمرِ الفُرسِوالغلاميوالديلميّوالغجري المتشبث بالكهفِ المسحورِونحن ابتلعْنا غصتَنا في آخر الليلِوأولِ الصبحِوآخر الندامةِ .يا أبتِ ضاع الدليلُوالموتُ منه ما جنينا سوى موتٍفاصدحْ بنا يا دليلَ الريحِوفي متاهتِنا فانظرْ .نحن فزعْنا من هولِ ما عصفت بنا محنةٌونحن ذهلنا من هولِ ما مرَّ علينا من جحود الزمانِسقط البناءُ يا أبي واهتزتْ مدينتُناسقط البناءُ يا أبي وفينا جذرٌ يغورُيغوريا دليلَ الريحِسيِّر في مهبِّنا ريحاًيا دليلَ الفرقةِكنا ببابِ الألفةِ كلَّ ليلةٍ نسهرُفاشرقْ علينايا دليلَ الريحِ من ضحكةِ الحانةِيا دليل الريحِأرسلْها على رسلِ