السبت ١٩ أيلول (سبتمبر) ٢٠٢٠
بقلم رشا السرميطي

سنة دراسيّة لكنّها افتراضيّة

هكذا بدأ المعلمون السّنة الدّراسيّة الحاليّة منذ مطلع شهر أيلول للعام 2020م. كثيرة هي المطبّات والمقالب التي قد يتعرَّض لها المعلمون أثناء قيادة عمليَّة التّعليم هذا العام خصوصًا مع عدم وجود شوارع واضحة المعالم وطرقات ظاهرة نهاياتها أم رؤية ثابتة تحدّد أن نسلك تلك الطرق لا غيرها.

بمطرقة قاسية يدّق عقل المعلِّم الفلسطينيّ وتطحن مشاعره كأنّها دقيق ناعم، فرض عليه أن يعجن المواقف والأحداث المتغيّرة من حولنا ويخبز لنا منها رغيفًا شهيًّا يصلح للتّعلم والتّعليم، بلا موقد عزم المعلمون يشعلون حطب أفكارهم في فضاء من اللاوجود القارس، هكذا قرّر المسؤولون بلا توجيه وإرشاد وتخطيط تربويّ سليم وكامل، وقد أقروا افتتاح العام الدّراسيّ قائلين:" سنتخطى أزمة انتشار فيروس كورونا جميعًا، لا لوقف التّعليم" جميل جدًا هذا الشِّعار.. ولأنّ السّلطة العليا بلا منهج واضح، ترك الخيار لكلّ قائد تربويّ أن ينظم خطّ سيره في ميدان التّعلم بمفرده. لكنَّ السّؤال الرّنان الذي يضع أوّل حاجز أمامنا جميعًا: ماذا لو استمرّ الإغلاق طوال هذه السّنة الدّراسيّة؟ ولم ينتظم التّعليم في صورته الوجاهيّة السّابقة التّي اعتاد عليها أطراف التّعلم، سواء كانوا: المعلّم، الطّالب، أم أولياء الأمور.

عشرون يومًا من شهر أيلول توشك أن تمضي، تكاد تطوى ساعاتها التّي خصّصت لممارسة التّعلم والتّعليم. هنا لا أتحدّث عن مدرسة مخصّصة وإنّما أنظر للمشهد بعموميّة مطلقة الكيان تشمل الجميع، أتساءل: ماذا حققّت المدارس من نجاحات بالتّعلم والوصول إلى الطالب؟ ما هي تلك النّجاحات، بل؛ وكيف تمَّت؟ ما حجم ما حققته المدارس التي نجحت؟ إن وجدت مدارس ناجحة في عمليّة التّعليم عن بعد هذا العام.

إنّ قارئ تلك الأسئلة السّابقة يدرك تمامًا سلبيّة السّائل، ومن يعرفني جيدًا يعرف بأنّني للتفاؤل أنتمي، ومن رحم التحديَّات حسب منظومة تفكيري مؤمنة ستخرج الحلول الإبداعيَّة وسنحظى بتجارب تعلّم فريدة. لا أبالغ إن قلت بأنّنا في فرصة –منحة- وجود الكورونا. اليوم لدينا مفاتيح لتطوير عمليّة التّعلم والتَّعليم التي مرَّت عليها سنوات عجاف طويلة، بعد أن كانت ضائعة منّا تحت بند مسؤول ونظام أو وزارة ربّما.. لقد تحرّر المعلّم من الكتاب الذي لطالما قال بأنّ مضمونه ضعيف ولا يحاكي عقل طالب من عصر الألفا (الطالب الذي اندمجت التّكنولوجيا في شتّى جوانب حياته وأثّرت به وإن كنّا ما زلنا نرفض ذلك) طالب اليوم لا يريد معلمًا يستخدم الورقة والقلم فقط، أيضًا لا يرغب بنمط تعليميّ تقليديّ يقدّم له معلومة جاهزة ويأمره بقبولها دون أن يفكّر ويحلل وينتقد وربما يرفض المعلومة لأسبابه الخاصّة والمقنعة أيضًا.

سيقول البعض بأنّني أتفلسف، وأن طلاب الألعاب الإلكترونيَّة توجهاتهم بعيدة تمامًا عن التّعليم، لكنّني أخبركم بأنّ هذا الجيل جيل متطوّر من حيث الذّكاء والتّجارب والمعارف التي تعرّض لها واكتسب منها شخصيّته وباكورة هويّته التي تتطلب منّا النّظرة الجديدة له، وانتهاج الطريقة الحديثة لتعليميه، أنا مؤمنة بالطلاب فهم حقيقة وجودنا كمعلمين، لنثق بطلابنا، فهم المحور الرّئيسيّ لعمليّة التّعلم ولابدّ أن نساعدهم في انتاج معارفهم الخاصة وتطوير شخصيَّاتهم ليتمكنوا من مواجهة الحياة والمجتمع، لا من حفظ وفهم المعارف المكتنزة بالكتب الدّراسيّة.

لن أثقل عليكم بأفكاري، لكنّني ارتأيت أن أبدأ بالكتابة، لأنشر بعض نبوءات من علم تعلّمته ومارسته فوجدت منه خيرًا وفيرًا. ماذا لو غيّرنا الكتاب؟ مفاجأة! تمّ تقليص الكتب بذريعة الوضع الطارئ. مع العلم أنّ المعلم مطالب بتدريس منهج وليس كتاب، بل له الحق باستخدام ثلاثة وأربعة كتب إن رغب أن يعتمدها لإيصال متطلّبات المنهاج فما هي تلك إلا مراجع يستعين بها، وإن كان المعلم حذقًا بإمكانه تأليف كتابه الخاص بما يخدم تحقيق المنهاج للمرحلة والصَّف الدراسيّ. الغريب أنّ الكتب منذ سنوات لم تتغيّر أو يتمّ تطويرها، ترى كيف ومن ولماذا تمّ تقليصها هذا العام؟

ما ذا لو غيّرنا طرق التَّدريس؟ أيكون الأمر صعبًا أن ننتهج طرقًا جديدة ممّا بإمكاننا الانكشاف عليه في ظل العولمة التي نعيشها؟ ماذا يمنع المعلم الذي يؤدي مهنته عن بعد أن يمارس التّعلم الذّاتي كما يطلبه من طلابه ويطوّر مهاراته وأدواته وأساليبه لأجل الطالب؟ لم لا تكتسب طرقنا التّعليميّة الصّبغة التكنولوجية الحقيقية؟ تفسير: أقول حقيقيَّة: لأنّ ليس كل من يستخدم أدوات تكنولوجية يحقق هدف تعلّم، نحن بحاجة لبناء هدف بيداغوجي لكلّ موضوع ندرّسه باستخدام التّكنولوجيا يتضمّن تنمية لمهارات حياتيّة سواء كنّا نقدمه بطريقة متزامنة أم غير تزامنيّة، الصُّفوف اليوم أصبحت بلوريَّة، كلّ معلّم كان مرئيّا من طلابه بالسّابق، أصبح اليوم تحت الضوء والمجهر أمام مديره ومفتشه وأولياء أمور طلابه، ربّما لذلك يرفض كثير من المعلمين هذا النَّمط الحديث بالتَّعليم، صدقوني الأمر سهل لمن يرغب بالتّغيير، سيتعلَّمه شيئًا فشيئًا، وصعب جدًا لمن لا يريد لطلابنا تعليم أفضل.

من السّهل وضع العقبات لكن؛ قد تصعب إزالتها! إن كانت طريقة التّعليم تغيّرت لتصبح نمط تعلّم عن بعد فحذاري من نقل ذات خطط وأدوات وأساليب التّعليم الوجاهي لتنفّذ بطريقة إلكترونية محوسبة، هذا لن يجدي نفعًا مع الطلاب، لا بدّ لنا من ولادة جديدة هذا العام بإعادة تخطيط الكتب التي نعلّم موضوعاتها، وتحديث أدوات تدريسنا وتقييمنا على حد سواء. ماذا لو غيّرنا نظرتنا للشَّاشات ومواقع التّواصل الاجتماعيّ التي يقضي داخلها طلابنا ساعات طويلة؟ هل بإمكاننا أن نتعلّم في ظلّ هذه الظرّوف والتّحديّات التي تمرّ بها بلادنا خاصة والعالم عامة؟ هل يحتاج التعليم توفّر أجهزة محوسبة واتصال بشبكة الانترنت بشكل دائم؟ أم علينا تجميد التّعليم حتى تنتهي أزمتنا؟ ويمرّ عام الكورونا كما أسميته..

عفوًا؛ هل قلت صفوفًا بلوريّة؟


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى