الخميس ٢٩ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠١٦
بقلم زهير كمال

سوريا يا حبيبتي

حفلت وسائط التواصل الاجتماعي وما تزال بالدعوات الصالحات لأهل سوريا ولنصرة أهلها على الظالمين الذين يسفكون دم شعبها البرئ بدون ذنب جناه.

ولا شك ان التلفزيون المسيّس يلعب دوراً بالغ الأهمية في تأجيج مشاعر الناس ومن ثم توظيفها باتجاه الحقد على النظام الجائر الذي يقتل المدنيين بدون شفقة ولا رحمة، وتظهر بعض الصور والأفلام أطفالاً يخرجون من تحت الأنقاض وقد امتلأت وجوهم بالدم والغبار، مما يوغر صدور الناس ضد النظام وحلفائه.

هناك صفة هامة في الشخصية العربية وهي صفة العاطفة الجياشة التي تزيد عن غيرها في الشعوب الأخرى ويتم استغلال هذه الصفة وتوظيفها لخدمة أهداف سياسية بجدارة ويساعد في ذلك أن الغالبية من العرب وبشكل عام تستقي معلوماتها عن الحياة والعالم من التلفزيون الذي يقوم بغسيل دماغ مشاهديه بشكل دائم على مدار الساعة.

في توجيه الرأي العام العربي يقوم التلفزيون المسيّس بتكرار مشهد مؤلم على مدار الساعة وإذا لم تتوافر مشاهد للحدث يتم عرض مشاهد سابقة أو مدبلجة لمذابح لم تحدث، ومن السهل على أجهزة المخابرات توفير هذه المشاهد وأن تلصق ارتكاب مذبحة ما بطرف معين حسب ما تمليه ضرورة الصراع.

ولكن إذا عدنا الى موضوع الحروب، فكل الصراعات المسلحة منذ فجر البشرية وحتى يومنا هذا، حدث فيها ما تقشعر له الأبدان وربما أفظع بكثير مما يجري في سوريا الآن، وكتب التاريخ حافلة بسرد مجازر يندى لها الجبين، وليس هناك استثناء للعرق أو المكان، الفرنجة، التتار، الفايكنج، قبائل الهون، الأوروبيون، وسكان أمريكا الأصليون.

يبلغ الحقد مثلاً اللعب برؤوس المهزومين المقطوعة أو شق أجسام الأعداء والتهام القلب أو الكبد نيئاً أو صلب المهزومين وتعليقهم أحياء حتى الموت. وهناك فرق كبير بين القراءة عن هذه التصرفات البشعة وبين رؤيتها على شاشات التلفزيون.

لو نحينا جانباً ألم ومعاناة الشعب السوري وتأثيرها على مشاعرنا، وبحثنا عن الحقيقة المجردة فسنجد أن هناك صراعاً دولياً يجري على أرض سوريا. ومنذ فترة طويلة، لم تعد المسألة نضالاً ضد الدكتاتورية وطغيان نظام الحكم، كما يكابر بعض أطراف الصراع من خلال تصويره إصراراً على إزاحة بشار الاسد من الصورة، بل إنه صراع على مستقبل المنطقة كلها.

واختصاراً، فهناك صراع بين معسكرين:

المعسكر الأول روسيا وإيران والنظام السوري وحزب الله.

والمعسكر الثاني أمريكا وإسرائيل وتركيا والأنظمة العربية التابعة كالنظام السعودي والقطري وغيرهما من الرجعيات العربية والمعارضة السورية بكل أطيافها.

بالنسبة لنا نحن الناس العاديين الذين نعيش خارج دائرة الصراع المباشر، يتحتم أن نسأل أنفسنا السؤال الأساسي الهام وهو: مع من أقف في هذا الصراع ؟ وقبل الإجابة على هذا السؤال لابد من تحليل بعض العوامل الهامة التي تؤثر على مجرى الأحداث وعلى الرأي الذي نشكله.
أهم عامل هو مسألة الدين الذي يستخدم ويوظف بشكل جيد لخدمة أحد المعسكرين.
الطرف العربي في المعسكر الأمريكي الإسرائيلي يدعي أنه يحارب من أجل نصرة أهل السنة ولكن ضد من؟ حسب اقتضاء الحال، أحياناً ضد الروافض والمجوس وأحياناً أخرى ضد العلمانيين الكفرة.

وهذا الطرف في حيرة من أمره، فهو ضد الإرهاب ومعه في نفس الوقت.

يتركون تعريف الإرهاب للغرب ويتبعون مقاييسه، ليس هناك مقياس واضح ودقيق للفرق بين فصيل وآخر، فعندما يقول ساسة الغرب إن داعش إرهابية يوافقونهم ويقومون بضربها وفي نفس الوقت يمدونها من تحت ستار، بأسباب الحياة من سلاح وعتاد ومال ومتطوعين.
أما القاعدة التي كانت تطلق على نفسها اسم جبهة النصرة ثم غيرت اسمها ظناً منها أنها تخدع الغرب، فهم إرهابيون أحياناً وأحياناً ثوار مقاتلون من أجل الحرية، والدليل أن إسرائيل تقوم بعلاج جرحاهم، ولهذا كان تغيير الاسم ضرورياً، إذ ليس من المعقول أن تساعد إسرائيل أعضاء من القاعدة التي تحاربها الولايات المتحدة.

بشكل عام وفي الخفاء يساعد الطرف العربي جميع الفصائل وبخاصة التي تدعي الإسلام. وأجد من المستغرب وصف بعض الفصائل بأنها فصائل مجاهدة، فالقيام بطقوس العبادات والتمثل بالسلف القديم في الملابس وموضة الشعر، كإطالة اللحى وحف الشوارب لا يعني أبداً ان الرجل قد أصبح مجاهداً.

أما تحديد بعض العرب هدف الحرب بأنها ضد الشيعة أو العلويين أو وصف الإيرانيين الى حد تصويرهم بالمجوس عبدة النار، فهذا يخرجها من دائرة الجهاد ويدخلها في الدونكيشوتية ويدرجها تحت بند الفتن الداخلية، ومن الناحية الدينية فالطائفتان المتقاتلتان في النار.

لم يحدث أبداً في تاريخنا أن كذب فرد أو جماعة على الناس وادعى الجهاد وهو يرفع السلاح في وجه مدنيين عزّل من السلاح ويعمل على اغتيالهم وتقتيلهم بحجج واهية.

ما يلفت الانتباه في الصراع السوري عدد الفصائل التي تقاتل النظام، هناك احصائية تقول إن عددها يفوق 120 فصيلاً يصفون أنفسهم بأنهم الثورة السورية ومعظمهم يدعي الجهاد لرفع راية الإسلام.

فلماذا لا تنتصر هذه الثورة ولماذا لا ينصر الله هولاء المجاهدين في سبيله حسب اعتقادهم.
بالنسبة للأطراف العلمانية في المعارضة يمكن القول إن معظمهم باع نفسه للشيطان وافتقد الإخلاص للوطن بتحالفاته مع من يمتلكون أجندات خاصة أقل ما يقال عنها إن لها أهدافاً خبيثة.
وإذا أردنا أن نعرف الثورة فهي حالة تطوير سريعة تهدف الى الرقي بالمجتمع وتغيير واقعه الفاسد بإدخال أفكار جديدة وبتغيير العلاقات السائدة فيه وتبديلها بعلاقات جديدة تصب في مصلحة الأغلبية، ولكننا لم نجد ذلك في الحالة السورية، فقد كان برنامجهم الوحيد مجرد ترديد غبي لإزاحة بشار الأسد من السلطة، وهكذا أصبح النظام على علاته يمثل حالة أرقى من هذه المعارضة العلمانية التي لم نسمع منها كلمة واحدة عندما صرح أفراد منهم أنهم يؤيدون ضرب إسرائيل الجيش السوري بل حثّهم لها على ذلك، وهكذا يثبتون أنهم لا يعرفون شعبهم وعداءه المطلق لإسرائيل، فالمسألة بالنسبة لشعوب سوريا الكبرى في سوريا ولبنان والأردن وفلسطين هي صراع وجود.

أما بالنسبة للأطراف التي ترفع الراية الإسلامية في هذه (الثورة) فلا أجد سوى تعبير الجهل المطبق لوصف حالتهم.

كنت قد وصفتهم في مقالات سابقة بأنهم البروليتاريا الرثة وهذه الطبقة لا تستطيع أن تبتكر فكراً، بل هي مجرد ناقل للأفكار، وقد نقلت عن الإسلام بشكل يخالف تعاليمه السمحة، مما يدل على عدم فهمهم له، فاكتفوا بالطقوس كما ذكرت.

سنفرض جدلاً أن الذين يقفون في صف المعارضة على خلاف تشكيلاتهم قد انتصروا على النظام، ستتحول سوريا الى وضع أسوأ بكثير من الصومال وسيكون هناك 120 إمارة تتصارع فيما بينها الى الأبد، وهذه هي أمنية إسرائيل الكبرى أن تتحول الدول المحيطة بها الى دويلات صغيرة ومن ثم تستطيع فرض سيطرتها على جميعها، أي أن تكون شرطي المنطقة وأن تكون أسواق الجميع مفتوحة لمنتجات مصانعها ومزارعها، وكلما خمدت فتنة أشعلتها من جديد. هذا ما تتمناه إسرائيل، فهل نشاركها في أمنياتها.

وعودة الى سؤالك لنفسك مع من تقف في هذا الصراع، عليك أن تحاذر في الإجابة فقد تجد نفسك في الصف الإسرائيلي دون أن تدري. وتاييدك لفصيل ما في هذا الصراع إنما هو تأييد لبيادق لا تملك من أمرها شيئاً.

فالصراع من أوله الى آخره هو قائم على خلق فتنة عمياء صنعتها أمريكا وإسرائيل والتابعون من العرب للسياسة الأمريكية، الهدف منه تفتيت منطقتنا العربية والقضاء على كل من يشكلون خطراً على إسرائيل في هذه المنطقة، فإن انتصرت فيه الفصائل المسلحة والمعسكر الداعم لها فقد تحقق هذا الهدف، وإن انتصر النظام السوري فقد أفشل الخطة برمتها.

نعم، نحن نحزن ونتألم لهؤلاء الضحايا ولهؤلاء الأبرياء من المدنيين الذين لا ذنب لهم، فهذه هي الحروب وهذه مآسيها ولكن لا ينبغي توظيف ذلك في تقييم الوضع والحكم بعقل ودم بارد على المحصلة النهائية لهذا الصراع الدولي.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى