شعراء الحريق!!
آه يا صديقالدنيا حريقوالمركب الحيرانلا ينجي غريق..
اجل الدنيا حريق.. وسيزداد حريقها كلما ازداد تدفق مثل هذه (القصيدة) التي اخترنا العبارات الاولى منها فقط. فما زال الكثير من والجي فضاءات الشعر يتعاملون معه بلغة (النظم) والمساطر والمقاييس بعيدا عن الاحتراق الحقيقي للمشاعر وانفعالات الوجدان وحكمة الثقافة والاطلاع وجماليات الفلسفة والتعبير والبلاغة. وبين احتراق حقيقي تلقائي في آتون الشعر والحياة واحتراف مفتعل سطحي حد السذاجة نعيش نحن احتراقنا اليومي نتيجة تكاثر مثل هذه النصوص لان (البلاء موكل بالمنطق)
ولا اكتمكم سرا، فاقول ان بعض المتطفلين على عوالم الشعر يحتفظون بدفاتر وسجلات جمعوا فيها كل ما يعتقدونه اساسا للشعر من كلمات تتشابه حروفها الاخيرة لاستعمالها في كل سطر ممل ونمطي يكتبونه مثل (حريق ـ طريق ـ بريق ـ الخ) او (سهر ـ مطر ـ شهر ـ قهر.. الخ) وكأن الشعر لا يقوم الا بهذه الكلمات . ولتصورهم البسيط هذا فانهم غالبا ما يقحمون هذه الكلمات عنوة في نهاية كل سطر مضحك يكتبونه طارقين ابواب الصحف العديدة لنشر نتاجاتهم هذه مستخدمين شتى الوسائل والذرائع لنشرها في الصفحة الثقافية الرئيسية للصحيفة والا فلا.
ولا يجد الكثير من هؤلاء (الشعراء) وسيلة للدفاع عما اغرقوا انفسهم فيه غير الهجوم على مسؤولي الصفحات الثقافية في العديد من الصحف التي تعتذر عن نشر (مسطحاتهم) تلك والتذمر من ضيق مساحات النشر ناعين ما وصلت اليه الثقافة في هذه البلاد من (خراب).
ولان الطيور على اشكالها تقع فان لشعراء الحريق هؤلاء مجالسهم الخاصة التي يعظم فيها بعضهم البعض الاخر ويتبادلون فيها سجلات القوافي والكلمات المتقاطعة متهكمين على مختلف القصائد التي لا تحتوي على مثل هذه الكلمات سواء كانت قصائد تفعيلة ام قصائد نثر.
ولا يمكننا مع كل هذا حساب هؤلاء من الطارئين على الوسط الثقافي عامة وعوالم الشعر الخاصة، فالكثير منهم من الوجوه المألوفة والمعروفة في هذا الوسط او ذاك منذ سنوات عديدة، ولكنهم لا يجيدون الشعر الا في طريقة النظم هذه ولا غرابة ايضا في تأبطهم دواوين (رامبو) و(ايلوار) و(ادونيس) و(جاد الحاج) وبقية الكتب التي تتحدث عن (البنيوية ـ التفكيكية والفينومينولوجية) وغيرها لان ما بين ما يتأبطونه وبين ما يقولونه ويكتبونه هوة ساحقة حتما.
وفيما حاول رواد الشعر العربي الحر بالاطاحة بوحدة القافية ونظام الشطرين والبحر الواحد للقصيدة باعتبار ذلك قيودا تنهك تطلعات الشاعروتكبل اجنحته محتفظين بالموسيقى الداخلية التي تعتمد في الغالب على البحور الصافية ذات التفعيلة الواحدة واستخدام اكثر من بحر في كتابة القصيدة الواحدة اذا اقتضى الامر، واجهز رواد قصيدة النثر على بقية القيود التي من شأنها سجن انفاس ذلك الطائر الجميل، يصر اصحاب الحريق هؤلاء على البقاء في تلك القيود بل وفي جمعها في سجلات يطيلون النظر فيها ويحملونها معهم خالدين فيها ما بقيت السموات والارض.
ولكي ندرك فداحة هذا الحريق الهائل علينا ان نستمع الى راي احد شعراء الحريق الذي سئل عن رأيه بعد اطلاعه على احدى مجاميع قصيدة النثر الممتازة حيث صرح بانه يستطيع كتابة عشر مجاميع مثلها خلال يوم واحد !!