الأحد ٥ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٠٨
بقلم وليد رباح

(شمشون) أول الارهابيين وآخر العقلاء

أساطير الأولين حافلة بالأطايب والتوابل، منها ما هو مريع حارق إلى درجة الخرافة ومنها مستقى من التواتر ولكن اضافات هشمت قامته فاصبح مشوها لا يجانب الحقيقة بشىء يذكر.. ومع الغلو في تحسين الخرافة وتشذيب اطرافها وتقريبها من الفهم فقد ظلت سعة الخيال في الترويج لها قاصرة على العنصرية وتحسين الصورة مضمخة بالبطولة التي تجلب التصفيق. فشمشون الجبار الذي قرأنا عنه كثيرا أو قليلا ربما ورد في كتب الاولين.. ولكنه حسب اعتقادي شخصية وهمية يصطنع مروجوه البطولة لشعب كان يخاف من خياله ويريد ان يؤكد صدق الاسطوره.. وربما كان جبانا.. وكذا كان عنترة وابي زيد الهلالي والشاطر حسن وخرافات الف ليلة وغيرهم ايضا كذلك.. وقس على ذلك الهة الاغريق التي كان لها قوة المردة في وقت كانت فيه خيالية من صنع الاساطير التي ارادت ان تنصر الرومان أو اليونان على الآخرين وابقتهم احياء حتى في ايامنا هذه.. فمازال البعض يعتقد ان لكل جانب من جوانب هذه الحياة بطل اسطوري ربما قاد تلك الجوانب إلى تحقيق النصر.. أما في الحقيقة فانها تراهات لا يقبلها العقل ولا يستسيغها الوجدان.

واذا ما افترضنا جدلا بان شمشون كان حقيقة مؤكدة.. أو شبه ذلك.. فان المسمى كان ارهابيا يقتل الآخرين بدم بارد.. ولو افترض انه حي في هذه الايام للاحقه الرئيس الامريكي وربما الاتحاد الاوروبي أو الزعارير الحاكمين في الوطن العربي ممن يخافون على كراسيهم الانزلاق. فهو أول من هدم المعبد على نفسه وعلى الاخرين.. وأول من استخدم عضلاته في قهر الطرف الاخر.. بمعنى انه قد مات منتحرا بعد ان قتل ثلة من الناس حوله. إذن لماذا يمجد اليهود قدوتهم شمشون وينكرون ذلك على من ينتحر في عمليات يقتل المنتحر فيها نفسه ويقتل فيها البعض الاخر.. اهو حلال عليهم وحرام علينا.. هذا ان كان شمشون من نفس الملة كما يدعون.. أما ان كان غير ذلك.. فذنبه على جنبه.. ولن يحاسب اذا ما انتحر.. فليست له جهة سياسية تحيله أو تحيل من ارسله إلى محكمة (الظلم الدولية). بمعنى انه مات فطيسا!!

في كتب الأولين ما يعجز الكلام عن وصفه.. فمنهم من كان يحصد الرؤوس بالمئات ويحرك سيفه يمينا وشمالا فاذا الدماء تصبح شلالا.. واذا الرؤوس تتدحرج من اعالي الجبل إلى قعر الوادي.. واذا اليتامى والثكالى يزدادون عددا..وزاد الطين بلة من كانوا يئدون البنات خيفة العار مع اننا نتلقى العار في هذا الزمان على اصوله اذ يرتكب المحتلون جرائم الاغتصاب بالجمله.. ولم نر في ايامنا من تتحرك شهامته ليدافع عنهن.. بل على العكس من ذلك.. نرى الكثير ممن يحكمون باوامر المحتل يريدون ان تكثر تلك الاحداث ثم يصرخون ويتباكون طالبين محاسبة المعتدين.. مع انهم أول المعتدين!!

واذا ما اجيز لنا ان نتخذ شمشون مثلا.. فهذا يعني اننا ننبذ ما قام به ان كان حقيقة لا وهما.. أما ان كان وهما فتلك بطولة زائفة وعنجهية فارغة تهدف إلى تطمين من اوحوا اليه بهدم المعبد.. فمن اليقين انه لم يكن يفكر في شىء سوى الانتقام.. في وقت ننبذ فيه ايضا من يقتلون الناس الابرياء في هذا الزمان لعلة فيهم.. سواء كانت تلك العلة لتزمت أو عنصرية ظلامية لا تفقه من الامور سوى انها مسيرة لا مخيره..ومنفذة لا مخططه.. واداة تنفذ ما قيل لها بعد غسيل عقل لا وجود له اصلا.. وذلك جبن بين يصل إلى مرحلة الارتعاد.. اذ لو كان اولئك على علم ودراية بمعنى الحياة لما فكروا بذلك.. فان تقتل انسانا حيا له آماله والامه وله احلامه العريضة فذلك من دواعي التخلف والخطأ الفادح.. بل والجريمة النكراء.. وينطبق هذا على اية جنسية أو مذهب أو دين أو رأي مخالف أو خلاف سياسي أو غير ذلك. فانما يدل على قصر نظرة المنتحر أو من ارسلوه عن أن يكونوا على سعة من الحجة تجعلهم يتخلصون من معارضيهم بمثل تلك الطريقة الشنعاء. وقديما قيل : اعلاهم صوتا اضعفهم حجة..وليس اعلى صوتا في مثل هذه الحالة من انفجار يصم الاذان.

قد كان شمشون أول الارهابيين وآخر العقلاء.. فبعده جاءت الينا ثلة من الناس المغسولة عقولهم لكي يقوموا بمثل ما قام به.. ظانين ان ذلك يمكن ان يفت في عضد الضحايا فيرتاحون في قبورهم إلى الابد..ولكنهم لم ينظروا جليا إلى من خلفهم وما يفعله ذلك من حقد وثار يمكن ان يصيب اولئك المجانين بالرذاذ.. عندها فقط يدرك اولئك انهم ليسوا أول الحياة ولا اخرها.. ولسوف نظل نسمع بمثل تلك الاحداث ما دامت الشمس تشرق على هذه الارض.. وما دامت الكرة الارضية تدور والحياة تبزغ وتغيب.. البعض يموتون والبعض الاخر يحيا.. المواليد تزداد والعلم يقلص اعداد الموتى.. في وقت نرى فيه اناسا آخرين يصمون ذلك بالعار..

ويقينا أننا ندرك تماما.. ان من خلق هذا الكون هو الذي يتحكم بمصائره.. وليس ثلة من المنحرفين ولا الذين يوهموننا دوما انهم على حق..

واني لاتمنى ان يكون شمشون حيا لكي يرى ان ما قام به من هدم للمعبد لم يكن الا فعلا بسيطا وساذجا بالنسبة إلى المتفجرة التي تطيح بمئات من الرؤوس في لحظة قصيرة المدى.. أو بالنسبة لقنبلة ذرية تلقى من حالق إلى الاف مؤلفة من البشر تموت دون ذنب جنته.. عندها فقط.. سوف يصبح شمشون فعلا البطل الذي نرغب.. والقدوة التي نقتدي.. فهو ملاك إلى جانب شياطين الارض الحالية التي تنبت كل يوم اباليس جددا يصيبوننا بالبرص والجذام بل وحتى السرطان.. وانا لله وانا اليه راجعون.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى