الثلاثاء ٢١ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠١٤
بقلم وليد رباح

طوبز يعيد كتابة التاريخ العربي

النفاق.. أحد العلامات المميزة لحياتنا في الوطن والغربة..كل الشعوب تأكل لكي تعيش.. أما نحن فنعيش لكي نأكل..نسبة كبيرة على استعداد لبيع الوطن كله أو بعضه بالنقود

لصوص إذا سرقنا.. وشرفاء إذا لم تتح لنا عملية السرقة

قبل أن امتشق سلاحي لفتح النار أريد أن أؤكد على أنني عربي من أب وأم قيل لي انهما عربيان.. ولكني والحق يقال اشك في ذلك.. فأنا ابيض البشرة في وقت فيه كل اخوتي داكنوها.. فقد ولدت في زمن الاستعمار البريطاني للوطن.. ومن كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر..أو بقذيفة مدفع..

كان هذا الكلام يندرج تحت قائمة العيب في الزمن القريب.. أما اليوم فقد لاكه علم الأجناس وشرحته الهندسة الوراثية بأكثر مما ينبغي فغدا لا لون له أو طعم أو رائحة.. ولذا فكل الناس في هذا العالم يشتركون في أمر واحد لا خلاف فيه مؤداه أن من يعتقد بصفائه عليه أن يدرس الموروثات الجينية في (شعبه) منذ زمن بعيد..(وعلم الاستنساخ الحديث يساعده على ذلك) فان تطابقت عاداته وتقاليده بل وحتى (خلقته) مع الناس في ذلك فهو صاف مثل الماء.. وان لم تطابق موروثاته (الخلقية وليست المكتسبة) ما كان عليه الناس فليطلق على جدته قذيفة ذرية.

وقد يستغرب القارئ سر بدء فتح النار بهذا الكلام على من هم في مثل صفاء الماء.. ولكني سأجيب على ذلك بقليل من الحكمة وكثير من الشعوذة التي يمتهنها الصحافيون عادة.. وببعض الكلمات أقول : إن أعلى نسبة من (الجواسيس) الذين يبيعون أنفسهم للعدو مقابل دراهم معدودة هم من جنسنا.. اعني من الجنس العربي المهجن بكل أنواع (الموروثات الجينية) للغزاة الذين زارونا في الوطن العربي واعطوا جداتنا ميزة تحسين النسل العربي بكثير من التفرد مثل العيون الزرق والخصر النحيل والقوام الذي يشبه أعواد الخيزران وما إلى ذلك من مواصفات جمالية..

وإذا كان احتجاج البعض يجعل الكلمات البذيئة تتدفق من أشداقهم ضد كاتب هذه الكلمات فإني أسألهم: لماذا لا نجد يهوديا واحدا يتجسس على أبناء إسرائيل مع أن الشعب اليهودي يعلم حقيقة انهم مغتصبون للأرض وان ادبياتهم كلها مزورة لصالح العودة إلى ارض الميعاد.. ولماذا نكتشف بالمقابل آلاف الخلايا التجسسية لصالح إسرائيل من أبناء جنسنا مع أننا نعلم يقينيا أننا أصحاب حق في أرضنا المغتصبة.. وندافع عن ذلك بكل الكلمات الحماسية عبر الإذاعات ووسائل الإعلام الحديثة والقديمة..؟ لماذا يختلف العربي في حلب عن العربي في نجران مثلا من حيث الشكل والهيئة..؟ ولماذا يختلف العربي في فلسطين مثلا عن العربي في الحجاز.؟ والسوداني المكحل عن الشامي الذي يلمع جلده مثل بلور الكنيسة.
ومع أننا (مع كل هذا التناقض) نريد وحدة عربية.. إلا أننا نشترك جميعا في شرق الوطن العربي وغربه.. بميزة واحدة ربما كانت سببا وجيها لهذه الوحدة.. ذلك هو الحقد على بعضنا البعض..والرحمة ضد عدونا المشترك.. الرجولة على بعضنا البعض والجبن أمام من يصفعنا على اقفيتنا.. ادعاء المحافظة على أعراضنا بيننا، بينما نسمح للعدو بان ينتهك تلك الأعراض أمام أعيننا..

وبما أن هذا الحقد موروث وليس مكتسبا.. فهذا يعني أن تاريخنا فيه بعض التزوير إن لم يكن كله مزورا وان حكايات الشاطر حسن وقيس ليلى و(الحب) تحت ظلال الزيزفون وشعر الجاهلية فقط هو التاريخ الفعلي غير المزور لهذا الشعب (العظيم)الذي نسميه الشعب العربي. وإلا فهل يعقل أن يكون حفيد خالد بن الوليد مثلا جبانا يهرب عندما يرى فأرا أو طلقة يطلقها جندي إسرائيلي.. وهل يمكن أن يسمح حفيد عنترة بن شداد مثلا بان يواقع نتنياهو عبلة على مسمع منه ومرأى.. وهل يرضى ذلك الحفيد الذي كان جده عمرو بن العاص بان يكون جاسوسا لإسرائيل مقابل عشرة مكاييل من القمح أو بعض الدولارات التي تحمل صورة فرانكلين أفندي.. أو يرضى من مرمط أجداده الروم والفرس ودال دولتهما أن يجلس مع النتن على عشاء واحد يتآمران معا على هذا الشعب المنكوب.. فإذا سلمنا بان كل ذلك لا يجوز فدعونا نسمح لأولئك الذين يدعون الوطنية أن يضربوا (جداتهم) ليس بحجر أو بأحجار.. وإنما إطلاق النار عليهن في الساحات العامة وداخل باحات السجون والمعتقلات.. فإنهن قد أورثننا عارا لا يجب السكوت عليه.. وقبل أن نطلق النار عليهن وجب علينا أن نطلق النار على أجدادنا الذين كانوا يشربون الشاي في المضافات وجداتنا سارحات على (حل شعرهن) في شوارع المدن المغزوة من قبل نابليون والتتار والفرس والرومان وحثالة بني صهيون.

قد يصبح الألم الذي يدخل إلى نفوسنا نارا تحرقنا فلا نملك إلا أن نخرج هذه الكلمات الغاضبة التي تحتل المرتبة الأولى في دورات دمائنا.. ومع كل ذلك فإننا لا نلوم البعض إذا قام باتهامنا بأننا نجلد أنفسنا جلدا عنيفا غير قابل للرحمة..
إذا كانت الرحمة تقتضي منا أن نعدد نقائصنا كي (نفضفض) عن أنفسنا فليس اجمل من أن نعد النفاق الذي نتحلى به دون خلق الله في هذا العالم.. فنحن نذهب إلى العزاء مثلا لنعزي بإنسان كنا نكرهه كره الموت أيام حياته فلا نملك إلا أن نعدد مناقبه أمام أهله وقد نصل به إلى درجة النبوة. ثم من بعد أن نخرج من العزاء أو حتى ونحن فيه نغمز بأعيننا لبعضنا البعض كأننا نقول لهم أننا نكذب على أنفسنا.. وقد نذهب إلى فرح فيه من الرقص والطعام و(الفرفشة) ما يمكن أن نشارك فيه.. لكننا قبل أن نهضم الطعام أو نمسح عرقنا مما أصابنا في حلبة الرقص لكي نعدد ما يتحلى به العريس من سوء الخلق وقلة الحيلة وعدم الوفاء.. بل ربما تعدى ذلك إلى نعته بالنصاب المحتال الذي جمع ثروته وتزوج من وراء تجارته للمخدرات أو بيعه زرائب حيوانات جيرانه. وقد نصفق لملك أو رئيس ونحن نعلم علم اليقين انه ظالم ولص وسفاح ومتعجرف.. وقد نمدحه أمام الناس ونذمه أمام أنفسنا.. ونذمه أمام الناس لكننا نؤيده أمام أنفسنا.. وقد نبتسم لمحب نحب أن تخسف به الأرض ولكننا نعبس أمام من نحبه لأننا نريد أن نحافظ على (وجاهتنا) بعدم الارتماء بين أحضانه… نضحك لغني لأنه يمتلك النقود ونعبس للفقير لأنه لا يمتلك ثمن عشائه..ثم نشفق على الفقير في وجوده لكننا (نمد اصبعنا الوسطى) خلفه عندما يستدير..وأكثر ما يسترعي انتباهنا أن كروشنا اثمن علينا من كرامتنا.. فنحن شعب نعيش لكي نأكل.. عكس كل الشعوب التي تأكل لكي تعيش.. ولهذا فان المطبخ العربي زاخر بكل أنواع (الموبقات) الغذائية التي تجعل الإنسان العربي في حال من النوم (العقلي) لا يضاهيه فيه أحد. حتى أن التراث الشعبي قد اتخذ هذا المنحى سبيلا لكي تتفهم الزوجة حال زوجها وتتعهد (كرشه) بكثير من الشفافية فقيلت الأمثال بذلك : الطريق إلى قلب الزوج كرشه : فأمضت الزوجات ساعات طوالا في كل يوم يصنعن الطعام من (السنة العصافير) والمآكل التي تحتاج إلى دقة في الصنعة مثل الحفر على الخشب أو على الصاجات النحاسية.. فتعطل نصف المجتمع لكي يصنع (الطبيخ) للنصف الآخر. وغدونا نفتخر بأنواع الطعام العديدة التي يعج بها المطبخ العربي.. والفنا في ذلك الكتب وأفردنا زوايا (طبيخية) على صفحات الصحف لكي نعلم المرأة كيف تطبخ لزوجها في وقت كان يجب أن نعلمها كيف تشارك في المجهود الحربي مثلا.. أو كيف تستطيع تعليم نفسها (دورة ) في الكمبيوتر يمكن أن تفيدها إذا ما طلقها زوجها أو رماها في منتصف الرصيف دون معين أو معاونة.

ولا نريد أن نزيد الوصف فنتحدث عن (حشو الكرشات ورؤوس الأضاحي وأطرافها وخفاف الجمال ولحوم الضب) مثلا بالأرز والفستق والبندق وانتظار الساعات لكي تنضج الطبخة..وما بين وضعها على النار ونضجها تتذوق المرأة ملعقة منها في كل آن فما أن تنضج حتى تكون قد تذوقت مائة ملعقة مليئة بالدهون والدسم. حتى إذا ما أمضت في بيت زوجها سنوات قليلة أصبحت مثل (الثور) الهائج أو البقرة البلهاء تجر آليتها خلفها كأنها مقطورة تجري على سكة الحديد. فيضطر الزوج الذي ملأت معدته بالطعام حتى (تكسب قلبه) أن يتزوج أخرى قادرة على إعادة الدور الذي بدأته الأولى.. وأنا أتحدث عن البيت العربي الذي يشكل تسعة وتسعين بالمئة من حياتنا ولا أتحدث عن المرأة التي رأت في لبس (الشفاشيف) وعلم الأقمار الصناعية والمختبر طريقا للحياة لأنهن اندر من العملة المملوكية في متاحف لندن.. وهكذا يا صاحبي تسير الحياة العربية سواء كان في الوطن أو الغربة.

وقد ينزعج البعض من ربط (الشفاشيف) بعلوم الحياة العصرية كما أوردناه في ما سبق من الكلام.. ولذا فإني اطلب من كل فرد عربي في هذا العالم أن يمسك قلما وورقة ويكتب لي اسما واحدا لامرأة عربية واحدة قد زاوجت بين طبخ أطراف البقر في الوقت الذي تعمل فيه طبيبة أو كيميائية أو في محطة أرضية للأقمار الصناعية.. فالمرأة العربية أما طباخة ماهرة (ومقطورة) في بيتها كما أسلفنا.. وأما مشاركة في الحياة العلمية ولكنها تحاول أن تنظر إلى العصر بمنظار تدين فيه تصرفات أمها وجدتها من حيث شكل الحياة البائدة.. كل ذلك.. إلا فيما ندر.

ولنأخذ في هجومنا (غير المبرر) أصنافا أخرى من العذاب العربي الذي لا يمكن إلا أن نكون جزءا منه.. إني ليحزنني أن أرى في غيري ما قد يكون بي ولا أدريه.. فقد مررنا مرور الكرام في بداية الكلام عن شواهد ربما كان فيها بعض العنت على أنفسنا.. فقد دلنا التاريخ القريب جدا والذي لم يكتب بعد.. عن أناس باعوا أوطانهم بابخس الأثمان.. ودلنا على أناس أيضا لم يبيعونه بكل كنوز الدنيا.. ولكني مع كل ذلك أتساءل.. لماذا تجري الخيانة في دمنا منذ بدء حياتنا وحتى نهايتها.. لماذا تسجل الأرقام أعلى نسبة للتجسس لمصلحة العدو في بلادنا العربية..؟ لماذا لا نرى بالمقابل فردا واحدا (إلا فيما ندر) قد باع وطنه لصالح محتل أجنبي.. لماذا نشكل أعلى نسبة للتعاون مع العدو رغم ضغط بسطاره على مؤخراتنا ورؤوسنا.. لماذا نرجوه أن يعفو عنا ونحن المعتدي علينا؟ لماذا نبرر له كل أخطائه ولا نغفر لانفسنا خطأ واحدا..؟ لماذا نكتشف فينا من يغزونا مثل عزام اوكوهين أو الكولونيل عباس بن فرناس أو الملازم لورانس الذي صاحب بعضا من ملوك (طوائفنا) لأنه أشقر اللون وربما كان جماله في مثل جمال فتاة شقراء مغناج فأعاد إلينا تاريخ خلفاء بني العباس عندما كانوا يفضلون الغلمان على أربعين امرأة يضمها القصر السلطاني المندثر..؟ لماذا يرسل الأجانب لنا امرأة شقراء للحاكم (فيفرد) كيس الأسرار أمامها لتحمله بما فيه لأهلها ثم ننصب من بعد ذلك أولادها ملوكا علينا ونركع تحت أقدامهم يدوسون رؤوسنا؟ أو بعد كل ذلك تسألونني لماذا يختلف العربي في حلب عن العربي في جيزان أو نجران..؟ لماذا تنام المرأة العربية في حضن أولادها لتصحو والى جانبها ضرة جديدة تدخل بيتها بالقسر والقوة؟.. لماذا نضطهد أولادنا ونساءنا ونحترم أولاد ونساء الأجانب.. مع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : خيركم خيركم لعياله ؟ لماذا.. لماذا نفضل العقل الأجنبي ونعتبره قائدا لنا مع أن فينا عقولا يمكن أن تبدع إذا ما أتيحت لها فرصة الإبداع؟.. ولماذا نرفض التعامل مع بعضنا البعض ونفضل التعامل مع الآخر مع علمنا بأنه يمتص دمنا؟.. لماذا نصفق للحاكم اخطأ أو أصاب.. ؟ لماذا نرقص في أعراس غيرنا ونرفض الرقص في أعراسنا؟ ولماذا يشرب الآخرون ونسكر نحن؟.. لماذا نغفر لأنفسنا أن نخون زوجاتنا ولا نسمح لهن بخيانتنا حتى بنظر بريئة؟.. ألف لماذا تأتي إلى حناجرنا فنضطر إلى لفظها وإغلاق عيوننا طمعا في نسيان ما نحن عليه من بلاء..

أما السيكولوجية المتعثرة للإنسان العربي فهي من الضخامة بحيث تبرر لنفسها ما قد لا يجوز أن تعتبره إنسانيا في كثير من الحالات.. فنحن إذا ما قامت بيننا حرب أهلية فجرنا إلى آخر حدود الفجور.. ويمكن أن نقتل على الهوية كما يحدث الان ز

أما إن جابهنا العدو فإننا نرأف به ونتمسك بما قيل (عن العادات والتقاليد العربية الأصيلة) فنحترم الأسير ونكرمه ونعتبره ضيفا مع انه يقاتلنا بكل عنف ورذالة.. واكثر ما يبدو ذلك واضحا في موضوعة الشرف واللاشرف.. على شرف الكلمات المنمقة.. فنحن سارقون إذا أقدمنا على السرقة.. ولكننا شرفاء إذا لم يكن لدينا شيئا نسرقه.. وقد يمضي الإنسان العربي عمره كله في مؤسسة تجارية مثلا ثم يخرج منها بخفي حنين.. وعندما تسأله عن ماذا أثمر في رحلته الطويلة يقول لك بكل فخر: الحمد لله.. لقد خرجت نظيف اليد كما دخلت أول مرة.. وتبحث عن (نظافة يده) فتجده في موقع لا تطال يده فيها النقود أو العينيات.. والا لفجر..

كثير ما يمكن أن يقال.. وقليل ما يمكن أن يدرج تحد قائمة النظافة.. ولكننا مع كل ذلك الظلام الدامس وعدم وضوح الرؤية يمكن أن نقول بان فينا من لا يزال يؤمن بان قد قسم الأرزاق فلا يأخذ من هذه الحياة إلا بالقدر الذي سطر له.. ولكن أولئك اندر من العملة الصعبة في بلاد ما بين النهرين وقت الحرب.

ان الجيل الجديد الذي يأكل نفسه ويأكل الاخرين ربما كان فيه بعض الخير.. رغم ما فيه من شرور.. فالدنيا تسير ولا تتوقف. وان كان فيها الخير والشر فقد وجدا منذ بدء الخليقة. ولا يعقل ان يكون الشر فينا نبراس حياتنا.. فلم نزل نقول بان الخير ابقى وانقى.. وربما.. ربما كان ذلك من نافلة القول..

وقد يقول البعض ان الكاتب يعظ.. ولكني يا سيدي.. بي كل ما ذكرت حتى لا اتعرض للنقد الجارح.. فمتى يمن الله علينا بالستر.. والى لقاء آخر مع طوبز.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى