شيء من خيالي
أصدرت الشاعرة المصرية الشابة شدوى رمضان كتابها الأول والذي حمل عنوان"شيء من خيالي".. احتوى الكتاب على مجموعة من الأشعار التي خرجت من قريحة الشاعرة بتلقائية شديدة وبقوة أبت بها الا يولد اسمها إلا قويا حتى تستطيع الصمود في الساحة الشعرية التي لا شك تلفظ أولا بأول أصحاب وصاحبات النظم الضعيف والقصائد غير القوية.
بدأت الشاعرة كتابها بإهداء يدل على ولائها الجم لرفيق دربها وحبيبها والدها الذي كان سببا في تشجيعها لخوض هذا المضمار ولولاه ما كان سيرى كتابها الأول النور:"إلى رفيق دربي ونور قلبي.. إلى حبيبي وخليلي.. أبي الحبيب أهديك كتابي الأول"
وفي مقدمة الكتاب كتبت الشاعرة شدوى تقول:
"لقد عشت مع هذا الكتاب لحظة بلحظة.. وكلمة بكلمة كل إحساس كان من الممكن أن يصلكم هو إحساس حقيقي استوحيته من تجارب ومواقف اقربين كانوا أو غرباء.. أو من قصة رسمتها بخيالي ولونتها بإحساسي.. وعشت معها حتى النهاية.. عندما كنت أكتب كنت أعيش في عالم غير العالم.. وأتمنى أن أُعيشكم معي في عالمي لأن الإحساس ما هو إلا شعور يصلك.. عندما يلمس الآخرون قلوبكم.. وأتمنى أن أكون أنا واحدة منهم."
.. تقول الشاعرة شدوى رمضان كتكملة لمقدمة كتابها:
إلى كل من جرحني وسكببدلا من دموعي أشعاراإلى كل من ألهمني.. لحظة.. موقفا.. لأكمل بها مسيرة الأفكاراإليكم جميعا لتقرأوا شيئا من خيالي لتسيروامعي في أعماق روحي...
ولا شك في أن تلقائية الشاعرة"شدوى رمضان" وقوة أسلوبها ونظمها الجيد لقصائدها يجعلنا نتجول بين طيات وصفحات كتابها بلهفة وشوق لأنها أرادت أن تجعل من أشعارها بمثابة رسائل موجهة لقرائها تقصد أن تقول في كل منها:"أنا هنا.. شاعرة أولد قوية وسأظل".
ففي قصيدة"ارجعيلي" كتبت الشاعرة في تصوير بلاغي جميل يكتب لها وينم على موهبتها تقول:
مريضا.. عاشقا.. ولهانا.. مجنونااسميني مثل ما تسمينيفأنا كل يوم أغرق في بحرك بحرالعشق المريرأغرق وأغرق بعمق.. حتى لفظتروحي أنفاسها لكهل من منقذ؟؟
وتستطرد الشاعرة في تصوريها الجمالي حيث تقول في قصيدة"أتذكرُ" باكية على"الأطلال" وبقايا الحب الذي كان:
أتذكرُ يوم أن بنيت لي قصرا من اسهم الشمس ذهبيا؟وحفرت لي في قلبك مكانا ورديا؟أتذكرُ يوم أن ذهبنا لنودع غروب الشمس سويا؟يوم أن عانقتني وقلت لي: لن اسمح أن تكوني لبشر غيري جنا كان أو إنسياأتذكر يوم أن عاندت العالم من أجل أن أكمل عهدنا الوفيا؟يوم أن بكيت من أجلك وقلت لهم: لا أريد أحدا غيره هو وحده حبيبيهو وحده آمرا لي.. وكلامه مسموعا منهياأتذكر يوم أن صدمتني وقلت لي يوم أنهيت لعبتي الدنيه.
وفي قصيدة مؤثرة أتقنت الشاعرة بناءها كغيرها من قصائد كتابها نادت الشاعرة أمها بحب وحنان وقلب دامع بقولها:"عودي يا أمي"
عودي يا أمي عودي سأفرش لكالأرض بستانعودي يا أمي عودي سأنزعُ من نفسيوأعطيك.. سأتحدى معكعواقب الزمانعودي يا أمي.. واطلبي ما شئتِ من ماسٍ.. من مرجانعودي قبل أن تُحرقني الدموعويؤلمني الاشتياقعودي لأعود لحياتي فلا شيء الآنيُلزمني على البقاء.
وفي قصيدة"حب لا يرى الشمس".. كتبت الشاعرة بقلمها الجميل والمبدع وبوصف دقيق مُبهر:
دعني أتخيلك كما اشاءدعني أمحيك من ذاكرة آلاف النساءدعني أهرب معك في أحلامي كل مساءحبيبي هل تسمحُ لي أن أتخيلك كما رغبتأن أسرح معك في أحلامي كما شئتفحبنا حب لا يرى الشمسحبنا حب كله آهاتٍ وهمسفدعنا نرحل إلى عالم الخلوددعنا نخلق لحبنا شمساً نورها نورُ بلا حدودأيخجل العاشق أن يعزف اسم حبيبته على أوتار العود؟
ولأن الشاعرة شدوى رمضان تدرك أن الأمومة ليست هي أن تُربي الأم وتسهر فقط بل أن هذا مجرد جزء من الأمومة.. ولكن الأمومة الحقيقية أن نفهم مشاعر أبنائنا ونتعايش مع أرواحهم، فكتبت قصيدة"أشعُريني":
أشعُريني.. أشعُريني بالأمانولا تجعليني ألجأ لذئاب الزماناشعُريني يا أيتها الأم الحنونأم هو لقبٌ لقبوه لك لتدخلي الجنه دون عناءٍ أو ظنونأشعُريني فلم يعد هناك الوقت لتُعاتبيني أو تُجافينيفحرامٌ عليك ارحميني فأنا لا أريد منكغير ضمة الحبيب المجنوناشعُريني قبل أن يفوت الوقتونندم ونقول ما ليت الذي كان
وفي قصيدة"شيء من خيالي" وهي القصيدة التي أخذت الشاعرة من عنوانها عنوانا جميلا لكتابها الأجمل.. قالت الشاعرة:
أنت عالمي الثاني الذي اهرب إليه من واقعي المريرهناك أجد الحب.. أجد الأملعالمي هو خيالي.. بدونه لا قدر على أن أكونالخيال هي المملكة الوحيدة التي تمتلكهاأن تفعل بها ما شئت وقت ما شئتكلنا نحلم وثلث أحلامنا نحققها في الخيالكلنا نبني ويبنى معنا الخيالما أجملك يا خيالي تحقق لي ما شئت وقت ما شئت
وإذا كانت الشاعرة قد نجحت في التصوير البلاغي في قصائدها فهي لا شك قد نجحت أيضا في السباحة بأسلوبها داخل الكيان النفسي والوجداني كي يتعايش معها القارئ قلبا وقالبا حيث كتبت في قصيدة"لما أتيت الآن" تقول:
لما أتيت الآن؟؟أتيت بعد مرور الزمان.. بعد انحرقني الشوق وغلبني الحنينبعد أن بكيتُ عليك سنين وسنينأين كنتَ عندما كنتُ أناديك ولا تسمع؟لا عاد شيء يا حبيبي الآن لك يشفعلا عاد الشوق يا حبيبي ينفعلقد قررت أن أنساك.. ان أعاند قلبيوأعاند هواكرُغمَ أني لم أرَ من العالم أحدا سواكهاك روحي.. هاك قلبي هاك كلشيء فيني فداكلكن أتركني أنا والسنيناتركني لقدري الأليماركني حتى أقدرُ على أناكمل حياتي بسلاملن أعيش وسط عيون العالم بأماناتركني أنا والحياة.. والله وحده المستعان.
مجمل القول أن كتاب"شيء من خيالي" للشاعرة شدوى رمضان يعد بمثابة نبتة جميلة لشاعرة تلقائية نجحت في جعل القاريء لا يشرعُ في قراءة أول قصيدة منه فلا يتركه إلا بعد أن يفرغ من قراءته كاملا من فرط البناء الجمالي للقصائد التي كتبتها الشاعرة بحرفية شديدة وموهبة مكنونة تنم على أننا أمام شاعرة شابة ينتظرها مستقبل مشرق في عالم الشعر.
"شيء من خيالي" كتاب الشاعرة شدوى رمضان جاء في 119 صفحة من الحجم المتوسط يتصدر الكتاب غلافا رائعا يغريك على أن تقرأ ما بداخل الكتاب.. احتوى الكتاب على عدد من القصائد المشوقة والجميلة والرائعة.. فبالإضافة إلى ما سبق عرضه نجد منها:"حبيبي يا الله"،"أريد أن أحب"،"أنا لست كالنساء"،"بالأمس كنا"،"وداعا يا كل حياتي"،"الحب المدفون"،"الحضن الأخير"،"نداء"،"وطني"،"بيروت"،"غروب الشمس"،"غزة"،"يا قدس".. وغيرها من القصائد والأبيات المتفرقة والتي جمعتها الشاعرة تحت عنوان"مقتطفات".
"شيء من خيالي" كتاب بالفعل يمكن أن يُطلق عليه وصف"الكتاب الجميل" الذي أبت صاحبته إلا ان يولد به اسمها قويا وسيظل كذلك إذا بذلت المزيد من الجهد والإجتهاد حيث أنها تمتلك الأسلوب الجميل والمحسنات اللفظية المتميزة والدافع الداخلي الذي يحضها على التفوق والنبوغ دائما.. هذا إلى جانب ما تتمتع به من موهبة قد تجعلها يوما ما إحدى شاعرات المقدمة والصف الأول في عالم الشعر الذي لا يعرف إلا القوي ويلفظ الرث دائما.
"شدوى رمضان".. شاعرة ينتظرها مستقبل مشرق وضاح ولكن عليها أن تعمل وتجتهد وتبذل قصارى جهدها ولا تتقاعس حتى يكون مستقبلها اكثر إشراقا وأكثر سطوعا وحتى تكون شاعرة اكثر نجاحا وتألقا خاصة وأنها تمتلك المقومات والمعطيات العديدة التي تؤهلها لذلك.. ولا يختلف اثنان على هذا.