علي الوردي والمنطق الجدلي
كأي باحث او مفكر متخصص في دراسة أحوال المجتمعات البشرية لتكوين استنتاجات نظرية عامة، أهتم عالم الاجتماع العراقي الراحل علي الوردي مبكرا بالفلسفة، هذا الميدان المعرفي الذي ولد علم الاجتماع فيه اصلا. بل ان اهتمامه به فاق بكثير في رأينا مثيله لدى كافة نظرائه العراقيين والعرب من علماء الاجتماع. وهذه الحقيقة التي تعلنها كتاباته اجمالا، كنا نحس به سلفا نحن طلاب الفلسفة في نهاية السبعينات بجامعة بغداد عندما، بين حين وحين، كان الوردي يتوقف للتحدث معنا، وهو في طريقه الى قاعة التدريس. اذ كان بعضنا يشعر من خلال ملاحظات الوردي وتعليقاته العابرة وابتسامته الدمثة والخفية في آن، بانه اقرب الينا من زملائه الآخرين بما فيهم بعض اساتذتنا، وهذا ما تأكد لاحقا على اكثر من صعيد. لكن علاقة الوردي بالفلسفة تحتاج الى دراسة اوفى من هذه الصفحات العجولة.
ونلاحظ من البدء ان اهتمام الوردي بالفلسفة كان في مجال علم المنطق حصرا، وانتقائيا على العموم، علاوة على انه أخذ طريقه الى النضوب مع مرور السنوات بفعل استغراق الوردي في دراسة وتسجيل الظواهر الخاصة بالمجتمع العراقي الحديث وتأريخه على حساب الفكر المحض. اذ نحن نعتقد ان الاهتمام المتعمق بالفلسفة لديه اقتصر على فترة ما قبل 1960، فيما كانت تغذية وتفعيل منهج تبلور خلالها ويمكن تسميته بـ "الجدلي"، هي ربما الاضافات الاساسية الوحيدة في الفترات اللاحقة على ذلك.
هذا المنهج ومصادره وعناصره في تعليل تلك الظواهر تعكس تأثرا معلنا بالمنطق الخلدوني في فرضيته المركزية عن صراع البداوة والحضارة. بيد ان فرضياته المحورية الاخرى، لا سيما ازدواج الشخصية والتناشز الاجتماعي، تتضمن ايضا ودون استثناء، مفهوم التناقض والصيرورة، الامر الذي يسمح بالاعتقاد بان مصدره عنده لا يقتصر على منطق ابن خلدون انما يعكس تفاعلا ما، وعن بعد على الارجح، مع فلسفات جدلية حديثة وخاصة الهيغلية وربما الماركسية ايضا.
ويعزز هذه الفرضية كونه اعتبر هيغل "من اعظم الفلاسفة الذين ساهموا في انشاء منطق الصيرورة الحديث"، لأنه "بنى نظريته على اساس ان التناقض اصيل في طبيعة الاشياء، وبهذا هدم جزءا كبيرا من المنطق القديم الذي قام على اساس عدم التناقض"، ولأن من رأيه ان "الشيء لا يمكن ان يقوم بذاته حسبما يقول به مبدأ الماهية، انما لا بد ان يحتوي على نقيضه في صميم تكوينه، وبوجود هذا التناقض في تكوين الشيء يظهر عليه التغير والصيرورة. وهذا هو الذي جعل الكون في حركة متصلة لا تهدأ ابداً"(1).
ومن المرجح في نظري ان ضعف اهتمام الجامعات الامريكية والانگلوفونية عموما آنذاك بدراسة فلسفتي هيغل وماركس، (ولأسباب ايديولوجية متباينة لها علاقة بتداعيات الحرب العالمية الثانية)، هو السبب المباشر الذي حرم الوردي من التعمق بدراسة مؤلفات اساسية لهما لا سيما النصوص ذات العلاقة بالديالكتيك. صحيح ان نقل مفاهيم الفلسفة حرفيا الى ميدان علم الاجتماع او الى غيره من المجالات ليس ممكنا او خلاقا بالضرورة. الا أن الديالكتيك الهيغلي يماثل الجدل الخلدوني في فلسفة التاريخ، ولا سيما في القضايا التي تمس التطور الدوري في نشوء وانهيار الدول والحضارات وفهم اسباب ظاهرة العمران البشري وديناميتها وغيرها من المحاور التي يخبرنا الوردي بأن المنظور الخلدوني كان فيها محط اعجابه.
منهجية جديدة:
ومهما يكن الامر، فان اكتشاف الوردي لمنطق ابن خلدون هو العامل الاعظم في النقلة الكبرى التي حققها فكره اللاحق على انجاز اطروحته الجامعية، اذ منحه على الاقل منهجية جديدة عمقت اصالته التي اثراها استخدامه الواعي والعنيد لتلك المنهجية في البحث الاجتماعي كما في استنتاجاته التي مال الى بلورتها بصيغ نظرية. هذه المنهجية الجدلية تأخذ من المنطق الفلسفي طاقته التدميرية للبنى الدوغمائية، لكن دون قوانينه المنتجة للتوليفات الجديدة وبالتالي للتطور في التاريخ (او في المجتمع).
ويعزز اهمية اكتشافه لمنطق صاحب "المقدمة" علمنا بان اهتمام الوردي به ليس جديدا انما يعود الى ايام الدراسة العليا. فهو من جهة خصه بالقسط الاوفى في رسالته لنيل الدكتوراه من جامعة تكساس عام 1950. وهو من جهة اخرى ظل لاكثر من عشرة اعوام اخرى مولعا به، وبكل ما يظهر حوله من كتب ومقالات كما اكد بنفسه. لكنه لم يكتشف الا لاحقا انه ظل غافلا عن "الناحية المنطقية"، قبل ان يتساءل: "أكان ابن خلدون يجري في تفكيره على منهج المنطق الارسطي الذي كان فلاسفة الاسلام يجرون عليه ام انه ابتكر لنفسه منطقا جديدا خاصا به؟"(2).
هذا السؤال هو التأسيس الاول لمنهج علي الوردي الخاص في علم الاجتماع برأينا. وهو منهج قائم منذ البدء على استنتاج مفاهيم نظرية مؤسسة على الاستقراء، وليس انتاج مباحث تطبيقية او تربوية او تأريخية، الامر الذي خلق لديه لاحقا طموح تجاوز المنطق بصيغته الخلدونية بحثا عن صيغ اكثر حداثة وتعقيدا. فهذا الهم جلي وقوي في اكثر من مجال من الفكر الاجتماعي لعلي الوردي برغم ان نجاحه في تحقيقه ليس مؤكدا.
وواضح ان اطلاعه على كتاب عن فلسفة التاريخ عند ابن خلدون صادر بالانكليزية في عام 1957 للمفكر الفلسفي العراقي محسن مهدي، كان السبب المباشر في اكتشافه لأعماق منطق ابن خلدون. اذ يمتاز هذا الكتاب بكونه اول بحث من نوعه يدرس الناحية الفلسفية والمنطقية في النظرية الخلدونية حول العمران البشري، بعد ان كان الباحثون قبل مهدي لا يشيرون الا الى الناحية الاجتماعية منها. والوردي يسجل تقديره الصريح لهذا الكتاب واعجابه بمحسن مهدي (المجهول في بلاده لكن الشهير عالميا كاحد ابرز مؤرخي الفلسفة الاسلامية الاحياء)، وموافقته على الكثير من آرائه، الا انه يخالفه جذريا في القول بأن ابن خلدون جرى في نظريته الاجتماعية على نفس المبادئ المنطقية التي جرى عليها افلاطون وارسطو ومن تابعهما من فلاسفة الاسلام.
وهكذا وبينما يرى مهدي ان ابن خلدون لم يكن سوى تلميذ مخلص للفلاسفة القدامى، لا سيما لأبن رشد، وانه بنى علمه الجديد على نفس الاسس التي بنى اولئك تفكيرهم الفلسفي عليها، حيث لم يجد حاجة الى تغيير تلك الاسس او التشكيك بصحتها، يرى الوردي ان ابن خلدون كان ثائرا على الفلسفة القديمة بوجه عام، وعلى المنطق الارسطي بوجه خاص. والدليل هو انه لو كان سائرا على نفس المنهج المنطقي الذي سار عليه الفلاسفة قبله "لما استطاع ان ينتج لنا علما جديدا". ففي ظن الوردي ان "الابداع العظيم الذي جاء به ابن خلدون نشأ عن كون هذا الرجل قد استطاع ان يتحرر من المنطق القديم وان يتخذ لنفسه منطقا جديدا"(3). ومن هنا تتأتى ظاهريا لديه ضرورة كتابه "منطق ابن خلدون" باعتباره الاهم في هذا الشأن.
الا اننا سرعان ما نكتشف ان الوردي يستخدم هذا الكتاب لطرح منهجه الجدلي ضمنا. بمعنى انه يصبح بمثابة وسيلة مبتكرة يلجأ لها عبرها الوردي الى توظيف منطق ابن خلدون لصالحه. كما لو ان انتقاله هو ذاته الى ميدان الفلسفة يصبح تعويضا عن الاخفاق في سحب ابن خلدون الى ميدان علم الاجتماع. وهكذا فأهمية ابن خلدون في العصر الحديث تظهر لديه اكثر ما تظهر في انتقاده مبادئ المنطق القديم من حيث تطبيقه على ظواهر الحياة الاجتماعية والمادية حصرا وليس الروحية او الميتافيزيقية. وهذه الظواهر هي الصراع والتناقض والتغير والصيرورة انما في الحياة الاجتماعية الواقعية ذاتها، وهي وحدها. الامر الذي يستلزم سلفا كسر المنطق القديم.
يستهل علي الوردي كتابه هذا بالتأكيد على انه سيدور حصرا على نظرية المنطق عند ابن خلدون بعد ان يعده من "اعظم المفكرين في العالم" و"يشبه فلاسفة العصر الحديث شبها لا يستهان به" لأعتبارين اولهما انه اول من درس المجتمع البشري بطريقة واقعية، والثاني لان نقده للمنطق الصوري او الارسطي "لم يكن نقدا بسبب التعصب انما بسبب دعوته الى منطق جديد منسجم مع المنهج الاجتماعي الواقعي والحقائق التاريخية".
فالمفكر حسب الوردي، كلما كان اكثر تحررا من قيود المنطق القديم كان اكثر ابداعا في تفكيره، فيما يثبت الواقع ان العلوم الحديثة كلها، الطبيعية منها والاجتماعية، "لم تستطع ان تنمو هذا النمو العجيب الا بعد ان بدأ فرانسيس بيكون بثورته المعروفة على المنطق الارسطي والتراث الفلسفي القديم". لذا فهو يعلن الثورة على مفهوم المنطق التقليدي في المنظورات الاجتماعية الموروثة هذه المرة. وهذا ما يفسر ربما البعد النقدي وحتى السجالي الذي يطبع لغة الوردي وتحليلاته لا سيما حيال بعض معاصريه من الباحثين او الدعاة الذين يجادلون معتمدين "على ما لديهم من اقيسة منطقية قديمة يصولون بها كما يصول المحارب بسيفه البتار"، غير مدركين ان المجتمع، وكما قال ابن خلدون بداهة، "يراد له منطق آخر غير المنطق الاخير"(4).
لكن المجتمع الملموس هو "الكون" الذي يهم الوردي ونظريته الاجتماعية. وهذا الكون "عبارة عن منظومة متفاعلة من العلاقات والمصالح، وهو في صيرورة دائبة وتغير مستمر"(5). ليس هناك، استنتاجا، حقائق فلسفية بالمعنى التأملي للكلمة انما "مواقف" او "انماط من التفكير" حياتية تفرزها تلك الصيرورة من صراع العلاقات والمصالح في المجتمعات الفعلية. من هنا هذا النقد الحاد للفلاسفة الاغريق الذين كانون "يعيشون في معزل عن الحياة" لأنهم "كانوا في الغالب من طبقة الاسياد اصحاب العبيد. ويصدق هذا بوجه خاص على افلاطون وعلى تلميذه ارسطو الذي تم على يده وضع المنطق". ورغم ان الوردي لا ينكر عظمة هؤلاء الفلسفة في تاريخ الفكر البشري نظرا لانهم اول من خرج بالفكر البشري من مرحلته "الخرافية السحرية الى المرحلة المنطقية المنظمة"، الا انه لا يلبث ان يدينهم، ومن خلالهم نظرائهم المسلمين، على اساس ان "تنظيمهم للفكر كان طوباوياً اكثر مما كان واقعيا، فهم قد افادوا الفكر من ناحية واضروا به من ناحية اخرى" (6).
السفسطائيون هم الواقعيون الاحرار بالمقابل الذين يفضلهم الوردي على افلاطون وآرسطو، ويتألم لخسارتهم المعركة ضد الفلاسفة الاسياد. تلك الخسارة التي كانت "من الاسباب التي جعلت التفكير الاجتماعي الواقعي نادرا في تراث الفلسفة القديمة. فقد ظلت الفلسفة القديمة تلك مشغولة عنه بما وراء المجتمع والحياة من افكار مطلقة. واذا تنازل احد الفلاسفة فنظر في امور المجتمع، اخذ ينحو في ذلك منحى طوباويا وعظيا، اي انه ينظر في "مايجب ان يكون" لا في "ما هو كائن فعلا"، كما فعل افلاطون في جمهوريته، او الفارابي في مدينته الفاضلة"(7).
ها نحن امام نفس هاجس تصفية الحساب مع الفلسفة التأملية (او اذا شئنا المثالية) الذي يضمره المفكر الاجتماعي في كل زمان ومكان تحت ذريعة ان "الانسان هو مقياس الحقيقة" في نظره، الذي يعني في وجهه الآخر الحط من ضرورتها كنشاط بذاته. وهكذا، فالفارابي في مدينته الفاضلة يضع لصلاح المدينة وسعادتها شرطا لازما هو حسب الوردي ان "يكون لها رئيس كامل في صفاته المختلفة" ليتساءل بغضب: "من اين جاء الفارابي بهذا الشرط اللازم؟ انه جاء من مقدمة اختلقها اختلاقا ثم قيّد تفكيره بها فلا يستطيع ان يحيد عنها. انه يقول: ان المدينة الفاضلة تشبه البدن الصحيح، ولما كان العضو الرئيسي في البدن هو القلب وبصلاحه تصلح بقية الاعضاء، فلا بد ان يكون في المدينة الفاضلة رئيس فاضل كذلك، والا فان المدينة تسير في سبيل الهلاك"(8).
فالوردي يرفض التشبيه بين المدينة والبدن كما عند الفارابي. ويرفض الاستدلال بالاحوال الظاهرة على الاخلاق الباطنة كما عند فخر الدين الرازي. كما يرفض المنطق الصوري الارسطي جملة وتفصيلا. لكن له مع المنطق الجدلي شأن آخر: "يوصف المنطق القديم احيانا بانه "منطق الكينونة"، وذلك بالمقارنة الى منطق العلم الحديث الذي يوصف بانه "منطق الصيرورة". فالكون كله، بمختلف ظواهره، ينظر اليه باعتباره في صيرورة دائبة وتغير مستمر. "ونحن لا نستطيع ان نفهم الاشياء فهما واقعيا الا اذا نظرنا اليها بمنظار التغير والصيرورة"(9).
لكن كان يجب انتظار ابن خلدون كي نصل الى "منطق الصيرورة" هذا الذي احتاج تبلوره الاخير سيرورة طويلة ومعقدة من الصراع بل القتال داخل تاريخ الفلسفة الاسلامية ايضا، بدءا بالشكاك المسلمين الذين استهانوا بالمنطق الارسطي باعتباره اداة للخمول مبشرين بان "كل ما ثبت بالجدل فبالجدل ينقض"، ثم بالجاحظ في نظريته عن محدودية العقل في تفكر الحقائق الخارجية رؤية صحيحة تامة، واقترابه من القول بـ "اجتماعية المعرفة"، ثم بالغزالي في قوله بقصور البرهان المنطقي عن ايصال الانسان الى اليقين بالقضايا الالهية والروحي ناكرا بهذا مبدأ العقلانية والسببية، واخيرا بابن تيمية في نزوعه لنقض المنطق اي نقض الاصل الذي يقوم عليه الاستنباط المنطقي والقياس، وبالتالي التشكيك بصحة الكليات العقلية العامة على اساس انها غير ضرورية ولا بديهية الوجود الخارجي انما في الذهن فقط وان العلم الحق بالتالي هو الذي يستمد حقائقه من الاشياء الجزئية المتعينة لا من الكليات الذهنية، مما يجعل ابن تيميه في نظر الوردي يشبه في هذا فرانسيس بيكون وجون ستيوارت مل نظرا لتفريقه بين الامكان الذهني والامكان الخارجي.
هذه المنجزات الجدلية الاربعة قادت في آخر المطاف الى فصل المعرفة البشرية الى روحية وطبيعية، كلاهما لا يحتاجان الى المنطق والقياس المنطقي. الاولى لان الدين مصدرها، والثانية لانها تجريبية وملتصقة بالواقع الجزئي اكثر مما هي قياسية او استنباطية. وهي بهذا الفصل اسست المنهج الاستقرائي الواقعي الذي سنجده عند ابن خلدون بصيغة اكثر تطورا قادت بدورها الى تأسيس المنهج الوضعي الاستقرائي في علم الاجتماع وهذا قبل اوغست كونت.
من الفلسفة الى علم الاجتماع:
لكن انتقال الوردي الى بيت الفلسفة ظل قلقا وخارجيا ولم يستمر طويلا بعد اكتشاف ابن خلدون. وهذا ما يفسر تراجعه والسعي بالمقابل الى سحب الاخير معه الى علم الاجتماع حصرا ومعه حتى فيكو ومونتسكيو وهيغل وماركس الذي سينعتهم بـ"رواد علم الاجتماع في العصر الحديث"، بعد ابن خلدون. فحسب الوردي يجب دراسة علم الاجتماع الخلدوني ليس من جهة نظرية عقيمة كما ندرس العلوم العتيقة كطب الرازي وتنجيم الطوسي وكيمياء جابر ابن حيان، "انما من جهة عملية تنفعنا في عصرنا هذا، لا سيما في دراسة مجتمعنا الراهن. فنحن اذن نقارن بين احوال المجتمع العربي ايام ابن خلدون واحواله في ايامنا، نجد شبها كبيرا"(10)، على اساس ان الصراع الدائم بين البداوة (مجتمع حركي) والحضارة (مجتمع سكوني) هو محور النظرية الخلدونية.
والحال ان المعضلة هنا ليست فقط في نقل ابن خلدون من الفلسفة الى علم الاجتماع حصرا، انما في تعيين وظيفة نفعية ملموسة لمنهجه أضألت بشكل قسري جذوة الجدل الخلدوني ذاته الامر الذي انعكس تاليا في فكر علي الوردي الاجتماعي. فنحن نزعم ان مفهوم صراع البداوة والحضارة يفقد عنده معظم تلك الحيوية المفتوحة على المستقبل التي نجدها في الاصل الخلدوني ذاته. وفي كل الاحوال، اننا لا نستطيع ان نرى ابن خلدون، (وايضا فيكو ومونتسكيو وهيغل وماركس)، محض رائد في علم الاجتماع بينما هو اقرب الى فيلسوف تاريخ منه الى اي شيء آخر: انه اول من دعا الى دراسة التاريخ كفرع من فروع الفلسفة، وبالتالي مؤسس "فلسفة التاريخ" التي نحدد اطارها بانه وعي ماهية الحضارة الإنسانية ككل، وكوحدة واحدة، مأخوذة في صيرورتها الزمنية الملموسة، المتحققة خارج الإرادة المباشرة للأفراد والجماعات فيما نحدد موضوعها بانه وعي جوهر الصيرورة وغائيتها، ليس في مجال الاجتماع وحده انما في كل المجالات الاخرى.
وبكلمة، ان الفكر النظري الخلدوني بالنسبة إلينا، فكر تاريخي في الصميم والمنطلق، رغم ما يتضمنه من معطيات ثرية وأصيلة في الميادين الخاصة بالعلوم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. فابن خلدون مؤرخ فكّر في الماضي قبل أي شيء آخر، وفي الماضي التاريخي بالذات. وهذا التفكير في التاريخ لم يؤسس نفسه على أرضية لاهوتية، كما عند القديس أوغسطين مثلاً، ولا على أرضية سياسية- أيديولوجية، كما لدى مونتسكيو، ولا على ارضية اجتماعية محضة كما يريده علي الوردي، إنما على أسس فلسفية جليّة، كما عند ارسطو او ابن رشد او هيغل وسواهم. صحيح أنه ليس فيلسوفاً «محترفاً» إذا جاز القول، كما هو الأمر بالنسبة الى هؤلاء، انما هو «مؤرخ يتفلسف» وحسب. ومع ذلك، فإن خلاصة أفكاره الخاصة، حول التاريخ، تفرض نفسها في شكل جدير بأن يؤخذ كنظرية في التاريخ فلسفية تماماً، وليس اجتماعية الا مجازا، لا سيما أن محاولته التعامل مع التاريخ، تعلن صراحة تحديدها للأخير كفرع من فروع الفلسفة.
لا شك أن افكار ابن خلدون في الـ"المقدمة" خاصة، تتضمن الكثير من الاستنتاجات والتصورات التي تسمح بالقول بانه مؤسس علم الاجتماع الحديث، كتأكيده في "المقدمة" بان «حقيقة التاريخ» هي استكناه «الاجتماع الإنساني الذي هو عمران العالم، وما يعرض لطبيعة ذلك العمران من الأحوال مثل التوحش والتأنس والعصبيات وأصناف التغلبات للبشر بعضهم على بعض، وما ينشأ عن ذلك من الملك والدول ومراتبها، وما ينتحله البشر بأعمالهم ومساعيهم من الكسب والمعاش والعلوم والصنائع، وسائر ما يحدث في ذلك العمران بطبيعته من الأحوال»(11). ونعرف أن عدداً من الباحثين والمستشرقين، لم يتردد في الاعتراف له بذلك، فذهب بعضهم الى اعتبار صاحب «المقدمة» بمثابة المؤسس الحقيقي للمدرسة الوضعية في علم الاجتماع، المنسوب تأسيسها عادة إلى أوغست كونت، أو إلى جعله رائد الميكافلّية، قبل ميكافلّي، في حين ذهب آخرون الى اعتبار ابن خلدون أسبق من ماركس في تأسيس النظرية المادية التاريخية ومترتباتها الفعلية. بيد أن هذه الآراء، ورغم الرصانة الأكيدة، والأرضية العلمية اللتين تعتمد وتتأسس عليها، تثير، في رأينا، إشكالات معقدة، لا تفلح في حلّها بشكل تام ونهائي. كما انه ليس مفهوما تماما التعامل الانتقائي الذي يخص الوردي به ابن خلدون في مجمل منظوره عنه مما اسفر، في واحدة من نتائجه المباشرة، الى جعل منطق الوردي جدلي في ظاهره فحسب، انما مسدود الآفاق وبلا دينامية تلقائية نظرا لانقطاعه عن بعديه الكوني والروحي في آن.
الوردي والجدل الهيغلي:
والى جانب معضلة المنطق الجدلي المغلق النهايات، هناك مشكلة ثانية يطرحها المنهج الجدلي عند علي الوردي وهي توقفه عند المعطى الخلدوني وحده. اذ انه يدهشنا، هو الليبرالي الفكر، في عدم اهتمامه عمليا بالفكر الديالكتيكي لدى ماركس مثلا برغم اعجابه البدئي بالفكر اليساري او لدى هيغل خاصة الذي يعتبره من اعظم فلاسفة منطق الصيرورة كما اشرنا.
والحال، إن اهتماما عميقا ونقديا بفلسفة هيغل لا سيما بمفهوميه عن فلسفة التاريخ والديالكتيك، كان كفيلا برأينا باغناء نظرية الوردي حتى في جزئها المتعلق بالمجتمع العراقي ايما اغناء، بل كان سيكفل تهذيب بعض جوانب جدلها الجامدة تلك. لكن الاهم من كل ذلك هو ان الاهتمام بهيغل كان سيغني حتى فكرة الوردي عن العبقرية الاستثنائية لابن خلدون وفكره. اذ كما بينا في دراسات فلسفية منشورة لنا عن "التاريخ والدولة ما بين ابن خلدون وهيغل"(12)، فان هناك تقاربات مثيرة بين «دروس» التاريخ الهيغلية و«العبر» الخلدونية، لا تقتصر على تحكيم العقل في قراءة صيرورة التاريخ الإنساني الفعلية، ولا على هاجس الشمولية والموضوعية النقدية في التعامل مع ظواهرها، ولا على المركزية الكبرى التي يمتلكها المفهوم الدوري في تفسير التاريخ لدى كل منهما على حد سواء، إنما نجد تلك التقاربات حاضرةً، أو هكذا نزعم، حتى في اسس المنهج الديالكتيكي والحركة المنطقية الداخلية التي تحكمه لديهما.
فتعريف هيغل لـ «فلسفة التاريخ»، لا يبتعد جوهرياً عن تعريف ابن خلدون لما يسميه «العلم الجديد»، بل يكاد يماثله. وهذا التماثل ينعكس اولا في أن معنى التاريخ هو العمران البشري، في كل جوانبه، وفي إطار زمنيته الأرضية، وبالمعنى الشامل الذي يوحي به مصطلح «شأن الخليقة» الخلدوني. كما ينعكس ثانيا في إن التاريخ لا يبدأ مع وجود الإنسان في الطبيعة، إنما فقط منذ دخوله مع أبناء جنسه في علاقة تقوم على أساس الحاجة المشتركة إلى تنظيم الاجتماع الإنساني (العمران المدني)، وليس فقط على رابطة الدم، أو إعادة إنتاج النوع في القفار والغابات. وثالثا في إن المشروع، الذي يهم فلسفة التاريخ الهيغلية، هو الكشف عن الماهية الخفية والعميقة، التي تنطوي عليها تلك الحضارة، أي الكشف عن ذلك الذي يدعوه ابن خلدون «باطن التاريخ»، ويدعوه هيغل «مضمون التاريخ».
اما بالنسبة للديالكتيك الهيغلي فانه يتجاوز الجدل الخلدوني بعيدا في مختلف مجالاته برغم اقرارنا بالاهمية الكبرى لمركزية موضوعة الصراع أو التناقض في فكر ابن خلدون، وأهمية ما ينتج من هذه الحركة، من معطيات جديدة في التاريخ، على صعيدي الدولة والمعرفة وبقية جوانب العمران البشري. صحيح «إن الموضوع الجدلي للحياة والموت، ولوحدتهما ولتعارضهما، والمرتبط وثيق الارتباط بتطور الكائن، منذ ولادته حتى نهايته، يحتل مركزاً كبيراً في مفاهيم ابن خلدون، إلى درجة ليس في مقدور المر الا يكون مأخوذاً بالطابع الجدلي لديه» يقول الباحث الفرنسي إيف لاكوست(13). بيد أن المنهج الجدلي الخلدوني محدود جداً، ومحكوم بمبدأ السببية من جهة، وعفوي وخارجي، إذا جاز التعبير، من جهة أخرى. بل أن الفصل المخصص لمفهوم الجدل في «المقدمة»، يبدو سطحياً، مقارنة بالطابع العميق لمعظم الفصول النظرية الأخرى.
أما عند هيغل، فإن المنهج الجدلي، يبدو كأنه العمود الفقري والقلب النابض لكل منظومته الفلسفية، وفي شتى جوانبها، التاريخية وغير التاريخية. ومع ذلك، فإن إمكانية استلهام هيغل للجدل الخلدوني، في موضوع التاريخ، تظل محتملة بالقدر الذي كان ابن خلدون أول من جعل النفي والتناقض مصدر التقدم في العمران.
ومن المفاهيم الهيغلية الاخرى التي كانت ستهم الوردي بشكل خاص نظرا لعلاقتها بنظريته الاجتماعية الى جانب تماثلها مع افكار خلدونية، نشير بشكل خاص هنا الى دور العصبية في العمران البشري، ومبدأ صراع البداوة والحضارة في المجتمعات، واسباب نشوء الدول والأطوار الطبيعية للدولة وسواها...
فبالنسبة للعصبية، نعرف، إن جنين الدولة، عند ابن خلدون، موجود بالقوة في إطار العمران البدوي، وينمو تدريجياً في خضم صراع القبائل وتناحرها من أجل البقاء. لكن العصبية لا تولد، بالفعل، إلا عندما تندفع قبيلة كبيرة ما، أو تحالف قبائل للاستيلاء، بالقهر والحرب، على أحد مراكز الحضارة. فهذه الوحدة، الموجودة طبيعياً بحكم علاقة الدم والنسب، لا تحقق وجودها الفعلي في التاريخ، الا عندما تتحول إلى طاقة متجهة خارج كيانها، يسميها ابن خلدون «العصبية»، وهي حالة من الروح الجماعية، ليست قوة أخلاقية، كـ«الفضيلة» عند ميكافلّي، كما أنها ليست رابطة عرقية، كـ«نقاء الدم» عند غوبينو، وأخيراً، ليست رابطة المصلحة الاجتماعية او الاقتصادية الذاتية المباشرة، كـ«الانتماء الطبقي» عند ماركس. إنما هي رابطة نسب، بالمعنى الواسع وحتى المجازي، لأن النسب، عند ابن خلدون، لا يستمد حقيقته من علاقة الانتماء القومي حصراً، انما من العلاقات المباشرة، التي تفرضها متطلبات ومعطيات ضرورة الاجتماع البشري. أي بالعلاقة التي تستلزمها المصلحة العامة للجماعة، في لحظة الاندفاع للاستيلاء على مكاسب المدنية.
هذه العناصر عينها، هي الرئيسية أيضاً في إمكانية ظهور الدولة، عند هيغل. اذ أن الظهور الأول للدولة لديه يتموضع في اللحظة التي تبلغ التناقضات في «البنى العائلية» نقطة، يصبح معها انفجارها محتماً، ويعبر عن نفسه في اندفاعة نحو الخارج، تتماثل بشكل مثير مع اندفاعة القبيلة البدوية عند ابن خلدون، لاكتساب الحضارة. ولعل ما يضاعف من هذه الإثارة، هو أن هيغل يعتبر القبيلة البدوية العربية تحديداً، بمثابة الجماعة الإنسانية الأولى، التي أطلقت حركة ولادة الدولة. وبالفعل، إن قبائل العرب البدوية، وكذلك التتر، هي بالنسبة إلى هيغل، أقوام ضالة في الاصل، غير مستقرة، وطبيعية، يحكمها مبدأ روحي عفوي، يجعلها خارج التاريخ، ما دامت مكتفية بحياتها البسيطة في صحاريها. لكن وبدون أن تتطور، هي نفسها، إلى مرتبة التاريخ، فإن هذه الشعوب لها، مع ذلك، قوة اندفاعية قادرة بفضلها على تغيير هيئتها: "إن ما هو خاص بها حياتها الضالة، غير الواعية، التي عندما لا تجري بطمأنينة، يمكن أن تتحول إلى أعمال نهب، مع التجمع أحياناً، في كتل كبيرة، تهاجم السهول»(14).
لكن هذه الهجمات تتمخض غالبا عن شكل أولي للدولة، سرعان ما يتطور، مكتسباً معطيات دولة الحضارة نفسها، التي قام الغزاة بتدميرها. إذ يرى هيغل أن بنية هذا التجمع المتحرك، هي بعد بنية بطريركية، «لكنه يترك نفسه يندفع في خوض حروب وغزوات داخلية وأيضاً هجمات عدائية ضد الشعوب الأخرى، التي يخضعها المنتصرون، أولاً، ثم يمتزجون فيها بعدئذ»(15). فلئن كانت هذه الكتل، لا تصل إلى مرحلة التطور وإلى اكتساب التحضّر الفعلي، فذلك لأنها «لا تكتسب الحضارة، إلا بعد استقرارها في السهول التي احتلتها، والتي تفقد طابعها الخاص. لكن الغزوات تكون قد أحدثت حركات هائلة، وأدت إلى ولادة الخراب والانقلابات في الشكل الخارجي للعالم»(16).
وهكذا، فمفهوم «العصبية» يتضمن في فكر هيغل ما يسميه «البنية البطريركية»، الخاصة بتلك التكوينات القبلية البدوية العربية أو المغولية، التي تغزو الحواضر. الا أن تلك البنية ذاتها تتأكد بشكل أكثر قوة وثراء، في مفهوم «روح الشعب» (volksgeist)، الذي يمثل أحد الأسس الجوهرية، في الفلسفة الهيغلية، حول الدولة وحول التاريخ الكوني إجمالاً. وتتمثل ماهية «روح الشعب» في أن «ما بينها وبين الأفراد، هي العلاقة نفسها التي بين الأجزاء والكل الذي هو جوهرهم»(17). إنها، إذاً، روح جماعية، تطبع جميع مظاهر حياة ونشاطية ذلك الشعب، بموجب المبدأ الخاص به، ومهمته التاريخية الموكلة إليه من قبل الروح المطلق.
على صعيد التاريخ الفعلي للدولة ايضا، هناك تماثل مدهش بين منظوري هيغل وابن خلدون، لا سيما من جهة تسلسل الأطوار الطبيعية لحياة الدول. فكلاهما يرى أن الدولة أشبه بالكائن الحي، يولد وينمو ثم يهرم ويموت، وأن التاريخ هو سلسلة متعاقبة من الدول، تمر كل واحدة منها في دورة تطور، تتضمن عدة حلقات تتوالى بشكل حتمي. اذ ان أطوار حياة الدولة، في المنظور الهيغلي، تقتصر على الأربعة التالية: طور ولادة الدولة وانطلاقها، وطور الشباب والرجولة، حين تبلغ الدولة تحقيق الهيمنة والازدهار وكافة الانتصارات الأخرى. وطور الكهولة والهرم، الذي تفقد فيه الدولة حيويتها السابقة، وهي أيضاً الفترة التي تبدأ فيها نهاية قوتها التاريخية، لمصلحة ضرورة انبثاق دولة جديدة، تحمل مبدأ أسمى، وتحت قيادة شعب تاريخي جديد. وطور المصير المفجع الذي هو موت الدولة وانقراضها.
من جهة اخرى أن التوالي في الأطوار الطبيعية للدولة عند هيغل، هو عينه تقريباً عند ابن خلدون. وهو لا يتعلق بتوالي سلسلة من المراحل الاجتماعية أو السياسية أو الأنماط الحضارية، إنما هو تتابع لمستويات في قوة الرابطة الجماعية، التي تقوم بفضلها الدولة. فكما أنها مرتبطة بدرجة قوة «العصبية»، عند ابن خلدون، فإنها مرتبطة بحال "روح الشعب"، عند هيغل، سواء بسواء. كما أنهما يشتركان في القول بأن سقوط دولة ما، يفضي، بالضرورة، إلى قيام دولة أخرى جديدة، وأن انهيار الدول والأمبراطوريات، ليس عرضياً، إنما نتيجة حتمية لمنطق التطور عينه.
اما اخيرا عن أهم جوانب العلاقة بين هيغل وابن خلدون في مفهوم توحش البدو، فنعرف أن جدالاً واسعاً، جرى حول تأكيدات ابن خلدون «أن العرب، اذا تغلبوا على أوطان، أسرع إليها الخراب. والسبب في ذلك أنهم أمة وحشية.. فصارت طبيعة وجودهم منافية للبناء، الذي أصل العمران»(18). أو أن العرب «أبعد الأمم عن سياسة الملك»(19)، أو أنهم «بطبيعة التوحش الذي فيهم، أهل انتهاب وعيث»(20). وهو رأي يعممه أحياناً، ليشمل الأتراك والتتر وكل الجماعات القبلية الكبيرة ذات «العمران البدوي».
هذه الأحكام عينها، نجدها لدى هيغل أيضاً. فبالنسبة إليه، ان العرب والأتراك والتتر، «نجحوا، بفضل الفتوحات، أن يبلغوا الهيمنة والثروات وحق العائلة المالكة في الهيمنة والروابط بين الأفراد. إلا أن كل هذا، لم يكن إلا عابراً ومشيداً على الرمل. لأنه يقوم في يوم، وينهار في الغد منه»(21). وذلك لأن هذه الشعوب البدوية، لا تبالي ببناء دولة أو حضارة، رغم كل مظاهر الحماس والقوة، التي تتمتع بها. فما تهتم به أساساً، هو نهب وإخضاع الشعوب المتحضرة، ولا تترك من أثر سوى «الخرائب والدمار».
بداهة، ان جميع هذه المفاهيم نجدها لدى علي الوردي في نظريته حول المجتمع العراقي الحديث بصيغ خلدونية او قريبة منها، انما بدون الصرامة المنهجية للجدل الهيغلي بل بدون المنهجية البدئية للمنطق الخلدوني. فهذه راحت تتراجع لدى الوردي مع مرور الوقت بسبب غلبة شغف الاستغراق في تجميع الحوادث وتدوينها وتحليلها في مؤلفات صارت اكثر فاكثر شهرة شعبيا بل عالميا بسبب روحها الغنية بكل انواع الجدل الا الجدل الفلسفي الذي توارى تماما في نهاية المطاف.
الهوامش:
1. علي الوردي، منطق ابن خلدون، ص 47.2. نفس المصدر، ص 12.3. نفس المصدر، ص 13.4. نفس المصدر، 14 – 15.5. نفس المصدر، ص 16.6. نفس المصدر، ص 17.7. نفس المصدر، ص 18.8. نفس المصدر، ص 35.9. نفس المصدر، ص 47.10. نفس المصدر، ص 244.11. ابن خلدون، المقدمة، دار الكتاب العربي، 1960، ص2.12. حسين الهنداوي، التاريخ والدولة ما بين ابن خلدون وهيغل، دار الساقي، 1996.13. ابف لاكوست، ابن خلدون – ولادة التاريخ"، بيروت، دار ابن خلدون، ص198.14. هيغل، العقل في التاريخ، بالفرنسية، 1965، ص75.15. نفس المصدر، ص222.16. نفس المصدر، ص273.17. نفس المصدر، ص 81.18. نفس المصدر، ص 26319. نفس المصدر، ص 267.20. نفس المصدر، ص 262.21. هيغل، دروس فلسفة التاريخ، بالفرنسية، 1954، ص 226-227.