عن التغيير والإصلاح
يظن الكثيرون أن التغيير يكون باجتماع بعض الشباب ذوي التفكير الموحد وإقامة حركة أو اعتصام أو مظاهرة أو بإنشاء حزب سياسي وخوض معارك سياسية ومحاولة الوصول إلى دفة الحكم، أو أن بداية التغيير هو تغيير النظام القائم، وهذا كله على غير الصواب والذي جعلهم يستشعرون هذا هو اختناقهم لطول مدة الحكم مع سوء الإدارة مما جعلهم يرون في مجرد التغيير ولو كان للأسوأ منفذا يهدي إليهم ضوء شمس التحرر.
وهم في هذا كله واهمون، فليس ثمة ما يخلق فرقا بين النظام الحالي والذي يليه أيا كان إلا تغير الأسماء وبعض الأفكار والتوجهات لكن المحصلة واحدة فهذا المجتمع مزيج من أفكار ومعتقدات مختلفة لا تجمعها أي سياسة مهما طورت خاصة إذا كان الاختلاف عقديا، وما ظهور العلمانية والدعوة إلى دولة مدنية إلا نتاج لتيقن أهل الدين المتقنع بقناع الديمقراطية من أنها وحدها لا تكفي إلا بالتنكر لكل الأديان لأن الأديان بزعمهم تدعوا إلى العنف، فهذا نتاج ذاك.
وإن نحن شئنا أن نضع حزب مكان حزب فيستحيل أن تتوافق أهدافه مع كافة طوائف الشعب، فلابد حينها من أن يكون هناك معارضون، ويكون انتصار الأحزاب وسيطرتها غير خاضع لمحض الإرادة المتعقلة من الشعب بل لعمليات غسيل العقول التي تمارسها هذه الأحزاب، ولقلنا بهذا أن على العقلاء وإن كانوا قلائل أن يرضوا بالحاكم الفاجر إذا فجر أكثر الشعب لأنهم اختاروه، فزعم البعض أن الأمر متروك كلية للشعوب خطأ لأن الشعوب تتحكم فيها وسائل الإعلام فالمتحكم في وسائل الإعلام متحكم في الشعوب، فإن كان ثمة حزب يدعو إلى ترك الدين وتمكن من إيصال رسالته إلى شعب متمسك بدينه ظاهرا لا باطنا فأحاله إلى شعب يحارب هذا الدين لانتصرت هذه الفكرة قبل انتصار الحزب، ولعل هذا السبب وراء تخلفنا فغباء أن نسعى لمجرد التغيير، فالتغير ربما يكون للأفضل أو للأسوأ أو للمثل إلا تغير الأشخاص، فأين هي مرجعية التغيير؟، وكيف لنا أن نحكم بصحتها وبأفضلية هذا التغيير على غيره؟، ولهذا فإننا كمسلمين لا ينبغي أن نتحزب إلا إلى دين الله فإن التغيير لا يكون بالهمجية ولا بالديمقراطية ولا بشيء من هذا الهراء، وإنما يكون بما في كتاب الله من أوامر ونواهي.
فإن نحن أردنا أن نغير مجتمعنا إلى الأفضل لتدبرنا قوله تعالى "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم"، فليست المشكلة في حاكم حالي أو سابق أو آتي بل المشكلة في القوم الذين يخرج منهم هذا الحاكم أو تخرج منهم تلك الثلة التي تشكل حزبا يغير مفاهيم القوم فيصبح منه الحاكم، فعلينا أن نكون نحن من يغير المفاهيم الخاطئة التي يبثها أعداء الدين عنه من تخاريف وتضليل وتدليس وزعم أنه دين قاصر سياسيا وأنه غير مؤهل للقيام بشئون المسلمين وحاشا لله أن يكون النقص منه إذ هو الكامل تبارك وتعالى، بل ونسعى إلى إظهار محاسن هذا الدين وإلى تغيير أنفسنا ثم أهلينا ثم أسرنا ثم مجتمعاتنا وهكذا حتى نكون أمة واحدة يخرج منها حاكم يقيم حدود الله ويخافه فينا.
التغيير الحقيقي لا يكون حتى بتكوين أحزاب إسلامية والتنازع على السيادة كتنازع الكلاب على الجيفة، بل بتكوين أنفس مسلمة كالشموس تبعث ضوء هذا الدين فتنير قلوب من يتعاملون معها، فالتغيير بقوة الإيمان خير من التغيير بقوة الجموع في التظاهرات، وقوة السلاح في المعارك، وعلينا أن نعلم أن أصحاب الأحزاب أصحاب الأهواء كل بما لديهم فرحون ويظنون أنهم على الحق وأن غيرهم على باطل ونحن نعتقد يقينا أن الله هو الحق وما جاء من عنده وما جاء به نبيه يقول تعالى:
وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49) أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50).