الثلاثاء ١٩ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠١٣
بقلم
عودة الإنسان
في رحلتي الأخيرةِ إلى المكانِ الغابررأيت الأزمانَ تتعانقُ في شغفِوتدور كالعرائس في مراتعِ الأحلامتتساءل في استغرابِماذا جرى للضفائرِ الطويلةوالنساءِ الفارهاتِ في الفضيلةهذا مكانٌ لا يشبهُ المكانيبدو لزائرِهِ كأنه تاهَ بين جدران الزمانوكأن ساكنيه خرجوا للتَوِ من كهوفٍ سليلةأعينهم مبهورة من سطوع الشمسوخطواتهم بطيئةُ وقاماتهمُ ذليلةويبدو في عيونهمِ الذابلةِ الكليلةتخبُّطٌ واضحٌ وتداخلٌ بين الحبورِ والفضيلةفهم لا يرونَ قَدْرَ الناسِ في المروءةِ والعِرفانبل في كَثرةِ البنين وتطاولِ البُنيانوفي تسريحة الشَعرِ والحصافةوالدردشةِ بعباراتٍ صليلةوالصمتِ في مواطن الإفصاحِ والبيانوكلامٍ طويلٍ عن مآثر الآباء وأمجاد القبيلةهذا مكان مندثر بحَضْرَةِ اللئامفهم مَن وضعَ الحواجزَ عند تلاقي الدروبوهم الذين تناثرت أشلاؤُهم في زوايا الحروبوهم من رفعَ الأسوارَ الكسيرةكي لا تعودَ الخرفانُ من مشوارها إلى الحظيرةفتسرحُ بعيداً في مَرَاتِعِ الذئابأو تَسقُطَ في مجارفِ السيولوقِيعانِ البحيراتِ المغطاةِ بالذُبابفداخلُ السورِ مخصصٌ للغزلانِ والظِباءكي تلعبَ بأمانٍ في حدائق السِباعِ الأسيرةوتُرددَ تحت سمعها مبادئ الإباءأعوامٌ كثيرةٌ مضتْوأجيالٌ من الخِرفانِ تترى تبهرتْوالذئابُ لا زالت تصولُ وتجولوإذا جاعت تأكلُ الخرفانَ والجمالَ والخيولْلأنها أبيةٌلا ترضى أن ترى خرفانها بين أحضان السباعولأنها بفعلها هذاتؤكدُ رفضها جسارةَ الأسودوتنددُ بفسادها ونكرانها العهودوارتمائها في أحضان غزلان البراريوإدمانها النظر في عيون ظبائها الحوريةوالنومِ حتى الظهرِ في أحلامها الورديةإلى متى؟ تَسَاءلَ سكانُ المدينةإلى متى ترتعُ في أحيائنا السباع والنسور؟تأكلُ أرزاقنا وأحلامناإلى متى تنزِعُ الأملَ من جفونِ أطفالنا الندية؟وتزرعُ مكانه الخوفَ والرَدِيةوتُصِمُ أذاننا كي لا نَسمَعَ النداءوتخطفُ البصر من عيوننا بالأبخرةإلى متى نُسَاقُ إلى مراتعِ الذئابِ كالخراف؟ونحن الذين كنا لقرون مديدةنمشي بقامات أبيةونخطوا خطواتٍ سديدةوسيوفنا تتلألؤ تحت وهجِ الشمسِ الساطعةفتُعمي الأسودَ والنسورَ الكاسرةوتطرد الذئاب من الحقول بعيدا خلف الأكمةوتنتظر عودة القلوب المهاجرةاليوم زرت مرةً أخرى المكانورأيت الغبارَ يهوجُ مع اقتراب القافلةوالصراخَ يعلو من داخلِ الغبارتباً لكم أضعتم أعمارنا بانتظار المطرجففتمُ النبعَوأهلكتمُ الحرثَ والنسلولا زلنا بعد عقود من الوعود في خطرولازلتم عطشى وجوعى رغم تقادم السنينتشربون دماءنا وتأكلون وجوهناوها نحن نقول لكم وقد بدت من بعيدٍ الرابيةأما كفاكم كم شربتم من دماناأمضوا لشأنكم وحلوا أينما شئتملكن حلوا بعيدا عن سمانامن مرتعِ الخيولِ والخرفانهربت الذئابُ والنسورُ والغربانوعادَ إلى مكانهِ الإنسانيتكلمُ بلغةٍ فصيحةٍ واضحةِ البيانويزرعُ التينَ والزيتونَ والرمانويرعى الفضيلة لتحمل من جديدملامحَ الحضارةِ ومواطنَ العمرانوينادي مؤذنُ البلدةِحي على الفلاح حي على الإيمانحي على مستقبل يليق بالإنسان