غواية الماء
رواية السقوط في دلتا الثالوث المهيب «الحب، الموت، الغربة»
صدرت بعنوان «غواية الماء» الرواية الأولى للشاعر والناقد سامح كعوش، بالتزامن عن داري نشر «الغاوون» في بيروت، و"كنعان" في دمشق، بلوحة غلاف للفنان التشكيلي الإماراتي جلال لقمان، متناولةً في فصولها الأربعة، حالات المعاناة الإنسانية في تناقض الحياة وثنائيات الوطن/ الغربة، الحب واللا حب، الانتماء والتشظي، عبر مشهدية سردية متخيلة حيناً، ومستمدة من الواقع الذي عاشه بطل الرواية، بين لبنان وغرب إفريقيا، للاغتراب الذي يعيشه الإنسان اللبناني والعربي في إفريقيا، وتداعيات ذاكرة الغريب في محاولته استحضار الصور المحببة إليه من عوالم الماضي الذي يأبى إلا أن يشده بالحنين إلى مكانه الأول، أول منزل عبر تقنية الفلاش باك التي تبدأ الرواية باستعادة حادثة تحطم طائرة البوينغ اللبنانية في مطار كوتونو في غرب إفريقيا.
وفي كلمته في تقديم الرواية يقول الروائي الإماراتي علي أبو الريش " في هذه الرواية ينحت سامح كعوش في اللغة، وينحت في صخور أفئدتنا، فتسقط دماء الأبجدية الدافئة، في دلتا الثالوث المهيب، الحب، الموت، الغربة، وكأن بهذا المبدع أراد أن يستلف من نجمة السماء ضياءً، ليكشف به عتمة هذا الوجود، ويختزل الأسئلة، في سؤال أكبر يضع القارئ المهتم باستقراء ما بين السطور أمام خيار الثلاثي المتراكم في الوجود الواحد، الغربة في الموت، والموت في الغربة، الحب في الغربة، والغربة في الحب، الحب في الموت والموت في الحب، ورغبة الإنسان المجنونة في الجمع بين الأضداد كما هي فطرته القائمة على قانون نفي النفي وتصارع الأضداد، الموت والحياة، القوة والضعف، الحب والكراهية".
ويتابع أبو الريش "نحن إذاً أمام رواية خارجة عن مألوف الكتابة العادية، متناسقة مع الوجود، منحازة اللاشعور العظيم، هذا الكيان الضحل الذي يشكلنا، ويلوّن وجوهنا، ويرسم تضاريس شخصياتنا، ويدفع بشهوة الدماء بأن تمنح الحب روعته، وممنوعه الذي تخشاه الذات المتورمة، بخرافة الخوف من العيون".
ويضيف "القارئ معنيٌّ اليوم، بقراءة مثل هذه الأعمال الرائدة، لأنها تشكّل منحاه، ومنحناه، ومعناه، ومغزاه، الإنسان، رواية الحلم المقموع، رواية الصوت المكبوت، تفصح عن مجال الرؤية، والهالة المفقودة، هذه الرواية تهرب بالقارئ كما تحطب بصحرائه وعرائه، وتفضح تلك الأوطان المتعطشة لاستلاب الإنسان من انتمائه، ونمائه البشري، هذه الرواية تضع الحروف بنقاط بحجم الفجيعة، التي ألمّت بالإنسان العربي بالذات، وما أصابه من حالة الفراغ واستفراغ الكينونة في حلبات الصراع الأزلي من أجل إثبات الوجود، فأن يموت الإنسان على متن طائرة معدنية أو ورقية أو خشبية فالأمر سيان لأن الموت هو الأصل، في قيم وشيم هذه الأوطان، وأن تصبح الضربة بديلاً للبحث عن الحياة في الحب أو الجنس أو حتى المال، أمرٌ مفرغ يطرح السؤال الأكبر: ما فائدة أن نسمّي هذا وطناً، طالما بقي وعاؤه أضيق من ثقب إبرة، لا يتسع إلا لسمّ خياط أو محتال أو دجّال أو قوّال؟".
ويختم الروائي الإماراتي علي أبو الريش والمعروف بشيخ الرواية الإماراتية، بالقول: "نحن بحاجة إلى مثل هذه الأعمال الروائية كحاجتنا إلى أوطاننا التي غابت عنّا، وغيّبتنا، وانهالت تستوطن بعض الحرمان من أولويات الحياة، وعدة البقاء أحياء، كلّ ما أتمناه التأني في قراءة هذه الرواية، والتريث في تلاوة سطورها القليلة، وعدم التحرش ببعض العبارات التي قد تثير الحفيظة لكنها بحق، هي، سنام الجمل الذي منه تحتسي المفردة والحبكة شهوتها باتجاه الحياة، أتمنى أن تُقرأ هذه الرواية بعين المتذوق لجمال المفردة وينوع الجملة ونبوغ الفكرة".