السبت ٢٠ شباط (فبراير) ٢٠١٠
بقلم إبراهيم خليل إبراهيم

فلسطين

هذه القصيدة مشهورة بين الناس بأخى جاوز الظالمون المدى وهى للشاعر على محمود طه وتعد من أعظم ما كتب ولو لم يكتب سواها لكفته ووضعته ضمن قائمة الشعراء الذين ساندوا العروبة والإسلام وقد لحن وغنى الموسيقار محمد عبد الوهاب هذه القصيـدة المدويـة المستنهضة للعزائـم والهمـم فكانت نشيداً كاسحاً متوهجاً تردده كل إذاعات العالم العربي .. وتقول كلمات القصيدة :

أخي .. جاوز الظالمون المـدى
فحقَّ الجهادُ وحقَّ الفـِدا
أنتركهُمْ يغصبونَ العُروبــةَ
مجد الأبوَّةِ والســـؤددا؟
وليسوا بِغَيْرِ صليلِ السيـوفِ
يُجيبونَ صوتًا لنا أو صدى
فجرِّدْ حسامَكَ من غمــدِهِ
فليس لهُ بعدُ أن يُغمـدا
أخي .. أيهـــا العربيُّ الأبيُّ
أرى اليوم موعدنا لا الغـدا
أخي .. أقبل الشرقُ في أمــةٍ
تردُّ الضلال وتُحيي الهُـدى
أخي .. إنّ في القدسِ أختًا لنـا
أعدَّ لها الذابحون المُــدى
صبرنا على غدْرِهم قادرينــا
وكنا لَهُمْ قدرًا مُرصــدًا
طلعْنا عليهم طلوع المنــونِ
فطاروا هباءً وصاروا سُدى
أخي، قُمْ إلى قبلة المشرقيْـن ِ
لنحمي الكنيسة والمسجـدا
أخي .. قُمْ إليها نشقُّ الغمـار َ
دمًا قانيًا ولظى مرعــدا
أخي .. ظمئتْ للقتال السيوفُ
فأوردْ شَباها الدم المُصعـدا
أخي .. إن جرى في ثراها دمي
وشبَّ الضرام بها موقــدا
ففتِّشْ على مهجـــةٍ حُرَّة
أبَتْ أن يَمُرَّ عليها العِــدا
وَخُذْ راية الحق من قبضــةٍ
جلاها الوَغَى، ونماها النَّدى
وقبِّل شهيدًا على أرضهـــا
دعا باسمها الله واستشهـدا
فلسطينُ يفدي حِماكِ الشبابُ
وجلّ الفدائي والمُفتــدى
فلسطين تحميكِ منا الصـدورُ
فإمًا الحياة وإمــا الرَّدى

والشاعر علي محمود طه ولد في الثالث من شهر أغسطس سنة 1901 بمدينة المنصورة عاصمة الدقهلية لأسرة من الطبقة الوسطى وقضى فيها صباه.

حصل على الشهادة الابتدائية وتخرج في مدرسة الفنون التطبيقية سنة 1924م حاملاً شهادة تؤهله لمزاولة مهنة هندسة المباني واشتغل مهندساً في الحكومة لسنوات طويلة إلى أن يسّر له اتصاله ببعض الساسة العمل في مجلس النواب.

عاش حياة سهلة لينة ينعم فيها بلذات الحياة كما تشتهي نفسه الحساسة الشاعرة وأتيح له بعد صدور ديوانه الأول الملاح التائه فى عام 1934 فرصة قضاء الصيف والسياحة في أوربا يستمتع بمباهج الرحلة في البحر ويصقل ذوقه الفني بما تقع عليه عيناه من مناظر جميلة.

حصل الشاعر علي محمود طه على مكانة مرموقة بين شعراء الأربعينيات في مصر منذ صدر ديوانه الأول الملاح التائه وفي هذا الديوان نلمح أثر الشعراء الرومانسيين الفرنسيين واضحاً لاسيما شاعرهم لامارتين وإلى جانب تلك القصائد التي تعبر عن فلسفة رومانسية غالبة كانت قصائده التي استوحاها من مشاهد صباه حول المنصورة وبحيرة المنزلة من أمتع قصائد الديوان وأبرزها وتتابعت دواوين علي محمود طه بعد ذلك فصدر له : ليالي الملاح التائه فى عام 1940 وأرواح وأشباح وشرق وغرب 1942 وزهر وخمر وأغنية الرياح الأربع 1943 والشوق العائد1945 وغيرها.

كان التغني بالجمال أوضح في شعره من تصوير العواطف وكان الذوق فيه أغلب من الثقافة وانسجام الأنغام الموسيقية أظهر من اهتمامه بالتعبير.

قال صلاح عبد الصبور في كتابه على مشارف الخمسين : قلت لأنور المعداوي أريد أن أجلس إلى علي محمود طه فقال لي أنور : إنه لا يأتي إلى هذا المقهى ولكنه يجلس في محل جروبي بميدان سليمان باشا وذهبت إلى جروبي عدة مرات واختلست النظر حتى رأيته .. هيئته ليست هيئة شاعر ولكنها هيئة عين من الأعيان وخفت رهبة المكان فخرجت دون أن ألقاه ولم يسعف الزمان فقد مات علي محمود طه في السابع عشر من شهر نوفمبر سنة 1949 إثر مرض قصير لم يمهله كثيراً وهو في قمة عطائه وقمة شبابه ودفن بمسقط رأسه بمدينة المنصورة.

ورغم افتتانه الشديد بالمرأَة وسعيه وراءها إلا أنه لم يتزوج.

يعد الشاعر على محمود طه من أعلام مدرسة أبولو التي أرست أسس الرومانسية في الشعر العربي.

يقول عنه أحمد حسن الزيات : كان شابّاً منضور الطلعة .. مسجور العاطفة .. مسحور المخيلة لا يبصر غير الجمال ولا ينشد غير الحب ولا يحسب الوجود إلا قصيدة من الغزل السماوي ينشدها الدهر ويرقص عليها الفلك!!

وقال عنه طه حسين : في شخصيته خفة الروح وعذوبة النفس وفيها هذه الحيرة العميقة الطويلة العريضة التي لا حدود لها كأنها محيط لم يوجد على الأرض .

ويرى كل من الدكتور سمير سرحان والدكتور محمد عناني : إن المفتاح لشعر هذا الشاعر هو فكرة الفردية الرومانسية والحرية التي لا تتأتى بطبيعة الحال إلا بتوافر الموارد المادية التي تحرر الفرد من الحاجة ولا تشعره بضغوطها.. بحيث لم يستطع أن يرى سوى الجمال وأن يخصص قراءاته في الآداب الأوروبية للمشكلات الشعرية التي شغلت الرومانسية عن الإنسان والوجود والفن وما يرتبط بذلك كله من إعمال للخيال الذي هو سلاح الرومانسية الماضي.. كان علي محمود طه أول من ثاروا على وحدة القافية ووحدة البحر مؤكداً على الوحدة النفسية للقصيدة فقد كان يسعى - كما يقول الدكتور محمد حسين هيكل في كتابه ثورة الأدب - أن تكون القصيدة بمثابة فكرة أو صورة أو عاطفة يفيض بها القلب في صيغة متسقة من اللفظ تخاطب النفس وتصل إلى أعماقها من غير حاجة إلى كلفة ومشقة.

كان علي محمود طه في شعره ينشد للإنسان ويسعى للسلم والحرية رافعاً من قيمة الجمال كقيمة إنسانية عليا.

ويعد الشاعر علي محمود طه أبرز أعلام الاتجاه الرومانسي العاطفي في الشعر العربي المعاصر وقد صدرت عنه عدة دراسات منها كتاب أنور المعداوي علي محمود طه الشاعر والإنسان وكتاب للسيد تقي الدين علي محمود طه حياته وشعره وكتاب محمد رضوان الملاح التائه علي محمود طه وقد طبع ديوانه كاملاًََ في بيروت.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى