فيـاغــرا
استغرق في التأمل بواجهة الصيدلية منقلاً ناظريه بين ألعاب الأطفال وأدوات الماكياج التي تملأ فترينة الواجهة دون أن ينشغل عن اختلاس نظرة للداخل كل حين حيث كان الصيدلي منهمكا بنشاط في الانتقال بين الرفوف وتدوين الملاحظات على علب الدواء.
– رباه ما أكثر الزبائن في هذه الساعة
وفكر في إلغاء المشروع من رأسه ولكنه تريث وهو ينظر إلى آخر زبون يخرج من الصيدلية.
دخل مسرعاً وحاول أن يتكلم كما كان قد خطط سابقاً طلب بعض الحبوب المسكنة. وأخرى لمعالجة آلام المعدة وبسرعة كان الصيدلي يلتقط المطلوب ويضعه أمامه , تريث قليلاً وابتلع ريقه شعر بالإحراج ثم أفهم الصيدلي طلبه الأخير.
ابتسم الصيدلي بود وهو يتحدث عن مزايا ذلك النوع الجديد من الحبوب الزرقاء الذي تصنعه شركة محلية بامتياز من الشركة الأصلية, وضع الصيدلي علب الدواء في كيس بلاستيكي صغير بعد أن التقط أسعار الأدوية ونقلها إلى ورقة صغيرة.
شعر بالإحباط عندما أعلمه الصيدلي بأن الحساب تجاوز الخمسمائة ليرة فتمتم بكلمات غير مترابطة فهم منها الصيدلي بأنه لا يحمل ذلك المبلغ في هذه اللحظة.
ابتسم الصيدلي وهو يقول: ولو لا بأس ثم تناول علبة أخرى وفتحها وبمهارة صيدلي استخدم المقص ليفصل حبة واحدة عن أصدقائها ووضعها في الكيس وهو يخرج العلبة الأخرى.
خرج من الصيدلية وهو يتنهد بعد أن ألقى بثقل ذلك اللقاء خلف واقعه, مد يده إلى الكيس أخرج الحبة دسها في جيب بنطاله.
أخيراً الحبة الزرقاء تقبع في الجيب ولمزيد من التأكيد وضع يده في جيبه لتضم تلك الحبة وكأنها تميمة حصل عليها من يد شيخ مغربي يكتب الأحجبة لمعالجة كل الحالات المشابهة.
قاده ذلك التفكير إلى إجراء مقارنة بين سعر الحبة الواحدة وقيمة الطرق الأخرى لتنشيط تلك القوة الذكورية. وهدته المقارنة إلى أن الحبة أرخص فبالمقارنة مع العسل ومع اللوز والجوز والمكسرات والمحار والكافيار فإن تلك الحبة هي الأوفر وهي كما سمع وقرأ ذات نتائج مؤكدة.
تساءل بأسى حقيقي لماذا هو مقصر في أداء تلك "الوظيفة" التي يقوم بها كل الرجال وأجاب بوضوح العارف :
لو كانت زوجته مدينة فهو قد حفظ كل شوارعها وطرقها وأزقتها لو كانت غابة افهم كل تضاريسها وأشجارها بل وأوراق تلك الأشجار لو كانت كتاباً فهو مستعد لاستظهاره غيباً, وإذا ما أضفنا حجم الهموم والصدمات وحالات الإحباط التي يواجهها الرجل يومياً فليس من الغريب أن يكون مقصراً بل الغريب أن لا يكون. المرأة ليست ذلك الشكل الذي تسوقه فضائيات التلفزيون عبر الإعلانات والأغاني والأفلام إنها تلك التي فرغت لتوها من خدمة المطبخ والغسيل والتنظيف وتغيير فوط الأطفال تلك الفوط التي تستخدم دائماً ولا يلقى بها إلى القمامة بعد كل مرة كما في فوط الإعلانات التي لا يملك معظم الناس ثمنها.
طبعاً كان يملك من الذكاء ما جعله يخفي هذا الموضوع نهائياً عن زوجته فليس من الجيد أن تدرك زوجته أنه دفع للتو ما يوازي قيمة خضار ليوم كامل ثمناً لحبة تجعل فحولته صناعية وهنا المشكلة الحقيقية فالمرأة تشعر بالمرارة إذا شعرت أنها ليست مرغوبة من زوجها وليست مشتهاة رغم أنها تفعل ما يغريه من فنون الماكياج ولبس ما يناسب تلك السهرات الخاصة وإذا كان قد استمر بتجاهلها طيلة الأسبوع بحجة النعاس والتعب وإرهاق العمل اليومي وسهر الأولاد إلا أنه لا يملك مفراً أيام الخميس فهي تكون قد فعلت ما بوسعها لإقناع الأولاد بحسنات النوم باكرأ وأشعلت الحمام تمهيداً لتلك الوظيفة التي تؤدى دون رغبة وكأنها وجبة طعام طبخت قبل أسبوع ويتم تسخينها.
فتح باب المنزل كان الأولاد يتحلقون حول التلفاز فيما زوجته تمارس هوايتها في الإقامة الدائمة في المطبخ والوضع العام يبدو هادئاً في ذلك المساء الذي يسلق العطلة الأسبوعية.
تعشى مع العائلة وأشرف بنفسه على وضع الأغطية فوق أجساد أطفاله وهو يزرع القبلات على جباههم وعندما أيقن أنهم قد دخلوا مدن الأحلام السعيدة وضع الحبة في حلقه وشرب كأس ماء وهو يرمي غلاف الحبة في كيس القمامة.
أشعل لفافة تبغ وأعاد في ذهنه تعليمات الصيدلي "عليك الانتظار ساعة كاملة قبل أن تبدأ" وركز نظره إلى ساعة الجدار التي تعانق عقرباها قبل حوالي ربع ساعة وفيما كانت زوجته قد سبقته إلى غرفة النوم. شعر بأن الساعة قد أضربت عن الدوران تشاغل بالتنقل بين محطات التلفزيون وهو يستعيد الجزء الآخر من تعليمات الصيدلي المتعلقة بالإثارة فيركز على تلك المحطات التي حجبها عن الآخرين واستغرق في فكرة محورية جديدة : "ترى أليس من الخيانة أن يثار الزوج عن طريق الصور ثم يقوم بأداء واجبه مع زوجته.
مرت الساعة وزادت ببعض الدقائق اتجه إلى غرفة النوم متفقداً الحمّام في طريقه واستغرب أن زوجته لم تقم بتشغيله بواسطة مفتاح الكهرباء فقام بالمهمة نيابة عنها ودلف نحو السرير العجوز الذي ما زال يطالب عبر طقطقة خشبه بالإحالة على التقاعد مع بقية زملائه في غرفة النوم, كان غطيط زوجته ينم عن استغراقها في النوم , وفيما كان يحاول إعادتها إلى عالم الليل بألطف الطرق التي يعرفها وبكل التفاصيل الحميمة كان تفكيره في تلك اللحظات يتركز على ما سيفعله ليحول تلك الليلة من سوداء إلى حمراء , تلك العبارة التي كانت تثيره دائماً "الليالي الحمراء" عندما يلمحها في زاوية صفحة في الروايات التي قرأها. لم يعرف بالضبط لماذا يرمز اللون الأحمر إلى الحب وخاصة في العيد الذي تم اكتشافه في العقد الأخير "عيد القديس فالنتين" حيث تتحول كل واجهات المحلات إلى عرض كل شيء أحمر وحمد ربه لأن الثيران لا تتجول في شوارع المدينة.
تمتمت زوجته بعبارات سريعة والنوم يبتلع نصف الحروف ويجعل النطق بطيئاً كمفعول الخمر. لم يستوعب ما قالته بالسرعة الكافية ولكنه خلال الثواني التالية فهم كل شيء.
اندس في الفراش ووجهه إلى الجدار وقرع باب النوم بقبضته المقهورة لماذا لم يكتشف ذلك قبل هذه الليلة. ابتسم ساخراً من دهشته: "أليست زوجته مثل بقية النساء...؟