فيلم حمام الملاطيلي
منذ صغري تربيت على أن فيلم حمام الملاطيلي هو شيء سيء و فج، و لم أكن أعرف على وجه الدقة هل اسمه حمام الملاطيلي أم حمام المناطيلي، أى كما قال المحقق في مسرحية" شاهد ما شفش حاجة هل هو عبد البصير أم عبد النصير". و لن يختلف الأمر كثيرا فالمهم أنه سرحان.
لم أر فيلم حمام الملاطيلي طيلة حياتي و لم أفكر للحظة أن أراه، و كل ما عرفته عن الفيلم كان من خلال بعض التعليقات التى عرضت عن الفيلم جملة علقت بذهني محمد العربي وقع فى الحمام و المقصود طبعا هو الفنان محمد العربي و انه سقط بمشاركته في حمام الملاطيلي و كانت شمس البارودي دون أن أرى لها الكثير من الأفلام تمثل في ذهني معنى ساذج فهي مشاركة فقط لمجرد اداء جنسي، و على الرغم اني لم ارى ذلك في الأفلام التى كانت تذاع من خلال التليفزيون إلا أن ما اشتهر عن توبتها و اعتزالها الفن ربما رسخ هذه الفكرة فى ذهني و عمقها فصرت اعتبر ان اعتزالها يعتبر أكبر دليل على انها تتوب من ذنوب عملتها و هذا يعني ان أفلامها كانت وصمات رديئة.
كل هذه الأفكار تكونت لدي دون أن أرى أفلامها و خاصة فيلم حمام الملاطيلي، منذ فترة قريبة أهداني احد أصدقائي بعض الملفات الفيديو على الكومبيوتر و كان ضمنها نسخة من فيلم حمام الملاطيلي .
و قد فتحت نسخة الفيلم على استحياء و كأنني سأرى شيء منتهى السفالة و الإسفاف، و أول شيء لاحظته في الفيلم أن محمد العربي كان صغيرا جدا في السن، و حتى دوره في الفيلم لم يكن يتعدى سن طالب حاصل على الثانوية العامة، و يبحث عن عمل.
و يعرض الفيلم لمفهوم الواسطة للحصول على العمل كما يعرض أيضا البطالة المقنعة المتمثلة فى موظفي المكاتب الجالسين دون مباشرة أى عمل سوى قراءة الفنجان، أو حل الكلمات المتقاطعة أو الأكل دون أن يباشروا أى لون من ألوان العمل.
دور الفنان يوسف شعبان يمثل الشذوذ، و دور شمس البارودي – نعيمة - هي الفتاة التى تبيع نفسها وهناك تلميحات جريئة خاصة بالنسبة لوقت إنتاج الفيلم، و لكن كلها أفكار جيدة و طريقة عرضها غير مبتذله، بل إننا في عرض الأفكار يمكننا أن نجد لمحات ايجابية، قد يقول البعض إننا لن نذهب لحمام الملاطيلي لنتعلم منه، و لكن هذا ما لاحظته في الفيلم، ان الفتاة التى كانت تمارس البغاء رغما عنها قد واعدت حبيبها و على الرغم ان الفتاة فقيرة قد هربت من أسرة اشد فقرا، و تمارس البغاء لما تعانيه من الفقر، و لكن هذه الفتاة قد حرصت على أن تعد بعض الورود على مائدة الغذاء التى دعت حبيبها لها، و قد طلبت من إحدى صديقاتها ان تشترى الورود، و علقت على أن الورود قادمة من القبور، و بعد أن وضعت الزهور، قامت برش بعض الماء عليها لتحفظها من الذبول، شيء آخر لاحظته فى هذا المشهد و هو أن الفتاة قد حرصت أيضا أن تبحث عن راديو صغير، و أدارته لتصدح منه الموسيقى و كان لقاءها مع حبيبها على موسيقى أم كلثوم، و ما أجمل ما قالته هذه الفتاة لحبيبها و هي تردد اسمه و تقول له أتمني أن يغيروا كلمة حبيبي بكلمة أحمد.
و في مشهد بين يوسف شعبان و محمد العربي نكتشف أن أحداث الفيلم تدور أثناء الحرب، و بالتالى فإن مرجع هذا الضياع الذى يعاني منه جميع شخوص الفيلم من جراء الحرب، و يوسف شعبان يرى أن الحل هو الهجرة و هو ما فعلته والدته، التى يكرهها لأنها السبب في شذوذه بإهمالها تربيته فى البداية ثم الهرب و الهجرة بعد ان يئست من علاج شذوذ ابنها الذى قال الطبيب أن علاجه مجرد مخدرات ولابد من الرضا بالأمر الواقع.
و على الرغم ان الفنان يوسف شعبان أدى دوره بشكل مميز إلا أن دوره يعد أسوء رموز الفيلم، فقد كان من الكافي ان يأتي دور الفتاة التى تبيع جسدها لكسب قوت يومها و لكنها في نفس الوقت غير راضية عن ذلك بل و تبحث عن الخلاص مع حبيبها، و هذا رمز جيد فيه إشارة لمحاولة عدم الخضوع للوضع المذل الذى رمتها الظروف إليه، والمرأة هنا ترمز للبلد كلها التى يجب أن لا ترضى عما آلت إليه و كانت نهايته النكسة.
و لكن دور يوسف شعبان و الذى يؤدي دور الفنان التشكيلي الشاذ، يقول ان الطبيب قال لا يوجد علاج لحالته و قد هرب والداه بالهجرة و تركاه بمفرده و هو قد رضيّ بالأمر الواقع و تناول العلاج الذى هو عبارة عن مخدرات.
و في مشهد تالى نرى دور الدرويش المجذوب الذى يقول الصحابة حاربوا بالسيف و أهل مصر هزموا الغزاة بأدواتهم البسيطة و ليس باللجوء للمخدرات و الجلوس على المقاهي.
و محمد العربي لا يمثل الملاك الطاهر دراميا بل يمثل شخصية المراهق الغر و و صورة لعموم الشباب الضائع، فهو يقع فى حب فتاة تبيع جسدها و لكنها تحبه و تخلص له، والمفاجأة انه رغم أصله الريفي و طيبة والدته يتورط مع هذه الفتاة في علاقة جسدية، و ربما نلتمس له العذر فى البداية ظنا منا انه يمارس الحب معها لما بينهما من مشاعر، و لكن ما إن ظهرت نعمت مختار زوجة المعلم صاحب الحمام حتى نفاجأ بأن هذا الشاب الذي يمثل الجيل الجديد يقع في خيانة مركبة فهو يخون حبيبته التى أقلعت عن بيع جسدها و تود أن تسافر معه لأي مكان بينما هو يقدم على خيانتها مع زوجة معلمه و صاحب عمله و في اللحظة التى يتورط الشاب في ممارسة الجنس مع زوجة المعلم يأتي من يختطف حبيبته التى كانت تنتظره فى الظلام و يقتلها، يهرب الشاب من بين يدي زوجة المعلم ليخرج جاريا في لمحة انها أهلكت قواه و لم يعد يستطيع أن يمارس الجنس معها اكثر من ذلك، و في نفس اللحظة تكون المطاردة بين نعيمة حبيبته التى رفضت ان تسلم نفسها لمن أرادوا اختطافها حتى قتلوها فى المقابر.
يعود احمد مدعيا البراءة ليغتسل فى حمام الملاطيلي و ينزل الماء عليه بكثافة و لكن وجه المعلم ينظر له باقتضاب فيخاف ان يكون قد افتضح أمره، ثم يأتيه خبر أن يذهب حيث سيجد البوليس و جثة نعيمة مغطاة بأوراق الجرائد فيفر من المشهد ثم نجده جوار مقصورة قبر احد الأولياء فى الأغلب هو قبر الحسين، و ياتي الدرويش ليقول له انه لا وقت للدموع و البكاء و النواح "اصحي اصحى ، اصحي يا مصر التاريخ ما بيستناش حد".
و يقرر احمد العودة للإسماعيلية و هذا يعني انه سيشارك في نوع من المقاومة
مشاهد العري و الخلاعة في الفيلم على الرغم أنها ليست قليلة إلا أنها لا تكاد تزيد عن مشاهد قبلات و خلاعة في أفلام أخرى خلت من معالجة اى فكرة او تضمنت محتوى .
مشاركة منتدى
13 حزيران (يونيو) 2017, 13:05, بقلم قاسم عبد الله
تحليل دقيق ، اعجبني ، نفس الإحساس كان عندي عندما شاهدت الفيلم قبل ٣٧ عام والآن شاهدته على قناة سينما تيوب ونفس الشيء جال بخاطري ، مشكور ...