الأربعاء ٣ أيلول (سبتمبر) ٢٠٠٨
بقلم
في رثاء المرحوم محمود درويش
زمنٌ يَمَرُّ وذكريات سودُ | فإلامَ يُخلِف يومنا الموعودُ؟ | |||
ستين عاماً ليس يُزهر لوزنا | الحُلْمُ يَعبَثُ والعِيانُ يَكيدُ | |||
يومان عيش الآخَرين وعيشنا | يومٌ علينا لا يزول مديدُ | |||
كلُّ الشعوب تنال يومًا حقّها | أتُرى سيرجع حقّنا المفقودُ؟ | |||
كلّ الديار لأهلها،ولأهلنا | في دارهم لا يستقرّ وجودُ | |||
ضجّ الشتات بنا وطال فراقنا | حارت خُطانا والخلاص بعيد | |||
قَدَرُ المنافي ان تكون نصيبنا | والشامتون على الدروب حُشودُ | |||
تجد السلاحف مأمنًا لصغارها | وعلى الحواجز كم يموت وليد! | |||
سِيَّان نحن بيوتُنا اجسادُنا | تأوي ولكنْ سيُّها مطرود | |||
نفَق يطول ولا منارةَ بعده | البَيْن يُزمِن والحصانُ وحيدُ |
****
قضتِ القضيّة ان تكونَ لسانها | |
فَنَبا بسُقمك ذلك المجهود | |
ضيَّعتَ عمرك في المنافي حاملاً | |
قلباً يذوب من النوى ويَميد | |
منفىً الى منفىً وكلُّ مسيرةٍ | |
لا يستقِلّ بها الفتى المِرِّيد | |
مُضناك قلبُكَ لم تسايرْ ضعفه | |
حتّى توقَّف خَفْقُهُ المكدودُ | |
آليْتَ تَحدو الرَّكْبَ يومَ رجوعه | |
واليومَ تُبكي الرّكب حيث تعود | |
ربَّاهُ لا عَتَبٌ عليك وانّما | |
يشكو اليتيم ويندُبُ المكبودُ | |
اثنان نحن من الورى في عيشنا | |
بين المواجع شاهدٌ وشهيدُ |
****
يا فارس الحرف الشَّرود تسوقه | طَوْعَ اليَراع كما تشاءُ يَرود | |||
كالنَّرد تَحكُمه وتُحكِم صَوْغَه | فإذا الكلامُ اساور وعقود | |||
يا لاعب الوَرَق الثلاثِ بحرفه | تُخفي وتَكشف سِرَّها وتُجيدُ | |||
ما بين وَحْيك والحروف مَشورة | هِمنا بصورتها وغار حسود | |||
نارٌ حروفُك ان دنوتَ حرقتنا | وإذا نأيتَ فنورها مشهود | |||
سحرٌ حروفُك سارحٌ بعقولنا | نُبدي بعشق فنونه ونُعيد | |||
تأبى الحروف على لسانك زلَّة | أيًّا جمعتَ فجمعها محمود | |||
الحرف حِرفة مَن حصيلة عمره | بين المراجع حكمة وقصيد | |||
والابجدية لا تبوح بسرّها | إلا لمن ترقَى به وتسود | |||
والضاد تعرف كيف تُكرم شيخها | ملأ الدنى والعالَمون شُهود |
****
يا زارع الكلمات تَنبُت ايكةً | من نسج كفِّك ظلُّها الممدود | |||
فصَّلته ظِلاً أنيقاً مثلَها | ما ليس يَبعُد عن مدًى ويَحيد | |||
يخضرُّ حين يزوره عيدٌ لنا | ويصير اصفرَ إن جفانا العيدُ | |||
من نُسغ حِسِّكَ تستمدُّ عُروقُها | وبقدر حبِّك ظلُّها مقصودُ | |||
رَيَّا يداعبها الحنين فتنثني | سَكْرى وتملكها العيون السُّودُ | |||
حَرَّى إذا المحتلُّ جاوز حدَّه | هل كان يوماً للطغاة حدود؟ | |||
الأيك يكبَر والظلال وريفةٌ | والنسغُ يَدْفُقُ والخلود اكيد |
****
يا كاسيَ المعنى البديع إزارَه | والثوب يَسبي العين وهو جديد | |||
نقِّ الكلام على مزاجك جُملة | يرنو اليها الصَّفُّ والتنضيدُ | |||
وتصير بين العاشقين رسولَهم | ويطير مشدوداً اليها العودُ | |||
هي جملةٌ والكونُ حاصلُ جملةٍ | فالقول بدءٌ والكلام وجودُ | |||
والرمز منذ البدء كان مقدَّسًا | ومع الرموز عبادة ونشيد | |||
يأبى بيانُك ان يكون تَعرِّيًّا | تَخفَى فتلعب بالخيال قدود | |||
للصيد في البحر العميق مخاطِرٌ | لا تخبرِ الصيّاد كيف يصيد |
****
يا صاحب الشعر الجميل فتنتنا ، | نحن الرواةُ وقولنا ترديد | |||
وطن الكلام جعلته وطناً لنا | لك ما تريد وما تريد نُريد | |||
نبني البيوت من الحروف تَعزِّيًّا | والظلم يسرقُ ارضنا ويَشيدُ | |||
في خبز شعرك ما يعوِّض جوعنا | وبماء شعرك يصدُقُ التعميد | |||
تحكي الرواية انّ قصة حبّنا | تبقى وانت الشاعر المعدود | |||
تروي الحكاية انّنا في عشقنا | في كلِّ بيت قارئٌ ومُريد | |||
بالشعر تجمعنا وتجمع رأينا | ورُؤاك تَهدينا وانت تقود | |||
ستزول عنك وعن ترابك نكبةٌ | واللوز يُزهر والحياة تجودُ | |||
سقتِ الهواطلُ في ثراك مناضلاً | وجزاك عنَّا الرحمةَ المعبود | |||
باقٍ على الأيّام ذكرُك بيننا | ويظلّ يكبَر في العُلى ويزيد |