الاثنين ٢٥ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠١٧
جدلية التراث والنهضة
بقلم كريم مرشدي

في كتاب العرب والفكر التاريخ

إن الماركسية كنظرية تستدعي مقولات معينة تبسط نفوذها على كل الأفكار المسبقة التي يستقيها الإنسان حول العالم والطبيعة، تريد أن تعيد إنتاج وموضعة المجتمع الإنساني وضعه الصحيح ضمن الإطار الإجتماعي – الإقتصادي والفكري. ليس هدفنا من هذا الموضوع إعطاء سرد أو جرد تاريخي للأفكار التي مهدت للفلسفة الماركسية حيث بلور ماركس أفكاره عبر نقد فيورباخ لهيجل، ولا التي مهدت لظهورها في العالم العربي، إذ أن ذلك سوف يتطلب رصدا كافيا للظروف الموضوعية والتيارات المختلفة التي نظمت هذه الحركة في الوطن العربي. إن ما يهم هو كيفية تمظهر العلاقة بين التراث والنهضة في الفكر الماركسي العربي، طالما أن الإشكالية التي يدور في فلكها كل المفكرين العرب هي إشكالية عربية بالدرجة الأولى، إشكالية التخلف. وكما هو معروف فإن الإحساس الوحدوي بدأ في التبلور ابتداء من بداية القرن العشرين، فمع الإستعمار ظهرت الفئة السلفية التي واكبت الحركة الإستعمارية، ووقفت في الواجهة المضادة للإستعمار، حيث دعت إلى الإصلاح الديني والإجتماعي والسياسي، وفي نفس الوقت الذي كانت فيه السلفية تدعو إلى الذات والإعتماد على المقومات الشخصية – الذاتية (التراث)، كان الليبراليون بما فيهم الساسة يبلورون حركة أخرى منافية للحركة السلفية تدعو إلى التمثل بالغرب واستيراد رموزهم الحضارية كوسيلة للتقدم. غير أن الدعوة الماركسية التي ظهرت متأخرة في العالم العربي وتوطدت دعائمها بعد النصف الثاني من القرن العشرين، قد جاءت كرد فعل على كلتا الحركتين خصوصا الليبرالية، حيث دعت إلى ديكتاتورية الطبقة العاملة، وأعطت الصلاحية في التغيير لهذه الطبقة معتمدة في ذلك على وحدة القوانين الطبيعية والإجتماعية والتاريخية، وعلى عدة مقولات تأخذ بمادية التفسير التاريخي والإجتماعي وعدم استقلالية المادة عن الوعي... ولكي نبحث في جدلية التراث والنهضة من هذا المنظور، ارتأينا أن نأخذ كنموذج رأي عبد الله العروي وكيف ينظر إلى هذه الجدلية من منظور تاريخاني ماركسي من خلال كتابه"العرب والفكر التاريخي"....

أول ما نلاحظه عند العروي، خصوصا في كتابه"العرب والفكرالتاريخي"أنه يهاجم المنهج السلفي باعتباره نهجا غير واع بنفسه ولا يعمل إلا على اجتذاب العرب إلى الوراء دون طائل، يقول:"هذا الفكر (أي السلفي) كان سبب التخلف وسيبقى سبب التخلف"(ص200)، فالفكرالسلفي في نظره يبقى بتراجعه إلى الوراء سببا في التخلف، ذلك لأنه يرفض كل الأفكار المستوردة ويقف منها موقف عداء لا مبرر له، والعروي يتخذ من نقائص التراث مادة للرفض، لأنه يرى أن التراث تنقصه عدة أشياء، عدة علوم، فيتساءل:"أين الإقتصاد الإحصائي ؟ اجتماعيات الثقافة ؟ تنظيم المعامل ؟ السياسة النقدية؟ العلوم اللسانية ؟ قواعد التغذية ؟ تربية النسل ؟ علم النفس التجريبي ؟ قواعد البيبليوغرافية ؟ قواعد ترميم التحف الفنية؟.....في تراثنا التقليدي"(ص 52)، إنه يقوم بعملية مقارنة مزدوجة بين الفكر السلفي والفكر الغربي وبين الواقع العربي والواقع الغربي.... العروي يؤمن حق الإيمان بأن السلفي إذ يعود إلى الوراء، لا يعبر عن واقعه، مما يُحْدِث بينه وبين الواقع انفصالا تاما، في حين أن الذي يدعو إلى الغرب إنما هو يتواصل مباشرة مع واقعه وواقع الغرب، يقول العروي بأن:"التشبث بمقولة الأصالة نكاية في الغرب الإمبريالي، يعني في الظروف القائمة تعاميا عن الواقع وتنكرا للمستقبل"(ص19)، علاوة على كون الدعوة إلى الأصالة لا تبرر إلا شيئا واحدا في نظره، وهو كون هذا الداعية الأصيل:"لا يعرف سوى التراث علاوة على ذلك بكيفية تقليدية"(ص 50)، إنه تحامل جريء من طرف العروي على السلفيين: السلفي لا يعرف إلا التراث، وليست له معرفة بالعلوم الحديثة وإيجابياتها، ومعرفته بالتراث فوق ذلك تبقى معرفة تقليدية لا تعتمد النظرة العلمية والفكر الفاحص، فهل يعني هذا أن العروي كان سيتقبل الفكر السلفي لو نظر إليه بمنظار الغرب ؟ أو بصيغة أخرى، هل سوف لن يهاجمه ولن يرفضه إذا قرئ التراث العربي قراءة تتحكم فيها الروح الغربية ؟. إن الأمر بالنسبة للعروي لا يعدو أن يكون مجرد عملية شبيهة بالتمويه، لأن التشبث بالأصالة دائما يعتبر في نظره انفصالا عن الواقع، يقول:"من يدعو إلى رفض الأفكار المستوردة اليوم.... يفوه بكلام فارغ إذن، كلام لا معنى له إطلاقا، لا يعود عليه بشيء ملموس، ومستحيل منطقيا وتاريخيا واختياريا، لأن رباطنا بالتراث الإسلامي في واقع الأمر قد انقطع نهائيا في جميع الميادين، وإن الإستمرار الثقافي الذي يخدعنا لأننا مازلنا نقرأ المؤلفين القدامى ونؤلف فيهم، إنما هو سراب"(ص 53)، لقد أصبح التراث، انطلاقا من هذا، مفصولا عن واقعنا تاريخيا وفكريا، لا صلة له بالتعبير عن الواقع، ولا صلة له بالوجدان العربي. فالعروي، إذن، لا يربط الذات بالواقع إلا عن طريق ثوري، وأول ما ثار عليه، كان هو التراث، وكانوا هم السلفيون، ذلك لأن النظرية السلفية لا تخلق شيئا ولا تبدع حضارة، إنما هي تعمل على إعادة الماضي واجتراره، مما يقلل من أهمية التراث وقدرته على استيعاب العلوم الحديثة، ولا يحتوي – ولو – على بوادر علمية تجعل منه حقيقا بالتبلور وإضفاء صفة التأكيد على الذات العربية اتجاه الغرب، وهكذا

فـ:"السلفية تعبير أصيل عن الحركة الوطنية، لكنها لا تخرج عن نطاق الموقف الدفاعي الذي ينشأ أساسا لاتقاء شر حالة تاريخية، وليس للخلق والإبداع"(العروي- مجلة الوحدة ص 159 – 1986).. انطلاقا من هذا نلاحظ أن العروي لا ينطلق في تفكيره في النهضة من التراث العربي، فَمِم ينطلق إذن؟ وما هو المعتمد لديه كأساس أولي للكلام عن التحضر والتقدم ؟ هل ينطلق من الدعوة إلى الليبرالية؟ هل من الدعوة إلى الماركسية؟ أم من منطلق فريد ارتآه كفيلا بإخراج الأمة والوطن العربي من الأزمة ؟ يقول العروي:"كيف يمكن للفكر العربي أن يستوعب مكتسبات الليبرالية قبل (وبدون) أن يعيش مرحلة الليبرالية؟"(ص 39). هل يعني هذا أن العروي يختار الليبرالية كمنطلق؟ يقول الجابري بهذا الصدد بأن:"الخطوة الأولى (لدى العروي) إذن هي تحقيق نوع من المصالحة مع الليبرالية وإعادة الإعتبار إليها في أعيننا"(الجابري- الخطاب العربي المعاصر – ص 50)، في أعين من إذن يريد العروي إعادة الإعتبار للبيرالية ؟ إنه المثقف العربي، أو بصفة أخرى إنه الماركسي العربي، فهذا المثقف العربي (الماركسي) يلاحظ العروي أنه يتخذ موقفا مضادا ونافيا للفكر الليبرالي، لأن:"المثقف العربي في غالب الأحيان يرفض الليبرالية عن قصد (لا لشيء) سوى لأن الليبرالية لا تروق له شخصيا...

ويستعمل الماركسية بمكر تحت شعار محاربة الغرب والإستعمار والإمبريالية الفكرية"(ع-ف-ت: ص 46)، العروي إذن يدافع عن الليبرالية ضد الماركسية العربية التي تتخذ موقفا هجوميا من الليبرالية.هذا ما نطقت به الحروف، غير أن الأمر عند الإمعان في النظر يُظهر لنا موقفا متناقضا من طرف العروي: فهو تارة يدعو إلى الماركسية، في حين نجده يدافع عن الليبرالية ضد الماركسي العربي، كيف يمكن إذن حل هذا التناقض ؟ الجواب على هذا التساؤل سوف يحيلنا مباشرة إلى الخوض في الإنتماء الذي اختاره العروي لنفسه ودعا الآخرين إليه، يقول:"لذلك صرحت أنه إذا كان لا بد من الإختيار بين المنهج التقليدي وبين الليبرالية، فإني أختار هذه الأخيرة على أن نتجاوزها سريعا نحو اشتراكية عصرية، لكني لا أحبذ اشتراكية على أسس تقليدية"(ص 16). هل هناك إذن اشتراكية تقليدية وأخرى عصرية كما قال؟ إن الجواب سوف يظهر لنا السبب الذي من أجله رد العروي على الماركسيين العرب: إن الماركسية التقليدية هي الماركسية التي يتبناها هؤلاء الماركسيون، الماركسية المتشددة التي ترفض الغرب وترفض التعامل معه، مما سوف يجعل منها فكرا مسايرا للفكر السلفي، وطالما أن هدف العرب هو التقدم، فإن الموقفين سواء السلفي أو الماركسي المتشدد سوف لن يأتيا بجدوى، مما يدعو إلى تفهم المعطيات الليبرالية الغربية واستيعابها، وهذا بالضبط ما يدعو إليه العروي، إنه ينظر إلى الغرب على كونه الوسيلة الوحيدة لخروج العرب من أزمتهم الحضارية، هذا الغرب الذي قادته الليبرالية إلى ما هوعليه من تقدم، غير أننا نلاحظ أن الليبرالية في الغرب قد تعرضت للنقد والثورة من طرف الغرب نفسه، وتَجَسد هذا النقد في تيارات عدة، كالفوضوية والسريالية والفرويدية (ص 43-44)، وهذه مسألة تسمح لنا بطرح السؤال التالي: كيف يدعونا العروي إلى تبني ليبرالية تعرضت للنقد من طرف أصحابها ؟ وسوف يجيبنا العروي بقوله:"نحن مطالبون بنهج طريق ثالث غير طريق تقليد الثقافة الغربية الحديثة (...) وغير طريق تقليد الثقافة العربية (...) لا بد إذن من إبداع اتجاه ثالث"(ص 101)، هذاالإتجاه الثالث هو الماركسية التاريخانية، الماركسية التي تتجاوز الليبرالية الحديثة، والسلفية التقليدية، إنه منهج يجمع بين الليبرالية التاريخية والماركسية، كتب الجابري يقول:"المطلوب منهم (أي من الماركسيين العرب) إذن هو تبني"ماركسية تاريخانية"، الماركسية التي تتصل بالدعوة إلى الليبرالية"(خ-ع-م – ص 51) تلك التي تكونت"في القرنين السابع عشر والثامن عشر، والذي حاربت به الطبقة البورجوازية الأروبية الفَتية الأفكارَ والأنظمةَ الإقطاعية"(ع-ف-ت – ص 43)، إذن فمن خلال هذه القولة يمكن أن نفهم أن البنية الإجتماعية والإقتصادية العربية الحالية تشبه البنيات الإجتماعية والإقتصادية الأروبية في القرنين السابع والثامن عشر، مما يستدعي من الثوريين العرب استيراد نفس الطرق التي قضت بها أروبا على الإقطاع. إن لدينا انتقادات لنسق العروي من خلال هذا العرض البسيط، أما الآن، فتظهر واضحة نوعية العلاقة التي تربط بين النهضة والتراث في فكر العروي، إنه ليس تراث العرب، بل هو تراث أروبا، يرفض ماض ليأخذ بآخر، فالنموذج لديه هو الغرب الليبرالي الأصيل، يقول بهذا على أن يمر منها إلى الماركسية التاريخانية، ماركسية ترتبط بالمفاهيم الغربية في التحرر والديموقراطية، يقول:"ومازلت مقتنعا أن الأمة العربية الآن في حاجة إلى أن تتتلمذ على الماركسية التاريخية"(ص 60)، ويمكن القول بأن العروي يؤرقه هاجس أروبا والفكر الماركسي، يؤلف بين هذا وذاك في ذهن المثقف العربي. وعلى ذكر المثقف العربي، نلاحظ أنه يواكب الحديث عن الماركسية في مؤلفات العروي، إذ يرى أن المثقف العربي ذو مسؤوليات جمة، بل هو ركيزة التغيير في الوطن العربي، غير أنه وللأسف في أزمة تتمثل في عدة خصوصيات تميز المثقف العربي، فالمثقفون يفكرون:"وفقا لمنطقين: الغالبية العظمى منهم بحسب المنطق التقليدوي، والباقي بحسب منطق انتقائي، إلا أن الإتجاهين يعملان على إلغاء البعد التاريخي"(أزمة المثقفين العرب – ص 151-152)، فنمطا التفكير، كلاهما ينفي خصوصية التفكير التاريخي المرتبط بالواقع، وكلاهما يشكلان موقف اغتراب عن الواقع، فالسلفي، وقد عرضنا موقف العروي منه ينفصل عن الحاضر وعن الواقع خصوصا وأن هذا التيار تحكمه مؤسسة بورجوازية اقتصاديا ترى مصالحها في التشبث بالتراث والأخذ به، والدفاع عنه، فـ:"التراث تحميه اليوم مؤسسة لا تترك لأحد حرية الـتأويل... وهذا هو سر موقف المؤسسة التقليدية عندما تصفق لإحياء كل قسم من التراث القديم، مهما كانت الأغراض والظروف، إنها تعلم أن النتيجة العامة ستكون في صالحها"(ع-ف-ت- ص 19). أما الإنتقائيون، فإنهم لا يعملون إلا على إذكاء روح الضياع حينما يحس المرء العربي أنه لا يفتأ يعقد فهمه للواقع، والدوران في حلقة مفرغة، وهذا ما يؤكده العروي في موضع آخر:"...ورغم الواقع المر، مازال أغلب المثقفين عندنا يميلون إلى السلفية أوالإنتقائية، والغريب أن هذين الإتجاهين يخدعان المثقف ويغريانه بنوع من الحرية الذاتية، يظن أنه يملك حرية الإختيار، وأنه قادر على أن ينتخب من إنتاج الغير أحسنه، وهذه حرية شبيهة بحرية الرواقيين"(ص 184)، إذن فهذان التياران غير ضرورين للحركة الثورية، لأنهما يشدان المثقف الثوري إلى الوراء عوض الدفع به إلى الأمام، لذا:"فالمطلوب من المثقف هو أن يرفع في وجه ممثل الثقافة الأصلية وما يترتب عنها من أنظمة، راية الثقافة التي تفتح أبواب التقدم رغم ما فيها أيضا من سلبيات، لأن التشبث بمقولة الأصالة نكاية في الغرب الإمبريالي، يعني في الظروف القائمة تعاميا عن الواقع وتنكرا للمستقبل الذي سيطرح فعلا مسألة الخصوصية، لكن في إطار جديد وبوسائل ذهنية ومادية جديدة"(ص 19). هكذا يبقى فكر العروي وفيا لمسألية التراث والنهضة، إلا أنه ليس تراث العرب، بل تراث الغرب، من ماركسية ألمانية بالخصوص، وليبرالية أروبية غربية، ويبقى التراث العربي بالنسبة له شيئا لا طائل من ورائه سوى البقاء في دائرة التخلف والعجز عن مجابهة الواقع بما يلائمه من وسائل عقلية ومنطقية يكون الفكر التاريخي هوالوسيلة الوحيدة إليها، فـ:"الطريق الوحيد للتخلص من الإتجاهين معا، هوالخضوع للفكر التاريخي بكل مقوماته (لأنه) هوالذي يحرر السياسة من التاكتيك الدئم ويمكن المرء من تخطيط خطة بعيدة... هو الذي يحرر المرء من الأوهام ويوجهه نحو الواقع والإنجاز"(ص 184-185)، العروي إذن يضع ثقة كاملة في مذهبه: الماركسية التاريخانية، لأنها في نظره هي الكفيلة بإيجاد الحلول للأزمات الشائكة التي تعاني منها الأمة. هذا، غير أن العروي قد ارتكب عدة أخطاء ربما تجعل من خطابه، في نظرنا، خطابا هو أيضا بعيدا عن الواقع، وذلك من ناحيتين: من ناحية، إذا كان الفكر السلفي، في نظره، يحلق فوق الواقع، أي في انفصال تام عن المشاكل المطروحة وذلك بعودته إلى الماضي، فإنه هو كذلك – أي خطاب العروي – يظل بعيدا عن الواقع، وذلك بالتصاقه بالفكر الغربي، والأدهى أن هذا الفكر فكر ماضوي (الليبرالية الأصلية)، إنه يرفض الماضي لأجل التشبث بماض آخر، كما أنه خطاب، أو فكر مشتت ومتفرق بين الماركسية والليبرالية، وليس فكرا جامعا لهما كما يتبادر إلى الذهن، ومن ناحية أخرى، أنه بدعوته تلك إلى الماضي يكون قد طلب من المثقف أن يعيش فكرا غير فكره، وأن يتبنى ماضيا غير ماضيه، مما سيزيد في الواقع من ضياع واغتراب المثقف العربي، ومن فقدان للهوية الثقافية. هذا، ومن جهة أخرى، إذا كان العروي قد رفض الأخذ بالتراث العربي، داعيا إلى الأخذ بالتراث الأروبي (الليبرالية – الماركسية) بجعلها وسيلة لفك الأزمات، فإن هذا الموقف يعتبر موقفا مغتربا ومسلوبا بذاته من طرف العروي، لأن المواقف نفسها نجدها في فلسفة الأنوار الداعية إلى الثورة على البنيات المجتمعية التقليدية وقلب العلاقات الإجتماعية، وإعادة بناء دولة أكثر ديموقراطية، وهذه المواقف نجد لها أيضا مثيلا في الفكر العربي الإسلامي، الفلسفي منه والأدبي خصوصا: ففي الفلسفة نجد المعتزلة، والفارابي وابن رشد، وفي الأدب نجد بشار بن برد، وصلاح عبدالقدوس.... هناك جوانب إيجابية في التراث العربي خصوصا في الفكر الفلسفي، ولعل مؤلف محمد عابد الجابري رحمه الله"نحن والتراث"يكفي لإبراز ذلك...

العروي إذن لم يكن ينتبه إلى هذا خصوصا في موقفه من السلفيين، ونلاحظ أيضا أنه يضع تصورا مستقبليا للنهضة، يعتمد فيه على دور المثقف في تغيير الواقع، متناسيا أن بين الفكر والواقع جدلية تجعل اعتماد أحدهما الآخر عبارة عن عملية دياليكتيكية مقلوبة تجعل من المستقبل رهينا بالمستقبل فقط، وأخيرا سوف لن نختم إلا بقولة للجابري بخصوص الماركسية التاريخانية ونسقية فكر العروي، إذ يعتبر الجابري الأخطاء التي وقع فيها العروي:"إحدى نقائص العقل العربي التي تلازمه سواء تحدث من داخل تراثنا أو من داخل الفكر الأروبي أو من مكان يقع بينهما"(الخطاب العربي المعاصر – ص)54


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى