الأحد ١٠ آذار (مارس) ٢٠١٩
بقلم هناء عبيد

قراءة في «حرب وأشواق» لنزهة أبو غوش

شاءت الأقدار أن ألتقي بالأديبة القديرة نزهة أبو غوش في لقاء صدفة لم له في قريتها الجميلة "أبو غوش" في فلسطين، فكانت الحصيلة سعادة وابتهاج بلقاء سيدة يشع وجهها نورًا، زادت سعادتي حينما فاجأتني بإهدائها لي روايتها حرب وأشواق الموقعة باسمها.
الرواية تقع في ٢٨٨ صفحة من الحجم المتوسط، وهي من تصميم ومونتاج المطبعة العربية الحديثة.

تتحدث الرواية عن المعاناة التي واجهها الفلسطينيون حين تم ترحيلهم عن قراهم إبان اقتحام العدو لها، تعتبر الرواية توثيقية لأحداث نكسة عام ١٩٦٧م وهي من الروايات المهمة التي يمكن الرجوع إليها كمادة تاريخية توثيقية.

تعددت الشخصيات في الرواية مما أعطى مساحة كبيرة لإلقاء الضوء ببذخ على مدى المعاناة التي واجهها أبناء الشعب الفلسطيني إبان ترحيله من دياره.

اعتمد السرد على عدة أصوات، ربما أرادت الروائية أن تبين وجهات النظر المختلفة للشخصيات من وراء ذلك.

تجوب بنا الروائية في قرى فلسطين مبينة لنا بوضوح كيفية اقتحام الاحتلال للقرى واحدة تلو الأخرى، مما يدل على معرفتها التامة بكل شبر في فلسطين.

اعتمدت الروائية على الحوار الخارجي باللغة الفصحى في معظم أجزاء الرواية، وقد طعمت الحوارات بالأغنيات الشعبية الفلسطينية التي تدل على ثقافتها العالية بتراثنا الفلسطيني، كما عبرت عن الشخصيات من خلال المونوج الداخلي الذي كان باللهجة الفلسطينية المحكية.

لا يوجد شخصية محورية تعتمد عليها الرواية، فقد تعددت فيها القصص التي تحدثت معظمها عن معاناة العائلات الفلسطينية التي هجرت من قراها، منها على سبيل المثال عائلة ليلى التي فقدتها أثناء الهروب من قريتها عمواس، والتي ينتهي المطاف بها في بيت العم فتحي الذي يأويها عنده، فتقع في حب سميح ابن علي، ذلك الحب البريء الطاهر، الذي لم يتعد على العادات والتقاليد، والذي من خلاله تعرفنا على لغة الأديبة المتحفظة التي تراعي عادات وتقاليد مجتمعاتنا العربية.

كان للشخصيات حرية التحدث عن مصيرهم المؤلم والذي طغى عليه الحزن والأسى، منهم مثلا أبو صابر الذي بكى ضياع فلسطين بكل حرقة، وهو يصف كل شبر تم تدميره في قريته، والصدمة الكبيرة التي أصابته بسبب تخلي الجميع عن الدفاع عن القدس، وهي نفس الصدمة وخيبة الأمل من موقف العروبة التي لحظناها من معظم شخصيات الرواية والتي أتت الروائية على ذكرها في معظم أجزاء الرواية، ولعل عبارة إحدى شخصيات الرواية " أم عرب" كانت أكبر شاهد على خيبة الأمل هذه حينما قالت بأسى: لا تقولوا لي أم عرب، احذفوا هذه الكلمة من قاموسكم، انسوها.

وضمن هذه الملحمة المأساوية، تعيدنا الروائية إلى أيام الطفولة التي نفتقدها هذه الأيام من خلال بعض القصص الجانبية التي تحكي عن سير الحياة اليومية في فلسطين في تلك الحقبة من الزمن، منها مثلا طلب الخياطة أولغا من عصام أن يشتري لها أزرارا وخيوطا مناسبة، فنتذكر معها الزمن الذي اعتمدت فيه السيدات على الخياطة لتصميم أزيائهن، وتعيدنا إلى مادة النيلة التي كانت تستخدم في الغسيل، حينما تحدثت عن عادل الذي دهن بيته بالنيلة، ثم قصص الزمن الجميل حينما كان الأهل يستمعون إلى المذياع ولا يبرحونه، ينتظرون أن يسمعوا أخبار النصر ، يسعدون بالاستماع إلى صوت أحمد سعيد الذي كان يبعث الأمل الكاذب في نفوسهم وينشر الأخبار الكاذبة، فبينما كان يحدثهم عن اسقاط ٨٦ طائرة إسرائيلية، كانت قوات الاحتلال قد ضربت المطارات العسكرية المصرية وكانت القدس تقع تحت قبضة الاحتلال.

هي قصص لا تنتهي من المعاناة، والخسارة والنكبات نعيشها بأسى مع كل عائلة في الرواية، نتعرف من خلالها على عادات الشعب الفلسطيني وأرضه وخساراته التي لا يمكن أن تعوض بأي ثمن، هي قصص لكنها تنقش تاريخا لا يمكن محوه من الذاكرة.

لغة الروائية جاءت قوية، سهلة ممتنعة، بعيدة عن التعقيد، والسرد كان سلسًا مشوقًّا. تعتبر الرواية مادة تاريخية توثيقية دسمة يمكن تركها لأجيالنا القادمة، كما أنها إضافة قيمة لرفوف الأدب العربي.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى