هل يلعب الحظّ دوره في نيل جوائز الرّواية؟
أصبح للرّواية مكانتها المرموقة في عالم الأدب؛ بحيث بات البعض يقول بأنّنا نعيش عصر الرّواية؛ ومن هذا المنطلق كان لا بدّ أن يكون هناك اهتمام بهذا اللون من الأدب الّذي اجتذب أعدادًا كبيرة من القرّاء، لهذا دأبت معظم المؤسّسات الثّقافيّة على إقامة مهرجانات خاصّة للاحتفاء بـالروائيّين وتكريمهم وتقديم الجوائز القيّمة لهم.
ولربّما اعتبرت جائزة نوبل من أهم وأشهر الجوائز الّتي تعنى بهذا الجانب، والّتي بدأت بمنح جوائزها منذ عام ١٩٠١. تقدّم هذه الجائزة لمن عمل في حقل الأدب، وقدّم من خلاله خدمات عادت على الإنسانيّة بالفائدة الكبيرة. وقد حصلت أربع عشرة امرأة على جائزة نوبل في الأدب، باعتبار أنهنّ قدّمن الكثير من الأعمال في سبيل الإنسانيّة، وتعتبر فرنسا أكثر من حصل على هذه الجائزة فقد كان من نصيبها ما يفوق الستّ عشرة جائزة، تليها الولايات المتّحدة الّتي حصلت على اثنتي عشرة جائزة ثمّ المملكة المتّحدة الّتي حصلت على إحدى عشرة جائزة. وقد كان للعرب نصيب في هذه الجائزة المرموقة، حينما فاز الأديب نجيب محفوظ بها عام 1988 وذلك عن مجمل أعماله الّتي قدّمها خلال مسيرته الأدبيّة.
من الجوائز العالميّة الّتي أخذت مكانتها المرموقة أيضا في عالم الرّواية؛ جائزة البوكر الّتي تمنح للأعمال المكتوبة أو المترجمة باللّغة الإنجليزيّة والّتي بدأت حين تأسيسها عام 1968، وأصبح لهذه الجائزة فرع للروايّة العربيّة في أبو ظبي منذ عام 2007. كان للعرب نصيب في هذه الجائزة ولأوّل مرّة في هذا العام ،2019 حينما حصلت عليها الكاتبة العُمانيّة جوخة الحارثي عن روايتها سيّدات القمر.
لم يختلف الأمر في بلادنا العربيّة عن ذلك، فقد خُصِّصَت جوائز مماثلة لتقييم الأعمال الروائيّة العربيّة، من أهمّها جائزة البوكر العالميّة عن الرّواية العربيّة الّتي تفرّعت من جائزة البوكر العالميّة والّتي اتّخذت مقرًّا لها في أبو ظبي حيث تقدّم سنويًّا جوائز لأفضل رواية عربيّة. أيضًا هناك جائزة كتارا الصّادرة من قطر والّتي تمنح إلى خمس روايات منشورة وخمس روايات غير منشورة، جائزة الشّيخ زايد للكتاب، جائزة نجيب محفوظ للأدب في مصر ، جائزة الطّيّب صالح العالميّة للإبداع الكتابيّ وغيرها من الجوائز العربيّة.
ِِِممّا لا شكّ فيه أنّ لهذه الجوائز أهميّتها في التّحفيز على ريّ حقول الأدب والإثمار بالأعمال الإبداعيّة، وفتح باب التّنافس الكبير بين الأدباء لدفع عجلة التّقدم في هذا المجال الإنسانيّ الرّاقي وأن تسهم بشكل فاعل في التّشجيع على ملئ رفوف المكتبات بالأعمال القيّمة، وربّما يعزّى إليها امتلاء السّاحة الأدبيّة بالرّوايات بالعدد غير المسبوق الذي نلحظه في الآونة الأخيرة.
من الطّبيعي جدًّا أن يتبادر للذّهن؛ أن الرّواية الفائزة بإحدى هذه الجوائز، ستكون بلا شكّ قد وصلت إلى أعالي قمّة الإبداع من حيث استيفاء كل العناصر الّتي يتطلّبها السّرد الرّوائيّ، لكن للأسف ما أن يعلن عن الرّوايات الفائزة، إلّا وتنتشر المقالات النّاقدة لهذه الرّوايات، وتظهر الآراء المخالفة مشيرة إلى عدم استحقاقيّتها للفوز ، أو وصولها إلى قائمة التّصفيات الأخيرة، إضافة إلى الإشارة بأنّ هناك روايات قد تمّ ظلمها وأنّها تستحقّ الفوز عوضًا عن الرّوايات المختارة.
ومن هنا تبدأ الآراء المشكّكة في مصداقيّة النّتائج ووجهات النّظر المعارضة لها في الانتشار بشكل لافت، ويتكرر الأمر سنويٍّا بنفس الوتيرة والصّيغة. فهناك من يجزم بأنّ الجوائز مسيَّسة بحيث تعطى للرّوايات ذات المواضيع السّياسيّة الموافقة لأنظمة الدّول المانحة، والبعض يرى بأنّها جوائز اقليميّة تعطى دوريًّا لبلاد مختلفة كل عام، فنلاحظ مثلًا أنّ بلد الفائز لن تفوز بالأعوام القادمة. ويشكّك البعض في أعضاء لجان التّحكيم بأنّهم ليسوا على قدر من الدّراية الكافية بفنّ نقد الرّواية، وتقنيات السّرد، لهذا فإنّ اختياراتهم تحيد عن الاختيار الدّقيق. أمّا البعض الآخر فيرى أنّ للمحسوبيّة دورها في الاختيار، ويرى بعضهم أنّ المجاملات فتحت مصراعيها في هذا المجال أيضًا.
ويشكّك جزء من المعارضين في تواجد أيّة معايير يقوم على أساسها تقييم الأعمال الروائيّة، بحيث أنّ هناك روايات تحظى بالجائزة رغم ركاكة اللّغة والأخطاء الإملائيّة والنحويّة فيها بشكلٍ لافت، وكثير من هذه الروايّات تفتقر إلى فكر يمكن أن يفيد هذه البشريّة، بل الكثير منها يريد غرس فكرة معيّنة في عقول الشباب لتتماشى مع الأنظمة المانحة الّتي تريد فرض نفسها وهيمنتها على مجتمعاتها.
وعن رأيي الشّخصي فإنّني أرى أنّ الكثير من هذه الآراء صائبة، ولن نعمّم الأمر كما دومًا، فمع وجود الرّوايات الفائزة الّتي تفتقر إلى أدنى مقوّمات السّرد النّاجح، و تعجّ باللغة الرّكيكة، والأفكار الهدّامة، يوجد هناك روايات اكتملت فيها كلّ عناصر السّرد النّاجحة لتجعل منها إرثًا حضاريًّا يزيّن رفوف المكتبات، وزادًا أدبيًّا دسمًا نتركه للأجيال القادمة الّتي لم يحالفها الحظّ في العيش في بيئة حضاريّة تنعش ذاكرتها المتخمة بالهزائم والخيبات.
ولعلّ من المؤسف أيضًا أن يكون لهذه الجوائز تحكّمها بالذّائقة، فحينما تفوز رواية ما، يهرع الجميع إلى اقتنائها للتّعرف على مميّزاتها الّتي جعلتها تتوّج على عرش بقيّة الرّوايات، ليجدوا أنّ اللغة الرّصينة وبراعة السّرد والفكرة البنّاءة ليس لها أهميّة في اعتلاء الرّواية القمّة والحوز على الجائزة، ويزيد من الأمر حسرة، أنّ التّصفيق الغبيّ يتعالى بين أيادي أصحاب العقول الجوفاء، فنرى المديح قد بلغ ذروته لرواية كان قد مرّ أحدهم عليها مرار الكرام قبل فوزها، فنجد بعدها على سبيل المثال لا الحصر بأن موقعًا كموقع ال جود ريدز؛ وهو الأكثر شهرة في تقييم الرّوايات، وقد تلألأ بالنّجوم التي ترصّع جبين هذه الرّواية، بل وجاد نقّاد مسح الجوخ في مقالاتهم المادحة ببذخ، فلعلّ وعسى أن ترمي عليهم شهرة الرّوائيّ الفائز بظلالٍ من فتات أضواء هنا أو هناك.
ترى هل ستنتهي دوّامة الرّواية المستحقّة للجائزة يومًا ما؟! لن يكون ذلك إلّا إذا تمّ تعديل آليّة عمل اللجان، بحيث يتمّ انتقاء أعضاء لجان التّحكيم من مختلف الأقطار بشرط أن يكونوا على قدرٍ عالٍ من الوعي والدّراية بفنّ النّقد وبراعة تقنيات السّرد، وأن لا يكون لتوجّههاتهم السّياسيّة والدّينيّة تأثيرها في الاختيار، وأن يرافقهم لجان مراقبة للتأكّد من عدالة سير عمليّة التّحكيم، إضافة إلى أن يتمّ تدقيق الرّوايات دون ذكر اسم الرّوائيّ والبلد الّذي ينتمي له. ربّما من المستحيل تطبيق ذلك في ظلّ الظّروف السّياسيّة الّتي نعيشها والّتي أطاحت بمصداقيّة جلّ الأمور حتّى الأدبيّ منها؛ وعليه يبقى الوضع على ما هو عليه، وتظلّ الجائزة لفتة متواضعة للنّهوض بفنّ الرّواية، وسيبقى الفائز هو الرّابح الأكبر في نهاية المطاف، حيث سيتمّ وصول روايته إلى العدد الأكبر من القرّاء، وسيكون حديث السّاحة الأدبيّة، و يسلّط عليه الضّوء من قبل المؤسّسات الثّقافيّة.
فهل سيكون الحظّ هو الحكم الأكبر على نجاح الرّواية من عدمها بعيدًا عن المصداقيّة؟! هذا ما سنعرفه في القريب العاجل إن شاء الله.