قراءة في رواية «زحف الأزقة»
قراءة في رواية «زحف الأزقة»، للكاتب المغربي عبد الرحيم بهير التي صدرت عن مؤسسة الرحاب الحديثة للنشر والتوزيع، بيروت لبنان، 2014.
تدور أحداث الرواية حول صراع الطبقات الاجتماعية الذي واجهته ومازالت تواجهه المملكة المغربية منذ فترة الاحتلال الفرنسي حتى العام ٢٠١٣، تاريخ نشر الرواية.
يركز الكاتب بداية على تحليل ماهية الحياة، معناها وأهميتها وسخفها في آن، بأسلوب تحليلي شيق ومبسط رغم عمقه، محاورا القارئ، محاولا الولوج إلى أعماقه الإنسانية، فتراه يقول:
"مشيئة الله أن نتعب ونقاتل من أجل البقاء. هذا قدر كل الكائنات الحية لتستمر الحياة. طالما حاورت نفسي آخرتها وأنبتها وحذرتها ووافقتها الرأي وخالفتها؛ وكم واسيتها وأقنعتها وأوصيتها خيرا بي وبذاتها. المرء عندما يختلي بنفسه ويراجعها يكتشف خباياه وأسراره وأوهامه، ضعفه،جنونه وأنانيته (ص.98)".
كما يناقش الكاتب فكرة الموت، بطريقة مثيرة للاهتمام والحيرة، فهو يتخيله بأنه إنعتاق تام، جازما بأنه أفضل من الحياة الدنيا، راسما إياه على أنه مسار نحو اللا تأكد ليعيدنا إلى نقطة البداية، فنحن لا نجزم معرفة سر حياتنا ولا هدفها الأسمى، إنما علينا بالحياة والموت المحتوم غير المبرر المعنى:
"ثم أدرك أخيرا وبصعوبة أنه لا يسمعه. فجأة أمسكت يد بيضاء سماوية بالحسين وحملته خارج بيته. كان يرتفع إلى السماء بلا أجنحة. دخل غيمة كبيرة وداهمه ظلام دامس ووجد نفسه في نفق مظلم. مشى صامتا لا يعلم كم من الوقت استغرق طيرانه، ثم سمع أصواتا ظن أنه يعرفها وشاهد وجوها ومخلوقات غريبة. وأخيرا لاحت له مصابيح عدة في آخر النفق.
واصل الحسين سيره بتؤدة وحذر ثم باندفاع وتيه. وفجأة أخذ يتقلص ويذوب وشعر أن أمرا فوق طاقته يحصل له. ونظر إلى نفسه فلم يراها، وكانت أشعة وأنوار وشمس غريبة تعمي الأبصار قد تجلت أمامه تضيء طريقه السماوي وتساءل:
أين أنا؟ من أنا؟ وتناسلت أسئلة أكثر وقاحة وجرأة، ولما لم يجد لأسئلته أجوبة مقنعة فقد "مات" وهو حزين (ص.122).
ليمر بهموم الناس عموما، والمواطن المغربي خصوصا، شاملا الأديان والطوائف، حيث لا فرق، ليصنفهم بطريقة أكثر واقعية وصدق، على النحو التالي:
"ومشت الحياة بأحفاد الحاج سعيد يركضون وراء المستحيل. انتقل أحمد والعملاق وبوعزة وغيرهم من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر، يحرثون الأرض أو يقودون سيارات الأجرة في مدينة الدار البيضاء التي أخذت أزقتها تزحف على قريتهم. لكنهم حافظوا على تقاليدهم المغربية العربية الأصيلة من كرم، وجود، وتعدد الزوجات، وإنتاج الأطفال فتكاثروا وتنافسوا فيما بينهم، ونبت فوق السهل خلق كثير: كان منهم الورد والقرنفل والياسمين وشوك الصبار وأنواعا مختلفة صالحة وأخرى غير ذلك. لكن المثير للدهشة في كل هذا، أن لكل فرد منهم حكاية خاصة به يكتبها بعرق جبينه ممزوجا بدمه القاني من غير أن يقرأها أحد (ص.166)".
ليعود بنهاية الرواية ليركز على عدالة الله ورحمته التي تساوي بين الخليقة، متصورا لمشهد ما بعد الموت على النحو التالي:
إلى السعادة الأبدية التي تنتظركم جميعا كأرواح زكية. هتف صوت الفضاء اللامتناهي.
كان صوتا حنونا كأنه آت من قمم الجبال العالية.
وانساب ضباب كالهمس الجميل وانتشرت الورود والأزهار والرياحين في أرجاء الكون، وغمرتهم أحاسيس دافئة بعطر ملائكي... وانصهرت الأرواح في فضاء زكي طاهر وحلقت في سحاب نوراني عجيب (ص.224).