الأربعاء ٢٠ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٠٤
بقلم إدريس ولد القابلة

قضايا مغربية - القسم العاشر والأخير ـ المغرب إلى أين ؟

حوار شامل مع الصحفي والمناضل الحقوقي المغربي ادريس ولد القابلة

أجرى الحوار حيان نيوف

في إطار عدة لقاءات صحفية مع شخصيات عربية بارزة في مختلف نواحي الفكر والعمل النضالي ، كان لنا هذا اللقاء مع صحفي ومناضل مغربي عاصر قضايا المغرب ودافع عنها وهو الصحفي المغربي ادريس ولد القابلة .

إدريس ولد القابلة ، الصحفي والمناضل الحقوقي المغربي ، من مواليد مدينة سلا المجاورة للعاصمة الرباط في بدايات خمسينات القرن الماضي حيث تابع دراسته الابتدائية بها و انتقلت عائلته بعدها إلى مدينة القنيطرة حيث درس بها المرحلة الثانوية ثم التحق بجامعة محمد الخامس بالرباط. و في بداية السبعينات و لج سلك التعليم و لم يمض فيه بعض الشهور حتى تم اعتقاله و إيداعه بالمعتقل السري درب مولاي الشريف. و بعد سنة من الاعتقال السري و القسري قدم للمحاكمة ضمن مجموعة "منظمة إلى الأمام" بتهمة المس بالأمن الداخلي للبلاد و محاولة قلب النظام. ثم تابع دراسته العليا بالسجن المركزي بمدينة القنيطرة و بعد الإفراج تابع دراسته بالمدرسة الوطنية للإدارة العمومية و حصل على دبلومها في شعبة الاقتصاد و المالية و في ذات الوقت تابع الدراسات العليا في الفلسفة و علم الاجتماع بكلية الآداب. و بعد قضاء ما يناهز 10 سنوات بالإدارة العمومية أرغمته الظروف على مغادرة الوظيفة.

كانت بداياته في الكتابة منذ السبعينات عندما كان تلميذا بمدينة القنيطرة إذ كان ينشر مقالات في نشرة المشعل و هي نشرة خاصة بالنقابة الوطنية للتلاميذ أسستها "منظمة إلى الأمام". و بعد ذلك شرع في نشر بعض الأعمال على صفحات مجلة الأساس و جريدة الرأي، إلا أن التعاطي الفعلي للكتابة كان من داخل السجن إذ قرر هناك أن يستعد ليكون صحفيا مهما كان الثمن.

ونظرا لطول الحوار وشموليته من جميع الجوانب وتناوله مختلف القضايا الهامة في المغرب ، فقد وجدنا ضرورة تقسيم هذا الحوار إلى حلقات متتالية ، حيث تتناول كل حلقة موضوعا مستقلا. وستتناول الحلقة الأولى من هذا الحوار الصحفي رأي الصحفي ادريس ولد القابلة بما بات يعرف " العهد الجديد " في المغرب ، والوضع الاقتصادي الحالي في المغرب من حيث انتشار الفقر والبطالة ووضع الاستثمار .

حيان نيوف

الأسئلة و الأجوبة

 إدريس ولد القابلة، الصحفي والمناضل الحقوقي، أنت تكتب بشغف كبير، فهل تعتقد أن الكتابة في عالمنا العربي مازالت تملك التأثير المطلوب على الشارع أم أنها مجرد تفريغ لعواطف وأفكار كاتبها ؟
 الكتابة في الوطن العربي حاليا هي في ذات الوقت تعبير عن موقف أو الصمت عن موقف أو تحديد لدور أو دلالة على بلبلة. و في جميع الحالات, الكتابة بالنسبة لي كانت دائما بمثابة نوعا من التعالي الإرادي على الواقع الذي غالبا ما ظل مزريا. و هذا التعالي للهروب أو التناسي أحيانا أو للتمكن من معاينة الآن بعد محاولة التجرد من مؤثرات الذات أحيانا كثيرة.
أما إشكالية تأثير ما أكتب على الغير أو على البيئة التي أعيش فيها, فلم يسبق لي أن تساءلت بصددها يوما من الأيام إذ لا يهمني تأثير كتاباتي على الغير بقدر ما يهمني ضمان استمراريتي في الكتابة عبر فتح فضاءات جديدة و طرح تساؤلات تولد بعضها البعض في ما أكتب اليوم لأستغلها فيما سأكتب غدا و هكذا.

و إن حدث و حصل تجاوب بين ما أكتب و الغير فهذا حافز إضافي لأستمر في الكتابة. و مهما يكن من أمر، فان سؤالكم في واقع الأمر يطرح إشكالية دور المثقف العربي في المجتمع في المرحلة الراهنة، هذه هي الإشكالية- الأم. و يتحدد هذا الدور و هذا الموقف في نظري انطلاقا من قدرة المثقف على إعطاء رأيه فيما يجري من حوله و التعبير عمليا و فعليا عن دوره و دور غيره في المجتمع الذي يعيش فيه.

و انطلاقا من هذا المنظور لا يحق للمثقف العربي في المرحلة الراهنة أن يعتبر أن الكلمة الحرة و الكلمة الصادقة لا جدوى لها مهما كانت الظروف و الملابسات. لأن المثقف الحقيقي يقول كلمته و يعبر عن قناعاته دون أن يبالي بالنتائج. لأن الكلمة الحرة أو الكلمة الصادقة ستبقى و قول هذه الكلمة هو دور كل مثقف عربي في المرحلة الراهنة بالذات بغض النظر عن سلبيتها أو إيجابيتها.

 مع صعود ملك جديد على العرش في المغرب، تعززت لدى الكثير من المواطنين فكرة " المغرب الجديد " حيث يتم توفير الخبز والحرية، فهل كنت واحدا من هؤلاء الناس وكنت مؤمنا بالمغرب الجديد؟
 كان المغاربة ينتظرون من العهد الجديد تدشين عهد الشفافية و النظافة و الصدق و التخلي عن عقلية تلفيق التهم و التخلي عن التجارب الميكيافلية التي أبانت عن فشلها الذر يع بامتياز على امتداد أكثر من أربعة عقود. لقد كانت و لا زالت الانتظارات كبيرة و ضخمة، و إذا كان قد تحقق تطور على مستوى النصوص و المنهجيات و المفاهيم و التشريعات، إلا انه مازال المغاربة لم يعاينوا فعلا و بالملموس حدوث الطفرة المرتقبة الكفيلة بتجسيد التغيير المرتقب مند مدة.

إن المطلوب مازال لم يتحقق بالدرجة المرجوة الشيء الذي يدفع إلى مساءلة الواقع المعيش و الممارسة الفعلية على صعيد الركح السياسي و الركح الاجتماعي.

ففي الواقع العنصر الحاسم في الشعور بحدوث التغيير المنتظر هو الإنسان، و بالتالي الجانب الاجتماعي بالمغرب الذي لا زال لا يعرف أدنى تغيير أو تحسن يذكر إلى حد الآن. فالمواطن البسيط و العادي مازال لا يلامس أي انعكاس في سيرورة حياته و معاشه و وضعيته و حفظ إنسانيته و كرامته، على صعيد الممارسة، فما زال لا يعاين إلا الخطابات في هذا المجال.
فلا تكفي النصوص و التشريعات و تقرير إحداث هيئات و مؤسسات و آليات و بلورة تصورات جديدة، لأنه في واقع الأمر لا وجود لديمقراطية بدون ديمقراطيين حقا يكرسونها يوميا في مختلف المواقع و في كل مجالات الحياة. إن الشعور السائد لدى عموم المواطنين أن المنتخبين يخلون بدورهم عموما بعد استحواذهم على الأصوات. و بذلك يتخلون عن دورهم الأساسي المتمثل في تمثيل مصالحهم و قضاياهم و مشاكلهم لأخذها بعين الاعتبار في سيرورة بلورة السياسة العامة للبلاد.

و في هدا الصدد بدأت أصوات تنادي بضرورة التفكير في آليات تسمح بالمراقبة الشعبية .

و يزيد الطين بلة بانتشار فقدان الثقة في الأحزاب السياسية. و هدا الوضع يعتبر في نظري بمثابة إعلان عن الخروج من حلبة اللعبة السياسية و ربما لفظها ما دامت أغلبية الشعب على هامش الركح السياسي و ليس ضمنه.
 لو حاولنا الحديث، بداية، عن الوضع الاقتصادي في المغرب، و الأخبار تتحدث عن الفقر الشديد هناك و موت المغاربة و هم في قواربهم نحو بلدان أوروبا، فما هو تفسيرك؟ و ماذا تفعل الحكومة؟
 إن الأزمة التي يعيشها المغرب حاليا هي في واقع الأمر نتاج طبيعي و منتظر لوجود فجوة واسعة بين القائمين على الأمور بالمغرب و أوسع فئات الشعب، ولازالت هده الهوة تتسع مع الأسف، لاسيما على الصعيد الاقتصادي و الاجتماعي. فلقد كان من الطبيعي أن تصل البلاد إلى ما هي عليه من معضلات اجتماعية كبيرة باعتبار السياسات المعتمدة كانت تكرس آليات التفقير و لا تكترث فعلا بالتصدي لأسباب الفقر و التهميش حتى أبان فترات الازدهار الاقتصادي التي عرفها المغرب. و قد ساهمت آليات التفقير الممنهج في تحطيم أساس قيم العدالة الاجتماعية إلى أن أضحت البلاد تعاني ليس من الفقر فحسب و إنما من "الفقرقراطية" باعتبار أن السياسات المتبعة على امتداد عقود ساهمت في إرساء آليات الفقر و التفقير و توفير شروط إعادة إنتاج تلك الآليات و بالتالي استمرارها.
إن السياسات المنتهجة بالمغرب عملت أساسا على تنمية امتيازات الأقلية على حساب السواد الأعظم لفئات الشعب المغربي، و لم تنفع الحلول الترقيعية و الروتوشات التقنوقراطية لأن الاختيارات ظلت مستندة على خدمة مصالح آنية و مستقبلية مرتبطة بتحالف طبقي سائد لم يسمح أبدا بإحداث تغييرات و إصلاحات جوهرية تكون انعكاساتها الايجابية واسعة المدى على عموم الشعب.

فعلى امتداد ما يناهز نصف قرن و أوسع فئات الشعب المغربي تناضل باستماتة من أجل تحقيق شروط العيش الكريم، و لا زالت إلى حد الآن تنتظر تحسين الأوضاع الاقتصادية و الاجتماعية عبر ضمان شروط الحد الأدنى للعيش الكريم الذي يحفظ للإنسان صفته الإنسانية.

فالشباب بالمغرب يشعر بالفراغ و اليأس و السأم في ظل استشراء التهميش الممنهج الشيء الذي دفع عددا كبيرا و متزايدا إلى الارتماء في أحضان إيديولوجيات الدمار أو المغامرة بحياتهم على قوارب الموت بحثا عن النجاة من القهر و التهميش و الحسرة على ضياع مستقبل مند البداية.
و أساس هدا اليأس هو فقدان الثقة في الغد و ضياع الأمل و فقدان الثقة في الوطن لعدم قدرته على احتضان أبنائه و تمكينهم من مكان تحت شمسه. و يزداد الطين بله في ظل انعدام قنوات مجدية لدمجهم، بل على العكس من ذلك يعاينون تفعيل و إعمال آليات تهميشهم باستمرار.

لقد أضحى أغلب الشباب بالمغرب لا ترتكز أقدامهم على أرضية صلبة، و أغلبهم يعي أنهم مهمشون في وطنهم، فكيف لهم مواكبة الركب الحضاري و هم على هامش المجتمع رغما عنهم؟ و كيف لهم و هم المهمشون قسرا أن يساهموا في خلق و الإبداع خدمة للبلاد و تنميتها؟ و هل واقع من هدا القبيل يسمح فعلا بالتطلع إلى المستقبل و التهييء إليه؟

إنها تساؤلات ترعبني حقا لأنها تجعل مستقبل البلاد مفتوحا على جميع الاحتمالات.

و عموما لازال الوضع بالمغرب يتميز بخصاص واضح في المجالات الاجتماعية بفعل الاعتناء بالاكراهات و اللهث وراء الحفاظ على التوازنات العامة كأولوية الأولويات و لو تطلب الأمر التضحية بكل الباقي. و هذا في ظل غياب الشروط الأدنى الضرورية لتحقيق نمو اقتصادي بنسبة يمكن بها إعطاء انطلاقة لسيرورة التنمية الشاملة المستدامة. و في وقت انكشفت فيه بشكل مفضوح عدم استجابة جملة من الآليات و القوانين لمتطلبات الاقتصاد الوطني, بل و حتى لإمكانية أي تصور تنموي. و هكذا فلا نحن حققنا النسبة المطلوبة من النمو الاقتصادي و لا نحن استطعنا التخفيف من تزايد الفقر و استفحال البطالة و التصدي لانتشار السكن العشوائي و غير اللائق, و لا نحن شرعنا في التغيير الجدري لمنظومة تعليمنا المهترئة و لو على الأقل من أجل التخفيف من مهزلة المزيد من تخريج العاطلين و المعطلين و إنتاج و إعادة إنتاج البطالة.
و اعتبارا للمعطيات الرسمية – على علتها – فان الوضعية تدعو إلى القلق. فمعدل النمو لازال ضعيفا -3.9 في المائة- و لم يرق بعد إلى مستوى الحد الأدنى المطلوب. و هدا في ظل التردي المتزايد للخدمات الاجتماعية التي تقهقرت عن مستواها السابق, علما أنه كان يوصف كذلك بالتردي, فلازال أكثر من نصف الساكنة محرومة من الكهرباء و الماء, و ما يناهز 70 في المائة يعيشون في فضاءات تنعدم فيها قنوات التطهير. و زادت هده الأوضاع ترديا مع تنامي عجز ميزانية الدولة.

و إذا أضفنا محدودية السوق الداخلية إلى استمرار العجز البنيوي للميزانية العمومية و ثقل خدمة المديونية العمومية و عدم استجابة القطاع البنكي لخصوصيات الظرف الذي يجتازه المغرب, فيمكن بسهولة استنتاج و ضعية الاستثمار و ظروف نفور المستثمرين.

و من المفارقات الغريبة أنه في ظل هدا الوضع المتأزم تم الاستثمار لأموال مهمة في بنايات تعليمية أو استشفائية ظلت مغلقة اعتبارا لكون المشاريع و التجهيزات المبرمجة خضعت لتوزيع كرّس المزيد من الفوارق الجهوية و الإقليمية, الشيء الذي جعل جملة منها بدون قيمة مضافة اجتماعيا و اقتصاديا. و مما زاد الطين بلة أن القوانين المالية لم تنسجم و مضمون المخطط الخماسي للتنمية الاقتصادية و الاجتماعية 2000-2004 .

و قد قيل و مازال يقال أنه هناك مراهنة على القطاع الخاص للنهوض بالاستثمار بالمغرب, و في نظري أن هذا يعد من أكبر السذاجات إذا علمنا أن القطاع الخاص بالمغرب مكون في أغلبيته من المقاولات المتوسطة و الصغرى التي مازالت تتخبط في جملة من المشاكل العويصة, و هي نفسها في حاجة لمن يمد لها يد العون, فكيف و الحالة هذه يمكن التعويل عليها في إنعاش الاستثمار و سوق الشغل؟

و خلاصة القول أن الدولة و الحكومة لم تتوفقا في عدة مجالات و على رأسها إنعاش الاستثمار و سوق الشغل و التصدي للفقر. كما أن الخدمات المقدمة في مجالات حيوية كالتعليم و الصحة و السكن لم ترق حتى للمستوى المطلوب بالنظر إلى الأموال التي تنفق عليها. و بذلك يكون نمط تدبير الحكومة غير ملائم تماما لضمان انطلاقة تنموية مستدامة, لاسيما و أنها لم تتبع التعبير عن نواها بإجراءات عملية ملموسة عبر تطوير القدرة على تحليل المكونات للتفاعل معها في أفق صياغة برامج واضحة المقاصد حتى تتمكن من ترجمتها على أرض الواقع كانعكاسات مرئية و ملموسة على مستوى عيش المواطنين.
 حرية الصحافة في المغرب : نلاحظ توسع هامش الحرية في العهد الجديد وإطلاق سراح صحفيين والتجاوب مع بعض مطالب مؤسسة " مراسلون بلا حدود " ، ولكن لا يزال هناك بعض الصحفيين في السجون بتهم سياسية وبعضهم أضرب عن الطعام دون فائدة، فكيف يمكن أن تصف لنا هامش الحرية هذا ؟
 في السابق كانت الصحافة مثل كل مناضلي المغرب المخلصين، عرضة و ضحية لعقيدة أمنية سائدة و هي عقيدة الضربة الأمنية الاستباقية التي سارت على هديها الأجهزة الأمنية المغربية منذ نشأتها في فجر خمسينات القرن الماضي.
و في غضون سنة 2003 حدثت أجواء من التوتر شهدها قطاع الصحافة بالمغرب، و تمثلت في اعتقال خمسة صحافيين، وهو الأمر الذي لم يحصل سابقا في المغرب حتى في أقصى سنوات القمع و السنوات الرصاصية. و من ضمن هؤلاء علي المرابط مدير أسبوعية" دومان" و محمد الهرد مدير جريدة "الشرق" وقد دخلا في إضراب عن الطعام. فالأول محكوم بثلاث سنوات سجنا و الثاني لوحق بتهم خطيرة بموجب قانون مكافحة الإرهاب الذي تمت المصادقة عليه من طرف البرلمان مباشرة بعد أحداث 16 مايو 2003 بالدار البيضاء.

و عموما ، و حسب رأي أغلب الصحفيين المغاربة، فان التعبير عن الرأي مضمون بقوة القانون لكنه ممنوع بقوته أيضا حين يحيد عن الأهداف النبيلة للعمل الصحفي، لاسيما و أن البعض يعتبر أن الميدان الصحفي في المغرب أضحى عرضة لمن هب و دب.

و مهما يكن من أمر على الصحافة المغربية أن تشكل فضاءات للرأي و الرأي الآخر لأن هذا هو السبيل الأجدى و الأنجع لتمكين الرأي السديد و الرؤية الصائبة من إيجاد موقعها و مكانها في المجتمع المغربي.

و بخصوص قانون الصحافة الأخير، فإذا كان قد وسع مجال الحرية في الإعلام، و ذلك بتنصيصه على حق المواطن في الإعلام و حق وسائل الإعلام في الوصول إلى الخبر و المعلومات دون قيد مع حرصه بالمقابل على التنصيص على واجب التقيد بالقانون و أخلاقيات المهنة، فانه لم يرتب أي جزاء على حرمان وسائل الإعلام من الوصول إلى الخبر و المعلومات الضرورية لعملها و القيام بواجبها، و لم ينص على حق الصحفي في الحفاظ على سرية مصادر الخبر. كما أنه حافظ على الإقرار بالعقوبات الحبسية في حق الإعلاميين، و بذلك أعاد صياغة ما يسمى بالخطوط الحمراء التي لا يحق تجاوزها و هذا أمر لازال الصحفيون يتصدون إليه بالمغرب.

 هل ازداد عدد الصحف التي تصدر في المغرب ؟

 أكيد أن عدد الصحف بالمغرب يزداد باستمرار لاسيما الصحف المحلية و الجهوية.

و هناك أكثر من معيار لتصنيف الصحافة و الصحف المغربية اعتبارا لكثرتها الملفتة للنظر. فهناك الصحافة الحرة المنعوتة بالمستقلة لعدم علاقتها أو ارتباطها الظاهر بأي هيئة سياسية، و الصحافة الحزبية. كما هناك الصحافة المدعمة ماديا من طرف الدولة و كلها أو أغلبها حزبية، و الصحافة المتروكة لحالها و المعتمدة على نفسها. و هناك الصحافة المهنية و الصحافة الساعية لتكون كذلك. و هناك الصحافة المحترفة و الصحافة الهاوية. و هناك صحافة الرأي و صحافة الخبر و صحافة – الخبطة- و صحافة الإثارة و صحافة الارتزاق. كما هناك الصحافة المهتمة بالشأن الوطني و المحلي معا و الصحافة المهتمة بالشأن الجهوي أو المحلي فقط. و في السنوات الأخيرة بدأت تظهر بالمغرب الصحافة المتخصصة.
إن الصحافة المكتوبة بالمغرب تتميز بتنوعها – المفرط حسب اعتقاد البعض – و أغلب الجرائد الصادرة تدخل في نطاق صحافة الرأي و التحليل. و قد عرفت خلال السنوات الأخيرة طفرة هامة طبعت بتجديد و تحديث التجهيزات و إدماج الشباب و مراجعة المحتويات و الأشكال و طرق الإخراج، بالإضافة إلى الزيادة في عدد الصفحات.

حاليا، أن التصنيف البارز بالمغرب هو الذي يقسم الصحافة المغربية إلى صحافة مستقلة و صحافة حزبية. و إذا كانت الصحافة الحزبية قد دفعت سابقا ثمنا باهظا دفاعا عن حرية الرأي و التعبير، فان الصحافة المنعوتة بالمستقلة تتعرض حاليا إلى مضايقات خلافا لما هو الحال بالنسبة للصحافة الحزبية.

و بخصوص الصحافة المستقلة لا مناص من التمييز بين الصحافة الصادرة باللغة العربية و تلك الصادرة باللغة الفرنسية. فمن الملاحظ أن هناك تدني أو شبه غياب الإشهار عن الصحافة المكتوبة بالعربية مقابل انفراد الصحافة المكتوبة بالفرنسية بالقسط الوافر و بحصة الأسد من الإعلانات و الاشهارات. و في واقع الأمر ليس هناك ما يبرر هذا الحيف البين سوى اللغة و ربما استهجان القارئ العربي رغم أنه أضحى من الواضح حاليا أن المستقبل، استنادا على كل المعطيات و الحسابات و المؤشرات، هو للصحافة المكتوبة باللغة العربية. و من المرجح أن يكون عدم حصول الصحف المكتوبة بالعربية على الدعم الاشهاري سببه الأساسي هو أن مراكز القرار الاقتصادي و التجاري لازالت فرانكفونية أو على الأقل مفرنسة حتى النخاع.

و لتكون الصورة أكثر إنصافا لا مندوحة عن الإشارة إلى أن الصحف الصادرة بالأمازيغية بالمغرب أضحت تخطو خطوات ثابتة و تحتل رويدا رويدا حيزا مهما من المنظر الإعلامي المغربي، و من شأن هذا التقدم أن يغني أكثر التعددية الثقافية و الصحفية ببلادنا.
  هل تلعب نقابة الصحافة في المغرب دورا إيجابيا بدعم حرية الكتابة والتعبير ؟

 إن النقابة الوطنية للصحافة المغربية تأسست في يناير 1962 بهدف الدفاع عن المهنة و شرف الكلمة و لتكريس حرية الصحافة و الرأي و التصدي لكل مضايقات التي تمارس ضد انتشار الكلمة الصادقة و العمل الصحفي المبني على قواعد احترام أصول المهنة و أخلاقياتها. بفضل جهودها و نضالها تمكنت من إلغاء الصحافة الفرنسية الاستعمارية التي كانت تصدر بالمغرب، وذلك في أكتوبر 1970.

و استمرت مشوارها في الدفاع عن حرية التعبير و مقاومة سيف الرقابة الذي كان بالأمس القريب مسلطا على رقاب جميع الصحافيين المغاربة، إلى أن رفعت نهائيا في مارس 1977 المتضمن لعدة تضييقات على حرية الصحافة و النشر. و في سنة 1980 أدخل تعديل في القانون الأساسي للنقابة لفتح باب العضوية فيها لكل صحفي بغض النظر عن الانتماء لمؤسسة. و قد شكل مؤتمر 1984 قفزة نوعية في حياة هذه النقابة لاسيما فيما يتعلق بالهيكلة و التصور، الشيء الذي جعلها تحافظ على تماسكها و فرض نفسها كمحاور أساس في قطاع الإعلام داخليا و خارجيا. و هي من مؤسسي اتحاد الصحفيين العرب و عضو في المنظمة العالمية للصحفيين مند 1986 و الفيدرالية الدولية للصحفيين مند 1991 .

و في يوليو 2002 ثم تنصيب الهيئة الوطنية المستقلة لأخلاقيات الصحافة و حرية التعبير، و هي آلية أحدثت بعد سنتين من النقاش للسهر على تطبيق ميثاق أخلاقيات مهنة الصحافة و حرية التعبير بهدف تحسين الأداء الإعلامي، قناعة من الصحفيين المغاربة بأن حرية الصافة و الحفاظ على شرف المهنة و حماية الصحافيين تعتبر ركائز جوهرية. و هذه الهيئة مستقلة و لا تتشكل بديلا عن القضاء أو الوسيط الإعلامي, إنها تمثل سلطة أخلاقية داخل المهنة لتقويم السلوك المهني و آلية للضغط من أجل الحد من الانتهاكات التي تطال حرية التعبير و الرأي بالمغرب، و تضم الهيئة 23 عضوا و تتكون من النقابة الوطنية للصحافة المغربية، الفدرالية المغربية لناشري الصحف، الجمعية المغربية لحقوق الإنسان جمعية هيئات المحامين بالمغرب، المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، لجنة الدفاع عن حقوق الإنسان، الجمعية المغربية لمحاربة الرشوة، اتحاد كتاب المغرب و العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان.

في واقع الأمر إن نشأة الحركات السياسية ذات الطابع الديني بالمغرب، كانت مع الحركة الشبيبية الإسلامية التي شكلت المعين لمختلف الجماعات المغربية المنعوتة بالتطرف حاليا و كان قيام تلك الحركة نتيجة هاجس سياسي يتوخى مواجهة المد الكبير لفصائل الحركة الماركسية – اللينينية (منظمة إلى الأمام، منظمة 23 مارس و منظمة تخدم الشعب ) التي كانت متجذرة آنذاك وسط الشبيبة المدرسية و الجامعية عموما أكثر من كل الأحزاب قاطبة، و بذلك أزعجت الجميع، لاسيما و كانت تحمل مشروعا مجتمعيا مختلفا كليا عن رؤى النظام و رؤى مختلف الأحزاب حتى المعارضة منها.

إضافة إلى أن الحفاظ على تعدد الحركات الدينية كان من أهم الوسائل المفضلة لدى الملك في الحكم، اذ كان القصر يبدي اهتماما خاصا و احتراما لمختلف مظاهر الإسلام الشعبي. ومهما يكن من أمر تظل خلفيات أحداث 16 مايو 2003 الإرهابية في نظري تكمن في جملة من العوامل المتداخلة و من ضمنها العجز عن استهلاك الحداثة و قيمها، الشيء الذي أدى إلى رفضها من طرف بعض شرائح المجتمع المغربي، و هدا الرفض أدى بدوره إلى رفض الغرب عموما ما دام هو المنتج للحداثة و هو الاعتقاد مغلوط. لأن الحداثة هي فعل إنساني و ليست حكرا على الغرب. و قد ارتبط رفض الحداثة من طرف البعض بشروط اقتصادية و اجتماعية و ثقافية تمثلت في آليات التهميش الممنهج و توسيع قاعدة السكن غير اللائق و استفحال الفقر بفعل آليات الفقرقراطية و انتشار البطالة و انعدام شروط العيش الكريم التي تحفظ الإنسانية.

و عموما يمكن القول إن عولمة الاقتصاد أدت إلى عولمة التطرف، و من ضمنه التطرف الديني و التطرف الإيديولوجي، علما أن الخطاب الناتج عن الصدمة النفسية أو الصدمة التاريخية أو الصدمة الحضارية لا يمكن أن يكون إلا خطاب عداء و كراهية، خطاب تنعدم فيه الفواصل بين الديني و العقائدي و السياسي. و أعتقد أن أحداث 16 مايو 2003 الدامية بالدار البيضاء هي نتاج طبيعي لتظافر جملة من العوامل المتداخلة، فاذا كان الفقر و التفقير و التهميش الممنهج و الأوضاع الاجتماعية و الاقتصادية المتردية التي يعاني منها عدد كبير من المغاربة مكنت من توفير التربة الخصبة الملائمة لبروز التطرف و ترعرعه إلى أن بلغ مستواه الإرهابي المتمظهر في تفجيرات الدار البيضاء و التخطيط لأخرى بأكثر من مدينة مغربية، فلا يجب نسيان العامل الديني الذي لعب دورا مهما للغاية كذلك لاسيما فيما أسماه البعض بالتسيب الديني الذي انتشر بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة بالمغرب بفعل إطلاق العنان لمن هب و دب لإصدار الفتاوى و السماح لنفسه بالتحليل و التحريم و التكفير و الإقرار بالحدود و تغيير النصوص الأساسية حسب الهوى. و قد ساهم نشاط التيارات الإسلامية الاطلاقية في تفعيل و إعمال كل العوامل السالفة الذكر ليصل الوضع إلى ما وصل إليه يوم الجمعة الأسود بالدار البيضاء، و الذي في الحقيقة لم يمثل إلا الجزء اليسير الظاهر من الجبل الجليدي العائم في بحر ركح المجتمع المغربي . و عموما كلما ضاقت أو انعدمت الفضاءات الدنيا لتعبير المواطنين عن تطلعاتهم و استمر إقصاء أوسع الفئات و الشرائح من الشعب عن المساهمة في صياغة القرار و تطلعت ملاجئ الاحتكام ضد الظلم و تفشي احتكار ثروات و موارد البلاد و عم الشعور بالقهر و الحرمان و التهميش إلا و تكاثرت عوامل إنتاج العنف السياسي. و اللجوء إلى الإرهاب- الذي يعتبر ظاهرة مرضية بالمجتمع المغربي- ينجم من شعور عميق بامتداد جميع الآفاق و من سيطرة تشاؤم مطلق، و هو في آخر المطاف ردة فعل عمياء تأتي على الأخضر و اليابس.

 الكاتب والصحفي والمناضل الحقوقي، إدريس ولد القابلة، كيف ترى مستقبل المغرب ؟

 أظن أن السبيل الأجدى و الأنجع لإعداد لمستقبل أفضل هو اعتماد استراتيجية تنموية متوجهة إلى الذات و معتمدة على عوامل داخلية يتم التحكم فيها عوض جعلها ترتكز على عوامل خارجية لا يمكن التحكم فيها كما هو حاصل إلى حد الآن بالنسبة للمغرب. و على هذه الاستراتيجية أن تأخذ في حسبانها القيم الاجتماعية و الثقافية للبلاد و حاجيات المجتمع كما هي معبر عليها ديموقراطيا عوض الاكتفاء بالعناية بحاجيات الأقلية المحظوظة.
في نظري لا يمكن التفكير في المستقبل دون الإقرار بالإرادة اللازمة لإصلاح جذري لعملية توزيع الثروات المادية و المعنوية بطريقة لا يلعب فيها الانتماء السياسي و لا الطبقي و لا العشائري و لا الزبوني.

و كما يقول الدكتور المهدي المنجرة ليس هناك مستقبل واحد بل هناك تعدد في المستقبلات، لذلك وجب التهييء للغد منذ البارجة و ليس منذ اليوم.
المستقبل بالمغرب عموما يظل خاضعا لسيرورة عامة لا تخفى على أحد، و هي سيرورة تتشكل من ثلاث مراحل :
الاستقرار و البحث على إبقاء الواقع على ما هو عليه
السعي وراء الإصلاح لمحاولة التصدي إلى التصدعات و تسكين الآلام أو إخفاؤها و لو مؤقتا
فرض التغيير بعد استفحال آليات الفقرقراطية و المكر السياسي و سياسة المكر و سيادة فقدان الثقة في آليات الدولة و آليات المجتمع.

لذلك فلا مناص من بلورة رؤية مستقبلية واضحة المقاصد و التي مازال المغرب يفتقدها إلى الآن. و هي رؤية لابد أن تعتني بالمواطن البسيط و الواقع الفعلي و ليس القفز عليه كما ظل يجري إلى حد الآن.

ففي نظري رغم كل ما يقال فان المواطن البسيط لم يستفد بعد من ما يسمى بالتغيير، و هذه بالنسبة لي إشكالية جوهرية تعتبر من بين العوامل المحددة لمستقبل المغرب.

و يبدو أن الشيء الوحيد الظاهر و البارز الذي له مستقبل في المغرب هو الفقر لذا وجب بلورة رؤية مستقبلية واضحة المعالم و محددة المقاصد، و مع الأسف الشديد لازال المغرب يفتقد لمثل هذه الرؤية. كما أنه مع الأسف الشديد مستقبل المغرب يحدد الآن من طرف الغير و عبر إرشادات و توصيات تبلورت خارج المغرب و من طرف غير المغاربة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى