الثلاثاء ١ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٠٥
بقلم خالد زغريت

كلُّ تلِْكَ الْفَاْسِقَاتِ بَنَاْتُنَاْ

.. برغم أني ولدت وفي فمي طعم حليب السباع الذي جلبه الزير للجليلة..برغم أني تعرفت كل اليتم والتشرد.. لأن جدي طلق ستي بالثلاث.. حين رغبت في حسن معاشرته فراحت تروي لقطات بانورامية من قصة جميل وبثينة، طامعة بأن يحسّ على دمه ويحنّ عليها بقبلة : فقالت لما قدمت بثينة في آخر الليل إلى جميل رفعت لثامها فاقترب جميل.. هنا جنّ جنون جدي.. فصرخ : ليس منا من يشكك بأخلاق أجدادنا العرب.. فكيف بمن يتطاول على جداتنا.. ماذا أبقيت لنا.. لم يبق إلا أن تقولي كانت شجرة الدر تعاشر زوجها، أو زنوبيا تتعرى بكل جلال قدرها أمام بعلها.. وأرعد، وأبرق، ولم يعرف أن يبلع لسانه.. فثارت جدتي، صارخة يعني العربيات ولدنا أبناءهن من أكمامهن.. هنا طاش صواب جدي.. مزبداً ماذا تريدين أن تقولي..إن أمهاتنا داعرات.. كاسيات عاريات.. والله سأقص رقبتك.. ما ينقصنا أن تقولي إن هارون الرشيد الذي يحج عاماً ويغزو آخر كان يمضي وقته في مخدع الجواري.. عرفتُ الآن.. أنت لست من صلب عربي.. ربما دسك في رحم أمك فارسي.. أنت طالق..ال.. وكأنه لا تعرف أنه لا توجد عربية واحدة بلا سروال برغم أنهن عشنا في عرض الصحراء وطولها وتحت لهب الشمس..تقول جارة ستي : خرجت باكية ولأول مرة سمعتها تشتم كليب الذي كان جدي على استعداد أن يقتل من لا يردف ذكر اسمه بعبارة عزّ كلبه.. وهمست بأذنها وكأنها فقدت عقلها : قولي له : طز بسيف ذي يزن،و الزيناتي خليفة، وخفتَ صوتها أكثر وتملكها الخوف ونبرت كأنها تطلق الروح: قولي له أيضاً :إن ليلى لم تُمِط لثامها وحسب في خلواتها مع المجنون بل يا ستر الله.. اعف عني يا رب.. وكانت تريه نحرها وشعرها و.. وركضت تتمتم : والله كل جداته أمضين عمرهن في الصحراء بلا سراويل.. صدقوني لو سمعها جدي.. لأكل لسانها وكبدها فهو يتبع سنة هند ويزيد.. أنتم لا تعرفون جدي وتقديسه لأجداده وعرض نسائهم.. كل الضاحية تعرف أن جدي لما تزوج للمرة الأولى أمات زوجته أشنع ميتة.. إذ لما دخل عليها.. خلعت المسكينة ثوب عرسها كاشفة عن ساقيها حتى الركبتين وعن صدرها،فما كان منه إلا ربط فمها بمنديله العتيد الذي يقول عنه إنه ورثه من جده..عن جده..عن جده..الذي حمل راية تغلب في المعركة التي قتلت فيها همام..ومن يومها وهو محفوظ حفظ حدود الأمة ومقدساتها.. وبعد أن أحكم ربطها رماها في الزريبة لمدة يوم.. وراح يبحث عن أفعى..وحين وجدها سامة جداً.. أحضر كيساً.. ووضع فيه عروسه و أتبعها بقط شرس و الأفعى،ولكم أن تتصوروا فظاعة ميتة المرأة التي لم تحتشم أمام عريسها.. وقد بارك أبوها رجولته فلم يقبل فيها العزاء.. لكن جدتي..كانت ذكية، فبعد طلاقها.. احتالت وكادت حتى حملت من حكيم الضاحية الأخرس.. فهو أخرس أولاً، وثانياً فعلتها في الهواء الطلق قرب معبد (بل) فلم يرهم أحد فمن أين لهم بأربعة شهود.. أما اختيارها المكان فكان نكاية بزنوبيا.. فقد قالت للأخرس وهي تثنيه عن تعففه..ألا ترى أن زنوبيا تركت كل الحضر وجاءت إلى هذه الصحراء لتمارس رغباتها في الهواء الطلق وبنت معبد بل على مساحة مضجعها.. لما ولدت ستي طلبت من أبيها أن يأخذ ابنها إلى أبيه.. وصل الخبر إلى جدي.. فجن وقدم حافياً صارخاً من أين يكون لي ولد ولم أمسسها..منذ عام .. فردت ألم أرسل من تسعة أشهر بالتمام والكمال بطلب عباءتي من منزلك وأنت بيدك أعطيتها للأخرس قال صحيح قالت نمت في العباءة يومها فحملت..وعندما أراد أن يحتج .. علت نبرتها وأردفت.. ألا ترى أنك تشكك بأجدادك. قل لي إذن : كيف حملت زوجة هارون الرشيد وهو عام يحج وآخر يغزو.. لا تقل لي أستغفر الله إن زوجته كانت تلد يا عيب الشُّوم لأنها كانت تتعرى في مخدعه.. وجدي كما عرفتم يقبل كل شيء و لا أن يشكك أحدهم بحشمة جداته.. فأقبل على الطفل قبله بحرارة.. معتذراً عن شكه بجدتي وقال نسميه المهدي.. فسيكون له شأن بإذن الله.. إنه حرّ من صلب أجداده.. وبرغم كل ذلك،المهدي لم يصبح أخرس.. لكن المشكلة أن الأخرس صار يتعرى في الليل من حكمته، ويحن لليلة بل.. فراح يبتز جدتي.. التي توقن أن المرأة الوفية.. لا تكرر الخطأ مرتين.. فعندما تضطر راضخة لتهديداته.. كانت تذهب إليه منتصف الليل حيث لا حرج على النائم.. محتشمة جداً لا تكشف عن وجهها.. حفاظاً على شرف جدي.. وكانت كل تسعة أشهر تطلب من جدي أن يلمس العباءة ويعتكف عنها ليبحث عن اسم لابنه الجديد.. حتى بلغ عدد أولاده اثني عشر من دون الأخير الذي سماه العاصم.. ورغب أن يهبه للأخرس ليعينه في كبرته فقد كان يتلعثم في نطق حرف العين وجدي لا يقبل ألا يكون أولاده طلقاء اللسان ينبرون الحروف العربية على حقها.. ولا سيما أنه لن يستطيع أن يتغنى بمأثور جدي المقدس : نحن بنو يعرب أعرب الناس لساناً ، لكن كل ذلك هين مقابل انتقام العاصم من أبيه الذي تخلّى عنه كما يرى.. وخطر له خاطر لم يكن بخاطر عربي يعتز بكليب وفصاحته.. فقرر أن يصبح مطرباً باللغة العامية و الأنكى راح يعد فيديو كليب.. وكلما سمع جدي عن أخباره التي جعلته يعيش حداداً بلا حدود.. يسأل جدتي : أأنت متأكدة أن أحداً غيري لم يلمس العباءة ليلة حملك بالعاصم.. كانت تقسم له ببل وزنوبيا أن عباءتها لم يلمسها أنسيٌّ غيره.. وأرادت أن تخفف عنه.. فقالت له:

ما رأيك أن نعدل الوضع فنجعل أولادنا الاثني عشر يغنون بالفصحى.. فتكون الغلبة لأجدادك.. رضخ مرغماً للفكرة.. قيل والراوي لا يكذب : إن جدتي بكيدها الذي يهد الرجال.. تمكنت من أن تجعل جدي متابعاً لكل الكليبات العربية.. بعد أن غرق من دون أن يشعر وراح يمضي ليله ونهار في تقليب المحطات.. ولكي يخفف من انكساره وهزيمته راح يعد الراقصات في كل كليب ويحوقل ويردد أعوذ بالله.. تجاوز عددهن نصف عدد صبايا العرب.. من بقي في البيت إذن يربّي أبناءنا.. ثم يحوقل مرة أخرى ويقول: الله يستر عليهن إنهن بناتنا... فترد جدي بكيدها.. ما شاء الله كل تلك الفاسقات بناتنا..فكان جدي يجن من الجواب.. فيختلي بالعباءة.. يناجيها دون فائدة فقد كانت خرساء وحكيمة أيضاً..


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى