لو لم أولد سورية
كان من الممكن أن يكون في العمر بقية، لأحلم كغيري من الأطفال بحضن دافئ يضمني بين ذراعيه دون هذا القبر.. لو أن أبي وافق منذ ثلاثة أعوام أن يهجر وطنه الأم بحثاً عن مصدر رزق يقيه حرّ الشمس وسوط الشتاء والسلطة وهو واقف ينتظر حصته من البحر.. هل كان يعلم أبي في تلك اللحظة أنه سيدفع ثمن تشبثه بالوطن حياتي وحياته من بعدي؟!
كان من الممكن أن يكون في العمر بقية لأحلم كغيري من الأطفال بعروسة أجدل ضفائرها وأقلم أظافرها وألطخ شفتيها بما يقدر لي أن أقتنصه خلسة من صندوق أمي الأحمر.. لو أن أمي وافقت منذ ستة أعوام على ذلك الثري الذي تقدم لخطبتها من خارج البلاد.. هل كانت تعلم أمي في تلك اللحظة أنها ستدفع ثمن تشبثها بالوطن حياتي وحياتها من بعدي؟!
كان من الممكن أن يكون في العمر بقية لو كنت أبعد من مرمى قذيفة ضلت طريق العدو الذي يقبع على حدودنا المستباحة.. ربما خدعت براءتي مطلقها كوننا سيان في ذمته!
كان من الممكن أن يكون في العمر بقية لو أن الأسد لم يكن ملك الغابة، ولو أن الخراف نجت من طاعة إبراهيم لأمر ربه.. من يدري ربما لم أولد بكراً لأبي لأسقط في أول ايام الأضحى وأكسب عاماً آخر!
كان من الممكن أن يكون في العمر بقية لو أني ولدت في وطن آخر أو عشت في منفى آخر، نعم .. كان من الممكن أن يكون في العمر بقية لو لم أولد سورية!