الثلاثاء ٢٦ آب (أغسطس) ٢٠٠٨
بقلم وليد رباح

ما اسم الشيطان الذي أوحى إليك أن تكون كاتبا

أنت تهلوس.. اذن فانت كاتب (الكاتب)

وكاتب على وزن كاذب. واضافوا إليها كاعب. والكاعب هي الحسناء التي تمشي ويرقص ردفاها يمينا وشمالا كالأوزة الجائعة. وما جمعهما أن الأول يؤلف القصص والروايات ويبتدع خياله الكذب على أنواعه.. والكذب حبله قصير كما قالت جدتي. والثانية تترقص وتتراقص عندما تمر أمام المقاهي فيقف الرجال على أيديهم وأرجلهم تطوح في السماء لالقاء نظرة على الردفين من أسفل. وهي كاذبة إذ ربما كان ردفاها محشوان بالقطن الطبي أو الأسفنج أو المحزق كي تظهر على غير حقيقتها.. ولربما كان جسدها الفائر مدهونا ببعض الزبدة فهو إما شايط وإما محروق وإما مكرمش أومتهدل.

ولقد أحسن شاعر مصري وصفها فقال فيها بيتا يغني عن كتاب إذ قال:(وضامرة بكفي احتويها.. وفارعة لقامتها أشب). وأني لموقن أن الاسترسال في هذا الوصف جميل. ولكني اخاف سلاطة ألسنة الذين يدافعون عن الفضيلة فيتهمونني بالمراهقة المتأخرة. وخشية من الأصحاب الذين يتهمونني بأني زير نساء وقد أخذ العمر أحسن ما يمتلكون فغدو(طواشا) لا ينفعون ولا يستنفعون. ولوبقي فيهم بعض الخير لما ظلت البصبصة تلازمهم حتى ذهابهم على المحفة إلى أقرب مقبرة..

والكاتب كمايدعي البعض غير الصحفي اوالصحافي. فالأول كاذب وعلمنا ذلك. إما الثاني فهو أكذب الكذابين ملفعا ببعض الذكاء. فعندما لا يجد مايكتبه عن الناس فان خياله يستنبط له خبرا مثيرا لا وجود له إلا في مخيلته..فان كان خبره (اليقيني) عن المشاهير قامت الدنيا عند صدور الجريدة التي يعمل فيها. إما أن كان عن النكرات فان سرعة النسيان لا تبقي في الخيال سوى هلاميات تنسى في لحظتها. وقد قال الله تعالى في الصحافيين (واني لاعتقد ذلك) إذ قال رب العزة: أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه..

إما موقع الشاعر في هذه المعمعة فهوأخ للشيطان. ورفيق للمردة والعفاريت والسحرة.ولا اريد أن اصفه كما وصفه رب العزة. فهويصنع من ماء البحر (طحينه) ومن السماء زهورا متفتحه. ومن القبيحة اجمل الجميلات. ومن النجوم ورودا يهديها لحبيبته التي يبتدعها ولايراها إلا في احلامه. ولكنه والحق يقال. يستطيع أن يقلب لك الدنيا فتراها كما يراها. فترى رغيف الخبز كأنه قمر في منتصف النهار. وترى البيت الحقير كأنما هوقصر يعلوالسحاب.. وزير الماء يصفه وصفا دقيقا بحيث تتمنى أن تخلع ملابسك للسباحة فيه. إما وجه الحبيبة فحدث ولا حرج.. فهويراها في كوب الماء الذي يشربه. وتجلس إمامه في داخل وردة جورية مبتسمه. فاذا ماجاءته الصحوة (وهي غيركتائب الصحوة العراقية) فانه يرى الاشياء على حقيقتها!!

ولقد مضت فترة من الزمان في السبعينات من (قرننا) الماضي تحول الكتاب فيها إلى شعراء. فأكل بعضهم الشمس وشرب اخرون القمر وفئة ثالثة اصبح اعوجاج الكلمات والجمل فيما تكتب عربونا للشهرة. كأن يقول لك الكاتب مثلا أن وجه حبيبتي قد تحول دون سابق انذار إلى لطعة بقرية زكية الرائحه. أولمستها فتحول جسدها الطري إلى قطعة من السمنة البلدية ساحت بين راحتي.. أوعبرت إلى سلم المئذنة فرأيت الجنة تقبع في اعلاها.. صعدت ثم صعدت فاذا بي اقع على قفاي لاني لم اجد فيها سوى الهواء.. وجاءت فترة اخرى من الزمان في هذا الزمان فاذا الشعراء يتحولون إلى كتاب.. كأن يرقعك (المتشاعر) مثلا قصيدة لا تعرفها أن كانت مقالة اومداخلة نفسية أوهلوسات مجنون.. يرفع فيها المنصوب ويجر المرفوع وينتقي كلمة غير مفهومة تناسب الوزن حتى لا تضيع السكرة (الفنية) ثم يغضب غضبا شديدا لانك لم تنشر قصيدته.. وهات يا ردح لانك لا تقدر الادب والشعر والصحافة بل وحتى موازين الاخلاق.والانكى من كل ذلك أن البحتري إلى جانبه قمىء.. والمتنبي سرق شعره من فحول الجاهلية.. والمعري عرة ذلك الزمان.. وامرؤ القيس طالب وظيفة..وولادة بنت المستكفي التي اوحى جمالها باجمل ما في الشعر العربي فقد كانت سفيهه. حتى شعر رابعة العدوية غدا في نظره من مخلفات عصر الدخان.

صديقي من تقرأ هذه الهلوسات.. دلني على اسم الشيطان الذي اوحى اليك أن تكون كاتبا.. اوشاعرا اومتشاعرا أوحتى أديبا.فان بيني وبينه ثأر لا يستريح صدري إلا اذا طعنته، ولا تستقيم دقات قلبي إلا اذا عجنت وجهه. ولا يهدأ لي بال ولا يستقر لي قرار إلا اذا حبسته في قمقمه ورميته (مع ثقالة) إلى اعماق البحار.. ومع كل ما اكتب فان اجمل الشعر اكذبه. وان أروع الروائع ما صدر عن فقراء الكتاب.. وان اجمل الصحافيين هوالذي لا يكذب ولكنه يتجمل.. وان اجمل الرسامين من قطع اذنه واهداها في مغلف (مسوكر) إلى محبوبته التي قالت: ما بال اذنه كبيرة هكذا!!

وتصبحون على خير


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى