مجمع البیان حول سورة «الحمد»
مساعد الکاتب: حامد فتحعلیانی
ملخص البحث:
حينما نلاحظ الدراسات التفسيرية منذ العصور الإسلامية نجد بينها إختلافاً كثيراً في الإنطباعات وتفاوتاً كبيراً في الموضوعات ذات العلاقة في البحوث القرآنيه حيث نري بعض المفسرين يتجه إلي تأكيد الجوانب اللّغويه واللّفظية في النصّ القرآني وبعضهم الآخر يتّجه إلي تأكيد الجانب التشريعي والفقهي من القرآن وبعض آخر يتّجه إلي تأكيد الجانب العقيدي أوالأخلاقي أوالجانب العرفاني أوالعلمي التجريبي منه وهكذا بالنسبة إلي بقية الموضوعات القرآنية. من أحسن التّفاسير التي كتبت في العصور السابقة (في القرن السّادس للهجرة) «مجمع البيان في تفسير القرآن» لأبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي وهوالتفسير المشهور البديع الذي لمن ينسج علي منواله ويعدّ من أحسن كتب التّفسير تنسيقاً وتأليفاً .
في بحثنا هذا إهتمنا إلی تفسیر مجمع البیان في تفسیر القرآن تبيیناً للأسلوب ومنهجیة الطبرسی فی تفسیره وبیان بعض خصائصه وميزاته .
الكلمات الدّلیلیة: القرآن، الطبرسي، منهجیّة التفسير، مجمع البیان، سورة الحمد.
المقدمه:
قد عني بعض المفسرين بعلوم النحووالإعراب فبحث وأطال حتي خرج عن الحدّ وتمسّك بعضهم بعلم الفقه فلم يدعُ شارده إلّا ذكرها وبعضهم نحا منحي الإخباريات وغفل عمل عداها وبعضهم شغل بالعلوم الفلسفيه فصرف كلامه في التفسير إليها وهكذا حتي أصبحت كتب التفاسير كأنّ كلّ كتاب منها أُلِّف في غير ما ألّف فيه الآخر بل تكاد تستخرج من مجموعها دائرة المعارف العربيّة. أما قدماء المفسرين فقد كانوا علي طريقة مؤلفي عصرهم مع بیان الأقوال والأحاديث مسنده إلي روّاتها منقوله بوجوه متعددة وشرحوا اللّغه ودقائق الإعراب وفوائد البيان شرحاً ممتعاً في بابه ، من خيرة التفاسير السابقة تفسير «مجمع البيان» للعلامه الطبرسي فكان غاية في الإتقان وحسن الترتيب والتبويب وجمع إلي البحث عن اللّغه والإعراب ببيان النظم وسبب النزول ثم فصّل المعني تفصيلاً لم يكن فيه إطناب ممل ولا إختصار مخلّ وهوبذلك من أحسن التفاسير تنسيقاًً وتأليفاً ومع ذلك فهويورد الأقوال المختلفة غير متعرض لنقدٍ أوإعتراض بل تراه يسرد الأقوال ويترك الحكم فيها للمطالع ليشحذّ ذهنه بإختيار ما يراه صواباً ويتعوّد به من لويتعود ملكه النقد والتمحيص .
إنّ السّبب في إختيار هذا الموضوع وتحدید البحث به هوشخصّية فذة المفسّر الكبير وأهميّة تفسیره ومنهجه الخاص الّذي يبدوخصائص وميزات عصر المؤلف. إنّ الهدف في هذه الدراسة هو:1 ً- تحديد معالم منهج الطبرسي في تفسير «مجمع البيان». 2 ً- عرض تصوير واضح عن طريقة مؤلفه وإختلافها مع التّفاسیر الأخری .
التفسير لغةً:
عند تتبّع معاني هذا اللفظ نجد أنّه یدور علي الكشف والبيان، وسواء كان ذلك في المعاني أم المحسوسات والأعيان. فيقال : فسّر الكلام: أي أبان معناه وأظهره كما يقال : فسّر عن ذراعه: أي كشف عنها [1]يطلق التفسيرأيضا علي التعريه للإنطلاق، نقل عن ثعلب فسرت الفرس أي عريته لينطلق وهوراجع لمعني الكشف [2] وقال الجوهري : « وكلّ شيءٍ يعرف به تفسير لشي ء ومعناه فهوتفسیره » [3] وفي القرآن الكريم وردت لفظة التفسير مرة واحدة في قوله تعالي: « ولايأتونك بمثلٍ إلّا جئناك بالحق وأحسن تفسيراً» (الفرقان: 33) وهي تدلّ علي معني الكشف والإبانة والتفصيل. [4]
التفسير اصطلاحاً:
الكلام المدوّن في كتب أهل العلم في معني التفسير إصطلاحاً كثيراً جدّاً والأقوال فيه متنوعة، منها ما قال الرازي: « هوما يبحث فيه عن مراد الله تعالي من قرآنه المجيد [5]وما قال التفتازاني: « هوالعلم الباحث عن أحول ألفاظ كلام الله من حيث الدلاله علي مراد الله تعالي » [6] وقد عرّفه العلماء بعبارات يختلف بعضها عن بعض أحياناً، كما عرّفه البعض منهم بما عرّف به التأويل، فلم يفرّق بينهما، بينما فرّق فريق آخر من العلماء بين التفسير والتأويل تفريقاً ، بل وإعتبر بعضهم عدم التفريق بينهما جهلاً بالتّفسير وبعلوم القرآن. [7]
وأما بعد التأمل في الأقوال المتنوعة أظن أجودها هو: علم يبحث فيه عن أحوال القرآن العزيز من حيث دلالته علي مراد الله تعالي بقدر الطاقة البشرية.
الطبرسي: (حياته وآثاره)
هوالفضل بن الحسن بن الفضل الطبرسي المشهدی [8] الأمين الدين أبوعلي، مفسر، محقق، لغوي [9]وهوعلم شامخ من أعلام الإمامية ، علامة فاضل ،جامع أديب ومفسر فقيه؛ تتلمذ لدي مشايخ عصره الأجلاء منهم: الشيخ أبوعلي ابن شيخ الطائفة.
الطوسي والشيخ ابوالوفاء الرازي والسيد ابوطالب الجرجاني والسيد ابوالحمد مهدي بن نزار الحسيني القايني وغير هم من اعلام القرن السادس . [10]واختلفت الروايات في ولادته وفي وفاته ، فيقال إنه ولد في اواخر الستينیات اوفي اوائل السبعينیات من القرن الخامس الهجري وكان مولده بتفرش من توابع قم، ثم انتقل الي المشهد الرضوي المقدس وتوفي هناك سنه 548 ه وقيل سنه 552 ه وقيل 561 ه . [11]
صنّف الطبرسي مصنفات عديدة أهمّها:
مجمع البيان في تفسير القرآن
- تفسير جوامع الجامع
- الكاف الشاف عن الكشاف
- أعلام الوري في أعلام الهدي
- تاج المواليد
- الآداب الدّينيه
- الخزانة المعينية
- النور المبين
- الفائق
- غنية العابد .
تفسير سوره الحمد ومنهجه فيه:
قام الطبرسي في مطلع تفسيره سورة الحمد بذكر مكيّتها ومدنيتها والإختلاف فيها: فذكر أسماؤها وأسباب تسميتها كما هوالحال في السور الأخري وحينما يدخل في تفسير أية آية يبدأ عمله ببيان كيفية قراءة الآية وشرح المفردات وإعرابها شرحاً مستوفياً ومرتباً ومنظماً ومنسقاً وهويجيد في كلّ ناحية فرصة القصد إلي ما يريده قصداً مباشراً فمن شاء أن يبحث عن اللغة عمد إلي فصلها المخصص لها ومن شاء أن يبحث بحثاً نحوياً إتّجه إليه ومن شاء معرفة القراءة أوتخريجاً وحجة عمد إلي موضع ذلك في كلّ آية فوجده ميّسراً محرراً وهكذا طريقته في تفسير كل آية من آيات كتاب الله. وأما إن نرد أن نلخّص ما قال في تفسيره سورة الحمد نستطع أن نلخّصها فيما يلي:
1-ذكر الطبرسي أسماء لهذه السورة وهي فاتحة الكتاب ، الحمد، أم الكتاب ، السّبع ، الشّفاء ، الصّلاة ، المثاني ، الوافية ، الكافية ، الأساس وقام بذكر أسباب تسميتها كقوله « سمّيت فاتحة الكتاب لإفتتاح المصاحف بكتابتها ولوجوب قراءتها في صلاة» [12]وهذه الطريقة في التفسير شائعة عصرالمؤلف كما نشاهد ها مثلاً في تفسير الكشاف للزمخشري .
تأثّر الطبرسي بآراء الإمامية وأقوال أئمتهم كقوله في تفسير «بسم الله الرحمن الرحيم» «إتفق أصحابنا أنها آية من سورة الحمد ومن كل سورة وإنّ من تركها في الصلاة بطلت صلاة سواء كانت الصلاة فرضاً أونفلاً».
وقوله في فضلها « روي عن علي بن موسي الرضا (ع) إنّه قال بسم الله الرحمن الرحيم أقرب إلي ربّ إسم الله الأعظم من سواد العين إلي بياضها [13]وما روي عن اميرالمؤمنين (ع) والإمام الصادق (ع). [14]
إعتمد الطبرسي في تفسيره سورة الحمد علي قول بعض الصحابة والتابعين من أهل السّنة والشيعة إضافة إلي ما روي عن الأئمة كعبدالله بن عباس وعبدالله بن مسعود وسعيد بن جبير وقتادة و... [15]
يذهب الطبرسي في تفسير أية آيه علي طريقة توضيح اللّغات التّكلم عن المعاني اللغوية للمفردات توضيحاً مستوفياً ، مستنداً بأبيات من أشهر الشعراء العربية كأصحاب المعلقات : لبيد ، الطرفة والأعشي وعمروبن كلثوم و... .
جدير بالذكر إستند الطبرسي في تفسير الحمد علي تسعة وعشرين بيتاً نصفها من الشعراء الجاهلية والآخرين من الشعراء الإسلامية. [16]
حينما تكلم الطبرسي عن وجوه الإعراب أجاد في كل ناحية من النواحي التي يتّكلم عنها بحيث يتمثل تدريس أستاذ النحوعلي طلّابه ، كقوله في « رب العالمين » « العالمين مجرورٌ بالاضافه والياء فيه علامة الجرّ وحرف الإعراب وعلامة الجمع والنون هنا عِوضٌ عن الحركة في الواحد وأنّما فتحت فرقاً بينها وبين نون التثنیة، تقول: هذان عالمان، فتكسر نون الإثنين لإلتقاء الساكنين وقيل إنّما فتحت نون الجمع وحقّها الكسر لثقل الكسرة بعد الواوكما فتحت الفاء من سوف والنّون من أين ولم تكسر لثقل الكسرة بعد الواووالياء» [17]
إعتمد الطبرسي في تفسير الوجوه الإعرابية لآيات الحمد بأقوال كبار النحويين الذين ذووأرومة عريقة في الدّراسات النحوية كسيبويه وأبي علي الفارسي وأبی الفتح بن جني وعلي بن عيسي الرّماني وأبی بكر بن السّراج وأبی إسحاق الزجاج وأبي عمروالجرمي وأبی العباس المبرّد وأبي الحسن الأخفش. [18]
الطبرسي يتعرض في تفسيره لبعض وجوه الإعراب بعقيدته كقوله في إعراب الحمد: « الحمد رفع بالإبتداء والإبتداء عامل معنوي غير ملفوظ به وهوخلوّ الإسم عن العوامل اللفظية ليسند إليه خبر وخبره في الأصل جملة في فعل مسند إلي ضمير المبتدأ وتقديره الحمد حق أواستقرّ لله إلّا أنّه قد استغني عن ذكرها لدلاله قوله لله عليها فانتقل الضمير منها إليه حيث سدّ مسدّها وتسمّي جملة ظرفية هذا قول الأخفش وأبي علي الفارسي وأصل اللام للتحقيق والملك، وأمّا من نصب الدال فعلي المصدر تقديره أحمد الحمد لله أوأجعل الحمد لله إلّا أنّ الرفع بالحمد أقوي وأمدح لأنّ معناه الحمد وجب لله أواستقرّ لله وهذا يقتضي العموم لجميع الخلق وإذا نصب الحمد فكان تقديره أحمد الحمد كان مدحاً من المتكلم فقط فلذلك اختير الرفع ». [19]
تأثّر الطبرسي كثيراً بتفسير «التبيان » للطوسي ونقل عنه كثيراً بحيث نستطيع أن نقول في مقالنا هذا عن تفسير سورة الحمد أن مجمع البيان شرحٌ وتوضيحٌ لما فسّر الطوسي الحمد في التبيان. ويكفينا الإشارة بمجيء أربعة عشر بيتاً في تفسير لغات سورة الحمد بمجمع البيان التي أوتيت في التبيان وإستند بها شيخ الطائفة في شرحه اللغات، ومن هذه الأبيات، قول لبيد:
|وأهلكن قدماً ربّ كنده وابنه | ورب معدّ بين خبتِ وعرعرِ [20]|
في تفسير لغة «رب» بمعني السيد المطاع.
وقول طرفه :
للفتي عقلٌ يعيش به | حيثُ يهدي ساقه قدمه [21] |
في تفسير لغة: « إهدنا » بمعني أرشدنا.
وقول عمروبن كلثوم:
وأيامٍ لنا غرِّ طوالٍ | عصينا المَلك فيها أن ندينا [22] |
في تفسير لغه «الدين » بمعني الطاعة.
يتعرض الطبرسي في تفسيره ببعض الآراء البلاغية ولكن قليلاً بنسبة ما قال أبوحيان والزمخشري ، منها ما قال في «إيّاك نعبد وإيّاك نستعين »« قوله ... أدلّ علي الإختصاص من أن نقول نعبدك ونستعينك لأنّ معناه نعبدك ولا نعبد سواك ونستعينك ولا نستيعن غيرك كما إذا قال الرجل إيّاك أعني معناه لا أعني غيرك ويكون أبلغ من أن يقول أعينيك. [23]
10-يسعي الطبرسي أن يوضح لنا حسن السبك وجمال النظم وتناسق الآي وترتيبها الجميل تحت عنوان (النظم) في نهاية السورة بقوله: «وأما نظم هذه السورة فأقول فيه أنّ العاقل المميز إذا عرف نعم الله سبحانه بالمشاهدة وكان له من نفسه بذلك أعدل شاهدٍ وأصدق رائدٍ إبتدأ بآية التسمية إستفتاحاً بإسم المنعم وإعترافاً بآلهیته وفضله ورحمته ولما إعترف بالمنعم الفرد إشتغل بالشّكر له والحمد فقال الحمد لله ولمّا راي نعم الله تعالي علي غيره واضحة كما شاهد آثارها علي نفسه لائحة عرف أنّه ربّ الأخلائق أجمعين فقال ربّ العالمين ». [24]
11-يسعي الطبرسي بقدر أن طاقته أن يفسّر القرآن بالقرآن كتفسير آيه: « صِرَاطَ الَّذِینَ أَنْعَمْتَ عَلَیهِمْ غَیرِ الْمَغْضُوبِِ عَلَیهِمْ» « معني الآية بيان الصراط المستقيم أي صراط من أنعمت عليهم بطاعتك وهم الذين ذكرهم الله تعالي في قوله « وَمَنْ یطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِینَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَیهِمْ مِنَ النَّبِیینَ وَالصِّدِّیقِینَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِینَ» (النساء :69) وأراد بالمغضوب عليهم اليهود عند جميع المفسرين الخاص والعام ويدل عليه وقوله تعالي «من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير » (المائدة:60 ) وهؤلاء هم اليهود بدلالة قوله تعالي « ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين» ( البقره :65) وأراد بالضالين النصاري بدلالة قوله تعالي « ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلّوا من قبل وأضلّوا كثيراً وضلّوا عن سواء السبيل» (المائدة: 77) .
– الکاتب عضویة هیئة التدریس برتبة المربّی في جامعة الحرة الإسلامیّة بمرکز ملایر (مربی دانشگاه آزاد اسلامی واحد ملایر).
– عضویة هیئة التدریس برتبة المربّی في جامعة الحرة الإسلامیّة بمرکز ملایر (مربی دانشگاه آزاد اسلامی واحد ملایر).