معركة السويس
– مرت منذ مدة ذكرى واحدة من المعارك الظافرة في تاريخ العرب الحديث، معركة السويس الخالدة في ضمير الأمة، التي خاضها شعب مصر الشقيق ضد قوى العدوان الثلاثي المكوّن من بريطانية وفرنسا و(إسرائيل).
ففي 29/10/1956م باشرت (إسرائيل) هجومها على سيناء متوجهة إلى ضفاف قناة السويس، وتبعتها القوات البريطانية والفرنسية المتواجدة في المنطقة بحجة وقف إطلاق النار وضمان حرية الملاحة الدولية في القناة !؟ لكن صمود ومقاومة الشعب المصري ورفضه الاستسلام لشروط المعتدين، والتضامن العربي الواسع مع مصر، دفع الدول الكبرى (الإتحاد السوفييتي الذي أنذر بقصف لندن وباريس بالصواريخ، وأميركا التي خشيت من خروج المنطقة من يدها) إلى إنذار المعتدين ومطالبتهم بوقف العدوان والانسحاب... وانتصرت مصر والعرب.
* ** **
جرى التحضير للعدوان مباشرة بعد القرار التاريخي بتأميم "الشركة العالمية لقناة السويس" وتحويلها شركة مساهمة مصرية، الذي أعلنه الرئيس الراحل "جمال عبدالناصر" في خطابه الشهير في الذكرى الرابعة للثورة المصرية في 26/7/1956م بميدان المنشية في الاسكندرية. وهو القرار الذي أنهى مسيرة طويلة من استعباد مصر ونهب خيراتها.. ابتدأت بشق قناة السويس (1869م) وتكرَّست باحتلال بريطانية لمصر(1882م)، وتوَّج القرار بالظفر كفاح الأجيال المصرية وقادتها الوطنيين: أحمد عرابي،ومحمود سامي البارودي وعبدالله النديم، ومصطفى كامل،ومحمد فريد, وسعد زغلول ومعهم الملايين من أبناء وبنات مصر في معارك الحرية والكرامة واسترداد الحقوق المغتصبة سواء من قبل المستعمرين أو الحكام الظالمين الفاسدين المتواطئين معهم.
وإثر قرار التأميم التاريخي، تلاقت أحقاد ومطامع المستعمرين الذين هدَّد سيطرتهم ومصالحهم التوجه الاستقلالي للثورة المصرية التي طالبت الإنجليز بإجلاء قواتهم عن أرض مصر، وساندت الثورة التحررية الجزائرية ضد الاحتلال الفرنسي التي انطلقت أواخر العام (1954م) وشاركت في تأسيس حركة عدم الإنحياز في باندونغ (1955م) وكسرت احتكار السلاح الذي فرضه المستعمرون، بلجوئها إلى شراء السلاح التشيكي، فعززت بذلك قوة الجيش المصري الذي أذلته هزيمة (1948م)، ورفضت الإنضمام إلى الحلف الذي اقترحته أميركا وبريطانية (حلف بغداد) وحرَّضت العرب على رفضه، ثم رفضت شروط البنك الدولي التي وضعتها أميركا وبريطانية لتمويل مشروع بناء السد العالي، هذه الشروط التي كانت ستعيد مصر إلى عهد الوصاية الاستعماري، وردت على هذه الشروط المذلة بتأميم القناة لإنهاء عهد الاستغلال لثروة مصر، ولتوفير دخل لتمويل مشروع السد الحيوي لمصر. فكان لا بد من تصفية الحساب مع مصر وإعادتها إلى بيت الطاعة الاستعمارية، خاصة وان عدوى نهجها المستقل وتحريضها ضد الاستعمار، لاقيا تجاوباً كبيراً عند العرب والأفارقة فكان العدوان الثلاثي الذي تكسر على صخرة الإرادة المصرية الحرة.. وبدل الخضوع شهدت الأمة ميلاداً جديداً ونهوضاً شعبياً مقاوماً عارماً عمَّ أرجاء الوطن العربي، وتردد صدى النصر المصري في أنحاء العالم...
* ** **
في ذكرى انتصار "السويس" فإننا نؤكد على الدرس الكبير في اتباع نهج وطني مستقل ونؤكد على الإرادة الحرة المصممة على تحقيق السيادة ونيل الحقوق..
وتتردد بالمناسبة ترجيعات خطاب الرئيس "عبد الناصر" في الجامع الأزهر الشريف، محرضاًَ على المقاومة والقتال، وذكريات وقائع البطولة في "بورسعيد" ومعركة "البِرلِّس" البحرية حين فجَّر الفدائي العربي المسيحي السوري اللاذقاني "جول جمَّال" بقارب طوربيده البحري بارجة فرنسية، وإضراب العمال العرب ومقاطعتهم لسفن وبضائع الدول المعتدية...
* ** **
وكما كتبت المقاومة المصرية في معركة "السويس" نهاية عهد الإمبراطوريات الاستعمارية القديمة، فإن المقاومة العراقية تكتب اليوم بداية أفول وريثتها المعاصرة الإمبراطورية الاستعمارية الجديدة: الولايات المتحدة الأميركية وتنتظر (إسرائيل)، آخر معقل استعماري قديم في العالم، ان تكتب الأمة مصيرها...