السبت ٣ آذار (مارس) ٢٠١٢
حرق القرآن..
بقلم بسام الهلسة

عن السلوك الفطري للمستعمر العنصري

«تصرف فردي معزول». هكذا يصف المسؤولون الأميركيون تصرفات جنودهم وموظفيهم، في كل مرة ينكشف فيها على الملأ قيامهم بارتكاب فعل اجرامي فاضح قبيح وشائن.

وللتهوين من الأمر وصرف الأنظار عنه، فهم يقدمون اعتذارا لفظياً لمن مسهم الفعل وأغضبهم، ويعدون بالتحقيق في ملابساته. لكننا نرى أن "التصرف الفردي المعزول" يظل يتكرر، في كل بلاد يحل فيها الأميركيون كغزاة محتلين. ما يدل على أنه ليس تصرفاً فرديا ولا معزولاً.

آخر ما طالعتنا به وسائط الإعلام من «تصرفات معزولة» و«غير مقصودة»، كان قيام جنود أميركيين في أفغانستان بإحراق نسخ من القرآن الكريم. وقبل هذه الحادثة بقليل، كان جنود أميركيون قد قاموا «بتصرف معزول» هو الآخر أيضاً، تمثل في التبول على جثث قتلى من المواطنين الأفغان!

ومنذ سنوات، وبشكل شبه يومي، تطلق القوات والطائرات الأميركية النار على مواطنين أفغان- أو باكستانيين- أبرياء، وحينما يفضح الإعلام جريمتهم، تقول ببساطة انهم قتلوا بطريق المصادفة أو نتيجة لخطأ غير مقصود. ثم تعلن- كعادتها- أنها ستحقق في الموضوع!

هكذا، ورغم مضي سنوات طويلة على الغزو الأميركي لأفغانستان، فإن القيادة الأميركية تريد من العالم أن يصدق مزاعمها، فتتظاهر بالبراءة والطهارة الأخلاقية، وبأنها لا تعرف السبب الحقيقي الذي تنتج عنه هذه "الأخطاء" الدائمة، ألا وهو: وجود الإحتلال نفسه.

فما يرتكبه جنودها في أفغانستان، هو ما ارتكبه زملاؤهم من مخازٍ وفظائع في العراق ستظل وصمة عارٍ في سجل أميركا. وهو نفسه ما سبق لجيشهم وأن ارتكبه من قبل في فييتنام.

* * *

 أيمكن لأي منصف، أن يسمي هذا: "تصرفات معزولة"؟
لا نظن ذلك. وحين نقول أنها تصرفات منهجية ثابتة، فنحن لا نتهم أميركا والأميركيين، فقط، إنطلاقا من كوننا منحازين إلى جانب الشعوب والبلدان ضد من يحتلونها. بل من تتبعنا لوقائع ممارساتها اليومية في كل المحافل تجاه من تصنفهم كأعداء.

وكذلك من معرفتنا بتاريخ أميركا ونشأتها منذ البداية ككيان غاصب استعماري تعامل بوحشية مع السكان الأصليين، فأباد القسم الأكبر منهم وهجَّر الباقين واستولى على ديارهم وموارد عيشهم الضرورية. ولم يكتف بهذا، بل دمر ثقافاتهم الخاصة، التي نظر إليها بفوقية واحتقار نابعين من عنصرية استعلائية.

هذه النظرة العنصرية، الموروثة في الثقافة الأميركية من عهد من يطلقون عليهم اسم" الآباء المؤسسين"، مشفوعة بتمجيد مرضي يغذي الإحساس بالتفوق على غيرهم من الأمم، هي ما يجب البحث عنه كمحرك كامن وراء سلوك الجنود الأميركيين.

ذلك إنها تفعل فعل الغريزة الفطرية الطبيعية فيهم، فتجعلهم يتصرفون بلامبالاة مستهترة، وباستهانة وإزدراء مع كل ما يخص الآخرين الذين يقعون تحت سلطتهم: أرواحهم ومعتقداتهم ومقدساتهم وثقافاتهم وتراثهم وأموالهم وممتلكاتهم.

وإذ يفعلون هذا، فهم لا يحتاجون لصدور أوامر من القيادات العليا لهم- وهو العذر الذي يتعلل به المسؤولون الأميركيون عادة- ويرددونه بوقاحة، كمن يطلق وحوشاً ضارية وسط الناس، ثم يقول بخفة رعناء أنه لم يأمرها بإفتراسهم! فلو كان هذا الإدعاء صحيحاً، لرأينا محاكمات حقيقية وعقوبات فعالة تتخذ بحق مرتكبي المجازر والمخازي. ولرأينا – قبلها- تعليمات وأوامر صارمة واضحة، تضبط قواعد سلوك الموظفين والجنود، أسوة بتلك التي يتبعونها في بلادهم.

لكننا نعرف أن هذا غير موجود في ذهنية الإستباحة الأميركية، ونعرف كم تصر القيادة على عدم السماح بمحاكمة الأميركيين بحسب قوانين الدول التي تقع فيها تعدياتهم. فلا غرابة إذاً في تصرف جنودها على سجيتهم، وبتلقائية "غير مقصودة" وفق ما تدفعهم إليه وظيفتهم الإستعمارية وتكوينهم العنصري، وتشجعهم عليه حماية دولتهم لهم. "فمن أمِن العقوبة أساء الأدب" كما يقال.

* * *

لا يمكننا أن نتوقع من موظف أو جندي أميركي- أياً كانت مرتبته-أن يكون مبالياً بإحراق نسخ من القرآن الكريم، فيما هو يرى جيش دولته يحرق أُمماً ويدمر دولاً دون أدنى اكتراث، بل يتحذلق مدَّعياً نشر الحرية والديمقراطية وتعميم حقوق الإنسان!

ولا نفع في الشكوى من هذه "التصرفات" ومثيلاتها، التي يقارفها من ينتمون إلى نفسية وسلوك أولئك المهووسين الذين عرضهم المخرج السينمائي الأميركي:"أوليفر ستون" في فيلم: (ولِدوا قتلة بالفطرة). (Natural Born Killers)

ما ينفع الشعوب المبتلاة بهؤلاء الأميركيين المنفلتين في أفغانستان والعراق- وبنظرائهم الصهاينة في فلسطين- هو التركيز على أصل ومصدر البلاء، الذي هو الإحتلال، ومواجهته بالأسلوب الوحيد المجدي الذي اختبرته الأمم: المقاومة والتحرير.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى