ماجد أبو شرار كما يلام الغيم على ترحاله!
أمس فقط غادرتنا. أو ربما، أول أمس على أبعد تقدير..
أظنه، لا يعرف شيئاً من قسَّم الزمان إلى: ماضٍ، وحاضر، ومستقبل!
وما أدرى الموظفين المستغرقين في الحسابات اليومية، بمناطق الوجدان، حيث لا برزخ، ولا تخوم فاصلة، وحيث كل زمن هو "الآن"؟
أمس فقط غادرتنا. قلت أنك ذاهب للمشاركة في مؤتمر للكتاب والصحفيين، ولن تطول سفرتك، فكيف أمكن لروما أن تكون نائية، قاسية، مشرعة للغيبة والنسيان؟
وكيف أمكنها أن تسمح لك بأن تُغتال في قلبها، وهي التي دعتك لتتضامن "معك"؟
أمس فقط غادرتنا. أو ربما أول أمس، على ما أذكر. وكان بوسع يوم التاسع من اكتوبر/ تشرين الأول 1981، أن يمر كالمعتاد مثلما يفعل كل سنة، وكما تمرُّ الأيام.
فكيف أمكنه أن يكون يوم استشهادك، وأن يعلن بلامبالاة نبأ اغتيال: ماجد أبو شرار؟
أما كان عليه أن يتردد؟ أن يشعر بالارتباك؟ وأن يتحرج ويتلعثم، وهو يذيع الخبر؟ أما كان عليه- على الأقل- أن يتروى، ويعتذر، قبل أن يبلغنا النبأ؟
لن أسامحه أبداً على ما فعل!
لا أدري ان كانت روما مجرد مكان اختاره القتلة مصادفة ليكون مسرحاً للجريمة؟
ولا أدري ان كان يوم التاسع من اكتوبر- تشرين الأول، مجرد يوم عادي آخر، تصادف مروره عرضاً، في الروزنامة الرتيبة التي لا تمل منذ الأزل عن الدوران؟
لكن القرار باغتيالك، كان قد اتخذ مذ رأيت، وآمنت، بأن أقصر الطرق إلى فلسطين، هي تحريرها. وأن الثورة ليست خياراً يتداول، بل نَصٌّ لا يقبل الاجتهاد ولا التأويل.
لم تكن مغامراً، يلغي الواقع ليتبع رغباته. ولا مساوماً، يغيِّب الإرادة ليخضع للواقع. كنت تريد ما رأيت، وتصر على المضي في المسار.
أما القتلة، فما كان عليهم سوى الاعداد والانتظار..
كانوا واثقين من أنك ستأتي إليهم..
فمع روحك الطليقة الباسلة، لم تكن لديك عادة الحذر التي لطائر الشنار، ولا كنت ممن يتوقون بغيرهم من الحراس والمرافقين، ولا ممن يجلسون على قارعة الوقت، يعدُّون الوقت، في انتظار قدرهم وتحسُّبا منه.
كان لديك صوتك وقلمك، وكنت تؤمن بأن على الصوت أن يكون قوياً ليبلغ الأسماع، وأن على القلم أن يكتب مباشرة من القلب ليذهب إليه. واذ ذهبت إليهم، فقد وقعت في الخطأ النبيل الذي يقع فيه الثوار الأنقياء عادة: خطأ اللامبالاة، ونافل الشجاعة المميت. وحينما عدت، كنت محمولاً كعَلمٍ، وظللت صامتاً:! لا تقول، ولا تعترض، كما هي عادتك
وجدتني أبكي في جنازتك(كم كانت بيروت ضيقة وقتها!).
ولعلني لُمتك على ما فعلت: لِمَ صدَقت نداء روما؟
أفاتك أنها ليست "دورا"، وأن "الخليل" تقع في "الخليل"؟
أنسيت الفتى المُتقد الشفيف "وائل زعيتر"، الذي جرَّب من قبل، وقال "لألبرتو مورافيا" أن عرب اليوم ليسوا سكان ومخلوقات "ألف ليلة وليلة"، فلم يصدقه، حتى استشهد؟
كان من حقك أن تقول للقتلة أن يتمهلوا، وأن لا يغتالوك مواراة في الليل، وحيداً، في غرفة فندق كما فعلوا! ربما كنت ستفعل ذلك لو أنك رأيتهم.. وكنت ستقترح عليهم أن ينجزوا مهمتهم مجابهة، وفي وضح النهار، حتى يتسنى لك أن تقابلهم بالابتسامة العذبة اللاذعة التي ظلت تصاحبك. وربما كنت ستهديهم شيئاً من مقالاتك الساخرة، أو كتابك القصصي"الخبز المُر"، وتشرح لهم أنه لا يليق بمثلك أن يقتل هكذا خلسة!
لكن الاغتيال، هو ذراع "اسرائيل"، ومزاجها، الذي لم تفطم عنه كما تعرف. ولم تك روما سوى ميدان مريح آمن يسهل فيه اللعب وتنفيذ القرار الدموي بإزاحتك. أما ما عدا ذلك، فمجرد تفاصيل تلهو بتدبيرها "الموساد"...
|| وجاءنا الخبر..
أمس فقط غادرتنا. أو ربما أول أمس على أبعد تقدير.(لست متأكداً من الوقت).
نظرتُ إلى السماء الأليفة الحانية- والدنيا خريف- لأسأل عنك، وأسلم عليك || لكن روما كانت قصية.. وموحشة.
ولم تأتِ، منذ التاسع من تشرين الأول/ اكتوبر/ 1981.
ولي، أن ألومك يا أبا سلام..
كما يُلام الغيم على ترحاله!