الأربعاء ٩ حزيران (يونيو) ٢٠١٠
بقلم مصطفى أدمين

مكانُ الكْلِيـﭗْ

إلى الطبيبة المبدعة العراقية هناء القاضي

قالت نظرتُها:

ـ هي البزوغُ. هي فَجْرٌ ضوءُهُ الارتقابُ. هي بابٌ كِيانُها الزُّخْرُفُ الأصيلُ في انتظار طارق. هي مشروعُ روعة على صفحة الابتكارْ. هي نكهةُ حُرقةٍ من شفةٍ ليس لها قرارْ. هي بؤبؤٌ أسودَ هوَتْ فيه نظراتُ الشوق والاشتياقْ. هي لمسٌ ناعِمٌ في فضاءْ. هي قَدَرٌ وقضاءْ. هي أروعُ ما أبْدَعَ الخلاّقْ. هي الدّعْوةُ إلى العِناقْ، لا مثيلَ لها إلى الفَناءْ...

ـ وأمّا أنت َيا مسكين:

أنتَ أُفولٌ. أنتَ ليلٌ عنصُرهُ الفَواتُ. أنتَ بابٌ خَرِبةٌ فقدتْ أصالتَها واعْتلاها العَفَنُ المُهينْ. أنتَ عيْنٌ منكمِشةٌ على رُسُوم الخيال، وهي وهْمٌ على كلِّ حال. أنتَ كلامٌ مارقٌ ينبعِثُ من شِفاهٍ أكلتْها القُبَل. أنتَ بؤبُؤٌ آيِلٌ إلى قُبْحِ بَياض. أنتَ نظرةٌ سادَها الشيْبُ الكئيب، وتناظرتْ في بُهوتِها العناكِبُ الشائخة. أنتَ مرادِفٌ للطّلاق. أنتَ خشونةٌ تعافُها البشرةُ الناعِمة. أنتَ شبحٌ في خفاء. أنتَ نقيضُ الروْعة. أنتَ ضِدُّ المُتعة. أنتَ مُجرَّدُ صلْعة. أنتَ الكهولةُ، أنتَ الفناء...

ولمّا تشظّى قلبي من هذا الكلام؛ وفي صميم العُزْلة المُرّة؛ ولمّا لمْ تبْقَ في الدِّنِّ ولو "جُغْمَةٌ" من روح الدِّنان... لمّا رأتْ حالي جميعُ الأشياءِ التي تُؤثث مكتبي ووجودي؛ انتصبَ قلمُ مدادي المذهَّبُ نصْلُه، وقال لي:

ـ لا تحْزَنْ يا شيْخَنا ولا تأسَف! وأشهرْني سيفاً أحصد عانتَها، وأقدِّمُها لكَ باقةَ عِشق...

ولمّا خِفتُ على أحِبّائي من أن يُخْطئواْ في حقِّ أحبّائي، قلتُ لهم:

ـ حذار! حذار! لا تثقواْ بكلام فتاة طائشة، وتذكّرواْ لمّا قالت في مكان "الكْليـﭗْ":

ـ ما أرْوع فنّانتِنا "سين"!

وقال ارتكاسُ العيْن:

ـ...وما أروعك يا "أدَمينْ"!

فإذن؛ بِمَ الوُثوق؛ هل بمنطوقِ الشِّفاه، أم بمسْكوتِ العيْن؟

صمتَتِ الأشياءُ، وقال لي "العِشْقُ":

ـ كانتْ والله آيةً في الكلام، فهل أنتَ قاطِفُها بعد غَدٍ، أمْ أنتَ في الزهدِ عند "رمضان"؟

فقلتُ له:

ـ أيُّها العِشق العليمُ بأسْرار العيون والشِّفاه، أنا ـ والله ـ قاطِفُها ضدّا على كلِّ زمان، وواضِعُها في زهرية لا يقدِرُ على احْتِوائها أيُّ مكان،ومُشْتَمٌّ أريجَها ذرّاتٍ في كُشْتُبان، وراشِفٌ رحيقَها في كؤوسِ الحُضور والنِّسْيان، ومُتلمِّظٌ بَتلاتِها التي بمذاقِ الكَرَمِ والزّعْفران، ومُعتصِرُها خمْراً في الدِّنان، ومُنجِزُها نصّاً رائعاً في ليلة "القدر".

فقالتِ الأشياءُ والعِشقُ:

ـ ارجِعْ بك وبها إلى مكان "الكْليـﭗْ"، وراقِصْها فيه إلى اختتام الصِّيام! فالشَّيْءُ الحلالُ لا يمكن له أن يكون في الشهر الحرام؛ ولقد رأينا نهدَها الأيْسر قد اختمَر وحان وقتُ سكْبِه كما المُدام، وأنّ شفتَها السفلى نضجتْ لأجل الإفطار، وأنّ سُرّتَها الخفيّة تقبلُ ـ الآن ـ إفْشاءَ الأسْرار، وأنَّ عانتَها أزهرت الربيع...ف"سعيدة" قد أحبّتْك كهلا في شباب، ونصّاً ماجنا في كتاب، وقبلة عائمة في ارتقاب...

نصّ عصيّ على التصنيف جمع بين الشعروالنثر وبين الأقصوصة والخاطرة في محاورة حالمة بين الرجل والمرأة بكلام غير منطوق ولكنّه شاهد على ما يُحدثه النظر من أثر في صاحب الحسّ المرهف وما يمكن للفن أن يستنبط من دقيق المعاني.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى