ملك المغرب و التاريخ ... وجها لوجه
تدبير القصور الملكية بالمغرب لم ينج من الفساد
برزت مؤخرا بالمغرب قضية السطو على أحد القصور الملكية بمدينة مراكش، و قد كشفت كل الصحف المغربية عن هذا الحدث و اهتمت به. و قبل هذا كان محافظ القصر الملكي بآكادير الكولونيل ماجور مصطفى الهيلالي قد أتهم بالاختلاس و تحويل أموال تقدر بالميالين لحسابه الخاص. كما عاين المغاربة انكشاف خيوط فضيحة أخرى مرتبطة هذه المرة بالقصر الملكي لدرب السلطان بالعاصمة الاقتصادية للمملكة: الدار البيضاء، لاسيما و أن المحافظ السابق ، الحسين زربان خضع للتحقيق في أمور تدبيره لميزانية تسيير القصر.
و كل هذه القضايا لم يكن يتصور المرء التطرق إليها في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، إذ في عهده كان كل ما له صلة بالقصر بشكل أو بآخر بمثابة المقدس، و بالتالي من المحرم الخوض فيه. و هذا التعتيم آنذاك دفع إلى تناسل الأحاديث بين الفئات الشعبية حول تدبير الأمور الحاصلة بالقصور الملكية و كذلك تصورات و حكايات أجواء ألف ليلة و ليلة و عدد الحريم و غير ذلك.
و من المعلوم أن المغرب يضم 15 قصرا ملكيا، و على رأس كل واحد منه محافظ القصر الملكي، و غالبا ما يكون أحد الضباط السامين في الجيش الملكي، و كل قصر من تلك القصور له طاقمه، وموظفون و مهنيون و أطباء و ممرضين و محاسبون و مستخدمون و سائقون و خدم.
و كل هذه القصور لا تحضى بنفس الأهمية، فهناك قصور أشهر من أخرى، و على رأسها قصر العاصمة الرباط المشيد سنة 1864، و هو الذي يضم الكتابة الملكية الخاصة و مكتب الوزير الأول و المجلس الأعلى للقضاء و المدرسة المولوية و الثكنة الملكية. و هناك قصر الصخيرات الذي كان مسرحا للأحداث المرتبطة بانقلاب صيف 1971، و هو قصر شُيد على الشاطئ و يحتضن ملعا للكولف من الدرجة العالية. و هناك قصر بوزنيقة المشهورة بمناخها المتميز، و قصر العاصمة الاقتصادية للمملكة، الدار البيضاء، الذي احتضن القمة الأولى لمنظمة المؤتمر الاسلامي سنة 1969 بعد حرق المسجد الأقصى و كذلك زيارة البابا سنة 1985 الأولى من نوعها على أرض بلد مسلم.
و هناك قصر مدينة مراكش وسط المدينة الشعبية، الذي يمتد على عشرات هكتارات و فيه كان الاعلان على ميلاد اتحاد المغرب العربي في 17 فبراير 1982، و به أبرمت اتفاقيات "الكاط" في 15 أبريل 1994. و هناك قصر فاس الذي احتضن القمة العربية 12 و ذلك في شهر سبتمبر 1982 بحضور حافظ الأسد و صدام حسين. و قصر ايفران الذي اشتهر بالمحادثات و اللقاءات مع الاسرائيليين، ففي يوليو 1986 كانت زيارة شمعون بيريس و قبل ذلك بعشر سنوات زاره موشي دايان. و هناك قصر تطوان المشيد في القرن السابع عشر.
لكن الملك محمد السادس يفضل الاستقرار في الاقامات الخاصة عوض القصور الملكية التي يعتبرها الآن مكانا للعمل ماعدا إذا دعت الضرورة لذلك من الناحية الرسمية.
صناعة القرار السياسي بالمغرب
لقد لاحظ الجميع أن أهم القرارات التي عرفها المغرب منذ 4 سنوات على الأقل الى الآن كانت صادرة عن القصر و أن أجدى المشاريع في مختلف القطاعات و الميادين كانت خلال هذه الفترة من صنع القصر و إبداعه. و قد تأكد هذا المسار في وقت كثر فيه الحديث عن المسلسل الديموقراطي و التناوب على السلطة بمفهومها الجديد و عن أهمية دور الطبقة السياسية و تنظيماتها.
و منذ بدأ الحديث عن التناوب اعتقد الجميع أنه ستحدث تغييرات فيما يخص آليات اتخاذ القرارات، لاسيما فيما يتعلق بإقتسام السلطة بين القصر و الفاعلين السياسيين بالمغرب، بل أكثر من هذا، هناك من تحدث على نموذج الملكية البرلمانية على غرار الملكية في بريطانيا. إلا أن المسار على أرض الواقع اتخذ اتجاها آخر مخالفا لما كان منتظرا. لاسيما و أنه تبين أن التناوب التوافقي كان بالأساس لإعادة ترتيب الأوراق و التوازنات، و قد لعب عبد الرحمان اليوسفي دورا حاسما و حيويا في هذا المضمار. و سرعان ما ظهر من جديد أن آليات القرار لا تتخطى دائرة القصر و الدائرة الاستشارية و الهيئات التقنوقراطية غير المسيسة ذات العلاقة الوثيقة بمركز الحكم. و هكذا تبين أن المسلسل الديموقراطي مازال في في بداية بداياته بالمغرب، لاسيما و أن حكومة إدريس جطو، ذات طبيعة تختلف عن حكومة اليوسفي، إذ أنها ذات بنية تقنوقراطية، و قد تقوت هذه البنية بجلاء بفعل قصور الفعاليات السياسية في التأثير على القرارات المتخذة. و هكذا أضحى القصر يقود مشروع الاصلاح و مشروع المجتمع الحداثي لدرجة أنه يظهر كفاعل أول و وحيد على أرض الواقع في هذا المجال، و لا يظهر أثر لا للأحزاب السياسية و لا للبرلمان و لا للنخبة السياسية في هذا الصدد.
و زاد الطين بلة في وقت تجلى فيه ضعف الساسة و عدم كفايتهم و ابتعادهم عن تحمل المسؤولية و ممارستها. و بذلك أضحت الساحة خالية لتدخل التقنوقراطيين الذين أصبحوا يساهمون بشكل كبير في صياغة القرار عوض السياسيين كما هي القاعدة في كل الديموقراطيات. و تنضاف الى ذلك وضعية البرلمان الحالية و واقعه، لاسيما فيما يرتبط بفساد بعض ممثليه و دورهم الصوري و عدم قدرتهم على القيام بدورهم ما عدا الحضور للمصادقة، لاسيما فيما يخص المراقبة و المتابعة و قوة الإقتراح و النقد و الابتكار في بلورة حلول للإشكاللات المطروحة. و لعل هذا الواقع، علاوة على فشل الأحزاب و النخبة السياسية يشكلان السبب الرئيسي في تغيير مجرى السياسة و الحكم بالمغرب حاليا. لقد كان من الضروري أن يسد القصر الفراغ، و قد نتج عن هذا الوضع اضطلاع أشخاص غير منتخبين، و إنما مختارين، بالتحكم في آليات بلورة القرار بالمغرب. و أضحى هؤلاء، في الواقع الفعلي، يقومون مقام الساسة و أحيانا كثيرة مكان حتى المؤسسات الدستورية.
و هذه نتيجة طبيعية و منتظرة بفعل ضعف الحقل السياسي الناتج عن ضعف تعبئة المواطنين من طرف الأحزاب السياسية المغربية و تأطيرها لهم، أي و بكل بساطة، فشلت فشلا دريعا و أفلست إفلاسا واضحا و غير مسبوق على مستوى التأطير و التعبئة، و كذا على مستوى انتاج و إعادة إنتاج النخب المؤهلة. و بذلك تكون الأحزاب المغربية قد فرطت مرة أخرى في موعدها مع التاريخ عندما كان المطلوب منها هو إعادة النظر في نفسها و أوضاعها و مهمتها و دورها و بنيتها و هيكلتها و أسباب وجودها أصلا، و لم تقم بذلك لحد الآن بل ربما قامت بعكس المطلوب، إذ بالرغم من أن عدة أصوات نددت بغياب الديموقراطية داخلها و بسيادة ثقافة الزعامة فإنها لم تعر أي إهتمام للأمر. و قد وصلت هذه الأحزاب الى وضعية أصبحت الملكية – والتي يقال أنها تقليدية- تطالب الأحزاب السياسية بتحديث نفسها لتتمكن من مسايرة متطلبات العصر و هذه وضعية قل نظيرها في العالم.
و الغريب في الأمر أن بعض هذه الأحزاب كانت و لازالت تطالب بالتخلي عن الطبيعة المخزنية للحكم في المغرب في وقت يقود فيه القصر قاطرة الحداثة بالمغرب حاليا بدون منافس على الساحة.
و خلاصة القول أن واقع المغرب الحالي يعرف و يعاين تجميع كل الشروط لاحتكار اتخاذ القرار على كافة المستويات بفعل عدم قدرة المؤسسات الدستورية و الأحزاب السياسية و النخب السياسية على القيام بالدور المنتظر منها باعتبار أن الطبيعة لا يمكنها أن تتحمل فراغا.
المخزن و البادية بالمغرب
ظل المخزن (*) حريصا على إبعاد البادية و الفلاح المغربي عن السياسة و المساهمة في الركح السياسي، و ذلك قصد الاستعمال كورقة ضغط ظلت دائما و أبدا بيد القصر في مواجهته لكل القوى التي طالبت بالتغيير.
لقد شدد النظام السياسي بالمغرب قبضته على العالم القروي المغربي و منع منعا كليا و ممنهجا الحركة الوطنية من التواصل مع هذا العالم الذي ظل يحتضن أغلب ساكنة البلاد و لا يزال، و وقف في وجه أي تجدر لها في البادية و الأرياف المغربية. و هذا ما فعله كذلك الاستعمار الفرنسي و استمر في الحرص عليه المخزن بعد الاستقلال سنة 1956. و تشدد فعله هذا خلال ستينات القرن الماضي. و هذا ما ساهم في تغليب كفة النظام السياسي المغربي المائلة دائما في اتجاه مناهضة أي تغيير و الحرص على بقاء دار لقمان على ما عليها و إعادة إنتاج التقليد و تعميمه.
و هذا واقع جعل البادية – و إلى حد الآن- بعيدة عن المساهمة في سيرورة التحديث السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي، و عن إشكالية الديمقراطية و حرية المرأة و مشاركة الشباب و دمج البادية في الحياة السياسية كإشكاليات مهمة و حيوية بالنسبة لمستقبل البلاد، باعتبار أن طبيعة التعاطي معها هي المحدد للمستقبل القريب البعيد للمغرب و كل المجهودات في هذا المضمار لازالت جد محتشمة.
(*) المخزن مفهوم و مصطلح يختزل في ذات الوقت بينة و طبيعة و آليات وجود الدولة بالمغرب.
استطلاع الرأي حول الهدف الرئيسي من الدستور
في وقت من الأوقات اهتمت جملة من وسائل الإعلام الصادرة بالعربية أو بالفرنسية بإشكالية الدستور و تعديله. إلا أن رأي المواطن تم تغييبه كليا من ذلك الجدال الذي بدا كأنه مفتعل و لا يجد صداه وسط أغلبية الشعب المعربي. و بذلك كانت الفكرة في إجراء استطلاعا للرأي حول الدستور وسط عينة من المواطنين. و كان السؤال الوحيد هو: ما هو الهدف الأساسي من الدستور؟
و كانت العينة المستجوبة مكونة من 250 شخصا من أصل عينة ضمت 300 . و قد قدرت النسبة الكلية للخطأ في هذا الاستطلاع بزائد أو ناقص 3 في المائة.
و بلغت نسبة الذين استجوبوا بالمدينة 60 في المائة من العينة ، و بالبادية 40 في المائة. و كانت نسبة المشاركة حسب الجنس 58 في المائة ذكورا و 42 في المائة إناثا. أما فيما يخص التوزيع العمري ، فقد شكلت الفئة العمرية من 18 إلى 24 سنة 28 في المائة من العينة و الفئة العمرية من 25 إلى 34 سنة 30 في المائة ، و الفئة العمرية من 35 سنة إلى 43 سنة 25 في المائة و الفئة العمرية من 44 إلى54 سنة 14 في المائة و ما فوق 55 سنة 3 في المائة.
و كانت النتيجة كالتالي:
ما هو الهدف الرئيسي من الدستور؟
لا أعرف 14 في المائة
حماية المستضعفين 3 في المائة
حماية أغلب السكان 50 ، 8 في المائة
الحد من سلطات الملك 13 في المائة
تحديد طبيعة الحكم بالبلاد 05 ، 22 في المائة
تحديد الواجبات و حماية الحقوق 39 في المائة
المغرب غدا
يبدو ، و بجلاء ، أن المشهد السياسي و الحزبي المغربي لازال مقيدا بالعديد من المعوقات لاسيما الذاتية والمقومات السياسية والدستورية والتشريعية والادارية، تجعل المجتمع المغربي يكرس ،من حيث لا يدري و من حيث يدري ، جملة من آليات إنتاج و إعادة انتاج نفس الأنساق السياسية القائمة، و ذلك بفضل فاعلين ونخب جديدة ، وبتأسيس لتجارب تتمظهر كأنها ، على الآقل خطابا و مظهرا، قطعت قطعا كليا مع التجارب السياسية السابقة في إدارة و تدبير الشأن العام و التعاطي معه، و بذلك قد يُعتقد أنه هناك تأسيس لتجربة نوعية جديدة مغايرة . لكن على أرض الواقع المعيش يتبين و بجلاء أن هناك استمرارية بل أكثر من ذلك، فالمرء في المغرب يشعر و بالمملموس كأن التاريخ المغربي يعيد نفسه و قد يبدو و أنه مستنسخا في أكثر من قضية حاسمة.
و يرى أغلب المحللين السياسيين أن أسباب الانحصار السياسي و احتناقه ترجع إلى غياب الإرادة السياسية الفعلية لدى السلطة في المغرب، في إعادة التعاطي مع مبدا اقتسام السلطة على قاعدة الديمقراطية بمفهومها الكوني . لاسيما وأنه تأكد بما لايدع أدنى مجالا من الشك أن التطورات السياسية التي عرفها المغرب وعبر كل التجارب الانتخابية والاستشارية لم تؤد إلا إلى ديمقراطية مشوهة وغير متوازنة لأن السلطة في المغرب غير قابلة للتداول وأن الانتخابات تجري بدون رهانات سياسية واضحة، ولا تشكل بثاتا مجالا للتباري أو التنافس الديمقراطي حول البرامج والمشاريع المجتمعية المتباينة و المستندة على رؤية واضحة المعالم ومحددة المقاصد . و بالتالي لا يمكن أن يسفر عن ذلك ، سوى أجهزة متجاوزة قبل شروعها، جهاز تنفيذي ضعيف، ومجردا من الصلاحيات التنفيذية الحقيقية، ولا دور له إلا الحرص على تطبيق القوانين . و مما زاد من تهميش الحكومة في ظل العهد الجديد، تلك السلطات الواسعة التي منحت للولاة والعمال على المستويين الاقتصادي والسياسي .
و يقول المتخصصون في القانون الدستوري و كذلك المحللون السياسيون أن عدم اعتماد الفصل الحقيقي للسلط، وتمركزها في يد المؤسسة الملكية، أعطى لحكم هذه المؤسسة سلطة مطلقة، أصبح معها الملك، وفقا لمنطوق الدستور، له صلاحية تعيين الوزير الأول دون التقيد بما يسفر عنه الاقتراع في الانتخابات ( و هذا ما أوضحه تعيين إدريس جطو على رأس الحكومة بعد انتخابات 27 شتنبر 2002). كما يمنح الدستور الملك صلاحية وضع حد لمهامه، ومهام الوزراء، لأن الحكومة مسؤولة أمامه قبل أن تكون مسؤولة أمام البرلمان و هذا ما ينص عليه الفصل 60 من الدستور المغربي ، وبذلك تصبح الحكومة تحت الإمرة، والسلطة ذات رأسين من الناحية الشكلية و المظهر ، لكنها ذات رأس واحد من الناحية الفعلية و العملية و بذلك ينتفي دور الوزير الأول المعين.
و اعتبارا لهذا الوضع اهتم البعض بمحاولة ترصد المنحى العام لمستقبل المغرب، و قد انفرزت جملة من الرؤى ذات مسارات متباينة. و لعل من الاحتمالات التي قد تؤيدها صيرورة تطورات بعض العوامل البارزة حاليا ، هو احتمال سير المغرب نحو نظام حكم شمولي يجد مرتكزه في المشروع المجتمعي الأصولي، الذي يتغدى ويتطور من فشل المشروع الديمقراطي، و الذي يزيد من تقويته الفشل الذريع و الساطع لتجربة التناوب السياسي والتراجع الكبير للكتلة الديمقراطية بالبلاد و استمرار تخبط مكوناتها في إثبات الوجود الذاتي الفعلي ، وكذلك منحى تردي الأوضاع الاجتماعية و المعاشية العامة لأوسع فئات الشعب المغربي الذي ظل ينتظر واقع الحال منذ حصول البلاد على الاستقلال. إلا أن هذا الاحتمال قد تقلصت إمكانية حدوثه بفعل أحداث 16 مايو الارهابية بالدار البيضاء، و التي أول ما فرضته هو تفكيك البنية السياسية للاتجاهات المتشددة و المتطرفة، و سرعت ، بشكل ملفت للنظر، بالإدماج الكلي للاتجاهات المعتدلة، و على رأسها حزب العدالة والتنمية في نسق النظام السياسي، وتراجع اتجاهات أخرى على صراعها البين على السلطة و على رأسها جماعة العدل والاحسان. و كل هذا ساهم في سيادة نوع من الخوف لدى عموم المواطنين مما يمكن أن يؤدي إليه المشروع الأصولي تداعياته .
و المنحى الثاني يتجه نحو الابقاء على الوضع السائد على ما هو عليه مع إمكانية التراجع إلى الوراء على بعض المكتسبات المحققة و بعض التطورات التي عرفها المغرب . و في أفضل الحالات الرجوع إلى نمط تيكنوقراطي في التدبير و الاعتماد على خطة وضع وزير أول تيكنوقراطي على رأس الحكومة مهما كانت نتائج الاقتراع . و بالموازاة مع ذلك الاستمرار في الاعتماد على المؤسسات غير دستورية ( الصناديق و المؤسسات الخاصة المرتبطة بالقصر) في ملء الفراغ في الميادين الاجتماعية و الاقتصادية و الثقافية، تقوم به ما كان من المفروض أن تقوم به حكومة فعلية لها برنامج و رؤية واضحة. علما أن هذه المؤسسات ، حسب البعض،تشتغل بمال الشعب لكن خارج مسؤولية الحكومة لكونها ترتبط مباشرة رأسا بالمؤسسة الملكية، كما أنها غير خاضعة للمراقبة التنفيذية والتشريعية. و قد تقوى هذا المنحى بفعل اتخاذ العديد من الاجراءات والتدابير، وسن الكثيرمن القوانين المقلصة فعلا و فعليا من مساحة المجال المدني و الحريات لفائدة المجال المقدس و الإقرار بالمزيد من الخطوط الحمراء، كقانون محاربة الارهاب و كقانون الصحافة ومشروع قانون الأحزاب. وقد تمكن تعميق هذا المسلسل بفعل أحداث 16 مايو التي تمخض عنها قانون الارهاب، الذي قوى، و بشكل قوي، من عنصر الهاجس الأمني الذي ظل ثابتا من توابث سياسية القائمين على الأمور بالبلاد ، وما ترتب عن ذلك من تقليص مجال الحريات والتجاوزات الأمنية التي رافقت تلك الأحداث و التي تم الاعتراف بحدوثها بما لا يترك أي مجال من الشك .
و بخصوص المنحى الثالث و هو ما يطمح إليه أغلبية المغاربة فهو نظام حكم ديمقراطي حقيقي. إلا أنه و بشهادة الجميع ، أن هذا المشروع غير قابل للتحقق في المدى المنظور . و مما يقوى هذا الشعور الفشل الكبير لتجربة التناوب التي خرجت منه أحزاب الكتلة الديمقراطية مفككة، و التي مازالت إلى حد الآن لم تقو قطعا على تحقيق و لو الجزء اليسير من ما تسميها الحد الأدنى من مشاريعها وبرامجها، بل هي الآن لا تسعى إلا إلى البحث عي كيفية مواجهة التصدعات السياسية والتنظيمية التي تنخرها. و قد زادت من تكبيل أفقها بإسقاطها لمطالب الاصلاحات الدستورية من حسبانهاو من أجندتها الراهنة إن كانت فعلا تتوفر على ما يمكن أن نسميه أجندة سياسية أصلا. و مما يقوي شعور بأن إحقاق نظام ديمقراطي حقيقي غير قابل للتحقق في المدى المنظور، الضعف الحالي للقوى الحية الحاملة لمشروع التغيير الديمقراطي الحقيقي . كل هذا يدفع إلى الاعتقاد إلى أن إمكانية تحقيق إقامة ديمقراطية حقيقية، غير قابلة للانجاز في المدى المنظور إلى حد الآن .
لذلك يرى الكثيرون أن إشكالية الاصلاحات الدستورية تكتسي أهمية قصوى في سلم ترتيب الأولويات حاليا بالمغرب لأنها هي الوحيدة الآن التي من شانها إعادة أنعاش الشعور بإمكانية الاقرار بنظام ديمقراطي فعلي بالمغرب في المدى المنظور، لاسيما و أن تجربة الاصلاح السياسي التي وضعتها أحزاب الكتلة الديمقراطية في أولوية برامجها و حاولت مباشرتها من موقع المشاركة في السلطة قد آلت إلى الفشل الذريع الذي زاد من إحباط المغاربة .
و بالضبط هذا الفشل الذريع يؤكد هو كذلك ، إن كانت هناك حاجة إلى التأكيد ، ضرورة الاصلاح الدستوري كمدخل مركزي و حيوي و ربما وحيد الآن ، لعملية التغيير الديمقراطي الحق، إنه حجر زاوية أي انتقال ديمقراطي مستقبلي بالمغرب طال الزمن أم قصر.لأنه بكل بساطة يعتبر اصلاح أولوي قصد فصل حقيقي للسلط، ولمنح هوامش كبرى لمؤسسة الحكومة ومؤسسة الوزير الأول، ولإعطاء إمكانيات حقيقية للمؤسسة التشريعية في المراقبة والتشريع الفعليين . و إصلاح من هذا النوع بالمغرب حاليا يتطلب إرادة سياسية قوية، قادرة على القطع مع كل أشكال التدبير و الادارة و التسيير السابقة في كل المجالات و مختلف الميادين، لأنه بكل بساطة لا يمكن تأسيس مجتمع ديمقراطي حقيقي على قاعدة البنى السياسية العتيقة مازال يتحكم فيها أشخاص أدانهم التاريخ سواء بالفساد الأكيد و بإقتراف انتهاكات جسيمة لحقوق الانسان بالجملة بل هناك منهم من اقترف جرائم في حق الانسانية. و بذلك يكون الاقرار بإصلاح دستوري جذري هو أقصر السبل و أفضلها للعباد و للبلاد لتمكين المغرب ليصبح بلدا ديمقراطيا في المدى المنظور و ما عدا هذا فكل شيء ممكن ما عدا الديمقراطية.
الشباب بالرغم من كل شيء يجب أن تكون الكلمة كلمتهم
إن الشباب المغربي، بالرغم من ظروف التهميش و الاقصاء و آليات التفقير... رغم كل هذا يجب أن تكون الكلمة كلمتهم لأنهم أقرب إلى روح العصر من الأحزاب و التنظيمات القائمة عندنا حاليا و التي فشلت فشلا ذريعا في احتواء الشباب و التواصل بفئات المجتمع المغربي الأكثر قربا لروح العصر من غيرها.
إن الذين لا يعتبرون أن الكلمة حاليا وجب أن تكون للشباب سيئون في نواياهم لأنهم متشبتون بتلك الأساليب و المناهج التي دمرت حياة فئات واسعة من الشباب المغربي و أذاقتهم الذل و أعاقت مساهمتهم الفعلية في تطور بلادهم عبر احتلالهم موقعا تحت شمسه.
و الشباب المغربي لا يطلب المستحيل ، إنه لا يطلب إلا حرية التفكير بناءا على رغبته و امكانية اختيار مستقبله و نوع دراسته و طريقة تفكيره، و السماح إليه من تحقيق النجاح الضروري الذي أضحى ضرورة واجبة في زمن التفوق ، باعتبار أن اقتصاد الريع و استغلال المواقع و التمتع بالامتيازات لا يمكنه تحقيق بلوغ مستوى عيش كريم لأغلب المغاربة و هذا ما أكده التاريخ و لازال لحد الآن.
فإذا كان شباب ستينات و سبعينات القرن الماضي عاشوا في الحرمان و في خوف دائم من السلطة و رجالها الأميين في أغلبيتهم ، لذلك فرض عليهم أن يمارسوا الحرية في السرية و الخفاء مما ضيع على صفوتهم المشاركة في بناء مستقبل البلاد من أجل غد أفضل.
لكن شباب اليوم، الذين هم أقرب إلى روح العصر من غيرهم، يعانون من أمر آخر، و هو عدم الشعور بأنهم يحتلون موقعا تحت شمس وطنهم في زمن كثر فيه الخطاب عن المساواة و الديمقراطية و حقوق الانسان و دولة الحق و القانون.
و تصاعد هذا الشعور لدرجة أنه قضى على حياة فئات واسعة من الشباب المغربي أمضوا أجمل سنوات عمرهم مهمشين كليا، أحسن ما في عمر الانسان، بين 25 سنة و 35 سنة قضوها علة على المجتمع و لم يتمكنوا من المساهمة في بناء غد أفضل على الأقل لبلادهم ما دام أن الشروط لم تسعفهم على الزواج للتفكير في مستقبل أبنائهم.
و مهما يكن من أمر فالكلمة بالمغرب يجب أن تكون كلمتهم قبل غيرهم أراد من أراد و كره من كره.
طي صفحة الماضي بعد عودة محمد الخامس من المنفى
كأن التاريخ يعيد نفسه
منذ 16 نوفمبر1955، ساد المغرب جو من الغبطة والفرح برجوع الملك محمد الخامس من منفاه بعد أن روى أبناء المغرب المخلصين أرضه بدمائهم الـزكـيـة.
وفي هذا الجو العام حاول العديد من الخونة وعملاء الاستعمار تغيير المعطف على حين غرة وتظاهروا بالمشاركة الجادة في الفرحة والاحتفالات كما حاولوا المساهمة بسخاء لم يسبقه له مثيل من طرفهم في تنظيم الولائم للفقراء، كما سعوا إلى تقديم المبالغ الباهضة لشراء صفة الوطني المخلص للوطن وللملك من قادة وممثلي حزب الاستقلال وحزب الشورى والاستقلال ومن أعضاء المقاومة وجيش التـحـريـر.
لكن الذاكرة الجماعية، ذاكرة الجماهير لا تنسى،وبذلك حدثت وقائع على امتداد التراب الوطني .إذ كلما تعرفت الجماهير على خائن من الخونة أو عميل من عملاء الاستعمار كانوا يهجمون عليه للنيل منه، وقد عرفت البلاد أمثلة كثيرة يمكن رصد بعضها لتوضيح جوانب من الواقع السائد آنذاك.
في 19 نوفمبر1955 قصد ابن البغدادي خليفة الباشا بفاس القصر الملكي بالرباط قصد طلب العفو من الملك على غرار ما فعله خونة وعملاء قبله. آنذاك تعرفت عليه جماهير فاس بمشور القصر الملكي فهم البعض للهجوم عليه وعندما أخرج سلاحه لحماية نفسه انقض عليه أحد الحاضرين وطعنه بحنجره ولقي نفس المصير بـعـض حـراسـه.
ولقي نفس المصير بن العربي الفشتالي وهو قائد عميل الاستعمار وعبد الله بن عبد الهادي زنيبر والقائد اليموري من عرباوة و الشاوني مدافع بمحكمة فاس. كما هجمت الجماهير في عدة مدن على الخونة والعملاء ومقراتهم، وكذلك بعض السجون لإطلاق سراح المعتقلين السياسيين والمقاومين.
وفي الدار البيضاء كان العربي المسكيني أول عميل وجاسوس بعد رجوع الملك لقي حتفه على يد مقاوم وفي مراكش لقي نفس المصير بونبوله الذي تسبب في اعتقال جماعة الفـطـواكـي.
ومع تناسل الأحداث الدموية والانتقالية أعلن ولي العهد للمغاربة " قائلا: إن محمد الخامس يطلب منكم أن تغفروا لأولئك الذين أساءوا إليـكم".
وكأن التاريخ يعيد نفسه؟ مثل ما هو واقع حاليا بالنسبة لطي صفحة الماضي، كان هناك خلاف واضحا آنذاك بين موقف الحكم الداعي إلى نسيان الماضي وإصرار المقاومة على معاقبة العملاء على الجرائم التي ارتكبوها في حق الشعب.
وهكذا استمرت ملاحقة الخونة وعملاء الاستعمار في مختلف المدن المغربية، وقد بلغ عدد الخونة الذين لقوا حتفهم يوم2 مايو1956 بمراكش مثلا 40 قتيلا.
وعموما، بمجرد إعلان الاستقلال طالب المقاومون والنشطاء في المقاومة بالتطهير كما رفضوا الشعار الرسمي القائل" عفا الله عما سلف والماضي لا يعاد" وبذلك وجدوا أنفسهم في صراع مكشوف مع الدولة آنـذاك.
الخلفية التاريخية والثقافية للخوفقراطية بالمغرب
إن الخوفقراطية ليس مجرد خوف وخنوع وإنما هي منظومة وآليات جعلت الشعب بفئاته الواسعة تنغرس فيه سلوكيات الخوف والخنوع و الانسياق.
فعلى الصعيد التاريخي تجسد الخلفية التاريخية للخوفقراطية في خضوع أجيال متتابعة لضراوة القمع السلطوي والمجتمعي والعائلي.
إن الملكية نشأت في المغرب مع مجيء إدريس الأول من المشرق سنة 788م واستمرت السلالات السبعة المتعاقبة على الحكم بالمغرب طيلة اثني عشر قرنا في تكريس ممارسة حكم مطلق في مجتمع هيمن عليه اقتصاد طبقي وتميز بتجزئة قبيلة وعشائرية في بعض أجزاء البلاد وبالتمزق في البعض الآخر.
وظلت على امتداد التاريخ علاقات الحكام بالمحكومين مبنية بالأساس على القمع والخوف والترهيب والعنف المتبادل. وكانت لغة الأمر والطاعة هي السائدة مما نتج عنه تراكم تاريخي وفكري كرس الخوف والخنوع وبالتالي الخوفقراطية.
وجاء الاستعمار الغاشم وكرس بأسلوبه وبطرقه نفس المسار وعمل على سحق المقاومة الشعبية لا سيما في البوادي ونشر الرعب وسط السكان ، وهكذا ساهم هو كذلك في تكريس الاعتقاد الشعبي القائل أن المخزن لا يغلب بمعنى أن الاستسلام لإدارة السلطة قدر محتوم ولا مندوحة عنه مهما كانت الظروف.
أما على الصعيد الثقافي فقد عملت البرجوازية الوطنية منذ البداية على ترويج وتكريس فكر الاستسلام، لا سيما ابتداء من ثلاثينيات القرن الماضي، وبذلك روجت الكتلة الوطنية ثقافة العمل السلمي وكان المثقفون المتنورون آنذاك يروجون للمقاومة السلمية. وهذا ما دعا إليه علال الفاسي ومحمد بلحسن الوزواني. كما أن عبد القادر بنجلون زار في غشت 1953 رئيس ناحية الدار البيضاء بونيفاس ليجدد ويؤكد له موقف حزب الشورى والاستقلال المناهض للعنف وأنه سيعمل على مناهضة أي نوع من أنواع العنف. ولم يتم الاكتفاء بهذا، وإنما عندما اعترف بعض المقاومين المعتلقين بانتمائهم إلى هذا الحزب، أصدر حزب الشورى والاستقلال على التو تكذيبا صريحا وتنكر لوجود أي علاقة بأعمال العنف. كما رفض أحمد بلا فريج أي علاقة بالمقاومة بعد نفي الملك محمد الخامس وهذا بشهادة كل من عبد الكبير بن المهدي الفاسي وعبد الكبير بن عبد الحفيظ الفاسي علما أن أحمد بلا فريج كان أمينا عاما لحزب الاستقلال آنذاك. وهذا ما أكده كذلك الغالي العراقي سنة 1990.
وهذا الواقع جعل القادة السياسيين المغاربة يكرسون الخنوع الشيء الذي ترك آثارا عميقة في النفوس وساهم في سيادة الإنتظارية والحيرة وعدم الانخراط الواسع المدى في الفعل الثوري كما هو الحال بالنسبة لمختلف الشعوب عبر العالم. ولهذا كان لزاما على المقاومين أداء الثمن غاليا لايقاظ الضمائر وإخراج الشعب من الإنتظارية التي طوقته بها الأحزاب السياسية و الحركة الوطنية آنذاك.
وهكذا تمكن عدد قليل من المقاومين الذين تحدوا كل الصعوبات لدفع الشعب المغربي إلى اعتماد رد فعل طال انتظاره.
البغاء، سلاح الاستعمار لإفساد المجمع
من بين المعضلات الاجتماعية التي استشرى مفعولها بالمجتمع المغربي في عهد الحماية معضلة البغاء، أي تحويل جسد الأنثى إلى بضاعة تعرض على قارعة الطريق. وبفعل سياسات التفقير الممنهج انتشر البغاء بشكل كبير في جسم المجتمع المغربي. وقد ساهم البغاء بدرجة كبيرة في إفساد الأخلاق عبر التوق إلى الربح السريع وإشباع النزوة البهيمية إلا أن ظاهرة البغاء ليست مقصورة على مرحلة الاستعمار والحماية وإنما كان لها وجود قبل ذلك، إلا أنها عرفت انتشارا ملحوظا في تلك المرحلة بالذات.
إن مختلف كتب التاريخ المغرب تطرقت بشكل أو بآخر إلى جانب من جوانب البغاء.
فهناك جملة من الكتاب تطرقوا إلى ظاهرة البغاء بالمغرب عبر التاريخ ومنهم محمد المختار السوسي والحسن بن محمد الوزان الفاسي ومحمد غريط و " روجي لوتورنو" وعبد الرحمان بن زيدان ومحمد البوزيدي الشيخي وأحمد بن خالد الناصري و " ايدموند دوتي" والقبطان كورني" و " كريستيان هوويل" و" جورج" مانو" و" هانري دوكار" وعلال الفاسي، ومحمد حسن الوزاني و " ألبير عياش".
في كتابات ابن الوزان المؤرخة في السادس عشر يمكن للقارئ العثور على جملة من المعلومات تخص البغاء والبغايا. فقد جاء في إحدى كتاباته أنه شاهد بمدينة فاس منازل ودورا وكانت تلك الدور محمية من طرف رئيس الشرطة وحاكم المدينة. وسجل محمد غريط في كتاباته المنجزة في عشرينات القرن الماضي ظواهر البغاء والتعاطي للخمر. كما سجل " روجي لوتورنو" في كتاباته قبل الاحتلال الفرنسي جملة من الملاحظات المرتبطة بالبغاء بمدينة فاس التي عاش فيها قبل دخول الفرنسيين إلى المغرب وقد كتب قائلا أن جل بيوت قصبة تامريرت وقصبة بوجلود وباب فتوح كانت تعج بالنساء البدويات، وأن الفاسيات كن يقطن في منازل تحت امرأة قوادات ، كما أشار إلى أن ممثل السلطة كان يتقاضى منهن مبالغ مالية محدد، مؤكدا أن حي مولاي عبد الله احماد ( باشا المدينة) اشتهر بالبغاء آنذاك.
وجاء في كتابات عبد الرحمان بن زيدان أن السلطان مولاي عبد الرحمان ( 1822-1859) أورد في إحدى رسائله الحديث عن الفساد حيث قال "…. تسلط الشيوخ في نساء رعاياهم بالاحتلال والقبض على من كانت عنده زوجة حسناء حتى يتوصلوا للإفساد فيها". وجاء في كتاب الاستقصا لأحمد بن خالد الناصري أنه في أيام السلطان مولاي سليمان( 1792- 1822)انفجرت فتنة بمدينة فاس ووقع فيها قتل وسرقة ونهب وكان السبب الرئيسي في ذلك أن عامل المدينة محمد الصفار استباح نساء المدينة هو وأصحابه ولم يتورع في مد يده إلى الحريم. وأكد العربي الورياشي في كتاباته أن رجال السلطة بمكناس كانوا يستفيدون من الاتجار في الأعراض، وقد اشتهر ماخور سيدي بوجدار ببيع الصبايا المهربات من جبال الأطلس وكن بيضات البشرة وزرقة العيون. كما أنه بسوس كان الوسطاء يختارون البنات الجميلات لبيعهن إلى القياد الكبار في الحوز وإلى أغنياء المدن.
وكان باشا مراكش التهامي الكلاوي من أكبر التجار في النساء، وحسب " كي دولانويي" كان عدد المنازل التي راقبها تضم ما يناهز ستة آلاف امرأة وكل واحدة منهن تدفع له مائة فرنك يوميا.
وبزاوية سيدي رحال كان قائد الزاوية يراقب عدة أوكار للدعارة ويتقاضى نسبة من المداخل ومثلت الدعارة أحد مصادر الدخل الأساسية للسكان والزوار. وفي أبي الجعد كانت تنتشر دور البغاء.
وبعد أن تمكن الاستعمار من البلاد برزت ممارسة جديدة، أخذ بعض الحكام المغاربة يكثرون من تنظيم حفلات رقص أحواش ويأتون بالنساء تقربا للمستعمرين. وقد أشار عبد الوهاب بنمنصور في كتاباته أن اليهود المغاربة الراغبون في الاستفادة من حماية القنصليات الأجنبية يقدمون إلى القناصل هدايا ومن ضمنها أحيانا عفاف أزواجهم وفتيانهم.
ومع دخول القوات الاستعمارية المغرب ظهر نوع جديد من البغاء بغاء المراقص والنوادي الليلية. كما تم تشييد عدة ملاهي ليلية أغلبها مازالت مشتغلة الآن.
لازال المغرب في حاجة لإصلاحات
إن المتتبع للتطورات السياسية بالمغرب خلال العشر سنوات الأخيرة تستوقفه جملة من المحطات. إلا أن هذا المسار عرف نوعا من التراجع في نظر البعض مند تعيين وزير أول تقنوراطي لرئاسة الحكومة بدلا لحكومة التناوب، وذلك بعد أن تمت إعادة ترتيب الكتلة الحاكمة بالمغرب اعتمادا على توازنات مبنية بالأساس على إبعاد النخبة السياسية وتكليف نخبة غير مسيسة.
و قد رأى أن هذا المنحى يدل على أن النظام بالمغرب يعتمد على استراتيجية فردية وليست مؤسساتية في التعاطي مع الملفات الساخنة وهذا يجعل من الصعب التمييز بين الفضاءات السياسية والاستبدادية والدولتية، ويفسر استمرار الثقافة السلطوية في معالجة الملفات الساخنة التي تهم جميع المغاربة وترتبط بانتظاراتهم على امتداد أكثر من 5 عقود خلت بعد الإحباط تلو الإحباط، وهذا في وقت لا يجرؤ فيه البرلمان على اتخاذ قرارات تدخل في مجال اختصاصه بامتياز، وبجانب أحزاب كاد يقتلها الشرود وبرجوازية مغربية لا تتوفر على المؤهلات الضرورية لتكون رائدة في المجالين الاقتصادي والمالي، وكل هذا ضمن فراغ سياسي بارز المعالم، وهذا وضع يفرض على الملك احتكار القرار.
وبذلك يعتبر جملة من المحللين السياسيين أن مطلب فصل السلط بالمغرب مازال بعيد المنال، مادام النظام مازال يتعامل مع الأشخاص بدل المؤسسات، لذلك مازالوا ينتظرون جملة من الإصلاحات لتطوير المسلسل الديموقراطي والإقرار فعلا بدولة الحق والقانون.
الاقتصاد و المخزن بالمغرب
سابقا كان مصطلح المخزن يرتبط بالأساس بمحور الحكم الشخصي و محيطه المباشر، أي نمط من أنماط الحكم الفردي. و باعتباره كذلك فقد كانت له وظائف اقتصادية، إلا أنها ظلت على امتداد التاريخ وظائف سلبية في نظر المحللين الاقتصاديين.
و قد اقتصرت هذه الوظائف من القرن التاسع عشر إلى حدود سنة 1912 على انتزاع الضرائب مع اللجوء أحيانا كثيرة إلى القوة التي كانت بيده، و هذا ما يفسر التمييز بين بلاد المخزن و بلاد السيبة آنذاك. فالسلطان مولاي الحسن كان عرشه على صهوة جواده، باعتبار كان كثير الترحال بقصد "الحركة" (أي الحملات التأديبية) لإخماد ثورات القبائل التي رفضت أداء الضرائب المخزنية، و قد وافته المنية على صهوة جواده.
و قد كانت هذه السياسة وخيمة على المخزن إذ لم يقو على فرز و إفراز بديل لسياسته المبنية على انتزاع الضرائب من القبائل. و هكذا تعمقت أزمته التي أدت إلى اتفاقية فاس سنة 1912 التي كانت بداية استعمار البلاد و احتلالها.
و مع حلول الاستقلال احتكر المخزن مختلف المبادرات السياسية و الاقتصادية و وزع حسب احتياجاته مجالات الأنشطة الاقتصادية بالبلاد و وهب أصول الثروات إلى فئات إلى كمشة من المحظوظين و انفرد ببلورة و طرح الأهداف و تحديد وسائل و آليات تحقيقها.
لقد كان هاجسه هو الضبط و استبعاد أي وضع يتعذر عليه ضبطه. و ذلك سعيا إلى التحكم في أي تغيير لاستبعاد – و لو بالقوة و القمع – كل ما من شأنه تهديد قوامه السياسي. إلا أنه مع فعل جملة من الظروف الضاغطة طرحت بعض الإصلاحات على الصعيد الاقتصادي و كانت رغم محدوديتها تنم عن بروز بوادر عقلية ليبرالية لا سيما في التسيير الحكومي المخزني, إلا أن بروز هذه البوادر الأولى سرعان ما فقدت مدلولها بفعل اقتصاد الريع و الاكرامات و الانعامات و الامتيازات التي يمنحها المخزن عبر شبكة من الزبونية تخلق علاقات ولاء إلزامية لفرض الهيمنة.
و قد تمكن المخزن من تقوية هذا النمط في التدبير لأنه عمل على المراقبة و التحكم عن قرب في العالم القروي بالمغرب كوسيلة ناجعة لضمان الاستمرارية السياسية للمجتمع المغربي. و من الأساليب المتبعة لتحقيق هذا المبتغى، اعتماد سياسة دعم و تدعيم فئة من الملاكين العقاريين الكبار لجعلهم كحصن حصين و عتيد لسياسة المخزن بالبادية. و قد استفاد هؤلاء من جملة من سياسات الدولة نذكر منها المغربة و السياسة السقوية و سياسة القروض و سياسة تقليص دورصندوق المقاصة سنة 1980 و سياسة إلغاء الضرائب. و كانت نتيجة هذا التوجه هو تمركز الرأسمال الفلاحي و توسيع نشاطاته الشيء الذي أدى إلى عدم بروز برجوازية رأسمالية مقاولتية مستقلة بالمغرب و هذا بدوره يفسر إلى حد كبير ضعف القطاع الخاص المغربي.
و الآن و بعد مرور ما يناهز 5 عقود على استقلال المغرب نجد أنفسنا في حيص بيص عندما نريد تحديد طبيعة الاقتصاد المغربي، فهو ليس يإقتصاد الدولة و لا بإقتصاد ليبرالي محض و لا بإقتصاد إجتماعي تتحكم الدولة في دواليبه الأساسية و لا باقتصاد السوق بالمفهوم الليبرالي. و منذ سنوات كان المغاربة ينتظرون حدوث انفتاح على السوق و اعتماد الليبرالية كما تم الترويج لذلك كثيرا و بكثرة، إلا أن حكومة التناوب جاءت و روجت لفكرة إعادة النظر في تدخل الدولة و خلق اقتصاد اجتماعي. أما اليوم أضحينا نعاين و بقوة تواجد سلطة المخزن، ليس كإطار أمني و تسييري فقط، و لكن كإطار اقتصادي في إطار تكريش ليبرالية متوحشة لا تنسجم مع الطبيعة الحالية للبنية الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع المغربي. فإلى نحن سائرون؟
هل حقق المغرب القفزة المنتظرة
سنة 1956، سادت على الحراك السياسي قوتين : القصر وحزب الاستقلال، وهما القوتان اللتان كانتا تسجدان وتنشطان الروح الوطنية المغربية آنذاك، وبالتالي لم تكن أي قوة أخرى مؤهلة غيرهما لتدبير الشأن العام وتفعيل تصورهما في أحداث المؤسسات الدستورية، لذلك اتسمت السنوات الأولى من الاستقلال بصراع على السلطة والنفوذ والتحكم في دواليب الدولة والفوز بدور الرائد والقائد المتصدر للمسيرة . و تكرس موقع و دور المؤسسة الملكية عبر استفتاء 1962 مما جعل نفوذ حزب الاستقلال يتقهقر بفعل تفعيل شبكات محلية من رجال السلطة للتحكم في العالم القروي وانطلاق سيرورة تدجين جملة من رؤوس القوى السياسية ومخزنتها، إلا أن الآليات والميكانيزمات الدستورية المحدثة سرعان ما ستتوقف عن سيرانها الطبيعي المرتقب بفعل التقاطب السياسي المفرط السائد في المؤسسات البرلمانية آنذاك وعجزها في التصدي للاحتقان الاجتماعي من جراء الركود السياسي والاقتصادي الذي طبع عمل الدولة ونشاطها.
وهذا ماعبرت عنه بجلاء أحداث الدار البيضاء في 23 مارس 1965 والتي أعلنت عن موت التجربة البرلمانية الأولى، وإعلان عن حالة الاستثناء التي أدت إلى مركزة السلط واعتماد الأساليب التقليدية في الحكم، المرتكزة على معيار الولاء مقابل تنمية المصالح والمواقع الاجتماعية والاقتصادية، وهكذا احتل شخص الملك الدور المحوري، وتزامن هذا الوضع مع ظهور ممارسات قمعية واغتناء متفاحش للأقلية، وجاء دستور 1970 ليكرس هذا الوضع، وتزامن ذلك مع استفحال الأزمة وتدني ظروف العيش لأغلبية المغاربة، وثلث ذلك مرحلة ( 1971-1973) التي عرف فيها المغرب هزات عنيفة، الانقلاببيين العسكريين الفاشلين ومحاولة الجناح البلانكي الاتحادي، الشيء الذي دفع القصر إلى مراجعة الأوراق ومحاولة تجديد العلاقات مع القوى السياسية. وهكذا منذ 1972 بدأت تظهر بوادر الانفتاح على أحزاب المعارضة لمحاولة البحث على توازن والسعي وراء استرجاع استقرار اجتماعي. واعتمدت البلاد دستورا جديدا سنة 1972 ذات طابع أريد منه أن يظهر أكثر ليبيرالية وأكثر ديموقراطية من الدساتير السابقة وذلك أخذا بعين الاعتبار بعض مطالب أحزاب المعارضة. إلا أن هذه التجربة سرعان ما واجهت رفض أحزاب المعارضة للمشاركة في حكومة الائتلاف الوطنية المقترحة من طرف القصر بعد انقلاب صيف 1972، وبذلك تم إجراء الانتخابات، آنذاك خرج للوجود المخطط الاقتصادي 1973-1977، الذي حدد توجها نحو دعم النمو وتحقيق عدالة اجتماعية بفضل اعتماد مغربة التجارة والصناعة واسترجاع الأراضي وإعادة هيكلة قانون الاستثمار، وقد مكنت هذه الاستراتيجية من إعطاء نفس جديد الانطلاقة الاقتصادية والسياسية، كما ساعدت بدرجة كبيرة للمزيد من تدجين النخب الاجتماعية ومخزنتها و ظل الحسم في انتظارات أوسع الفئات مؤجلا بل مهمشا.
وجاء مشكل الصحراء ليساهم في إرجاء التعامل مع التناقضات الداخلية والاهتمام بتقوية الوحدة الوطنية، وبعد مفاوضات لم يعرف عنها إلا الشيء القليل آنذاك وبعد معركة قانونية، كان الإعلان عن المسيرة الحضراء التي شكلت نجاحا تاريخيا سواء على الصعيد الداخلي أو الإقليمي أو العالمي، كما أن الإجماع الوطني حول قضية الصحراء وفر جملة من الشروط لتحقيق نوع من الاندماح على الصعيد الاقتصادي والتقارب على الصعيد السياسي، الشيء الذي سهل اعتماد مسلسل ديمقراطي شكلي يمكن من إدماج النخب المدجنة والممخزنة بتزكية بعض الفاعلين في المنظومة السياسية المغربية.
ومع حلول 1983 تأزمت الأوضاع واستفحلت، و سقطت على المغرب مطرقة سياسية التقويم الهيكلي، وبذلك ولجت المنظومة الاقتصادية المغربية عهد الوصاية على امتداد ما يناهز عقد من الزمن، وأصبح الاقتصاد الوطني يسير ويوجه من الخارج. ففي 1983 بلغت الأزمة درجة جعلت الحكومة المغربية تخضع بدون قيد ولا شرط لأوامر البنك العالمي وصندوق النقد الدولي، ومنذ غشت 1983 اعتمد المغرب مخطط التقشف مرفوقا، بجملة من الاجراءات الاجتماعية. وبذلك انخرط المغرب تحت وصاية صندوق النقد الدولي الذي فرض عليه فرضا اعتماد سياسة التقويم الهيكلي في المجالين الاقتصادي والمالي على وجه الخصوص وهذا ما أثر وبشكل مباشر وسريع على مختلف مجالات الحياة بالبلاد. وقد انخرطت الحكومة في قبول هذه الوصاية الخارجية قصد التمكن من الاستفادة من تسهيلات متعلقة بالقروض الخارجية وكذلك إعادة جدولة الديون المتراكمة والتي بلغت آنذاك ( نهاية 1983) ما يناهز 13 ملياردولار ( تقريبا ما يفوق 130 مليار درهم). مقابل ذلك تعهدت الحكومة المغربية باتخاذ جملة من القرارات والتدابير التي تروم إعادة هيكلة الاقتصاد حسب ما تقتضيه تعليمات صندوق النقد الدولي، الموصومة آنذاك بالليبيرالية الجديدة، وهي كلها قرارات وإجراءات تتوخى بالأساس التوازنات المالية المحضة عبر التقليص الكبير من المصاريف العمومية وتشجيع وتدعيم الصادرات بأي ثمن باعتبارها هي الوحيدة التي يمكنها أن تجلب العملة الصعبة لتسديد الديون المتراكمة، ولم يكن هذا كافيا في نظر صندوق النقد الدولي، بل كان لزاما على الحكومة كذلك اعتماد برنامج واسع النطاق لخوصصة الجهاز الانتاجي والبنكي وكذلك الانخراط الكلي بدون قيد ولا شرط في منظومة السوق العالمية عبر التحرير الكلي للواردات.
وكان أول إجراء قامت به الحكومة هو ذو طبيعة مالية مرتبط بالميزانية، وهو تقليص الاستثمار العمومي وتقليص خلق فرض الشغل في الوظيفة العمومية والمزيد من الضغط على الأجور والتقليص الكبير من دعم الاستهلاك، والمراقبة الدقيقة للكتلة المالية والرفع من نسبة الفوائد وخفض قيمة الدرهم، وكلها إجراءات كانت لها انعكاسات وخيمة على الصعيد الاجتماعي، والحتوت منها أغلب الفئات الاجتماعية لا سيما منها الفقيرة والمتوسطة.
وبموزاة مع هذه الإجراءات التي نزلت كالصاعقة على الشعب المغربي اعتمدت الحكومة خطة إعادة هيكلة الاقتصاد الوطني تستهدف الرفع من المردودية والجدوى والقدرة على التصدير، وفيما بين 1984 و1990 عرف النظام الضريبي تحولات كبيرة فيما يخص اعتماد الضريبة على القيمة المضافة والضريبة على الشركات والضريبة العامة على الدخل وترسانة من الضرائب المحلية، كما أن النظام الجمركي عرف هو كذلك تغييرات بجانب قوانين الاستثمار. وقد وصلت الديون سنة 1989 ما مقداره 20 مليون دولار بفضل سياسة التقويم الهيكلي التي أدى ضريبتها الثقيلة الشعب المغربي لاسيما أوسع فئاته الفقيرة والمتوسطة وقد تجسدت الإصلاحات المعتمدة في القطاع العمومي في التخلي السافر للدولة عن الدور الذي كانت تلعبه بخصوص المؤسسات والوحدات ذات الطابع الاقتصادي والتجاري وذلك لفائدة منطق السوق. وهكذا تم تحديد لائحة تظم 112 مؤسسة مقترحة للخوصصة منذ سنة 1989، كما تم تحديد جدول زمني وإطار قانوني إنجاز ذلك قصد تسليمها للقطاع الخاص، كما أنه تم الإقرار بتحرير الأثمنة والتجارة الخارجية، واستفاذت الأنشطة التصديرية من جملة من التسهيلات، لاسيما بفتح الأبواب على مصراعيها للمستثمرين الأجانب بعد التخلي عن سياسة المغربة وجوهرها، ورفع مراقبة مكتب الصرف فيما تخص تحويل الدخل والرأسمال.
كما أن الميدان الفلاحي لم يفلت هو كذلك من حركية الخوصصة وسيرورة تخلي الدولة عن مهامها الاقتصادية والاجتماعية التي دئبت على القيام بها، ونفس الشيء حصل في قطاع التعليم وقطاع الصحة واللذان تقرر أخضاعهما لعوامل وقواعد منطق السوق.وقد أدت هذه السياسة إلى إعفاء الدولة من جملة من الاستثمارات العمومية الشيء الذي تترجم على أرض الواقع بتقلص ملحوظ في وثيرة النمو والذي لم يقو على تجاوز نسبة 4 أو 3 في المائة فيما بين 1983 و1989.
واعتبارا للنمو الديموغرافي ( ما بين 2.6 و3 في المائة سنويا) لم يعرف نمو الدخل الفردي إلا نسبة ضئيلة تقدر إلا بنقطة أو نقطة ونصف سنويا في المعدل، علما أن هذه النسبة لم يستفد منها إلا الكمشة المحظوظة بالبلاد وهي أقلية لا تكاد تبين، في حين أن الدخل الفردي الفعلي للأغلبية الساحقة، للمغاربة عرف تقهقرا وتدنيا على امتداد هذه المرحلة وزاد الطين بلة بفعل انعكاسات السياسة المعتمدة في قطاع التشغيل عموما الذي عرف تراجعا لم يسبق له مثيل.
ورغم أن سنة 1991 عرفت موسما فلاحيا استثنائية، إلا أن الاقتصاد المغربي ظل هشا جدا، وظل المغرب مصنفا ضمن البلدان ذات درجة الخطر المرتفعة حسب الأبناك الدولية والمستثمرين الأجانب، وذلك اعتبارا لثقل الدين الخارجي الواقع على الاقتصاد والذي بلغ ما يناهز 22 مليون دولار سنة 1991، وهذا علاوة على ضعف تنوع السلع المصدرة، لدرجة أن خسران سوق أو صفقة في مجال الفوسفاط أو موسم فلاحي سيء النتائج من شأنها بسهولة، ومن عشية لضحاها، تعميق هوة الديونية وكبح وثيرة النمو، وهذا في وقت كان فيه الجدال على أشدة بالمغرب حول الانعكاسات السلبية الوخيمة لسياسة التقويم العهيكلي والثمن الباهضة الذي أداه الشعب المغربي من جرائها، وحول تفاقم الفوارق الطبقية الصارخة واستشراء البطالة، كما ظهر بوضوح أن الأقلية استفادت من هذه السياسة على حساب أغلب المغاربة، وقد وصلت الأزمة أوجها سنة 1992، حيث بلغت حدا لم يسبق أن علاينته البلاد مكنذ استقلالها في أواسط خمسينات القرن الماضي، وهكذا قامت الفئات الشعبية بشكل لم يسبق له مثيل وقد تجلى هذا بوضوح عبر تراجع مختلف المؤشرات المرتبطة بالطلب والاستهلاك.
ورغم ذلك استمرت الحكومة سنة 1992 في الاهتمام فقط بالتوازنات المالية واستمرت، مع سبق الإصرار والترصد- في التنفيذ الحرفي للتعليمات الواردة في سياسة التقويم الهيكلي المبلورة حسب هوى البنك الدولي وصندوق النقد الدولي دون أي اعتبار للأوضاع القائمة بالبلاد، لقد فضلت الحكومة نيل رضى المؤسسات المالية واستمرت – مع سبق الإصرار والترصد- في التنفيذ الحرفي للتعليمات الواردة في سياسة التقويم الهيكلي المبلورة حسب هوى البنك الدولي وصندوق النقد الدولي دون أي اعتبار للأوضاع القائمة بالبلاد، لقد فضلت الحكومة نيل رضى المؤسسات المالية الدولية عوض السعي لتحقيق نمو آني وسريع وكانت أول جميل منحته الحكومة للوطن، أن التحرير المتوحش للواردات ساهم في تقليص حصة جملة من الأنشطة الصناعية المغربية في السوق الداخلي وهذا جميل سوف لن تنساه لها الأجيال القادمة التي كتب لها أن تؤدي توابع هذا الاختيار، وحصلته تظهر بجلاء في عدد العمال المسرحين والوحدات التي اضطرت اضطرارا إلى اقفال أبواب الرزق على العديد من العائلات.
وعموما إذا كانت سياسة التقويم الهيكلي قد تمكنت من تحقيق التحسن على صعيد التوازنات المالية المحضة، فإنها لم تمكن، بأي حال من الأحوال، الاقتصاد الوطني من مواجهة تحديات إلغاء الحواجز الاقتصادية واحتداد المنافسات التجارية. إن البنية الإقليمية للتبادلات الخارجية تعكس بوضوح وجود عجز مع شركاء المغرب سواء في أوروبا أو آسيا، في حين تظل المبادلات مع الدول الإفريقية ودول المغرب العربي الكبير رغم عامل القرب والعوامل التاريخية، ضعيفة جدا إن لم تكن قد عرفت تراجعا هي كذلك كما انه يفعل تراجع عائدات العمال المهاجرين ومحاصيل السياحة، فإن ميزان الأداءات ظل يعرف عجزا سيزداد تفاقما بفعل الموارد المخصصة لتسديد الدين الخارجي وتوابعه. وهذه الوضعية انعكست مباشرة على وضعية الشركات المغربية التي أضحت تعيش حالة من الركود تدعو إلى القلق، و لم تزد الأوضاع الاجتماعية إلا تقهقرا بفعل تراكمات الخصاص في مختلف القطاعات، وتأكد ضعف النسيج الإنتاجي المغربي بفعل كثرة الوحدات الصغيرة المتأثرة بسهولة فائقة بإكراهات المحيط لاسيما أن سياسة الانفتاح المعتمدة بسرعة وبدون سابق إنذار قد ساهمت بشكل كبير في خلخلة البنية الإنتاجية المغربية- ليس في الاتجاه الإجابي وإنما في الاتجاه السلبي المدمر. وبفعل هذه المستجدات وبموازاة مع العوامل الخارجية تعمق العجز التجاري . فهل والحالة هاته يمكن اعتبار أن المغرب حقق قفزة نوعية أو في طور تحقيقها أم أن الأمر يدعو وبإلحاح إلى التحلي بالجرأة لإعادة النظر في جملة من المسائل؟ إنه سؤال مركزي وجوهري على الجواب إلحاحا قويا وشديد اللهجة.
مغاربة فقدوا حياتهم من أجل التغيير و غد أفضل
إن الإنسان هو ابن ظروفه و نتاج أوضاع تدور و تجري حوله، إنه محصلة كل ما أحاط به و انتمى إليه و آمن به. و لم يعد يخفى على أحد الآن أنه لابد و أن تعتري مرحلة الشباب اندفاعات و حماسات و تقديرات تغلب فيها أمور على أخرى.
إن كل الذين ماتوا من أجل التغيير أو من أجل غد أفضل بالمغرب فرضت عليهم ظروف صراع خاضوه بكل ما أوتوا من جهد و قوة. على أية حال تحمل مغاربة و استجابوا انطلاقا من فهمهم و درجة وعيهم لنداء الوطن رفضا للاستبداد و الظلم. و قد احتضن المغرب شهداء من أجل التغيير و غد أفضل، خاضوا معارك بين قوة الفكرة و فكر القوة، و من كان على حق – و أغلبهم كانوا كذلك- و إن مات فقد انتصر.
لقد عرف المغرب، ككثير من بلدان العالم، منذ الربع الأول من القرن العشرين احتلال أراضيه من طرف فرنسا و اسبانيا تحت ذريعة الحماية. إذ أن الإمبريالية الفرنسية حمت بالخصوص من تواطأ معها و ضمنت لعملائها الموارد الاقتصادية و المناصب الإدارية حتى أضحى الخونة يملكون السلطة و يسيطرون على مراكز القرار السياسي بالبلاد. في حين ذاق المقاومون مختلف أنواع البطش و العذاب من طرف المستعمر عقابا لهم و تنكيلا بهم على مواقفهم الرافضة للاحتلال، لكن سياسة القمع و التنكيل و تخاذل الكثيرين من عملاء الاستعمار لم يثبطا من روح الوطنية و الكفاح لدى المجاهدين، بل زادهم ذلك قوة و صلابة و مناعة في توسيع جبهات مواجهة الاستعمار و التصدي لعملائه.
و عموما يمكن تقسيم تاريخ المقاومة المغربية للاستعمار إلى مرحلتين أساسيتين- المرحلة الأولى تبتدئ من التغلغل الاستعماري- من معركة تطوان سنة 1860- و تنتهي عام 1936 حين تمكن الاستعمار الفرنسي بتعاون مع الاستعمار الاسباني من السيطرة العسكرية و السياسية على المغرب بما فيه الأقاليم الصحراوية. أما المرحلة الثانية فهي الممتدة من 1952 إلى 1958 حيث تطورت فيها المقاومة المسلحة في المدن لاسيما بعد نفي الملك محمد الخامس. علما أنه في سنة 1958 تم القضاء على فصائل جيش التحرير المغربي التي كانت على وشك طرد الأسبان من الصحراء.
و عبر هذا المسار تتجلى بعض المحطات : 1953-1959،1962-1963، مارس 1965 ، 1969، 1971-1973، 1980-1984، عاين فيها المغرب و احتضن رجالا أوفياء لفكرة آمنوا بها و فقدوا حياتهم من أجل التغيير و من أجل غد أفضل. و أغلب هؤلاء الرجال و النساء كانوا يعتقدون بشكل أو بآخر أن المغرب في تلك الفترات لم يكن يحتاج إلا لشرارة لانفجار الأوضاع و بالتالي لبلوغ المراد و هو تغيير الحال.
مئات المغاربة... شهداء باختيارهم أو شهداء رغما عنهم... عاقروا بدمائهم أكثر من أربعة عقود من تاريخ المغرب المعاصر... أكثر من أربعة عقود من تفعيل آليات القمع و آليات مختلف أنواع الوحشية التي كان يقابلها تصاعد النضالات البطولية للفعاليات الحية المخلصة للشعب المغربي و لآماله و انتظاراته.
و اعتبارا لكون المغرب اجتاز أكثر من أربعة عقود رهيبة من الكر و الفر بين النظام و حلفائه من جهة و بين القوى الحية للشعب المغربي من جهة أخرى فكان من الطبيعي جدا أن يسقط رجال و نساء و أحيانا أطفال أبرياء سواء إبان المرحلة الاستعمارية أو مرحلة ما بعد الاستقلال. هؤلاء المغاربة رغم التباين في أفكارهم و منطلقا تهم و أهدافهم، فإنهم كلهم فقدوا حياتهم من أجل التغيير في هذا الاتجاه أو ذاك، و من أجل غد مغاير ليوم مر المعاش. و ذلك لأن هذه الفترة التاريخية من تاريخ المغرب تميزت باستفحال الفقر و تردي الأوضاع و بخروقات رهيبة و جسيمة لحقوق الإنسان مازالت جراحها شاخصة للعيان، لاسيما و أن بعض مقترفيها بامتياز لازالوا في مواقع صنع القرار بالبلاد بالرغم من الجرائم التي ارتكبوها في حق جملة من أبناء الشعب المغربي البررة. و بعض هذه الأفعال إن لم تكن كلها تعتبر بشهادة كل النزهاء من قبيل جرائم في حق الإنسانية. فخلال هذه المرحلة شهد المغرب اضطرابات كبيرة بدءا من أحداث 1963 و مرورا بأحداث الدار البيضاء في مارس 1965 و أحداث مولاي بوعزة في فجر السبعينات و انقلابي الصخيرات في 1971 و الطائرة الملكية في 1972 و الاعتقالات و الاختطافات الواسعة المدى على امتداد ستينات و سبعينات و ثمانينات القرن الماضي و مظاهرات منتصف الثمانينات بجملة من المدن المغربية.
آنذاك كانت تستضيف المعتقلات السرية من أمثال تازمامارت و درب مولاي الشريف و الكاب و دار المقري و الكومبليكس و الكوربيس و قلعة مكونة و أكدز و فيلات عديدة معدة لهذا الغرض مئات بل آلاف المختطفين فقد بعضهم حياتهم و أقبروا في حفر دون احترام أدنى شروط الدفن المنصوص عليها إنسانيا و عرفيا و قانونيا و شرعيا و دينيا . و هذا ما وقع بالتمام و الكمال بالنسبة للشهيد عبد اللطيف زروال و شهداء تازمامارت المصمم من طرف القائمين على الأمور بالبلاد آنذاك لأكل البشر.
إن جل الذين فقدوا حياتهم من أجل التغيير و من أجل غد أفضل بالمغرب كانوا بسطاء في حياتهم و في تصرفاتهم، إلا أنهم كانوا أقوياء بعقيدتهم و صدق وطنيتهم الحقة و ليس الوطنية المشبوهة مادام لا وجود لوطنية فعلية تقهر الشعب و تغتال طموحاته و آماله و تحكم بالإعدام مع سبق الإصرار و الترصد على انتظاراته على امتداد ما يناهز نصف قرن تقريبا.
و أنا أكتب هذه الورقة المتواضعة جدا أستحضر كل شهداء الشعب المغربي الأبرار بدءا بشهداء حرب الريف و شهداء المقاومة و جيش التحرير و وصولا إلى شهداء معتقل تازمامارت و مخافر الشرطة و الدرك الملكي و كذلك الذين اغتيلوا داخل المغرب أو خارجه في ظلمة الليل أو وراء الشمس، كل هؤلاء الذين ضحوا بحياتهم من أجل مغرب متحرر من الظلم و الاستغلال و الإهانة و الفقرقراطية و الخوفقراطية و الدوس على الكرامة الإنسانية و التخلف و الميز الاجتماعي و القهر الاقتصادي و الزيف الثقافي.
إن تضحيات هؤلاء ساهمت بشكل كبير في إنارة الطريق و الكشف عن جملة من الحقائق عرت عن المكر السياسي و سياسة المكر و كانت انتصارا على مجهودات التعتيم على التاريخ الشعبي الفعلي الذي لا زال ينتظر الكتابة و التوثيق باعتبار أن التاريخ الرسمي لم يكشف الحقيقة كلها بل اجتهد القائمين عليه اجتهادا على تعتيمها و تغييبها لأنها بكل بساطة هي حقيقة فاضحة لمختلف المؤامرات التي تعرض لها الشعب المغربي.
و مادام من الصعب علي ذكر أسماء كل الذين فقدوا حياتهم من أجل التغيير و غد أفضل بالمغرب، أولا اعتبارا لكثرة عددهم و ثانيا اعتبارا لطبيعة هذه الورقة ، فإنني سأكتفي بالإشارة لبعض المحطات و لبعض الأسماء، علاوة على أن موضوعا من هذا القبيل و من هذا الحجم يتطلب مجهودات أكثر و تقصي و تنقيب واسع المدى.
ففي عشرينات و ثلاثينات القرن الماضي كانت حرب الريف التحريرية بقيادة محمد بن عبد الكريم الخطابي و التي تعتبر أوج المقاومة الشعبية المسلحة آنذاك. و قد سجل التاريخ أسماء مئات الشهداء الأبرار لأن ذاكرة الشعب لا تنسى و فكره لا يتوقف و ضميره لا يموت. و قد قال الزعيم الصيني ماو تسي تونغ في حق البطل محمد بن عبد الكريم الخطابي ما يلي :
" إن أول درس تعلمته في حرب التحرير الشعبية هو من تجربة النضال و الكفاح الذي قاده محمد بن عبد الكريم الخطابي في الريف بالمغرب".
و تتالت السنوات و ظل المغاربة يقاومون الاحتلال الاستعماري بشتى الوسائل المتاحة و سقط من سقط منهم. و تعنت المستعمر و قام بنفي الملك و أعلن بن عرفة سلطانا مزورا على البلاد. آنذاك انتفض المغاربة و أعلن ثلة من أبناء المغرب الجهاد ضد المستعمر. و من بين هؤلاء علال بن عبد الله و الزرقطوني و الفطواكي و الديوري و رفاقهم في درب الكفاح. و قبل أن يقوم بعمليته الاشتهادية الرامية إلى تصفية السلطان المزور في واضحة النهار و على مرأى العيان كان علال بن عبد الله قد طرد من خلية حزب الاستقلال اعتبارا لخلاف تافه مع قادتها. إلا أنه أراد أن يبرهن للجميع و للحزب بالخصوص أنه سيظل مناضلا مخلصا و وفيا لأن صفة مناضل أو مقاوم أو مكافح أو شهيد لا يمنحها حزب أو القائمون عليه و إنما الاقتناع و العمل و الممارسة الفعلية على ركح الواقع المعيش. اتصل علال بن عبد الله بأحد المقاومين و طلب منه إمداده بسلاح ناري لتنفيذ عمليته الفدائية إلا أنه لم يتمكن من ذلك باعتبار أن قيادة الحزب أصرت بأن لا يصاب السلطان بن عرفة بمكروه خوفا من انتقام المستعمر. و لم يثنه ذلك عن عزمه، و إنما أعد خنجرا و ذهب يوم الجمعة إلى ساحة المشور بالقصر الملكي بالرباط و هجم على بن عرفة في سيارته و هو في طريقة إلى المسجد لأداء صلاة الجمعة، لكنه استشهد على يد أحد رجال الأمن المغاربة قبل بلوغه مرماه. و لم يصب بن عرفة إلا بجروح.
و تلت هذه العملية عمليات عديدة و توسعت دائرة المقاومة و سقط من سقط من المقاومين و المقاومات و استشهد العديد منهم كما اعتقل العديد ما بين 1953 و 1955. و شهداء هذه المرحلة لم يكونوا لا كبارا و لا أعيانا و لكن أناس بسطاء ضحوا بصمت بدون بهرجة. بعضهم استشهد في ساحة المعركة و بعضهم حكمت عليهم المحاكم العسكرية ليعدموا رميا بالرصاص في العنق بالدار البيضاء و بسجن العادر بضواحي مدينة الجديدة و بسجن لعلو بالرباط و بالسجن المركزي بالقنيطرة أو بالثكنات العسكرية. هؤلاء تعرضوا للتعذيب الشرس و ذاقوا مرارة السجون، و كلهم أناس متواضعون من سكان الأحياء الشعبية بالمدن و من القرى. هؤلاء الذين بفضلهم رجع الملك الشرعي إلى عرشه لأنه لم يرجعه لا رجال السياسة و لا المثقفون و لا العلماء و لا المتخصصون في سياسة المكر و المكر السياسي. إن الذين أرجعوا الملك من منفاه هم الذين ذاقوا ويلات التعذيب و التنكيل و الاعتقالات التعسفية و الإعدامات... إنهم الذين كانوا يساقون إلى عمود الإعدام مقيدين و مغللين... هم الذين قالوا بصوت عال في وجه القضاة و الجلادين " نحن فخورون بأن نموت في سبيل وطننا و نضحي بحياتنا من أجله".
هؤلاء هم الذين يعتبرهم المؤرخون النزهاء من شهداء ثورة الملك و الشعب التي انطلقت في غضون شهر غشت من سنة 1953، و هو اليوم الذي جعله المغاربة يوم انطلاق ثورة عارمة عمت المدن و البوادي. و كانت بمثابة نقلة نوعية في الكفاح الذي خاضه الشعب المغربي. حيث ارتوت أرض المغرب بدماء الشهداء الذين سقطوا فداءا و قربانا للحرية و الاستقلال الفعلي غير المفبرك. من ضمن هؤلاء شهداء جملة من السجون و الذين نفد فيهم المستعمر أحكام الإعدام بعد كل ما عانوه من أنواع التعذيب و ما لحق بعائلتهم و دويهم من أذى و ضرر. هؤلاء بالرغم من وسائلهم البسيطة جدا استطاعوا أن يعلنوا للملإ بفضل ارادتهم القوية أن إرادة الشعب في التحرر و الانعتاق و الاستقلال لا يمكن أن يقهرها السلاح و العتاد و خيانة العملاء و المتعاملين و التصفيات الجسدية.
و نالت البلاد استقلالها – الذي رفض صيغته و مدلوله جملة من أعضاء جيش التحرير لا سيما بعض قاداته- إلا أن الشعب المغربي لم يعاين ما كان ينتظره، و تكالب الخونة و العملاء و الوصوليون و الانتهازيون على خيرات البلاد و استمر الفقر في الاستفحال بالنسبة لأغلب الفئات و برزت دواعي الاستمرار في النضال و الكفاح من أجل تحقيق التغيير. و كالعادة لم يبخل الشعب المغربي من تزويد ركح النضال و الكفاح بأبنائه البررة الذين سقطوا مرة أخرى و فقدوا حياتهم من أجل غد أفضل نذكر منهم بعض قادة جيش التحرير الذين اغتيلوا أو صفوا جسديا و من بينهم عباس المساعدي و الفقيه لعور و آخرون. و تلت ذلك مؤامرات لتصفية مناضلين مخلصين من أمثال المهدي بن بركة و جملة من الشهداء الذين نعتوا بشهداء الحركة الاتحادية، لا سيما جناحها البلانكي الذي قدم أكثر من رجل فقد حياته من أجل التغيير و غد أفضل نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر شيخ العرب و عمر دهكون و بن حمو و رفاقهم على درب النضال من أجل تغيير الحال.
و توالت النضالات و سقط شهداء آخرون من بينهم عمر بن جلون على يد أشخاص سخروا تسخيرا للقيام بجريمتهم النكراء. و كذلك التلميذ كرينة محمد الذي لفظ أنفاسه في مخفر الشرطة بعد اعتقاله لأنه أجهر بمساندته غير المشروطة للشعب الفلسطيني و دعم كفاحه و لأنه شارك في تظاهرة نظمت لهذا الغرض.
و قبل هذا كانت أحداث مارس 1963 و انتفاضة 23 مارس 1965 بالدار البيضاء. فعلى إثر الأحداث الأولى اعتقل و اختطف الكثيرون و عذب المئات و استشهد البعض الذين دخلوا المغرب عبر الحدود أو الذين كانوا بداخله لأنهم ناضلوا و كافحوا من أجل التغيير و غد أفضل. و على إثر انتفاضة الدار البيضاء في 23 مارس 1965 لمناهضة السياسات المتبعة و للتنديد بتردي الأوضاع أقدمت السلطات على إطلاق النار على المتظاهرين العزل و سقط العشرات منهم سقت دماؤهم، كسابقيهم، حقل النضال و الكفاح من أجل التغيير و غد أفضل.
و في فجر سبعينات القرن الماضي عرف المغرب محاولتين انقلابيتين، انقلاب الصخيرات في يوليوز 1972 و أحداث الهجوم على الطائرة الملكية في غشت 1972. و من المعروف أنه ليس هناك كثير من الحديث عن الجيش بالمغرب، حتى الصحافة نادرا جدا ما تتكلم عن الجيش الملكي إلا بتمجيده و التنويه بدوره ربما نظرا لأن عاهل البلاد هو القائد الأعلى للجيش و قائد أركانه العامة. كما أن الميزانية الخاصة بالجيش يصادق عليها مباشرة و توا بدون مناقشة و بدون أدنى تعليق من طرف البرلمان المغربي، تتم المصادقة عليها كما هي و كما أنزلت.
و منذ المحاولتين الانقلابيتين في فجر السبعينات عاد الجيش يخضع إلى مراقبة قريبة و متواصلة من طرف الدرك الملكي القائم عليه الجنرال الحسني بنسليمان. و أضحت كل تحركات القوات مهما كان حجمها خاضعة لمراقبة لصيقة من طرف الدرك و كل المناورات و التداريب على استعمال السلاح مراقبة من طرفه بدقة شديدة.
و مهما كانت خلفيات و دواعي و منطلقات الانقلابيين فإن عملهم هذا يدخل بشكل أو بآخر ضمن السعي لتغيير الأوضاع. و الذين فقدوا حياتهم منهم إما سقوطا في المواجهات أو عبر الإعدام أو الاستشهاد بتازمامارت بعد أن قضوا المدة التي حكمت عليهم بها المحكمة العسكرية، فإنهم فقدوها من أجل التغيير أردنا أم كرهنا، اتفقنا مع أهدافهم أم لم نتفق. علاوة على أن الذين لقوا حتفهم بتازمامارت في ظروف غير آدمية يعتبرون من ماتوا من أجل التغيير. و لقد أكد الشهيد الأستاذ عمر بن جلون للمعتقلين الانقلابيين أن حزبه ( الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية) طالب آنذاك في مفاوضاته مع القصر بمحاكمتهم كمعتقلي رأي و ليس كمجرمين.
و بعد محاكمة المتورطين في انقلاب الصخيرات – 1972- قام الملك بإعفاء الضباط الثلاثة المستشارين في هيئة المحكمة التي حاكمتهم من مهامهم العسكرية و أحيلوا على التقاعد بحجة أنهم تعاطفوا مع الانقلابيين و اعتبارا لأن الأحكام الصادرة كانت مخففة. أما بخصوص المتورطين في الهجوم على الطائرة الملكية في غشت 1972، أمقران و الكويرة و من معهما، فقد كان الجنرال الدليمي ضمن هيئة القضاة التي حكمت على المتهمين، علما أنه كان على مثن الطائرة الملكية عندما تعرضت للهجوم، و بذلك كان خصما و حكما في ذات الوقت.
و يقول آيت قدور – و هو مناضل بالحركة الاتحادية- و صديق حميم لأمقران، أن هذا الأخير كان شابا وطنيا وفيا عاش توابع الانقلاب الأول في الصخيرات و قد نجا بأعجوبة. و أمقران هذا تعرض لتعذيب وحشي قبل أن يحكم بالإعدام و يرمى بالرصاص صباح يوم عيد الأضحى. و يعتبره البعض شهيد ثورة كانت تسعى للتغيير.
و لم تخرج الحركة الماركسية اللينينية المغربية عن القاعدة، إذ قدمت هي كذلك جملة من الشهداء من أجل التغيير و عد أفضل. و خلال مسيرتها النضالية الصعبة و الشاقة سقط عدد من مناضليها إخلاصا لمبادئهم و سعيا وراء تحقيق طموحات و انتظارات الشعب المغربي الذي أدى الثمن باهضا على امتداد عقود من النضال و الكفاح المستميت. و من شهداء هذه الحركة هناك بوعبيد حمامة و عبد اللطيف زروال و سعيدة المنبهي و التهاني أمين و رحال جبيهة و المنتصر البريبري و شباضة عبد الحق و الدريدي مولاي بوبكر و مصطفى بلهواري.
فعبد اللطيف زروال و التهاني أمين سقطا ضحية التعذيب الوحشي من جراء صمودهما البطولي في وجه جلادي المعتقل السري درب مولاي الشريف. أما بوعبيد حمامة يعتبر أحد رواد اليسار الذي لقي حتفه بعد معاناة قاسية في منفاه بالجزائر. و بخصوص سعيدة المنبهي فقد استشهدت في خضم إضراب عن الطعام بالسجن بالدار البيضاء بعد تجاوز أربعين يوما.
أما بنعيسى آيت الجيد و المعطي بومليل فهما طالبان مغتالان على يد متطرفين بحرمة الجامعة.
و عبد اللطيف زروال هو أحد الشهداء الذين عرفتهم و خاطبتهم و عاشرتهم خلال الندوات الوطنية المقامة من طرف منظمة " إلى الأمام" عندما كنت مكلفا بتمثيل منطقة الغرب (القنيطرة) في تلك الندوات. عرفته مناضلا منضبطا ذو فكر ثاقب متشبث بمبادئه كثوري محترف مهمته الثورة بالمغرب لكن دون عزلها عن الثورة العربية و الثورة العالمية. و قد استشهد تحت التعذيب في معتقل درب مولاي الشريف في منتصف نونبر 1974، و لازالت عائلته تطالب برفاته إلى حد الآن.
و لم تسلم الحركة الطلابية المغربية هي كذلك من أداء ضريبتها من الشهداء من أجل التغيير و غد أفضل، إذ سقط طلبة شهداء في وجدة في دجنبر 1982 و في الانتفاضة الشعبية سنة 1984 و الشهداء الأجراوي محمد عادل و خليفة زبيدة و سعاد بجامعة فاس في يناير 1988 و أحمد أوزكار في فبراير 1990.
كما عاينت أحداث مدينة الدار البيضاء سنة 1981 شهداءها. ففي شهر يونيو من تلك السنة عرفت العاصمة الاقتصادية للمملكة إضرابات و تظاهرات ووجهت بالقمع الوحشي و سالت دماء و سقط مغاربة عزل من السلاح إلا من سلاح إصرارهم على المطالبة بالتغيير من أجل غد أفضل.
و أدت كذلك المظاهرات الشعبية الكبرى سنة 1984 ضريبتها من الشهداء من أجل التغيير و غد أفضل. فخلال المظاهرات التي كانت منطقة الشمال و مراكش مسرحا لها سقط قتلى بسبب إطلاق الرصاص على المتظاهرين العزل بذريعة اتهام النظام لمنظمة "إلى الأمام" و الإسلاميين بإشعال فتيل المظاهرات و القلاقل بالبلاد علما أن تلك المظاهرات الصاخبة جاءت تعبيرا عن الاستياء العميق لتردي الأوضاع الاقتصادية و الاجتماعية و خنق الحريات العامة.
هكذا يبدو و بجلاء أن كل الذين فقدوا حياتهم من أجل التغيير و غد أفضل صمدوا في زمن التراجع و الانهزام و حلموا بحلم وردي في زمن الكوابيس و ظلوا واقفين منتصبي القامة في زمن الانهيار و السقوط. كلهم كانوا يحلمون بمجتمع جديد غير المجتمع الذي عاشوا فيه.
إدريس ولد القابلة
مشاركة منتدى
6 أيار (مايو) 2006, 00:29, بقلم anyrood
اين حق المغاربة الاصلين -الأمازيغين-ضمن هذا التاريخ
اليس لهم باعتراف صريح لهذا الحق من خلال ما قدموه من تضحيات حول هدا الوطن لمدا هذه النظرة التحقيرية ؟
8 آذار (مارس) 2007, 23:32
عاش المغرب الدي نشانا فيه والخزي والعار للمصاصي ثرواة الشعب ومقدوراته
24 أيلول (سبتمبر) 2007, 14:31
this was should be done this is a good issue about the history of morocco its perfect
well done