

نغمات العشق الأخير
من شفتين عازفتين يأتي العزف منفردا بنغمات لها سمفونية اللقاء بالحياة...، نفخت من روحها ما استوى من طين الكلمات لتحتضن الورقة و ترقص تحت رناتها نبضات قلب يعزف"نغمات العشق الأخير"هو ما اختارته الشاعرة نجوى بن احمد عنوانا لمجموعتها الشعرية الصادرة عن دار ابن بطوطة للنشر و التوزيع بعمان الأردن سنة 2019 و التي ضمت بين جوانحهاعدد من القصائد النثرية في 67 صفحة من الحجم المتوسط، عزفت فيها الشاعرة نبضها و نغمات حنينها لترسم بقلمها و روحها نغمات على أوتار القلب تحفر في شرايين القارئ أغنية تكتمل معها الحياة.
لتختار ما تساقط من نثرها المعجون بطين محبتها ليكون المخاض و يولد من رحم الكلمات شِعرها المتشكل من عهن السحاب لتنسج بـ:"نول"كلماتهابساط الذكرىو الحزن و الحلم ليورق الحب حمائم تستحم في ساحل الحلم.
فالشاعرة التيتعبت عواطفها و تبحث عن راحة نفسية تقودها إلى مكان ترتاح فيه عواطفها من مطارات الحنين محملة بزخم الذكريات، تلك الذكريات التي دعتها للحلم والحياة:
"تدعوني أمواج الذكريات إلى أناشيد حب بدوب
إلى زمن يختبئ فيه العاشق من عيون وشاة حاقدين
تدعوني ذاكرتي الثقيلة... بحمولة عشق أخضر...
كيف اركب زفيف الريح... أعاند زمن الذبول
و أبحث عن مكان آمن... ترتاح فيه عواطفي
من مطارات الحنين... يتحول كل شيء...
حينما يتسلل صفو أحلامي سحابة صيف..."(ص12).
و هي تبحث عن ذكرى ماض جميل، فنصها يحمل الكثير من الذكرى و الحلم حيث نلاحظ تكرر لفظ (الذكرى) بكل مترادفاتها(12 مرة)في عدة مواضع دلت على الحب والحنين لتراقص الريح و تفتح أفكارها المتناثرة، و لم تجد إلا الشعر لترسم ذكرياتها وأحلامها و أحزانها خاصة و أن الشاعرة إختارت معجم (الحزن) تكرر اللفظة 12 مرة دون اعتبار الألفاظ الدالة على الحزن:
"... مطيع هو الشعر
يرسم حزني كذا فرحي...
و أنت حين تنساني...
أصب هواك للشمس...
عسى تلقاك ذكراي في ركن له عينان ترمقك...
و موال فلا تنسى... و صبر الأحلام الثقيلة..."(ص21).
هذه الأحلام التي تفتح أجنحة الفراش و تنطلق لتحمل أحلامها الكبرى و هي تنتظر سحابة الحلم علها تمطر عشقا و حلما غارقا في الأشياء لتبحث عن الإنعتاق و يولد الحلم في ذهن الشاعرة و في واقعها، ذلك (الحلم) الذي تكرر أكثر من 33 مرة و قد طغى تقريبا في كامل قصائد المجموعة لتولد الشاعرة و يولد حلمها بالحياة و يبقى الأمل:
"أكتب الأحلام التي تحرسها نجمة ثائرة
يا أنت ألم أكن لك ركنا مضيئا ذات حب...
..............................................
نمضي لنبني صرحا من أمل...
تورق الأحلام فيه و القبل...
و تزهر الأمنيات..."(ص46).
و لكن هذا الحلم و هذه الأمنية التي ترجو أن تتحقق تعاندها ثم تستدرك لتتواطأ مع نفسيتها لتفتح أبواب فكرتها و تنطلق في التعبير عن أحاسيسها أحاسيس المرأة فيها لا أحاسيس الشاعرة التي مازالت تنسج حرير حبها و حنانها و شغفها لتكون أمًا:
"أجول في ثناياها... حسب تجوالها...
و أحلمبانجاب طفل... ضوء أحمر...
أنتظر أقوالها... مالها... و مالي
تحيرني أشيائي ارتاب في تحليلها...
شارة خضراء...استفهام...نقطة...
سهم يجول بخاطري...
عيناي متجهتين نحو الهدف... مالها أفكاري"(ص61).
لتردف قولها بعد ذلكو تكشفحزنها و قلقها تبحث عن راحة في الحلم في اللا واقع تقنع نفسها أنها تعيش حياة غير التي تعيشها لتمنح القارئ عند قراءة نصوصها حق الانتشاء و الحيرة و الحزن في آن و هي تبحث عن بريق من سعادة ترتق بها شرخ حزنها و تتركه يبحث عن الخلاص:
"فمالي و مال جبالهم... مصندقة أفعالها...
أتسلل ذات هفوة...لأرمي أحزاني...
أكبلها في ركن مغمض العينين...
أظلم الضوء... أحكم تكبيلها...
مالها دنياي... مسننة أنيابها...
تقظم الفرح مني...
و تنشر حولي عللها... و أتوه و أمضي..."(ص62).
هذا التمرد النفسي و الشعريالذي تعيشه حتم على نصوص الشاعرة نجوى بن احمد أن تكون نصوص وجدانية إنسانية اعتمدت فيها على مطية الحلم و الذكرى لتجعل من ذاكرتها روحا تطاردها و حلما تمسك بتلابيبه علها تظفر بحلمها المفقود.
كما يمكن اعتبار تكرار جملة من الألفاظ (الذكرى– الحلم – الحزن...)، كما أسلفنا الذكر و الذي وشحت به زخرف نصوصها يمكن بحال من الأحوال اعتبارها نفسا لا شعوريا أخذ من روح الشاعرة و حالتها النفسية و غايات ساهمت بدورها في تشكل الصورة، و لكن مع كل هذا هو تعبير عن روح القارئ الذي يجد بعضا من أنفاسه في هذه النصوص.
و في الختام يمكن القول أنآهات و نغمات حزن الشاعرة نجوى بن احمد تلامس الواقع و تطل علينا من عتمة ذكرياتها إلى حلم التألق و السفر فوق الغيوم لترحل عبر الأمنيات من نورها و نبيذ حزنهاو تلهب زفير الكلمات و تكشف ذاتها و واقعها بسرد حالات وجدانية تلامس الواقع و تعبر عن واقع مجتمعي انطلاقا من سيرة و أحاسيس خاصة.