نَصّ شارد من البوصلة
لن نشد أشرعتنا إلى كتف السارية بدون اسمك،لن تتحد عناصر الماء... لتكوّن خاصيَة رحيلنا.. بدون قدرتك،ولن يملأ الهواء الفراغ... لنُحمل الى منفانا الجديد... بدون إرادتك،فنِعمَ الاسم إسمك اللهم... لك السماوات والأرضون... ولنا في قلوبنا ذكريات حبيبة وعقب دار...
سألمح وجهاً مستديراً، يعلوه شعر ساقط بقوة الشلال بفعل العنق الطويل... فيأذن لي ودون تهيّب بتحديد الملامح. لكن سؤالاً حتمياً سيكون حول شكل الدهشة؟ خطوة إلى الوراء؟! إلى الأمام؟! وقوفٌ أبله؟! أم تسارع الفطنة لتَوَحّد أسطوري؟! أعجز عن إجابة هذه السذاجة السابقة لأوانها، لأعجز بذلك عن تفسير تلك المرحلة الهلامية.
ومن دون قصد، وجدّتُ يدها على كتفي تؤدي دوراً فسيولوجياً لالتفاف وجهي باتجاهها... فاعتراني إرتباكها، وتَلعثمتْ مُعرّفة على ذاتها بهرطقة لغوية لم أحاول فهمها، ثم مضت، للتركني وحيداً أصارع شغف أوديب وحاجات الفطرة... نعم، إنه أنا، كأيِّ أنا في هذا الغموض الوجودي... إنسان مدجج بالغرائز، وملقّنٌ بمبطلاتها... أراني أفتش عن خبايا جسد حبيبتي في دفتر الخرائط تارةً، وأراني عارياً منهكاً على سرير الغريبة تارة أخرى... فهل سيقتصر دوري على ترجيح إحدى المتضادتين؟ أم أني أملك من المكتسبات ما يؤهلني لأقتحم الهواجس جرحاً وتعديلاً؟
يتطلب الأمر مني أن أكون إلهاً زاهداً عن لهفة العبادة، ومتسامحاً إلى حد الإعتراف بالفشل...
فهل سأنجح في ترتيب إنفعالاتي بهيئة نيرفانا دالَّة على وجودي... أو أن أقحم نفسي في حروب تحريرية مع آلهة الصدق، الحب، الجمال... وحتى مع إله الشوق، فقد تؤسس لي هذه المجازفة أرضية صلبة في مملكة الحقيقة تعيدني إلى إنسانيتي وتجعلني قادراً على تلبية نداء حبيبتي الحُلم، وحبيبتي الجسد.
فيا قلبي الصغير لا تبتأس، فالطيبون للطيبات حتى لو ضللت طريقهن ثلاث جولات وسبع زيارات عابره. ففرادى الإناث الخبيثات منافي بشرية فُرض عليك سكناها، قد تعيشها وتعتاشها، وقد يختلط ماء الحياة بينكما بتأشيرة دخول أو إقامة دائمة وجواز سفر، لكن ذلك ليس حرثك، فحرثك قلبك، حرثك نعشك، حرثك حفنة تراب فيها تَزرع وتُزرع، فلا تأخذك بإحداهن شفقة كلما سرّحتها بإحسان، وتذكّر أن قلبك هو المستهدف في كل يوم يُضيَّق الحصار فيه على حبيبتك كي لا تأتي لموعدك... فأنت لها وإن فقدت وسائل الوصول والإتصال، أنت لها وإن لم يعد في العمر متسع بانخفاض معدل الآجال، أنت لها وإن تسرَّبت شهوتك وتناثرت عزيمتك على قبيح الصلصال...
ولا تنسى أنك كأيٍ من موجودات الطبيعة، لربما تتأثر بعوامل النحت والتعري. ويصبح ما كان ممنوعاً بحكم تربيتك المحافِظة مُبَرَرَاً بتحضّرك وتحررك وبثقافتك المنفتحة... فاحذر العواصم من النساء، فهنّ خبرة هرمة وإن كنّ يافعات، مكتظّات مكتنزات حدّ الترهل وإن كنّ ناحلات، وهنّ التركيبة اللاكيميائية التي تمتصّ كل مشاعر الحب من جسدك لتحيله إلى أداة تفعل وتؤدّي كل ما يُحكم على شرعيته بمادية صرفه... الأنثى العاصمة، جسد يَقتل ومكان يَقتل وتجريد نفعيٌ يُعدي ثم يَقتل، العاصمة الأنثى، مصدر الأوبئة والوساوس، فهي سبب الجفاف العاطفي والسيلان الفكري والعجز المبكّر، فقاومها بكل ما أوتيت من عوازل وموانع، واستمنِ برهان رفضها لئلا تهمّ بك وتهمّ بها.
أما الآن، وبينما تسير مقترباً من ذروة الشهوة، تتفقد ملابسك الملقاة بمحاذاة السرير كقارب نجاة، ترمق سجائرك بنظرة حقدٍ لعشيقة أخرى تنتظر فراغك لتجهز عليك، وتعلن أنه ما عاد للعيون الناعسة مكان يوائم حجمها المحفور في قلبك، وأن كل الطرق المعبدة نحو الخاصرة هي في الأصل ساقان متباعدان يلتقيان عند الركبة بقولبة آداب الجلوس، فأنت على يقين بأن شبقك الثوري قد قدّروه منازلاً حتى عاد كالعرجون القديم...
فلك َ_ وإن إشتعل الرأس شيباً _ أن تحلم بأنك لن تُسلّم، وبأنك ستنهض لتحرق كل وثائقك الرسمية وصور العاشقات بسحرهنّ وكيدهنّ... ومن ثم تغرق في قيلولة نيرونية بقرب شتلة (نعنع) ترعاها كروحك... لتحلم من جديد بأن مستضيفتك القادمة ستكتفي بقليل من الغزل العذري وبعض الورود.