الاثنين ٢٩ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٨
بقلم سامر مسعود

هل نحن بهذا القبح؟

تتحول في غالبية النقاشات في أجواء غريبة، إلى مستمع محايد، تحاول أن تفهم كيف يفكر مَنْ حولك، وما هي انطباعاتهم حول قوميتك التي غدت مباحة في كل شيء.

تطعنك الأفكار بنصال ألسنة حادة، تتذكرعندما هدد أحد السياسيين بكسر أرجل مكسورة، تعليقا: المؤسف أن ذاك السياسي لم يوضح كيف سيقوم بذلك!! تحمر عيناك، ويخفق قلبك بتسارع لهذا الرد من شخص مكسور الرجل من ذاك السياسي، وتتساءل: ما الذي دفع هذا الشخص لقول مثل هذا التعليق؟

شخص آخر ينظر إلى قوميتك، وهو تربى وعاش وتعلم في ظل تلك القومية، على أنها قومية متخلفة دموية بدوية لم تصب حظا من أسباب الحضارة.

صوت آخر يكرر على مسامعك التساؤل التالي، وهو في الأصل من ذات القومية،: هل إسرائيل عاجزة عن التخلص من الفلسطينيين؟

فكرة أخرى تصدر عن شخص آخر عمل في الخليج لفترة ما: على الرغم من توفر المال إلا أن نمط التفكير متخلف، والناس هناك أعراب لا حظ لهم من أنماط الحضارة الغربية.، يدّعون التدين والإلتزام ولكنهم يمارسون في الخفاء كل المحرمات.

تسمع بعضهم يردد إعجابه الشديد بقيم الحضارة الغربية، ويطلب ممن لديه بعض التحفظات، ألا يعيش في هذه الدولة وعليه أن يغادر ليعيش في دولة قوميته. ومن التناقضات العجيبة أن مثل هؤلاء يسافرون سنويا إلى بلدانهم لزيارة (الأهل) و (الوطن)!!.

والتساؤل الآن: هل نحن العرب أعراب متخلفون ليس لنا حظ من الرقي ، ولا نتمتع بأنماط تفكير متقدمة؟

لابد لنا بداية، أن نوضح حقيقة وهي أن طرح مثل هذه القضايا بهذه العموميات منافية للواقع، ولا تعبر عن موضوعية في تناول مثل هذه القضايا الهامة. فما من أمة إلا وبها مثل هذه العيوب، فالعرب شأنهم شأن كل أمم الأرض لديهم سلبيات ومشاكل يحاولون جاهدين على تجاوزها للوصول إلى واقع مشرف.

ولنتحدث عن مفهوم التقدم والتخلف، كمثال، و نحاول، بعد ذلك، أن نحدد أين نقف، نحن العرب من هذا المفهوم.
إن مفهوم التقدم والتخلف مفهوم نسبي مطاطي، لن تجد له تعريفا واحدا؛ و ذلك يرجع إلى أنه ينصبغ بصبغة الشعوب الفاعلة، وبهذا الفهم لن تجد تطابقا كاملا بين الدول (المتقدمة) فيما بينها، بل ستجد أنماطا سلوكية وقيمية وفكرية تعطي كل دولة خصوصية معينة في هذه الدائرة الواسعة. ولن أجانب الحقيقة إذا قلت أن معايير التقدم والتخلف تتباين داخل الدولة الواحدة من منطقة إلى أخرى.

مما سبق نلاحظ أن التباين القائم بين الدول يؤدي إلى تباين في المعايير؛ بمعنى أن ما أراه تخلفاً، قد يكون من وجهة نظر شخص آخر ميزة تنضاف إلى رصيد قوميته الحضاري. وشاهدي هنا على سبيل المثال، ظاهرة المثلية الجنسية؛ إذ تجد أن بعض الدول تنظر إليها على أنها مفخرة وميزة من ميزات تقدمها؛ إذ تعبر عن حريات مطلقة يضمنها ويحميها قانون متقدم. في حين أن دولا أخرى تنظر إليها نظرة مغايرة فتعتبرها ظاهرة شاذة، ووباء أخلاقيا يجب استنكاره والعمل على التخلص منه على كافة المستويات.

وإذا ما حاولنا تطبيق ما سبق على الحالة العربية الراهنة، فإننا سنجد أن المعطيات المعرفية بكافة مشاربها التاريخية والدينية والسياسية والاجتماعية... وعلى مدار أكثر من مئتي سنة مضت، فرضت على العرب ملامح خاصة فيما يتعلق بالتقدم المنشود، لم يصل العرب إلى الكلمة الفصل في هذا، ولكنهم لازالوا يحاولون ويجربون. هذه المحاولات التي لم تصل إلى نتيجة واضحة على مدار عقود، أفرزت واقعا فكريا فاعلا ومنفعلا بما حوله. قد تخترمه بعض العيوب، ولكنْ هذه نتيجة حتمية في التطور الشعوب، فإنتاج الإفكار، وتحويلها إلى منهج حياة، وحماية هذا المنهج يحتاج إلى مقومات لم تظفر بها الشعوب العربية حتى الان، وهذا أدى إلى حتمية تراجيدية تمثلت بواقع مضطرب غير واثق، يتأثر بالأحداث ولا يصنعها، يقاد ولا يقود.

خلاصة القول، إن مفهوم التقدم والتخلف لا يحدده عرق أو أمة، وإنما هي ظروف ووقائع تفرضها مؤثرات خارجية وداخلية قد تقود إلى التقدم، أو قد تقود إلى التخلف، والشعوب الحية هي الشعوب التي تفصِّل من المنجزات الحضارية بكافة المجالات عباءة تتناسب وظروفها الخاصة.

وأخيرا، فإن من الإجحاف أن تُصدرَ أحكاما مسبقة على واقع أمة في حالة مخاض، والأجدى من ذلك أن تفهم الظروف المحيطة والمعطيات الحقيقية الداخلية والخارجية التي أوصلت العرب إلى مرحلة عسر الولادة، لا أن نسارع إلى استصدار شهادة وفاة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى