الثلاثاء ٢٦ حزيران (يونيو) ٢٠٠٧
قراءة.. في الراهن الفلسطيني
بقلم لطفي زغلول

يحميك الله.. يا وطني!!

بادىء ذي بدء، نرفع الأيدي إلى السماء، سائلين الله العلي القدير أن يحمي هذا الوطن من كل شر وسوء، ومن كل مكروه وضرر، ومن كل ما نخشى منه ونحذر. إننا نتوسل إليه، وهو المجيب، أن يحفظه واحدا موحدا. إننا نتمنى عليه، جلت قدرته، أن يمن على مواطنيه، أينما كانوا، مقيمين على أرضه، أو في الشتات بالأمن والأمان، والطمأنينة والسلام. إننا نرجوه، وهو قابل الرجاء، أن يؤلف بين قلوبهم، وأن يرفع بين ظهرانيهم راية وحدة الصف والهدف.

فلسطين ما كانت إلا أرضا واحدة، إلا وطنا واحدا، إلا قضية واحدة. جنوبها امتداد لشمالها، وشمالها سند لجنوبها. لا يفرق بينهما بعد جغرافي، ولا بون ديموغرافي. الإنتماء واحد، الجرح واحد، النكبة واحدة، النضال واحد، والتضحيات واحدة. إنها مشيئة الله جل جلاله أن يمتحن هذا الشعب في وطنه، في نفسه ونفيسه، ولا اعتراض على مشيئة الله. إن الإعتراض على تجزئة الوطن والقضية، على احتراب بعض من أبنائه، على ازدواجية النظرة إليه.

إنها أيام من تاريخ فلسطين عصيبة، تضاف إلى أجندة أيام الوطن الجريح. لم تمض بضعة أسابيع على إحياء الشعب الفلسطيني للذكرى السنوية التاسعة والخمسين للنكبة التي دخلت عامها الستين. لم تمض إلا أيام معدودة على الذكرى السنوية الأربعين للإحتلال الإسرائيلي لكامل التراب الفلسطيني. وها هو الشعب الفلسطيني الدامي الجراحات، المثقل بالأحزان والمآسي، يصحو على محنة، هي أخطر من كل المحن التي عاشها، على مدار أيام نكبته.

وإذا كانت كل المحن والكوارث الإنسانية التي ابتلي بها الشعب الفلسطيني على مدار قرن من الزمن، قد كانت وما تزال تداعيات لمؤامرة كبرى، حاكت خيوطها الدول الإستعمارية الغاصبة، فإننا نقول، والأسى يعتصر قلوبنا، إن هذه المحنة الراهنة هي من صنع أيد فلسطينية، اختلفت رؤاها، وتعددت اتجاهاتها، وحادت عن المسار الأوحد والوحيد للقضية الفلسطينية. وهكذا كان الصدام الذي تعدى كل الخطوط الحمراء.

إنه مشهد فلسطيني حالك. الدم الفلسطيني لم تعد له حرمة. المواطن الفلسطيني لم يعد آمنا. تغتاله هذه المرة رصاصة فلسطينية. البيت الفلسطيني تهدمه على رؤوس أهله أيد فلسطينية. تحرقه نار فلسطينية. الغضب الفلسطيني أصبح أعمى أصم. لم يعد يرى ما تصنعه يداه، ولم يعد يسمع أنين ضحاياه، ولم يعد يفكر بأبعد من راهن طيشه وجنونه.

ها هي خارطة الوطن، يلونها الدم والنار. تظللها غمامات التنائي والإفتراق.من كان يصدق أن تفرز أجندة أيامها أياما كهذه الأيام مجنحة بالمآسي والأحزان؟. من كان يصدق أن تطل شمس يوم الخامس عشر من حزيران/ يونيو على الشعب الفلسطيني؟. هذا اليوم الذي شرخت فيه مرآة القضية الفلسطينية، وحمل معه نذر الشجون والأشجان. إنها الحقيقة المرة. إلا أن الأمرّ منها أنها هذه المرة من صنع أيد فلسطينية، لونت مشهد الوطن بالرؤى السوداء.

إننا ونحن نقرأ المشهد الفلسطيني الراهن، لا نبغي تكرار ما سبق لكل الخيرين والمخلصين أن سألوه: من المستفيد الأوحد والوحيد من هذا السيناريو الفلسطينيي على مسرح القضية الفلسطينية؟. إن أبسط إنسان فلسطيني يعلم يقينا أنه الإحتلال الإسرائيلي. إن ما لم تستطع إسرائيل وكل أعداء الشعب الفلسطيني أن يحققوه طوال قرن من الزمان، يخشى لا سمح الله أن يكون قد تم تقديمه مجاناعلى طبق من ذهب لهم.

إلا أننا، وقد فتحنا هذا الملف، لا بد لنا أن نؤكد على آثار سالبة، يخشى أن تكون قد أفرزتها تداعيات الأمور في كل الأراضي الفلسلطينية شمالها وجنوبها، ضفتها وقطاعها. وبداية، يخشى أن تكون النظرة الواثقة للمواطنين الفلسطينيين إلى أنفسهم، قد تضعضعت، وأنهم لاسمح الله جراء ذلك سوف ينظر إليهم على أنهم لم يبلغوا سن الرشد السياسية.

وثانية منظومة هذه المخاوف التي أخذت تعصف بالفلسطينيين، فإنه يخشى أن ينظر إليهم، والأهم من هذا أن ينظروا هم لأنفسهم أنهم ليسوا أهلا لحكم أنفسهم، وإدارة شؤونهم. فما إن " تحررت " مساحة من الوطن، حتى انفجرت خلافاتهم الخطيرة، فكيف فيما لو تحرر كامل الوطن؟.

وثالثة هذه المخاوف، فإنه يخشى جراء ما حدث من اقتتال دام وانقسام خطير، أن تكون الديموقراطية التي تغنى بها الشعب الفلسطيني، ما هي إلا حالة عارضة، أو سحابة صيف عابرة. وها هي أكبر فصائله تتنكر لها، وتصر على تحكيم لغة الحديد والنار بدل لغة المنطق والحوار، لغة احترام الرأي والرأي الآخر، لغة التآخي والتواد والتراحم، لغة الشراكة العادلة في تصريف شؤون الوطن، لغة ثوابت القضية التي ليس لها إلا أبجدية واحدة وحيدة، تتمثل في استعادة كل استحقاقاتها الشرعية.

ورابعة هذه المخاوف، ومرة أخرى، نرفع أيدينيا إلى السماء، سائلين الله جلت قدرته، أن لا تكون هذه الأحداث مقدمة لما هو أسوأ. وهل أسوأ من أن تنحر القضية في مذبح الصراع الفئوي على الإستئثار بالسلطة، والإنفراد بها. وعلام هذا الإقتتال اللامبرر بين الأشقاء؟. علام هذا الصراع الدامي الذي لا هدف له إلا المحاصصة والإستئثار؟. إن الوطن محتل، والقضية في الأسر.

لقد صمدت القضية الفلسطينية طيلة عقود طوال من الزمان رغم التحديات والصعاب والمحن، والتضحيات الجسام بالنفس والنفيس، كون المنظور كان واحدا. أما والحال هذه، فإن القضية تمر في تجربة خطيرة غير مسبوقة، تعصف بها الأهواء الشخصية، والأنانية الفردية.

إلا أننا نحن الفلسطينيين، وبرغم هذا النفق المظلم الذي لا يلوح بصيص نور في آخره، لا نيأس ولا نقنط من رحمة الله. إن ثقتنا بالله لا يرقى لها أي شك. إننا نؤمن أن الدم الفلسطيني لن يستحيل إلى ماء. إن القضية إرث مقدس، لا يمكن التفريط به. إنها خط أحمر، لا يمكن أن يداس.

كلمة أخيرة، هناك حقيقة لا يمكن التغاضي عنها، أو الإلتفاف عليها، أو تجاهلها مؤداها أن أيا من الفصيلين الأكبر والأقوى في الساحة الفلسطينية – وهما جزء من الوطن وليسا كله – لا يمكن للواحد منهما أن يجتث الآخر، أو أن ينكر وجوده، أو أن يلغيه من أجندته. إنه الوجود الفلسطيني قائم على التعددية. إنها التعددية لا عنوان سواها. فهي الحصن الحصين للوطن. وهي مفتاح الدخول إلى الوفاق والإتفاق. وهي السور الفلسطيني العظيم لحماية القضية والحفاظ على ثوابتها. ولا بد من الرجوع اليها الآن الآن وليس غدا.

إن الذين صعدوا إلى أعلى أغصان الشجرة في لحظة من لحظات الغضب والمرارة، لا بد وأنهم سوف ينزلون منها. لا بد وأنهم سيعودون إلى حضن القضية. فهم وإن كانوا خطين عقائديين متوازيين، إلا أنهم فيما يخص القضية الفلسطينية المقدسة، لا يمكن لهم إلا أن يتلاقوا، ولا بد أن يعود الوئام والسلام، ولا بد أن تعود قضية التحرر من الإحتلال هي الشغل الشاغل، والوسيلة والهدف. وما دون ذلك هو الإنتحار والإندثار. وإن غدا لناظره قريب. والله يحميك يا وطني.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى