يحيى السماوي
1 - الشاعر: هو يحيى عباس عبود السماوي، وُلِدَ بمدينة السماوة بالعراق في السادس عشر من مارس 1949م، تخرّج في كلية الآداب جامعة المستنصرية عام 1974م ، ثم عمل بالتدريس والصحافة والإعلام،
2- إصداراته:
أصدر السماوي حتى الآن ستة عشر ديوانا شعريا وكتابين نثريين، يُعَدُّ ديوان " قليلُكِ لا كثيرهنّ " من أواخرها؛ فقد أصدره في طبعته الأولى بمدينة سيدني بإستراليا سنة 2006م.
وهذه هي الإصدارات الستَّةَ عشر مرتبة زمنيا على النحو التالي:
1- عيناكِ لي دُنْيَا، بالعراق سنة 1970م.
2- قصائد في زمن السبي والبكاء 1971م.
3- قلبي على وطني 1992م.
4- من أغاني المشرد 1993م.
5- جرح باتساع الوطن ( كتاب نثري ) 1994م.
6- الاختيار 1994م.
7- عيناك لي وطن ومنفى 1995م.
8- رباعيات 1996م.
9- هذه خيمتي.. فأين الوطن؟ 1997.
10- أطْبَقْتُ أجفَاني عليكِ. 2000م – إستراليا.
11- زَنَابقُ بَرّيَّةٌ (رباعيّات). أغسطس 2003م – إستراليا.
12- الأُفُقُ نافِذَتِي. أكتوبر 2003م بإستراليا.
13- نقوشٌ على جِذْعِ نخلةٍ 2005م.
14- قَلِيلُكِ.. لا كَثِيرُهُنَّ 2006م إستراليا.
15- البكاء على كتف الوطن. دار التكوين سورية 2008م
16- مسبحة من خرز الكلمات ( نصوص نثرية ) دار التكوين، سورية 2008م .
17- شاهدة قبر من رخام الكلمات
والناظر المتأمّل إلى هذه الإصدارات للشاعر، وتواريخ صدورها في طبعاتها الأولى تتجلّى له منذ اللحظة الأولى أمور كاشفة في سياقها الفنّيِّ والتاريخي في سيرة شاعرنا، والتأريخ لأطوار تجربته الشعرية.
أولها: أصالة موهبته الشعرية، ونضجه الفنيّ المبكّر، فقد أصدر مجموعتيه الشعريتين الأوليين " عيناكِ لي دُنْيَا " سنة 1970م و " قصائد في زمن السَّبْيِ والبكاء " سنة 1971م أي قبل تخرّجه في كلية الآداب جامعة المستنصرية سنة 1974م؛ وهذا يعني أنه كان على أعتاب الجامعة عندما أصدر مجموعته الأولى، وكان في السنة الأولى من دراسته الجامعية تقريبا عندما أصدر مجموعته الثانية، وهذا ينبئ عن موهبة أصيلة ناضجة آتت يانع ثمارها وهي في هذا الطور من صدر شباب الشاعر، وتشكّل الكثير من أفكاره ورؤاه الثقافية.
وثاني هذه الأمور: هو تتابع إصدارات الشاعر وتواترها زمنيا على نحو لافت، فما يكاد يمرّ عام حتى يصدر مجموعةً شعريةً، بل ربّما يصدر في العام الواحد أكثر من مجموعة، وهذا ينبئ كذلك عن تدفّق ينابيع موهبة الشاعر، وغزارة روافدها التي تمدّها ببواعث الشعر ومثيراته.
وثالث هذه الأمور: وهو ما يلفت نظر القارئ لأول وهلة كذلك، وهو دوران عامة دواوين الشاعر في فلكِ تجربةٍ شعرية أصيلة محورية في شعره، قد تتعدّد وجوهها، وتتباين معارضها ومجاليها، ولكنها تصبّ في نهر كبير أثير لدى شاعرنا، وهو نهر تجربته الوطنية التي تهيمن على آفاق الرؤية الشعرية عنده، وتلوّن كافة صورها وتشكيلاتها الشعرية.
ورابع هذه الأمور: وهو ما يجدر بنا أن نتوقّف عنده في هذا السياق، وهو هذه الهُوّة الزمنية التي بلغت نحو عشرين عاما في سلسلة إصدارات الشاعر من سنة 1971م سنة إصدار مجموعته الشعرية الثانية إلى سنة 1992م زمن إصدار مجموعته الشعرية الثالثة: " قلبي على وطني " بعد خروجه الأوّل من العراق إلى السعودية، وهذا ما دعا إلى التساؤل عن سرّ هذا الصمت الطويل في طور من أخصب الأطوار العمرية والفنية في تجربة شاعر مثل شاعرنا السماويّ، وقد كانت هذه الهوّةُ - في رأيي - كُوّةً نفذتْ من خلالها الكثير من الأضواء الكاشفة على حياة الشاعر في هذا الطور الذي عانى خلاله ألوان المرارات وصنوف العذابات على الأصعدة كافة نفسيةً وحسيةً على أيدي زبانية النظام الصدّاميّ البائد، بدءًا من إقصائه عن ممارسة وظيفة التدريس واضطراره إلى العمل موظّفًا ببريد مدينة السماوة، والزّجّ به في أتون الحرب العراقية الإيرانية مع أن النظم كانت تقضي بعدم تجنيد المعلمين، مرورا بمتابعته وملاحقته والتحقيق معه، وتفتيش داره مرارا لا يدري هو نفسه عددها تحديدا لتكرُّرها، وهو ما عبّر عنه بقوله في رسالةٍ للباحث: " لا أعرف عدد المرات التي أجرتْ فيها مديريات الأمن والاستخبارات العسكرية تحقيقات كان يمكن أن تقودني نحو حفرة من حفر مقبرة سرية ... لكني أعرف تماما أنني قد تحملت من صنوف التعذيب، ما يكفي لموت حصان سليم البنية ... " وفي هذا ما يكشف عن حجم الجحيم الماديّ والمعنويّ الذي نصبه النظام الصدّاميّ وزبانيته للشرفاء كافة في عصره، وما يكشف عن خطورة الكلمة والقصيدة في هذه المرحلة بوصفها جريمة من كبريات الجرائم في أثناء عهدٍ كان ذلك طابعه وديدنه، وهذا ما يفسّر صمت شاعرنا الظاهريّ، وإمساكَهُ عن نشر شعره وإذاعته في هذه الفترة، بل وإتلاف ما كانت تطاله أيدي أسرته من شعره وإعدامه خشية أن يتحوّل ذلك إلى ورقة إدانة تودي بحياة الشاعر، وتكون ذريعةً للمزيد من التنكيل به.
ثم يخرج الشاعر بعد فشل الانتفاضة الشعبية فارًّا إلى السعودية سنة 1991م ليستأنف نشاطه الثقافيّ والنضاليّ بها، ملتحقًا بإذاعة " صوت الشعب العراقي " المعارضة للنظام ، محررًا في قسم البرامج السياسية والثقافية - وكانت تُبَثُّ من مدينة جدة السعودية - آنذاك، ثم شرع ينشر المقالات والقصائد في المنابر الإعلامية والأدبية، داخل المملكة وخارجها.
* * *
بَيْنَكِ والنَّخِيلْ..
قَرَابَةٌ..
كِلاَكُمَا يَنَامُ في ذَاكِرَةِ العُشْبِ..
وَيَسْتَيْقِظُ تَحْتَ شُرْفَةِ العَوِيلْ.
كِلاَكُمَا أَثْكَلَهُ الطُّغَاةُ والغُزَاةُ..
بِالحَفِيفِ والهَدِيلْ.
وَهَا أَنَا بَيْنَكُمَا..
صُبْحٌ بِلاَ شَمْسٍ..
وَلَيْلٌ مَيِّتُ النُّجُومِ والقِنْديلْ.
* * *
لاَ تَعْجَبِي إِنْ هَرَمَتْ نَخْلَةُ عُمْرِي..
قَبْلَ أَنْ يَبْتَدِئَ المِيلاَدْ.
لاَ تَعْجَبِي..
فَالجَذْرُ في " بَغْدَادْ ".
يَرْضَعُ وَحْلَ الرُّعْبِ..
وَالغُصُونُ في " أَدِلاَدْ ".
وَهَا أَنَا بَيْنَكُمَا..
شِرَاعُ سِنْدِبَادْ.
يُبْحِرُ بَيْنَ المَوْتِ والمِيلاَدْ ".
وفي هذه القصيدة تتجلَّى لنا عاطفتان في نفس الشاعر تجاه هذه الحبيبة، قد تبدوان متباينتين، ولكنهما متناغمتان كلَّ التناغم، متساوقتان مع طبيعة تجربته أشدَّ التساوق، وهما عاطفتا المحبة،
والشوق العَرِم إلى الوصال، والتوحُّدِ بالحبيبة، والتخوّف من الختام الداميّ، والنهاية المأساوية، أو الاستشهادية في سبيل هذا الوصال، فهو يتوق إلى الحبيبة، ويحنُّ إلى حِضْنِها، ويعلن استسلامَ قلبه إليها، ودخوله طواعيةً وعشقًا في لذيذ قيدها، وشهيِّ إسارِها، طالبًا إليها أن تأخذَ " بِغَدِهِ " وما بقيَ من عمره، ليختتم فصول مأساته في التشرّد بين المنافي " بالإقامةِ خَلْفَ بَابِهَا " وفي هذا التركيب ما يُوحِي بتفضيله المكث في إسار الحبيب/ الوطن، وغيابةِ جُبِّها على كونه مطلق السراح، مشرَّدًا منفيًّا في مختلف الأنحاء والأقطار، بوصف ذلك نتيجةً شعوريةً حتميةً لمن عضّته نيوبُ الغربة، وحرَّقه هجيرُ المنافي، فإذا هو يرى بعد طول الشتات أن جحيم الوطن خيرٌ من جِنَانِ المهاجر والمنافي.
ثم يردف بذكر طائفة من الصور الاستعارية التي تعرب عن مدى تهيامه بهذه الحبيبة، وطبيعة تمثُّلِه لها ذهنيا وشعوريا، فهو " جَفْنٌ تَأَبَّدَهُ الظَّلاَمُ " وفي تعبيره بقوله: " تَأَبَّدَهُ " ما يشي بطول المدّة الزمنية التي قضاها الشاعر مُغَرَّبًا، وعميق وقع ذلك في نفسه، فكأن تلك السنوات لديه صارتْ أبد الآبدين، لا نهاية لآماده وأبعاده، وإذا هو – بكل هذا الظمأ الروحي – قد أتاها " يَنْهَلُ مِنْ شِهَابِهَا " وفي هذا التعبير بالنهل من أقباس نور الحبيبة ما يفيد صيرورة نارها التي هي مبعث نورها في نفسه " مَاءً " تقومُ عليه حياة روحه، وإكسيرًا أثيرًا لكينونته ووجوده.
ثم يردف بذكر صورة أخرى توحي بمدى ضراعته الخاشعة المبتهلة تشوّقًا إلى الحبيبة، فهو " فَمٌ توضَّأَ بِالدُّعَاءِ " الطهور، والصلوات الطيبات، لعلّ هذه الأدعية ، وتلك التراتيل أن تكون مجابةً، فينفتح له صدر الحبيبة، قبل أن يفترَّ ثغرها مرحِّبًا: " هَلاَ بِكْ "، ولكنه على الرغم من كل ذلك الحنين المحرق لا يخفي عاطفة " التخوّف " من تلك الحبيبة، وإن كان مستعدًّا أن يقدّم ما بقي من روحه قربانًا بين يديها، وبرهانًا على أكيد محبته إياها، عسى أن تنجاب بعض غيوم شكوكها وارتيابها:
عن (المثقف)