يوم العِـزّة
في أجازة صيف العام الدراسي 72\1973 م،يطرق الباب طارق في الثانية عشرة مساءً بطرقات يعرفها أهل البيت عامةً وحازم خاصة.
سمع حازم الطرقات ثم انقلب على شقه الأيسر وهو يبتسم وعيونه ترقص خلف جفونه الغريقة في النوم، ينمو إلى أذنيه صوت صاحبه فيستلقي على ظهره ويضع سبّابة يده اليمنى في أذنه ويهزّها حتى يفتح مجالاّ للصوت ليتأكد إن كان ما سمعه حقيقة أم هي أضغاث أحلام ؟
ما كاد ينتهي من ذلك حتى سمع هرجاً ومرجاً خارج الحجرة، تعانق أذنيه ضحكات صاحبه فيقفز مهللاً خارجاً ومؤدياً تحيته العسكرية التي علّمها إياها ابن عمه قائلاً" تمام يا افندم".. جندي مجند حازم إبراهيم محمد، فيقف ابن عمه مؤدياً التحية هو الآخر قائلاً" تمام يا عسكري"، يقفز حازم إلى أعلى معانقاً إياه.
انهال عليه بطلقات من الأسئلة كان من أهمها.. لماذا تأخرت هذه المرة؟
أخذ نفساً عميقاً ثم راح يقص عليهم قوة التدريبات وجديتها، ويصور لهم أحاسيسه وزملاءه وهم يقفزون بمظلاتهم، كيف تحنو عليهم وتتهادى بهم في خيلاء؟!، ويبث لهم حلمهم بأن يهبطوا وسط كتيبة إسرائيلية تدور بينهم معركة حامية الوطيس يقضون في نهايتها على من فيها، ثم يغلّف أمنيته بأن يموت شهيداً مثل عمه في حرب 1948 م.
يتحفز حازم لسماع المزيد إلا أن الوقت تأخر ولابد أن يرتاح ابن عمه حتى يسافر في الصباح الباكر إلى وحدته، بعد اسبوع من سفره تلقوا نبأ استشهاده.
من يومها وهو يراه في الحلم، مستعداً مؤدياً التحية العسكرية، يظل طول الليل يحكي له عن البطولات والحرب.
يتخرج حازم من كلية التربية ويتعين مدرساً في نفس المدرسة التي كان تلميذاً بها وقت حرب اكتوبر 1973 م، يدخل أول حصة في فصل 1\1 فيقف التلاميذ لتحيته فإذا به يطوف بالفصل وتحتضن أركانَه عيناه، تعجب التلاميذ من أمره.. فهم يعرفونه، ألقى عليهم السلام وأذن لهم بالجلوس.
راحوا يسألونه.. من فضلك يا أستاذ..لماذا تتأمل في فصلنا هكذا؟!
أخذ نفساً عميقاً وبدأ يقص عليهم القصة ثم ألقي عليهم قصيدته الزجلية تحت عنوان:-
سبت العبور
بعد ما دقنا المرارة.. والألمبعد ستة عجاف بتحلب في الندم [1]بعد ما قالوا على المصري انعدمكان الإله واعد بنصر اللي انظلمكان القرار والحكمة في جرّة قلموفـ عز يوم السبت من فوق الهرمالله أكبر حضّرت كل الهممالله أكبر والمعلم طار.. هجمالله أكبر والأسود طالوا القممالله أكبر والإيدين رافعة العلمتسمع بيان (صبري سلامة) في نهم [4]الراديو كان م النشوة يرقص ع النغموانهارت الأسطورة واحتارت أممإزّاي بخرطوم ميّة بارليف انهدم؟!والاّ القنال . الميّة فيه تشوي القدم؟!بالحرب والسلم انحنت لينا القممورفعنا راس العُرْب فوق رابع هرمالحق لايمكن يضيع يا محترمواللي يعينه ربنا ما ينهزم.
وما أن انتهى من قصيدته وقف التلاميذ لتحيته وعلت أصوات أكفهم بالتصفيق حتى أن الفصول المجاورة انتبهت لذلك وأعلن الجرس انتهاء الحصة.