كالإسفنـــــــــــــج
المدينة المعتكفة في ممارسة طقوسها اليومية بأمان، وبرغبة مجنونة، وبصخب ملعون.. بلاد أرواحها كالجليد.. بعضها لاه إلى مبتغاه فقط.. أنا ومن بعدي الطوفان!!.. وبعضها الآخر الذي تخاله في صحة من هذا المرض.. قنبلة أُفْسِدَ مفعولها.
وعلى الشاطئ الرملي الغافي في تلك المدينة، الملتحف بألوان الآدميين.. في ليل المدينة الناعم الذي يردد أغنيته الدافئة الشفافة.. خالد، بعد إفساده، وبعد أن قرر أن يكون ضمن اللاهين تجريباً.. يرافق زملاءه مشياً في صمت.. يركل العلب المعدنية.. الورقية.. البلاستيكية.. الحصيات الصغيرة.. وغيرها، على غير عادة!.
ها.. خالد.. اهدأ، وشاركنا الحديث.. ما بالك اليوم؟!!
بهذا ناداه أحدهم وهو يلكزه بيده، بينما طير الاستغراب والابتسام يرفرف في آفاق الجميع.
لم يلهُ عن معبد الصمت.. لم يَفْتَكَهُ الصوت بالالتفات.. لم يفتأ يزاول طقوسه، كبحر حين يؤدي نزواته أو صلواته.. بل غدا يركل الأشياء بانفعال حين تُدَوّي كل كلمة في أذنيه، وكأنه يعاند أحداً، ثم يتباهى باهتزازه، ويصدر صوتاً مائعاً كشاب طائش مستهتر!.
متنسكون رفاقه بالدهشة منه!!.. بيد أن اغتصابهم لأنفسهم فض بكارة تهميشهم له، فواصلوا شهوة حديثهم دونه.
واليوم أُحْرِقَ أهمّ أثرٍ ومعْلمٍ في دولة الإسراء.. و...
هذا مانطق به أحدهم باشتعال كاد أن يجفف البحر. فشهابياً اعتلى صوت خالد مقاطعاً:
(أها!...) قالها فأوقف حربهم، بعقل ذاهل، بينما قزحتاه لاهثتان إلى امتداد الشاطئ.
توقع رفاقه بأن الخبر قد أعاده إلى رشده، وسيدلو بدلوه فيما يتحدثون.. (رأيه يهمهم، فهو ذو ثقافة كبيرة وعالية، له وجهات نظر قيمة ورؤى لافتة، وعاقل متزن.. غير أن ما يجري منه الآن، ماهو إلا سلوك غريب وشاذ ومُستنكَر).. في وجوم كنسته أحداقهم وبصائرهم المتلهفة إلى ماذا سيقول؟.... هنيهات.. فإذا بانتظارهم يأتي كمن ينتظر السماء السقيمة العاصفة أن تأتي بنسيم لطيف ونقي، فتأتي بمطر من الجمر، حيث بدا بياض أسنانه، مشيراً بسبابته إلى جسم بحجم نصف جسده يختبئ أغلبه في قلب الشاطئ.. قائلاً:
رائع.. قطعة إسفنج كبيرة!!
انهارت صروح الرفاق.. جرفهم طوفان الاستغراب بعيداً.. بينما هو بسرعة البرق توجه إلى قطعة الإسفنج، ركلها بكل قواه.. اقتلعها من مكانها.. أبعدها قرابة نصف متر.. تناثر في البلل، بينما سمع تكسر أصابع قدمه التي تعرّت من حذائها.. شحذ صوته، فصرخ بألم: آآآآآآآآآآآآآه..
حياء، طأطأ رأسه.. ندماً، عض على شفتيه.. بكلتي يديه، قبض على أصابعه المحطمة الدامية.. وبأنين هادئ، وجبين متعرق.. بين رفاقه الذين حينذاك بعضهم حجب عينيه عن رؤيته، وبعضهم الآخر ضغط على رأسه بافتجاع وذهول.. تمتم:
آه.. قضية تصخرت.. الإسفنج كذلك.. والصد له ثمن كبيييييير!!.
وبينما كان يمسح لوعته، ورفاقه الذين يتحلقون حوله ويواسونه بلوم.. دوّى انفجار قوي في أحد أرجاء المدينة.. هزها بكاملها.. شتتها.. أرعبها.. أفسد اعتكافها، وغير مسيرة طقوسها، بملئها موتاً وجراحاً ودماراً!!.