أشياءٌ في الحب، والدمية الجنسية سامانثا..
تقول الميثولوجيا الأغريقية اليونانية أن الجنس البشري كان ثلاثة أجناس وليس جنسين: الرجل والمرأة والخنثى التي تمتلك أعضاء جنسية مزدوجة. ولذلك نرى الغرب اليوم يتسابق في إعادة هذا الجنس الثالث رغم أنف الذي يرضى أم لم يرضّ، هل لآنهم يريدون نسف ماجاءت به الأديان (وخلقناكم من ذكر وأنثى لتعارفوا)؟ نحن المساكين لانعرف. بل، سيخلقون لنا جنساً رابعا وهو الدمية الجنسية التي سنتكلم عنها لاحقاّ. ولكن: كيف كان الحب بين هذه الأجناس قبل هطول الأديان جميعها، الحب الذي نعرفه بصيغة المفرد دون الجمع مثلما العشق الذي يعني فرط الحب، ولافرق بين الحب والحرب في الشكل الا في المعنى وهذه هي طبيعة عشتار أو أفرودويت (ربة الحرب والحب معاً) بإعتبار ان الحب يحمل في طياته بين الهدنة والحرب.
الحب هو الشعور الإنجذابي والإنتمائي نحو الآخر، ومثلما ورد في الإسطورة التي تقول: أن الإنسان ضاع نصفه في الفضاء وظل يبحث عن نصفه الضائع. لكن تأتي المأدبة الإفلاطونية التي أقامها الشاعر (أغاثيون) في بيته في أثينا، وهي وليمة حضرها كبارالشعراء والفلاسفة وكبار القوم ومنهم سقراط وتلميذه إفلاطون وغيرهم لتحدثنا عن أشياء أخرى أعمق وأعمق عن الحب. في المأدبة تحدث (الشاعر أرسطوفان) عن فلسفة وتأريخ الحب وقال ان الرجل جاء من الشمس والمرأة من الأرض والخنثى من القمر. ثم يسترسل ويقول: الحب هو (آيروس) إله الحب والجنس والرغبة في التطلّع للجسد وحسب. وكان الجنس البشري أنذاك يتكون من أربعة اطراف واربعة أرجل وأربعة آذان وأربعة عيون وأعضاء تناسلية مزدوجة وهذه قد رأيناها في أغلب أفلام الخيال وكيف يظهر الرجل أو المرأة بأكثر من ذراع كما الإخطبوط فاغلب هذه الآفلام من ألاساطير الأغريقية. هذه الأجناس يقول (أرسطوفان) كانت لديها القوة الكبرى في الجنس والذكاء الحاد في التفكير والمكر، وذات يوم قررت الحرب على الإله (زيوس) وخلعه من عرشه ولذلك قرر زيوس التخلص منهم فأرسل لهم إبنه الإله (أبولو) فشطرهم الى نصفين وأضعف قوتهم ومنذ ذلك الحين بدأ الجنسان يبحثان عن نصفهما الآخر لإستعادة سعادتهم وقوتهم اللتين كانوا عليها. ويختصر(أرسطوفان) حديثه من أن الرجل والمرأة سيظلان يبحثان عن السعادة والوصول الى طبيعتهم القديمة قبل عقوبة آلهة (ألآولمب) زيوس وأبولو. وهنا نود أن نشير أن آلهة الأولمب أثنا عشر مثلما في بقية الأديان كتلاميذ المسيح الإثني عسر، كالصحابة الأثني عشر والأئمة الأثني عشر وهنا التناص واضح لالبس فيه.
المهم: نعود الى أرسطوفان الذي يقول أن الحب هو رحلة شاقة وشوق عظيم نحو النصف الآخر الذي شطره (أبولو). لكن سقراط لديه رأي مغاير لما قاله (أرسطوفان) لآن الحب لدى سقراط هو: الرغبة التي تشتهي بما لاتملكه، والذي لاأملكه يجب أن يكون خيراَ وجميلا ومتمثلا في نصفي الآخر. وبالمعنى البسيط يعني أن المرء غالبا يحب أن يشتري الأشياء التي لايملكها في بيته. ويدعم سقراط حديثه في المأدبة نقلاً عن القديسة (ديروثيما) ويخبرهم: ان اله الحب والجنس (أيروس) ليس جميلا ولاخيراً متكاملاً مثلما وصفه (أرسطوفان) بل هو جنّي نصفه اله ونصفه الاخر بشر وأيضا (ايروس) ولد بطريقة مخاتلة: ففي حفل ولادة (أفروديت) اقامت آلهة الآولمب حفلا ضخما حضره كبار الآلهة ومنهم (بوروس) اله الوفرة وهو الشجاع والحكيم والثري فشرب من الكوثر أوالنكثار حتى سكر ونام في حديقة الإله (زيوس) ثم جاءت المتسولة المعروفة أنذاك (بينيا) ربة الفقر واللؤم والتسول ورغبت أن تنجب منه ولدا َفضاجعته وأنجبت منه الإله (أيروس) ولذلك يقول سقراط ان الحب هو سرقة في حديقة الآلهة وان اله الحب والجنس (أيروس) ورث من أبويه الفقر والتسول و الشجاعة والثراء والمكر والفكر. حتى ينتهي ويقول سقراط: يظل الحب فقيرا تائها بلا مأوى وجاهلا وعالما وينمو احيانا ويخبو احيانا ويرتقي الى الجمال والخير في حالة اذا تحول من حب المادة والجسد والنفس الى حب الفكر والمعرفة، فهنا يعني أن الحب الإفلاطوني أو السقراطي الغى الجسد والغى تصورات الاله أيروس ودعوته الى الجنس وحب الجسد. وهذا الحب الافلاطوني السقراطي إعتمده القديس الكاهن (أوغسطينوس) في العصور المسيحية الوسطى واعتبرممارسة الجنس فقط لآنجاب الأطفال من قبل الزوجين دون الشعور بهزة الجماع واللذة والرعشة والآهات اللذيذة الناجمه عن الجنس أما عدا ذلك فهو حرام أمام الله والمسيح. حتى جاء الفيلسوف (نيتشة) وصرخ صرخته الشهيرة (أنا جسد وروح) بل ظل نيتشة يسب افلاطون وتلميذه ارسطو بأقذع السباب والشتائم. ثم جاء الفيلسوف (ميشيل فوكو) في القرن العشرين ليرسم لنا حب الجسد واحترامه واطلاق عنانه في الجنس.
لكن اليوم في عصرنا الحاضر برز الجنس بشكله الآخر وهو (الستربتيز) والعري ويمكننا القول أن نسميه إله الستربتيز الذي سيطغي على الاله (أيروس) وارتقاءه بالجسد، فقبل يومين وعلى قناة الـTV2 الرسمية الدنماركية وفي برنامج لمدة ساعة عرضت ماكان معمولٌ به في زمن الإمبراطورية الرومانية. فما عرضه التلفزيون الدنماركي مفاده: يقف خمسة رجال عراة يكشفون عن عوراتهم وتأتي فتاة عارية هي الأخرى تماما بفرجها الواضح للجميع و تخبرها مقدمة البرنامج أن تختار أجمل (قضيب) لدى هؤلاء الرجال لتأخذه ليتمتع الإثنان برغبة الجسد، وبالفعل تقوم هذه الفتاة بالنظر بتمعن لأعضاء الرجال وتعطي رأيها وتجادل لماذا هذا أجمل ولماذا ذاك أقل جمالاَ، حتى تختار الأجمل والأقوى. وقد شاهدنا هذا العرض في المسلسل الأمريكي(سبارتاكوس) وكيف كانت المرأة النبيلة الارستقراطية الرومانية هي التي تختار الرجل لجمال قضيبه وقوّته.
والأنكى من كل ذلك الذي ينسف إفلاطون وسقراط والإله أيروس هو عصر (الدمية الجنسية سامانثا) التي صنعها المهندس الأسباني (سانتوس سيرجيا) والتي جعلت حب الجسد هو الأولى وقال عنها: حين تزوجتها أدخلتْ لنفسي البهجة والسرور وهي قادرة على الحديث في مواضيع شتى ولسوف أجعلها تنجب وتحبل مثلما بقية الحواءات. واليوم تطورت صناعة الدمية الجنسية في أمريكا واليابان والصين وملئت الآسواق وكل منها بسعره، وهي دمية انثوية ورجالية وعلى مستوى عالي من الجمال، يعني المرأة باستطاعها أن تقتني دمية رجل تضاجعه متى تشاء فتقضي على العنوسة والعزلة، والرجل يقتني دمية انثويه يضاجعها متى مايشاء وبشتى الأوضاع فلا حرج هنا ولاحياء وكلاهما يمنحان الملاذ الاقصى دون زواج ولانكد ولا صراع ولا مسؤولية ولاغيره من التفاصيل الآخرى، والغريب في الأمر أن هذه الدمية لاتقبل العنف بل عليك معاملتها بالرفق والنعومة. هذه الدمى مستقبلا ستمشي في الزحام ومع السابلة بحيث انك لاتستطيع التفريق بين البشر والدمى وهذا ماعرضته اليابان والصين هذه الايام وكيف شاهدنا الدمى تتمشى وتتحدث في الشوارع كما البشر الآخرين. هذا يعني سوف يكون هناك جنساً رابعا اسمه (الدمية الجنسية) ورغما عن أنوفنا أيضا. وفي النهاية أقول: لويسعني أن اطرح سؤالاً مفاده: الحضارات الرومانية والآغريقية انتهت منذ أزمان بعيدة، فهل تعود البشرية من جديد بهكذا جنس مشاع للجميع وتستمر الثورة الجنسية ومثلما نراها في صفحات التواصل بحيث أن الرجال والنساء يعرضون الجسد والجنس بما لايصدقه العقل. وهل إنتصرت الثورة الجنسية على ثورة الجياع والفقر والعدمية ؟.