الأحد ٢٧ تموز (يوليو) ٢٠٠٨
بقلم بسام الهلسة

إسمهــا دلال

كنت في زيارة لبيروت عندما قامت "دلال المغربي" بعمليتها الفدائية الجريئة في الحادي عشر من آذار- مارس 1978م.. وخلال وقت وجيز سرى الخبر في كل مكان من بيروت الغربية مُشِيعاً الحماسة والابتهاج.. ومع الخبر تواردت التفاصيل عن العملية النوعية التي نفذتها مجموعة مقاتلين فلسطينيين وعرباً (من لبنان واليمن)، تتبع "جهاز الأرض المحتلة" الخاص بحركة "فتح" والمعروف باسم "القطاع الغربي" بقيادة "خليل الوزير" -أبو جهاد-.

حملت المجموعة اسم قرية "دير ياسين"، لتذكر بالمجزرة المروعة التي ارتكبتها العصابات الصهيونية فيها ربيع العام 1948م، وأطلق على العملية اسم الشهيد "كمال عدوان" قائد جهاز الأرض المحتلة السابق، الذي اغتاله الصهاينة في بيروت في نيسان- ابريل 1973.

تميزت العملية بكونها من العمليات النادرة للثورة الفلسطينية التي تتم عبر البحر المحروس جيداً من قبل الدوريات الإسرائيلية. وكان نجاح المجموعة المكونة من أحد عشر مقاتلاً، في استخدام القوارب المطاطية للوصول إلى الساحل الفلسطيني قرب شاطئ يافا، والتمكن من الاستيلاء على حافلة إسرائيلية والتوجه إلى "تل أبيب" والاشتباك مع العدو لساعات، ضربة قوية لنظرية الردع وللبنية الأمنية الإسرائيلية، ولم تتمكن القوات الإسرائيلية من السيطرة على الموقف إلا بعد نفاد ذخيرة المقاتلين واستشهادهم -فيما عدا اثنين تم أسرهما- وبعد إيقاع خسائر كبيرة في العدو.

لكن ما ميز العملية أكثر، كان قائدتها الشابة السمراء ابنة العشرين سنة، المولودة في أحد مخيمات بيروت لأب لاجئ من "يافا" وأم لبنانية. وهو ما أجج شعوراً عارماً بالحمية والاعتزاز والفخر لدى الجميع، خصوصاً لدى الشابات اللواتي رأين فيها رمزاً ملهماً لهن، فتدفقت المئات منهن على مقرات الثورة للالتحاق بدورات عسكرية، ليتاح لهن القيام بما قامت به دلال.

إحدى صديقاتها –التي كانت معها في المعسكر التدريبي خلال فترة الإعداد- روت بحسرة وندم أنها قد استبعدت من المشاركة في العملية، لأنها، عندما سألها المفوض السياسي للمعسكر بعد انتهاء فترة التدريب (ولم يكونوا يعلمون الهدف بعد)، عما تحلم به وتتمناه؟؟ أجابت بقولها -وهي اليتيمة-: أنها تتمنى أن تتزوج وتنجب طفلاً يعوضها عن اليتم... فيما كان جواب "دلال" على سؤال المفوض حاسماً ومصمماً: أنها تريد أن تقاتل لتحرير فلسطين...

لم تكن دلال أو "جهاد" –حسب اسمها الحركي- حالة استثنائية في المشاركة النسوية في العمليات الفدائية، لكنها كانت أول شابة تقود مجموعة قتالية من الشباب كلفت بتنفيذ مهمة معقدة تتطلب إلى جانب الشجاعة والاقدام، مهارة ميدانية عالية، ورباطة جأش وصبر وقدرة على التصرف في المواقف الصعبة والمستجدة.. وهي عناصر امتلكتها "دلال" بجدارة استحقت الإعجاب والتكريم؛ فقبل "دلال" نذكر –في القرن العشرين- "جميلة بو حيرد" الفدائية الجزائرية ابنة حي "القصبة" الشهير، التي أحيت في الوجدان الجزائري إرث القائدة الثورية الكبيرة في القرن التاسع عشر: "لالا فاطمة نسومر". وقد ذاع صيت "جميلة" أيام حرب التحرير الوطنية ضد الاستعمار الفرنسي (1954م-1962م)، كمقاتلة صلبة وأسيرة تحملت التعذيب بصبر.

ونذكر "فاطمة برناوي" و"أمينة دحبور" و"ليلى خالد" و"تيريز الهلسه" اللاتي قمن -في أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات من القرن الماضي- بعمليات مميزة ضد المحتلين الصهاينة؛ وبعضهن تعرض للأسر (فاطمة وتيريز) لسنوات طويلة قبل تحريرهن.

وفي الثمانينيات الماضية، قدمت الفدائيات اللبنانيات اسهامهن البارز في العمليات النوعية ضد الصهاينة: "سناء المحيدلي"، "لولا إلياس عبود"، و"سهى بشارة"؛ ومعهن السورية "حميدة الطاهر".

أما الإسهام الأكبر فقد قدمته فدائيات "انتفاضة الأقصى" ومن ثم "المقاومة العراقية"، الأمر الذي يعني إقراراً بالدور القتالي للنساء، بعكس النظرة التقليدية السابقة لهن التي كانت تحصر أدوارهن في حدود "العمل الشعبي" وفي حدود مساعدة "الرجال"، الذين فهموا ان "القتال" امتياز خاص بهم فقط!

لكن شرف المشاركة في قتال المعتدين والظالمين، أكبر من أن يستأثر به الرجال، فهو "واجب عام" أكدته تجربة الشهيدة دلال ورفيقاتها، وأكدته من قبل مشاركة النساء في كل العصور...

ففي سجل التاريخ وذاكرته قائمة أسماء لا حد لها منهن...


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى