الأربعاء ١١ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٢٣
بقلم مكرم رشيد الطالباني

إن لم أمُتْ مِنْ دونِكِ هذه المرّة

توطئة

هل إن الشعر الكلاسيكي الكوردي عصيٌّ على الترجمة إلى العربية وغيرها من اللغات الأخرى؟ كما يقولُ البعض، أم ليس هناك من المترجمين مَنْ يخصص وقته وجهده لهذا الغرض؟ كون هذا الشعر يعود إلى القرن الثامن عشر والتاسع عشر، وحتى بداية القرن العشرين، قبل أن تظهر الحركة الرومانتيكية والواقعية والشعر الحرّ والحداثة ومابعد الحداثة؟ والكثير من الظواهر الشعرية الأخرى؟ مهما كانت الأسباب، فإن ترجمة الشعر الكوردي بحاجة إلى مترجمين متبحرين في اللغتين الكوردية والعربية واللغات الأخرى التي من الممكن ترجمة الشعر الكوردي إليها، وخاصة يجب أن يكون المترجمُ كوردياً ملماً بأسرار لغته الأم وأسرار اللغة التي يترجمُ إليها الشعر الكلاسيكي الكوردي، ويكون هذا المترجمُ ممّن يُشارُ إليهِ بالبنان في هذا المجال، كي يكون عمله متقناً وناجحاً في الوقتِ عينه، ويكون عمل الترجمة باللغة المعاصرة، وليست بلغة شعراء وكتاب العصر الجاهلي والقرون الوسطى.

قبل أيام كنتُ أقرأ مقالاً عن الشعر، وكان الكاتب يتحدث عن ظواهر شعرية، مشيراً إلى بعضِ أبياتِ الشاعر نالي، فأسترعى إنتباهي كلمة كنتُ اشك أنها غير صحيحة، ويمكن أن يكون الكاتب قد أخطأ في نقلها وكتابتها، فعدتُ إلى ديوان نالي المطبوع عام 1976 في بغداد، بتحقيق وشرح العلامة الملا عبدالكريم المدرّس وإبنه فاتح عبدالكريم، ومقدمة إبنه الآخر محمد الملا كريم، وقد كنتُ قد أبتعتُ الديوان في 1/11/1976 عند طبعه في مطبعة المجمع العلمي الكوردي ببغداد في ذلك العام.

تصفحتُ الديوان وتأكدتُ من صحة الكلمة المذكورة، وعدتُ أقرأ بعض القصائد المشهورة للشاعر، عندها أردتُ أن أجيبَ على ذلك السؤال: هل أن الشعر الكلاسيكي الكوردي عصيٌّ على الترجمة؟

فشمرتُ عن ساعديَّ، وبدأتُ بترجمة هذه القصيدة، عسى أن أكون قد قدّمتُ ترجمةً قريبةً إلى روح القصيدة بلغتها الأصلية.

إن لمْ أمُتْ مِنْ دونِكِ هذه المرّة
عهدٌ عليَّ، ألاّ أُغادِرَ إلى هذه القصيةِ
أعماقُ نفسيَ خاويةٌ، تَصْرُخُ كالنّاي
یا له منُ مشتىً يَعُمُّهُ الصُراخُ والعویلُ مِنْ دونِكِ إن بصري أعمی، لن يُفْتَحَ إزاءَ مُحَيّا أيٍّ كانْ
جُلَّ رُموشيَ، واحداً إثرَ الآخرِ، كأنها مساميرٌ مِنْ دونَكِ
جُلَّ أعضاءُ أنيني تَئِنُّ
كُلَّ جَسَديَّ كأنه آلَةٌ موسيقية
قسماً بعَصيرِ لقائِكِ العَذِبِ
إن شرابيَ مِنْ دونِكِ كأنهُ سَّمُّ الأفاعي
عِندَكِ الأشواكُ والعاقولُ حديقَةُ الورودِ مِنْ دونيَ
عِنديَ تَغدو بيادرُ الأزهارِ أشواكاً مِنْ دونِكِ
عِنديَ رَغمَ وجود الناس والمِلَلِ
مهجورةٌ هذه المدينة مِن دونِكِ
كلّما كُنتِ قريبَةً منيَّ، كانوا قريبينَ منيَّ
لكنَّ الآن تَجِدَ حتّى الشَعْرَ تَتَنافَرُ فيما بينها شَعْرَةً شَعْرَة مِنْ دونِكِ
ففي كلَّ يومٍ بِسَبَبِ هَجْرِ هذه السَّنَةِ
تَمَنَّيْتُ لَو كُنْتُ قدْ مُتُّ قَبْلَ سَنَتَينِ مِنْ دونِكِ
حَسْرَةً على رُؤيَةِ قَدِّكِ الهيفاءِ
فَإنَّ ناظِرَي نالي هما جَدْوَلانِ، بَلْ نَهْرانِ مِنْ دونِكِ.

نالي هو الملا خضر أحمد الميكائيلي (1800ـ 1872)، شاعر ولغوي موسوعي كوردي، يعتبر من أعظم الشعراء الكورد في الفترة الكوردية الكلاسيكية. من قرية (خاك و خول) في سهل شهرزور من كوردستان. يعد أحد المؤسسين للمدرسة الشعرية الكوردية الكرمانجية الجنوبية، وهو من اركان مدرسة الشعر الكلاسيكي الكوردي، المدون باللهجة الكرمانجية الجنوبية في القرن التاسع عشر.الباحث الروسي فلاديمير مينورسكي يشير إلى فضل الشاعر نالي وانتقاله إلى مدينة السليمانية، حيث قدر له ان يعيش فترة من الزمن في خانقاه الطريقة النقشبندية، في المدينة بهدف الإحاطة بعلوم الدين، وكان يحب فتاة اسمها (حبيبة) نظم العديد من القصائد عنها.

عاش ايامه الاخيرة في الشام مجاوراً التكية النقشبندية بحي الأكراد. في غربته يشعر نالي بشوق عارم لمدينة السليمانية؛ موطن فتوته وصباه فيكتب هناك أحسن قصائده (أفـتدي غبار دربكِ أيتها الريح اللطيفة). ومن الشام ينتقل إلى اسطنبول. يلازم هناك صديقه المنفي الأمير الباباني، أحمد باشا، والذي أضحى صديقاً حميماً له وفي العام الذي تلى وفاة الشاعر، تسنى للمستشرق الروسي، خودكو، فرصة لقاء الأمير الباباني في باريس. وفيما بعد، كتب المستشرق عن هذا اللقاء مقالة ذكر فيها أن هذا الأمير الكوردي المنفي، حدثه عن شاعر كوردي كان يقيم في دمشق وإجادته للغة العربية، والتي ترجم منها كتاباً في النحو إلى لغته الأم، وأن هذا الشاعر عرف بإسمه الأدبي (نالي).

يعتبر نالي واحداً من أعظم شعراء الكورد. فشعره في غاية البلاغة والعمق الفلسفي والتصوير المنساب من الخيال إلى الواقع. طبع ديوانه بتحقيق وشرح العلاّمة الملاّ عبدالكريم المدرّس وإبنه فاتح عبدالكريم ومقدمة إبنه محمد الملا كريم عام 1976 في مطبعة المجمع العلمي الكوردي ببغداد، من ثم تم إستنساخ هذه الطبعة في إيران والعراق.

يقال بأن الشاعر توفي سنة 1872م في إسطنبول، وفق أحدث المعلومات حول سنة وفاته، ودفن في مقبرة أبي أيوب الأنصاري.

المصادر:

1. ديوان نالي المطبوع عام 1976 في بغداد، بتحقيق وشرح العلامة الملا عبدالكريم المدرّس وإبنه فاتح عبدالكريم، ومقدمة إبنه الآخر محمد الملا كريم.

2. ويكبيديا، باللغة العربية، مادة : نالي الشهرزوري.

شعر: نالي

ترجمة: مكرم رشيد الطالباني

صالة العرض


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى