

الأحداث الجانحون في سوريا
مقدمـــــــة:
في وقت تشتد فيه الحاجة إلى تسليط الضوء على واقع الأحداث الجانحين في سوريا، وفي لحظة تاريخية نجد فيها أنه من الضرورة بمكان الحديث علمياً عن محددات هذه الظاهرة، ومؤشرات تمظهرها المجتمعي.. نجد أن هناك قلة قليلة من أهل العلم الاجتماعي، أو النفس ممن يبحثون في تواجدها ومنعكساتها المجتمعية والاقتصادية على مجمل الحياة البشرية للناس كل الناس في المجتمع السوري.
إنها ظاهرة جنوح الأحداث التي باتت مقلقة للغاية لما نراه فيها من ازدياد في الكم، وتنوع وكثرة في الكيف.. ولقد وجدنا أنه قد بات ملحاً جداً الحديث والغوص في النسق المجتمعي برمته، في محاولة إداراتية علمية للبحث عن الماهية الموضوعية التي تكشف الغطاء وتحرك في الكتلة المجتمعية، التي يتبدى عبرها العديد من الظواهر السلبية في الكينونة المجتمعية ومنها بالتأكيد ظاهرة جنوح الأحداث.. وضمن الحديث عن التأثيرات الاجتماعية على الأحداث التي تدفعهم إلى الجنوح، لتكون وصمة اجتماعية تجعل منهم حالات ملاذية، وغاية في الخطورة، فإننا نعتبر أن ملامسة ذلك يبدأ عبر الآتي:
• تعريف الحدث الجانح:
يمكن المرور على تعريفات كثيرة للجنوح وبالتالي للحدث الجانح.. فقد عرفهم البعض على أنهم: الأطفال الذين يجنحون عن قيم المجتمع وقوانينه ويرتكبون أفعالاً تضعهم تحت طائلة القانون وتقل أعمارهم عن ثمانية عشر عاماً.
كما تطرق البعض الآخر إلى مفهوم الأحداث الجانحين فقال: إنهم الذين يرتكبون جرائم قبل بلوغهم سن الرشد القانوني ويلاحق جزائياً منهم أولئك الذين يرتكبون جرائم وهم في سن التمييز.. ثم قالوا: يقصد بالحدث كل ذكر أو أنثى لم يبلغ سن تحمل المسؤولية الجزائية، أي لم يصل بعد إلى سن الرشد الجزائي الذي يعد بداية مرحلة المسؤولية الجنائية الكاملة.
وتعرض آخرين لجنوح الأحداث عندما أكدوا أن جنوح الأحداث تعبير يعني انتهاك الأحداث للقانون سواء كانوا صبياناً أو بناتاً.
• في مفهوم المسؤولية والتمييز:
إذا أردنا التفريق بين الحدث والراشد فإنه لا يمكن إلا أن نمر مروراً موضوعياً على العقل والإدراك والتمييز، فالإنسان لا يعد مسؤولاً جزائياً إلا في الوقت الذي يصبح فيه قادراً على فهم الطبيعة غير المشروعة للعقل وتوقع الآثار أو النتائج التي تترتب على هذا الفعل، وعندما يصل إدراكه إلى هذا الحد يمكن القول إنه بلغ سن العقل ويعامل معاملة إنسان راشد لأن قدراته العقلية تكون قد اكتملت إلى درجة تترتب عليه معها المسؤولية الجزائية كاملة بتوافر ركنيها: حرية الاختيار والإدراك أو التمييز أما إذا انعدم الإدراك أو التمييز أو لم يكتمل بعد فلايمكن القول أن الإنسان قد بلغ سن العقل أو الرشد.. ومن هنا فإن الإدراك أو التمييز هو في الوقت نفسه علة وضابط، فهو علة التمييز في المعاملة الجزائية بين الحدث والراشد، وهو فوق ذلك ضابط التمييز بين الحداثة والرشاد.. وباعتبار أن الانتقال من الحداثة إلى الرشاد يتم باكتمال الوعي أي النضج العقلي للإنسان، أي عندما تكتمل قدراته العقلية، فإن مصطلح الرشد والرشاد مصطلح مطاط وتختلف فيه وعليه القوانين الوضعية والمحددات العلمية، فهو لا يتم لدى الأفراد في سن واحدة مجردة، لكنه يتم بالتدريج ويخضع لعوامل كثيرة لا يمكن إغفالها، ولا إغفال الدور الذي تؤديه في تكوين الحدث.. ومنها عوامل البنية المجتمعية وما يكتسبه من تعاليم وعادات والجنس الذي ينتمي إليه والموقع الجغرافي للإقليم الذي نشأ فيه، وتأثير العوامل الطبيعية والقيم والأخلاق والعادات يضاف إلى ذلك العوامل الذاتية الفردية.. ومع كل ذلك لابد للمشرع من تحديد المسؤولية وسن المساءلة والتمييز وسن الرشد حيث حدد المشرع قي سورية سن المساءلة للحدث بين العاشرة والثامنة عشرة من العمر وما بعد ذلك فهو سن الرشد والتمييز.
• المؤثرات المجتمعية على مسألة الجنوح:
في إطلالة رقمية إحصائية ميدانية على المؤثرات الاجتماعية التي تحدد حالات الجنوح للأحداث بشكل عام فإنه يتبدى أمامنا الوضع الاجتماعي كعامل أساسي مع وجود عوامل مساعدة تقوم في مجملها على الدفع باتجاه الجنوح ويمكن الحديث في هذا المضمار عن عدة عوامل ومسببات وتأثيرات نذكر منها:
1- تفكك الأسرة:
فلقد وجدنا أن ما ينوف عن 60% من حالات جنوح الأحداث يكون سببها التفكك الأسري.. من طلاق، تعدد زوجات، سفر أحد الوالدين، وفاة أحد الوالدين، هجر الزوج للزوجة، حالات الخلاف الدائم والعلاقات الأسرية المتوترة، وهي مسائل تؤدي على انحرافات جنحوية وحقد وشعور بالنقص وكسل واتكالية، وأنانية، ومن ثم شذوذ جنسي، وخمور ومخدرات، وتسكع في الشوارع، وكذب، سوء معاملة الآخرين وانطوائية وجبن.. كل ذلك يتأسس في مرحلة الطفولة التي تؤدي إلى الجنوح بعد سن العاشرة.
2-العامل الاقتصادي.. العوز المعاشي:
بالفعل فقد دلت المؤشرات التي استوقفتنا وخاصةً في محاولة رصد الفروقات في نسبة جنوح السرقة بين عام/ 2007/ وعام/ 2009/ أن نسبة جنوح السرقة عام/2007/ كان 48.5% بينما ارتفع في إحصائيات الشهر السادس للعام/2009/ ليصل 61.7% كما وصل في بعض الأشهر مع بدايات العام/2009/ إلى 68% وهو مؤشر خطير يدل على أن ازدياد نسب الفقر، والعوز المعاشي والاقتصادي جراء ارتفاع أسعار المواد الغذائية، قد زاد بشكل مضطرد بأعداد ونسب جنحة السرقة وهذا يدلل إلى مدى تأثير العامل الاقتصادي في ازدياد حالات الجنوح برمتها.
3-المدرسة ورفاق السوء:
مع افتتاح العام الدراسي وعودة الأطفال إلى مدارسهم يقل عدد الأحداث النزلاء في معهد الأحداث بشكل كبير حيث يصل إلى نصف عددهم في العطلة الصيفية..لأن انتهاء دوام المدارس وانفلات الأطفال/ الأحداث في الشوارع بما تحتويه من رفاق السوء.. وأماكن للهو غير المنضبطة، وقلة وجود حدائق وملاعب ذات مستوى اجتماعـي معين وابتعاد رقابة المدرسة والأسرة عـن هـؤلاء الأبناء يـؤدي إلـى ازدياد حـالات الجنـوح.. فالمدرسة لها الأثر الفعلي في لجم ظاهرة جنوح الأحداث عن الازدياد.. إلا أن بعض المدارس ومع وجود أعداد كبيرة فيها وهذا الاكتظاظ في عدد تلاميذها وعدم وجود متابعة حقيقية من المعلمين والموجهين والمرشدين يساعد هو الآخر في انتشار بعض ظواهر الجنوح.
4-المسكن والبيئة السكانية:
في دمشق وريفها هناك بيئات اجتماعية محددة وأماكن سكن بعينها تنتج حالات جنوح مستمرة.. حيث أصبح لدينا الكثير من مواطن إنتاج الجنوح المعروفة.. بالإضافة على أوضاع السكن غير الصحية والتي لا تتسع لأعداد الأطفال الذين يزدادون دائماً بوجود وعي خاطئ لدى الأهل، ويزداد عدد الأبناء لينحشروا في غرفة واحدة لا نفس ولا تنفس فيها، لتلقي بهم إلى الشارع وما أدراك ما الشارع.. والواقع فإن هناك أسباب كثيرة للجنوح نعتبرها ثانوية أو مساعدة منها وسائل الإعلام من تلفزة وفضائيات غير منضبطة، وغير موجهة، بل تحث على الفساد، وسينما ومسرح هابط، وانترنت شمل الكثير من مفاصل المجتمع بانفلات لا ضابط له.. وسن المراهقة بحد ذاته الذي يمتلك من عوامل الخطورة ما يكفي.. حيث نجد الفئة العمرية من (16-18) تتركز فيها أغلب حالات الجنوح وأعلاها وأكثرها خطورة.. بالإضافة إلى انتشار عادات التدخين ومن ثم المخدرات التي ازدادت نسبتهما بين الأحداث بين عام/2007/ و/2009/ حيث كانت عام/2007/ 1.5% لتصل في حزيران/2009 إلى 5.3% كما كانت قد وصلت إلى أكثر من 7% مع بدايات عام/2009/.
• حالات الجنوح:
تتعدد حالات الجنوح بتعدد الجرائم والأفعال السائدة في المجتمع لدى الكبار.. حيث ينتج في المجتمع السوري الكثير من حالات جنوح الأحداث والتي نعتبرها أفعال ليس إلا، يحاسب عليها القانون، أو أنها تختلف مع القانون لأن الحدث الجانح يكون عادة ضحية لواقع مجتمعي معين، وليس مسؤولاً عن الفعل الذي قام به بل هو نتاج مجتمع منحرف بحد ذاته.
وحسب الجداول المرفقة فهناك جنح:
أ- السرقة بكل أشكالها وتشكل أعلى نسبة تتراوح (61-69% ).ب- الإخلال بالآداب العامة والأفعال المنافية للحشمة والاغتصاب والفجور والخطف وتشكل نسبة(13.8)%.جـ- الإيذاء الجسدي والشروع بالقتل بنسبة تصل إلى (9%).د- المخدرات/ تعاطي واتجار وتتراوح نسبتها بين (5.3-7.2%).هـ- القتل والتسبب بالقتل أو الوفاة بنسبة( 4.3%).ك- الإيذاء المادي والمعنوي والمشاجرة والمفرقعات وممانعة دورية وحملسلاح ممنوع بنسبة 3.2%.ي- جرائم السير بنسبة1.1%.ن- المسكرات والمقامرة بنسبة 1.1%.ل- جرائم التزوير والتهريب بنسبة 0.5%.
• آليات العمل الاجتماعي مع الأحداث:
يمكن القول أن العملية الاجتماعية في معاهد إصلاح الأحداث تتحدد ماهيتها عبر عدة عمليات وآليات منها
1- تغيير السلوك الاجتماعي:
لأن الحدث الجانح النزيل في معاهد ومراكز الإصلاح والملاحظة، يأتي وقد تغير سلوكه الاجتماعي مما أدى إلى الجنوح.. كان لابد من الاشتغال عليه من هذا المنطلق لإعادته للمجتمع من جديد ولإدماجه مرة أخرى.. ويمكن أن يكون ذلك عبر إقامة علاقة حوارية تبصيرية مؤثرة معه، ومحدثة للتغيير في سلوكه وذلك في إطار فردي مع الاختصاصي الاجتماعي أو النفسي بهدف بناء السلطة الداخلية(الضمير) ويمكن أن يكون سلوكياً مسلكياً، يركز على إزالة المشكلة السلوكية وله فنيات عديدة من أهمها: الفنيات الإشراطية التي تعزز تعلم السلوكيات الموجبة بالمكافأة مع إطفاء السلوكيات السالبة، بالعقاب، والتدريب على المهارات الاجتماعية.. ويمكن أن يكون علاجاً معرفياً، يركز في كيفية التفكير لدى الطفل والتعبير عن النفس، وفي مهارات حل المشاكل، كعوامل مسببة لاضطراب السلوك.. ويمكن أن يتوجه العمل الاجتماعي إلى الأسرة، إذ يركز في فهم تركيبها ودينامياتها وتواصلاتها، والعلاقات بين أفرادها بهدف تغيير نظامها، وتقليل الأعراض السلوكية، التي يعبر بها الطفل عن اضطرابه، والذي غالباً ما يكون انعكاساً لاضطراب في الأسرة وقد يلزم إلحاق الوالدين أو أحدهما بجلسات منتظمة مع الأخصائي – لعدة جلسات- لإعطائهما معلومات وملاحظات عن سلوك الطفل.. كما يطلب منهما الأخصائي تنفيذ أساليب خاصة داخل البيت.. وهذا يفيد في بعض الحالات منها السرقة والسلوك العدواني ويسمى التدريب العلاجي للوالدين.
ضمن كل ذلك لابد من معرفة آلية تفكير الحدث الطفل قبل الدخول في العملية الاجتماعية التوعوية معه.
2- الجلسات التوجيهية الجماعية:
حيث تتم لقاءات جماعية يومية ينفذها الاختصاصي الاجتماعي والنفسي مع المدير المختص والطبيب.. يقام فيها حوار علني عـام.. يقف فيه الجميع على مشاكل بعضهم البعض ويتدرب في هذه الجلسات الحدث على قول الحق، والعلن برأيه، وإبداء رأيه بقوة عبر حوار مع الاختصاصي، ليعرض مشكلته على طريق إيجاد الحلول.. وهي جلسات لاشك أنها ضرورية وتؤتي أكلها على كل الصعد.. وهي تنفذ بشكل يومي ومشوق للجميع بحيث ينتظرها الحدث ليبدي وجهة نظره وليوصل إشكالاته إلى الاختصاصيين.
3- التدريب المهني والدورات كوسيلة للدمج:
إن عملية التدريب المهني وإقامة دورات تدريبية لبعض المهن مثل الحاسوب، الحلاقة، الخياطة، الكهرباء، الصحية، دورات محو الأمية، دورات الإسعافات الأولية، دورات أشغال ومهارات صنع مشغولات الخرز والسيراميك.. كل ذلك يدخل بشكل مباشر في عملية الإصلاح والدمج الاجتماعي، حيث يعيد بناء الشخصية الفردية والجماعية لدى الحدث ويعيد عملية إدخاله في المجتمع بشكل جديد وقوي الشخصية ليشعر انه مفيد للمجتمع.
4- النشاطات واللقاءات الثقافية:
إقامة رحلات ذات طابع ثقافي لآثار سورية، وكذلك تنفيذ وتدريب الأحداث على مسرحيات فنية من صنع الأحداث أنفسهـم، ومشاركتهـم فـي لقاءات ذات سمـة ثقافية أو أدبية.. فاللقاءات التي تمت مع نخبة من الفنانين السوريين والأدباء من شعراء وقاصين وروائيين سوريين.. كل ذلك دفع بشكل فعلي في عملية التنشئة الاجتماعية وإعادة تكوين الشخصية الفردية والجماعية للحدث.
• دور الاختصاصين الاجتماعيين والنفسيين:
لعل مشكلة انحراف الأحداث من المشاكل ذات البعد البيولوجي والنفسي والاجتماعي وترتبط بضعف التنشئة الاجتماعية وسوء التكيف الاجتماعي، ولا يمكن تناول هذه المشكلة بمعزل عن السياق الاجتماعي الذي يحوي بنية المجتمع ونظمه والتغييرات الاجتماعية والاقتصادية الجارية هنا وهناك.
وعلى هذا الأساس تتأسس العملية الاجتماعية والدور الذي يقوم به الاختصاصيين الاجتماعيين في عملية الإصلاح بحد ذاتها.. من منطلق أن الحدث ضحية لواقع مجتمعي وليس مجرماًً يستحق العقاب.. فالمؤسسة هي مؤسسة إصلاحية وليست عقابية ولا يمكن النظر إليها إلا وفق هذا المنظـار، وإلا فإن العملية الاجتماعية برمتهـا تتأسس علـى خطأ بائن.. لذلك فقد كان دور الأخصائي في معاهد الأحداث الجانحين يتكئ على نمطية معينة ترعى الحدث وتهتم به منذ دخوله للمعهد وحتى لحظة تسليمه لوليه بعد إخلاء سبيله، بما يتوافق مع تنفيذ الدورات واللقاءات الفردية والجماعية التي تحدثنا عنها آنفاَ مع عمل تقارير اجتماعية موضوعية عملية تقدم للقاضي المختص عن حالة الحدث، وكذلك تنفيذ دراسة اجتماعية متوازنة وعلمية شاملة، تظهر تلافيف البنية المعرفية والسلوكية للحدث الجانح النزيل.
والاختصاصي هو من يقوم على التوجيه الخلقي والقيمي والصحي والتربوي السليم، ومحاولة القضاء على الآثار الذاتية للحدث، جراء اختلاطهم بالآخرين في المعهد أو في مراكز الشرطة قبل ذلك.. مع الوقوف على أسباب ومشكلات الحدث التي أدت به إلى ما أدت، وإيجاد الحلول المناسبة لها علمياً وسلوكياً،ولتعديل بعض المفاهيم الخاطئة وتغيير سلوكهم إلى الأفضل وتحقيق التكيف السليم لهم.
وكذلك التركيز على علاقة الحدث برفاقه، خاصةً وأن لدى الحدث اعتقاد مفاده: أن رفاقه من الجانحين يفهمونه، ويرعونه بطريقة لا يرقى إليها أحد، حتى والده.. وقد يفشل الحدث مضطرب السلوك في إقامة علاقة طبيعية، من التعاطف والارتباط بالآخرين، كذلك كان دور الأخصائي الاجتماعي مفصلياً في هذا السياق لإعادة القطار إلى سكته الطبيعية عبر تمليكهم شعوراً بأنهم قادرون على إقامة علاقات اجتماعية ليصبحوا اجتماعيين.
بالإضافة إلى الاشتغال طويلاً ومديداً من قبل الأخصائي على تغيير بعض الأعراض السلوكية منها التدخين، شرب الكحول، تعاطي عقاقير ذات مفعول نفسي غير موصوفة له طبيباً.. وكذلك سلوكيات جنسية مبكرة بالنسبة لأقرانه، حيث نجد الكثير من حالات الأحداث الجانحين التي تأتي وقد أضحت لا تهتم بمشاعر الآخريـن، وسلوك فظ وغلظة القلب، حيث يقل شعـوره بالذنب، وتأنيب الضمير والتعاطـف مـع الآخرين، ويقل احترامه لنفسه، ويظهر صلفاً وفظاظة، وعـدم تحمل الإحباط، وسرعة الاستثارة والانفجارات المزاجية مـع استفزازات طائشة، إضافة إلى أعراض القلق والاكتئاب، وهذا ما يستوجب عملاً مهنياً اجتماعياً وجهداً كبيراً يتحمل تبعاته الاختصاصي الاجتماعي، ويوجب عليه وجود معرفـة علمية وقـدرات ومهـارات وخبرة عملية.. بالإضافة للدافع الإنساني والعطاء بلا مقابل ليستطيع القيام بتغيير هذه السلوكيات الخطيرة والصعبة المراس والحراك.
• الدور المستقبلي لمعاهد إصلاح الأحداث:
من منطلق أن الطموح ما زال قائماً لإعادة إنتاج مراكز ملاحظة ومعاهد إصلاح أحداث في سورية بدور مستقبلي أكثر عطاء، وأكثر قدرة على استيعاب الكم والكيف من حالات جنوح الأحداث التي تزداد بشكل ملموس.. فإن الأمل ما زال معقوداً على أن تتطور هذه المعاهد أكثر من واقعها الآني لتستوعب:
• إيواء جميع الحالات من جنوح الأحداث بإمكانيات استيعابية أكبر.• توفير العلاج النفسي والاجتماعي بكادر أوسع.• التوسع بوجود التوجيه الديني.• العمل على إقامة مراكز للرعاية اللاحقة للأحداث المهددين بالجنوح وكذلك المخلى سبيلهم.• توسيع أطر التدريب المهني ليشمل جميع المهن الرائجة والحديثة في المجتمع.• إعادة تأهيل بناءات المعاهد القديمة.• العمل من أجل إقامة شرطة أحداث عصرية متطورة.• إقامة وحدات شاملة لرعاية الأحداث.• تفعيل مكاتب الخدمة الاجتماعية غير المفعلة والتابعة لوزارة العدل.10-إنشاء شرطة مجتمعية بأهداف وغايات حديثة.
• خاتمـــــة:
ليست هذه الإطلالة على واقع العمل الاجتماعي في حقل الرعاية للأحداث الجانحين والتأثيرات الاجتماعية على مجمل العملية، إلا محاولة لفتح الباب واسعاً وتسليط الضوء على هذه المسألة التي ما زالت مهمشة إعلامياً وثقافياً ووعيوياً.. علماً بأن حالات الجنوح تزداد وتؤثر في العمارة المجتمعية برمتها، إذا لم نتنبه إلى أهميتها ونعمل على تجاوز عثراتها، ونبني عملاً اجتماعياً مفيداً، وقادراً على إعادة دمج الأحداث الجانحين في المجتمع، ليكونوا أبناء بارين بمجتمعهم وقادرين على العطاء بشكل دائم ومستمر.