عبد الرحمن النعيمي.. العقل والحكمة وداعاً
غاب الرجل طويلا عن دمشق.. سألنا عنه.. قيل لنا: لقد عاد فرحاً مستبشراً الى وطنه الصغير البحرين، وهناك لم تكتحل عيناه كثيراً بانبلاج الصبح.. بل عاجله المرض سريعاً، وغيبه عن الفعل السياسي النضال، الذي مارسه خارج وطنه لعشرات السنين.. انه المناضل عبد الرحمن النعيمي المعروف -في دمشق- باسمه النضالي "سعيد سيف" والذي غاب عنا مؤخراً غياباً أبدياً.. رحل عن عالمنا بينما الثورات العربية متلاحقة، وبينما الهم العربي -الذي حمل لواءه- ما برح هماً للجميع.. جميع العروبيين المناضلين،والوطنيين في كل ساحات العروبة على امتدادها..
كان أخاً وصديقاً صدوقاً.. سلساً محباً للآخرين، كريماً، مثقفاً قومياً واقعياً بامتياز، التقيت به كثيراًً، و كان في كل مرة يسأل عن حال الأمة، وحال العروبة، والناس الغلابة.
كان أباً خالد، قائداً سياسياً بحرانيا يساريا واعياً لكل ما يدور من حوله، يمتلك فكرا عقلانياً قل نظيره، وان كان قد دخل في غيبوبته المرضية في المنامة منذ عام 2007.. التي استمرت حتى رحيله بعد عدة سنوات، إلا أن غيابه شكل، ولسوف يشكل، فراغاً ثقافياً نضاليا لا يستطيع أن يملأه احد سواه.
فقد كان مبدئياً لا يحيد عن ذلك، متحمساً لقضايا الأمة، ومنها وعلى رأسها قضية فلسطين، كما كان متمسكاً بقيمه و أخلاقه العربية دون تعصب.. وهو من رفض الحرب على العراق، رغم خلافه مع الرئيس الراحل صدام حسين، ودعا إلى انسحاب القوات الأمريكية من الخليج والجزيرة العربية، كما حذر الدول العربية من مغبة الانخراط فيها، وهو ما أدى حينها إلى اعتقاله في دمشق، لحظة وصوله اليها، وظل معتقلاً بضعة أشهر حتى انتهت الحرب.
وخرج بعدها ليقول " أنا لست نادماً لموقفي على الرغم من أنني تعرضت للإساءة وحجب الحرية".
كان حلم سعيد سيف العودة للبحرين وقد عاد.. مستشهداً ورقد هناك.. لكنه أبداً لم يغب عن عقولنا ووجداننا.. لأنه رجل متميز ومناضل من الصعب أن نجد مثله في هذا الزمان فحق علينا أن نقول له وداعا أبا خالد والى هناك حيث الكل في الواحد.