الأسبوع الفكري ومهرجان الشعرالسوري بالحسكة
1ـ فعاليات الأسبوع الفكري الثاني " الحداثة وسؤال الهُويّة "
تناولت فعاليات الأسبوع الفكري الثاني الذي افتتحه اتحاد الكتاب العرب بالحسكة متعاوناً مع مديرية ثقافتها في قاعة المحاضرات بالمركز الثقافي العربي بالحسكة في 17 أيار2009، وما تلاه موضوعاً حيوياً هاماً، هو(الحداثة وسؤال الهوية محوراً) أشار المحاضرون على مدى أمسياتهم المتعاقبة على إشكالية مصطلح الحداثة، واستعرضوا آراء متعددة في محاولة تعريف الحداثة بضدها، وأشاربعضهم أنّ الحداثة تنطلق من النقد والنفي والهدم، وأنّ انطلاقتها تجلت في الثورة الصناعية والنظام الرأسمالي، ونشوءالمجتمع المدني في الدولة الوطنية الحديثة، وعلى تباين أحاديث المحاضرين عن الحداثة، فإنهم اتفقوا على رأي يقول: إنّ مجتمعاتنا العربية، لم تدخل بعد عالم الحداثة، ثم حاضرالدكتور عادل فريجات في الحداثة والأدب، وفي أمسية لاحقة حاضرالأستاذ مسوح في العلمانية، ورأى كمن سبقه في الحديث عن الحداثة أنها تعاني من إشكالية المصطلح، كما رأى أنها مثل الحداثة ترتكز على الحرية والديمقراطية والعقلانية، واحترام الإنسان كأغلى قيمة في الوجود، ورأى أنها تقوم على فصل الدين عن الدولة، لكنها لاتعاديه، ولا تلغيه، ثم يناقض نفسه، فيرى ضرورة عزل تدريس مادة التربية الدينية في المناهج الدراسية. والعلمانية في هذا المفهوم الذي تحدث عنه الأستاذ مسوح تلتقي مع مع الحداثة بما فهمه عنها المحاضر الذي سبقه الأستاذ الجباعي أنها عدو الدين، وتقف في مواجهته، فإذن الحداثة والعلمانية تجمعهما على ضوءالمفاهيم السابقة منطلقات واحدة هي الحرية والديمقراطية والعقلانية ومواجهة الدين إن لم أقل معادته، وموقفهما من الدين بهذه المفاهيم يدفع إلى نسف الجانب المضيء من التراث العربي الذي يعد الدين الإسلامي ركيزته الأساسية، وإلى فصل حاضرنا عن ماضينا، فضلاً عن معاناة الحداثة والعلمانية من إشكالية المصطلح. ويلاحظ أنّ السادة المحاضرين حلقوامثل سائرمن كتب في الحداثة او العلمانية في فضاء الحداثة والعلمانية الغربيتين.
وفي واقع الحال، فإنّ مجتمعاتنا العربية والإسلامية تعيش اليوم الحداثة الغربية المادية، مطوقة بها، وغارقة فيها، الحداثة التي دخلت أدق تفصيلات مختلف مناحي حياتها، فرفهتها، وأشقتها، واستورد مفكرونا وكتابنا الحداثة الغربية الفكرية والثقافية كما هي في أصلها، فأين خصوصيتنا وشخصيتنا من هذا كله؟ بل ماذا بقي لخصوصيتنا وشخصيتنا الوطنية والقومية أمام هذا الغزو القسري؟
وفي هذا الصدد تثب إلى الذهن الأسئلة المشروعة الآتية: أما آن الآوان بعد محاولة انطلاق مشروعنا النهضوي الحضاري في أواخرالقرن التاسع عشر إلى اليوم لتكوين رؤيا عربية واحدة للحداثة، تأخذ من حداثة الغرب ماينفعها، وتنبذ ما يشكل خطراً على شخصية العرب كياناً وأمة؟ أما آن الأوان لإيجاد حداثة عربية توفق بين الدين والحداثة والعلمانية؟ ألا يمكن أن توفق الحداثة بين مناحي حياتنا المادية والمعنوية والروحية واللغوية كافة؟
2ـ مهرجان الشعر السوري الأول بالحسكة - دورة الشاعر نزيه أبو عفش:
انطلقت فعاليات مهرجان الشعر السوري الأول بالحسكة - دورة الشاعر نزيه أبو عفش، منذ يوم الاثنين 25 / 5 / 2009 واستمرت متوالية حتى اليوم الخامس ، مساءيوم الجمعة، الذي شهد تكريم الشاعرنزيه أبوعفش.وجاء التكريم خلافاً للمالوف السائد الذي لا يكرم فيه المبدع إلاً بعد رحيله، أمّـاأن يُكرّم مبدع، وهو حي، فهذه بادرة طيبة، يشكرعليها، من قام بها. اشترك في فعاليات اليوم الأول والثاني والثالث شعراء من مدينة الحسكة والمحافظات السورية، كما اشترك فيها شاعران من الأردن(سعد الدين شاهين) والعراق(محمد مظلوم). تراوحت مستويات الشعراء بين الجودة والأقل ، فالأقل، ورغم أن لشعر النثرفي المشاركة كانت حصة واسعة، وأنّ لبعض المشاركين تجربة فيه لا بأس بها في هذا المجال إلاّ أنّ جمهورالحاضرين، وبعضهم ذوّاقة للشعر، وجدوا أنفسهم ميّالين إلى بعض من أجادوا من شعراء الشطرين أو التفعيلة، حيث طربت آذانهم للجيد مما سمعوه من هؤلاء الشعراء..
وفي قراءة لمشهد الشعرالسوري المعاصرالتي اشترك فيها ثلاثة نقاد، لهم باع في ميدان النقد، هم الدكتورسعدالدين كليب والدكتورخليل موسى والدكتور أحمد مصطفى الدريس، وهم دكاترة يدرّسون مادة النقد الأدبي أو الأدب في جامعات سورية، حاول كل واحد منهم أن يرسم مشهداً لواقع الشعرالسوري المعاصر، إن لم يكن مطابقاً لواقع الحال، فهومطابق لمنهجه في النقد، ومنسجم مع زاويته التي انطلق منها لرسم المشهد ، وبذا رسم السادة النقاد، المشهد من عدة زوايا: الدكتورخليل موسى رأى الشعر السوري متراجعاً،الدكتور سعد الدين كليب غلبت على مشهده النزعة القطرية، فعزل الشعرالسوري عن تفاعله مع الشعرالعربي في إطارمحيطه القومي ، وعدّ مشهد الشعرالسوري متقدّماً على واقع الشعرالمصري واللبناني والعراقي، والدكتور أحمد مصطفى الدريس انطلق من نزعة قومية في رسم مشهده، فعدّ مشهد الشعرالسوري جزءاً من مشهد الشعرالعربي عامة، يتعرض إلى مايتعرض له الشعرالعربي في كل مكان، وأنه مأزوم أزمة الأمة في واقعها، وحلل النقاد واقع الشعروتراجع دورالنقد في سوريا، وحاولوا تقديم الحلول للارتقاء بمشهد الشعر السوري، وهنا تطرح الأسئلة الآتية: ما الأسس التي نعتمد عليها لرسم المشهد الشعري السوري؟ هل يكفي أن نطلق أحكاماً عاماً مسبقة الإعداد دون دراسة لرسم هذا المشهد؟ هل يكفي أنْ نعتمد على قصيدة شاعر أو شاعرين أوثلاثة لرسم هذا المشهد؟ ثم هل تكفي قصائد بعض الأسماء المعروفة دون الأسماء المعتم عليها لرسم المشهدالشعري؟ ومامدى دقة مقاربة المشهد الذي رسمه السادة النقاد لحقيقة واقع الشعرالسوري؟ ثم ما الأسس التي اعتمدعليها الدكتورالناقد الذي رأى المشهد الشعري السوري متقدماً على الشعرالعراقي واللبناني والمصري؟ أدَرَسَ الشعرالسوري المعلن والمعتم عليه كما درس الشعر العراقي ومثله اللبناني والمصري دراسة مستفيضة ليصل أخيراً إلى هذه المفاضلة أم أنها مفاضلة لم تقم على دراسة نقدية مقارنة؟ وأود أن أشيرهنا إلى شيء، أحسبه أساسياً في هذا المجال هو أنّ من أهم أسباب تراجع دورالشعر والنقد في عالمنا العربي هو انعدام توفرمناخ الحرية الشرط الضروري والأساسي لكل إبداع.
وفي اليوم الأخيركرّم الشاعرنزيه أبو عفش في غياب القيادة السياسية، وكنا نتمنى أن يكون تكريم هذا الشاعرالكبيرمن السيد محافظ الحسكة أو القيادة السياسية أو بحضورمن يمثلهما.
مدى تفاعل جمهورالحاضرين مع فعاليات الاتحاد:
فرع اتحادالعرب بالحسكة بذل جهوداً كبيرة لإقامة أنشطة أسبوع الفكرالثاني ومهرجان الشعرالسوري، وكانت أنشطة حافلة ومتنوعة، أثارت بعض المحاضرات مداخلات وإسهامات جادة وبناءة من جانب جمهورالحاضرين، أضاءت جوانب هامة فيها، وأغنتها. لا شك أنّ هذه الفعاليات هي تظاهرة هامة قليلاًَ ماشهدت محافظة الحسكة مثيلاً لها من قبل، لكنها، من جانب آخر لم تستطع جذب جمهورالثقافة في مدينة الحسكة في كثير من جلساتها، وفيما عدا اليوم الأول والثاني من أسبوع الفكرالثاني وفي اليوم الأخير لتكريم الشاعر نزيه أبي عفش التي امتلأت فيها القاعة بالحاضرين فإن هذه القاعة في سائرالأيام التي تخللتها كادت أن تخلوإلاّ من عدد لايذكر من الحضور، وإذاكان مفيداً إجراء تقديم ملاحظات عن سيرأنشطة التظاهرة للتعرف إلى الخلل الذي اعتراها، والوقوف على سلبياتها من أجل الاستفادة منها، وتجاوزها في الأنشطة القادمة فإن المتابع لها لاحظ فيها مايأتي:
1ـ عدم احترام القائمين على سيرأنشطة هذه التظاهرة جمهورالحاضرين من خلال عدم احترامهم الوقت ، فهم يعدون الناس بدء الأنشطة بالسابعة والنصف، وينفذونها بعد الوقت الموعود بوقت يصل أحياناً إلى ثلث الساعة أوالنصف. مما دفع بعض الحاضرين إلى مغادرة القاعة احتجاجاً على الإخلال بالمواعيد.
2ـ يعلنون عن قدوم أسماء مرموقة لاتحضر، وحين يملأ الجمهورالقاعة مترقباً إطلالة الدكتورطيب تيزيني أو سلامة مثلاً، يفاجأ بخيبة أمل عن اعتذارهم الحضورحتى اهتزت ثقة الجمهوربصدق ما تعلنه لهم إدارة الأنشطة من أسماء..
3ـ هبوط مستويات نتاج بعض المشاركين وضعف لغتهم ورداءة أدائهم إلى درجة أثارت استغراب اختيارهم للمشاركة.
4ـ برزت محاولة لتسييس أجواء مهرجان الشعرالسوري، تنبّه إليها الحضور، وفهمها بعضهم أنها يمكن أن تؤدي إلى تفجيرحساسيات سياسية لدى فئات مجتمعنا المتحابة المتآخية.
5ـ إدارة حوار الأنشطة جانبها التوفيق في عدد من الجلسات:
لاشك أن صديقنا رئيس فرع اتحاد الكتاب العرب بالحسكة الأديب القاص محمد باقي محمد بذل جهوداً حثيثة لإقامة هذه الأنشطة ، وله فضل في إنجاز هذه التظاهرة، وهو يريد أن يخدم الحركة الثقافية في هذه المحافظة ، ومن يعرفه عن قرب يعرف أنه يريد أن يتخطى السائد المألوف، لكنه لايستطيع أن يفعل كل مايريد، ولصديقنا الأستاذ تجربة ناضجة في القصة، فهو قاص معروف، لكن هذا كله شيء، وإدارة حوارالجلسات التي تشي بسلوكه شيء آخر، وأول مايفجئك بإسلوبه في إدارة حوار الجلسات نزعته الاستبدادية، وهو الذي يدعوفي قصصه وكتاباته إلى الديمقراطية واحترام الإنسان. نزعته الاستبدادية التي تجلت في عدم احترامه الإنسان ومصادرته الرأي الآخر، فهو دائم التدخل بين المحاضروالسائل، تدخلاً لايتيح فيه مجالاً للمحاضر أن يرد عليه، ولا للسائل أن يوضح فكرته، وتراه ينفعل غاضباً على من يعارضه، أو ينصحه بالكف عن التدخل ومصادرة الرأي الآخر، ويخاطبه، وقد خرج عن اتزانه، بعبارات لاتليق بالأديب، ولا بالمهذب أن يلفظها، ناسياً لحظة غضبه، وانسداد أفقه أنه في مؤسسة عامة ،هي ليست ملكاً لأحد، وإنما هي للجميع. ينبغي عليه احترامها واحترام من فيها، وهذا الأسلوب الصدامي دفعه إلى مواجهة عدد من الناس، فقداصطدم بأحد روّاد المركز، ودفعه شعوره بخطيئته نحوه إلى الاعتذارمنه، واصطدم بغيره أيضاً وبالقاص زهيرجبور، واصطدم أيضاً بأحدشعراءمدينة الحسكة، حيث استدرج هذا الصدام في اللحظة نفسها شخصاً آخر، نشبت بينه وبين الشاعرمشاجرة عنيفة بحضور رئيس اتحاد الكتاب العرب، كادت أن تدفع أحدهما أن يلجأ إلى القضاء ، فتأزمت القاعة تأزماً، كان الأستاذ محمدباقي سببها ،
ولمّـا تدخل الدكتورحسين جمعه رئيس اتحاد الكتاب العرب في سورية لتهدئة الحال صدمه الأستاذ محمد باقي أيضاً، فقد وجهه رئيسه المباشرإلى ضرورة وقوفه على الحيادفي إدارة الحوار من غيرتدخل ولا مصادرة رأي أحد، وما كان منه إلاّ أن تطاول على رئيسه الضيف أمام الحضور تطاول الرئيس على مرؤوسه، وتهكم من مهندس سائل علق تعليقاً لطيفاً على مُداخِل آخر، فحذره من تعرضه لضربة من المُداخِل تخرجه من قاعة المحاضرة!! ماهذا!! لقد ضاق الجمهوروبعض المحاضرين ذرعاً بأسلوبه في إدارة الحوار، الأسلوب الذي يهدم مابناه، وقد أحسن صديقنا الأستاذ صنعاً آخرالأمرحين عهد لغيره بإدارة حوارالجلسات، وليته فعل ذلك منذ البداية لكان وفرّ على نفسه الصدام المستمر مع الآخرين. إن إدارة حوار الجلسات تحتاج إلى أسلوب شفاف وحلم وأناة وسعة أفق واحترام الآخر، ولاتحتاج إلى أسلوب صدامي مع الآخر، لايجلب لصاحبه إلاّ الندم والإساءة لنفسه وخسارة الأصدقاء.