الأمية العربية ودور الحكومات
إن التحذير الذي أطلقته المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الالكسو) من خطورة ظاهرة الأمية في العالم العربي والتي لاتزال مرتفعة وتؤدي إلى حدوث العديد من الاختلالات في المنظومة الاقتصادية والتعليمية والثقافية والسياسية العربية، وقد تؤدي أيضا إلى التراجع في مستوى التنمية البشرية على الصعيد العالمي وبالتالي تقدم بلدان أخرى كانت إلى حدود الأمس القريب بلدانا فقيرة ومتخلفة وأصبحت اليوم تنافس العالم العربي على مراتب التنمية البشرية على مستوى أغلب المجالات التي تدخل في هذا الترتيب العالمي.
إن الأمية التي يتخبط فيها العالم العربي لهي مشهد مفزع وواقع مفجع، تسببت في حدوثه الكثير من العوامل السياسية والثقافية والاقتصادية والتي زادت من حدة الفقر والجهل والتخلف. ولذلك فإن العالم العربي يعيش اليوم حالة عدم توازن يفقده القدرة على بلورة استراتيجية سياسية وتعليمية واقتصادية لبناء الذات العربية وخلق مجتمع عربي واع ومتعلم ومساير للتطورات العالمية التي تشق الطريق نحوالقضاء على كل أساليب التخلف والأمية.
ويؤكد الباحثون في مجال التربية والتعليم أن سبب ارتفاع الأمية هوتلك الاستراتيجية السياسية المحبطة لخلق تعليم عربي هادف وخلاق ومتقدم يساير متغيرات العصر ومستجداته وكذلك ضعف تغطية المناطق النائية بالمدارس وفاعلين وتربويين ووجود الخلل الواضح في القضاء على كل السلبيات الموجودة بالمنظومات التعليمية العربية من المحيط إلى الخليج إضافة إلى وجود نزعة جديدة لدى الأنظمة الحاكمة للتملص من الخدمة التعليمية وتركها بيد الخواص والتجار ليفعلوا فيها ما يريدون ويمارسوا شذوذهم الثقافي والاقتصادي كيفما أرادوا وبالطريقة المثلى التي ترجع عليهم بالأرباح الطائلة التي يجنونها من ورائها.
لقد أظهرت دراسة الالكسوأن عدد الأميين بالعالم العربي بلغ قرابة 100 مليون نسمة تمثل تقريبا ثلث عدد سكانه، وهذه النسبة تعتبر أخطر على كل الصعد بحيث لا يمكن أن نستسيغ وجود نسبة عظيمة من الأمية في القرن الواحد والعشرين قرن العلم والتكنولوجيا. هذه الدراسة تثير العديد من الأسئلة الجوهرية حول أهمية وجود حكومات عربية ووزارات مهتمة بالأمر التعليمي، حيث تشير هذه الدراسة إلى أن 75 مليونا من الأميين العرب تتراوح أعمارهم ما بين 15 و45 عاما، أي فئة الشباب التي من المفروض أن تكون هي الفئة المتعلمة والمتنورة، خاصة وأنها الفئة التي تمثل النسبة الكبيرة من عدد السكان في العالم العربي.
وعلى الرغم أن هذه الدراسة أشارت إلى وجود خلل في المنظومة التعليمية والتربوية العربية، وفضحت بالملموس واقع التعليم العربي، لكننا نرى صمتا مطبقا على وجوه المسؤولين عل القطاع التربوي والتعليمي، بل نجدهم يشاركوننا هذا الخوف وهذا الفزع على منظومتنا التعليمية وكأنهم فقدوا أي قدرة على الفعل والبحث عن سياسة تعليمية بديلة تنقذ ماء وجهنا الذي لطخته الأمية العربية والتخلف العربي الواضح.
لقد أثبتت هذه الدراسة وجود خلل تعليمي عام، ووجود فشل رسمي جلي لا يستطيع تغطية عدم قدرته على خلق تعليم مثمر يساير سوق الشغل ومتطلبات العصر الذي نعيشه، وبالتالي فرض علينا إرجاع بوصلة الزمان العربي إلى القرن التاسع عشر عوض القرن الواحد والعشرين. فليس من الحكمة ولا من الفطنة أن نعيش في زمان بثلث السكان يتصف بالأمية وبثلث آخر يتصف بالتقليدية حيث أنه لا يستطيع أن يستخدم وسائل العلم والتكنولوجيا الحالية من حواسيب وهواتف نقالة وأنترنيت.... وغيرها من وسائل التكنولوجيا التي حلت العديد من المشاكل.
والواقع أن تأثير الأمية والتخلف قد يفوق تأثير باقي المشاكل الأخرى التي يعيشها العالم العربي، فالقضاء على هذين المشكلين يكون هوالسبيل للقضاء على باقي المشاكل العويصة الأخرى والتي جعلت العالم العربي في مراتب متأخرة في الترتيب العالمي على كافة الأصعدة. ولذلك فإيجاد خط عام مشترك بين كل البلدان العربية لبحث الخبرات والتجارب والاستماع إلى كل المبادرات في هذا الشأن قد يقود إلى خلق سياسة تعليمية جديدة قادرة على مسايرة التطور العالمي والكوني. وبغير هذا سيبقى على العامل العربي أن يندب حظه وحاله كلما انتهت شهور وأفلت أعوام دون تحقيق أي شيء من هذا.
إن البحث عن مبادرات تعليمية وتربوية منشورة هنا وهناك وبأقلام مفكرين وباحثين تربويين عرب وغير عرب ومحاولة غربلتها وإيجاد أرضية صلبة لها لهوالكفيل بإخراج الأمة العربية من براثن الجهل والأمية والتخلف، أما الاكتفاء بالتقليد الأعمى تقليدا مترسخا ومخططا له فهذا هوالبداية نحوالضياع والنكوص والرجوع إلى أزمنة القرون الوسطى أزمنة التخلف الغربي. فالتقدم الأوربي بني على الثورة التعليمية والثقافية والدينية ثم الصناعية، وبغير هذا لن نبرح مكاننا....