السبت ١٠ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٢٢
بقلم سلوى أبو مدين

الأمير الصغير

رغم متعة الكتابة في كل مجالاتها إلا أن أصعب ما يمكن أن يكتب في مجال أدب الطفل، فليس من السهل أن يقدم الكاتب للطفل مادة سلسة، مغذية فكرياً، تلامس احتياجاته الذهنية، والفكرية، وكذلك النفسية.

ومع صعوبة ما يمكن أن يقدم لطفل الأمس والغد، استطاع الكاتب الطيار انطوان دي سانت أن يجنح بخياله ويقدم مادة مليئة بالسحر، في ظل ظروف مليئة بالحزن..

ففي أحد أيام الصيف جلس الكاتب دي سانت في أحد المطاعم وجنح بخياله، فرسم على غطاء الطاولة بطلاً لقصة من قصص الأطفال، كان الرسم صورة لصبي صغير أشقر.

يقول عبد الزهرة زكي: عادةً ما تنعت حكاية (الأمير الصغير) بوصفها حكاية معدة للأطفال، ويصنف كتابها ضمن مكتبة أدب الأطفال. إن الخيال الأسطوري والبساطة المتناهية للغة التي تحيل إلى لغة تعبير بدائية وبكر قد يدفعان إلى مثل ذلك التصنيف، ويوجدان للحكاية مساحة قراءة طيبة بين الأطفال. ولكن ذلك الخيال وتلك البساطة هما جزء من إستراتيجية بناء نص (الأمير الصغير). نص يريد إعادة اكتشاف الوجود، فيكتشف البراءة البكر للعلاقات الحميمة بين الإنسان والأشياء. نص يعيد الاعتبار للقلب والبصيرة، ويسترد متعة الصلة الحية بين المرء والطبيعة (بالقلب وحده يمكن أن يبصر المرء. والعين لا ترى الجوهري). إنه نص يعيدنا إلى الالتحام الحميم بعالم كل منا، عوالمنا الصغيرة وأشيائنا الصغيرة، وطبيعتنا الصغيرة، لنستعيد بهذا التحامنا بالعالم وتواؤمنا معه، أو تواؤمه معنا.

يكتشف (الأمير الصغير) طفولة

الطبيعة ومعها يقترح علينا إعادة اكتشاف طفولتنا ،وبهذا تكون الطفولة وما تستثيره من خيال أسطوري وبدائية تعبيرية جزءاً عضوياً في نسيج الحكاية. تنبغي قراءة الطابع الخيالي والبساطة اللغوية على أنهما روح النص، وليسا دافعاً موجهاً نحو التصنيف الشائع للكتاب (كتاب في أدب الأطفال).

وما نسجه خيال دي سانت عن الرحالة الصغير تروي القصة عن صبي صغير يعيش في كوكب لوحده مع وردة صغيرة يعتني بها يومياً. يلتقط النجوم بشبكته ويزور الأرض ويتعرف على سكانها.

يرافق القصة رسومات جميلة ومعبرة أكثر من الكلمات كما استطاع الكاتب أن يحيط قصته بمغامرات، وجنح بخياله إلى المغامرة بخطى طفل كسر القيود.

ترجم كتاب دي سانت الأمير الصغير إلى عدة لغات، وقد تم بيع 80 مليون نسخة، يرى النقاد أن قصة الأمير الصغير تصلح لجميع الأعمار والمستويات فلوحته غنية ملونة تستعصي الحكم عليها جزافى. لتميزها ببساطة طبقات العمق.

ومن خلال جزالة اللغة والتعبير و تطرق إلى قضايا إنسانية تحدى بها متاهات الألم الشاسعة.

بعد مرور أسبوع على صدور قصته في الولايات المتحدة غادر اكزوبير عام 1943 إلى شمال إفريقيا واختفى في 31 يوليو. وهو يقود طيارته فوق البحر الأبيض المتوسط ، هذا ما احتفظت به طفولتنا لصور إنسانية ظلت مخزونة في دفتر الذاكرة حتّى اليوم.

فهل بالإمكان أن يقدم لنا كُتاب اليوم عملاً يرضي ذائقة طفل العصر، رغم كل من المغريات التكنولوجية التي لا تهدأ ولا تكل.. وبذلك يكون أشبه بوجبة دسمة، تشبع عقله، وتفكيره، وميوله.. كما فعل اكزوبيري الالتزام بقضية الإنسان وبخدمة البشر, على نقيض أولئك المبدعين الذين تشكل الحرية لهم (حريتهم الذاتية) وسيلة لخلاصهم الفردي، حتى وإن خرب العالم من حولهم.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى