الخميس ٢٥ شباط (فبراير) ٢٠١٠
بقلم أحمد تحسين الأخرس

البكاء بين يدي زرقاء اليمامة

(1)

أيتها العرافة المقدسة
جئت إليك...مثخناً بالطعنات والدماء
أزحف فى معاطف القتلى, وفوق الجثث المكدسة
منكسر السيف, مغبر الجبين والأعضاء
أسأل يا زرقاء...
عن فمك الياقو، عن نبوءة العذراء
عن ساعدي المقطوع...وهو مايزال ممسكاً
بالراية المنكسة
عن صور الأطفال فى الخوذات ...ملقاة على الصحراء
عن جاري الذى يهم بارتشاف الماء...
فيثقب الرصاص رأسه...فى لحظة الملامسة!
عن الفم المحشو بالرمال والدماء!!
أسأل يا زرقاء...
عن وقفتى العزلاء بين السيف...والجدار!
عن صرخة المرأة بين السبى.والفرار؟
كيف حملت العار
ثم مشيت؟دون أن أقتل نفسى؟ دون أن أنهار؟!
ودون أن يسقط لحمى...من غبار التربة المدنسة؟!
تكلمى أيتها النبية المقدسة
تكلمى بالله باللعنة بالشيطان
لا تغمضى عينيك, فالجرذان...
تلعق من دمى حسائها...ولا أردها
تكلمى...لشد ما أنا مهان
لا الليل يخفي عورتيك... كلا ولا الجدران!
ولا اختبائي فى الصحيفة التى أشدها...
ولا احتمائى فى سحائب الدخان
...تقفز حولي طفلة واسعة العينين...عذبة مشاكسة)
كان يقص عنك يا صغيرتي...ونحن في الخنادق
فنفتح الأزرار فى ستراتنا...ونسند البنادق
وحين مات عطشاً في الصحراء المشمسة...
رطب باسمك الشفاة اليابسة...
وارتخت العينان!
فأين اخفي وجهي المتهم المدان؟
والضحكة الطروب: ضحكته...
والوجه...والغمازتان؟
لا تسكتى...فقد سكت سنة فسنة... لكى انال فضلة الأمان
أيتها العرافة المقدسة ...
ماذا تفيد الكلمات البائسة؟
قلت لهم ما قلت عن قوافل الغبار؟؟؟
فاتهموا عينيك, يا زرقاء, بالبوار!
قلت لهم ما قلت عن مسيرة الأشجار...
فاستضحكوا من وهمك الثرثار!
وحين فوجئوا بحد السيف: قايضوا بنا...
والتمسوا النجاة والفرار!
ونحن جرحى القلب, جرحى الروح والفم.
لم يبق إلا الموت...والحطام...والدمار...
وماتزال اغنيات الحب...والأضواء
والعربات الفارهات...والأزياء
فأين أخفي وجهي المشوها
كي لا أعكر الصفاء...الأبله...المموها
فى أعين الرجال والنساء!؟
وأنت يا زرقاء...
وحيدة...عمياء!
وحيدة...عمياء!!
أمل دنقل

البكاءُ بين يدي زرقاء اليمامة (2)

" أسألُ يا زرقاء.."
عما جرى لـ(دنقلٍ) في "الوقفة العزلاء بين السيف و الجدار؟"..
عن حالِهِ..
و حالنا من بعدهِ..
عن صرخة المواجعِ التي تدبُّ في صدورِ ثلةِ الأحرار..
عن دمعةِ اليتيمْ..
عن حزنِهِ الذي يغفو على جفونِهِ
عن نومِهِ القسريِّ في الرُّكامِ و المباني..
عن "فضلة الأمانِ"..
عن كلِّ ما أرى هنا بأعينٍ عمياءْ..
... " أسألُ يا زرقاء.."
" أسألُ يا زرقاء.."
مستنكراً من قولهمْ: «من المحال أن تدوم هذه الأحوالْ»
أيُّ محالْ؟!..
و الحالُ عينها هي المحال في المحال؟
ستونَ عاماً و الظلامُ في السماءِ ساكنٌ
أكُلُّهُ محالْ؟
أم أنَّهمْ منجمونْ؟!
إن صدقوا فإنهمْ حتماً مُكَذَّبونَ..!
و الحقُّ لا يُبانُ إلا بالعيونِ..
و العيونُ منذ عهدِ جدِّ جدّي
أعُمِيَتْ !!
 
"أسألُ يا زرقاء.."
عن ذلكَ الجنديِّ منذُ أربعينَ عاما
فوقَ الرمالِ الحارقهْ..
و لم يذق مناما..:
(دفِنْتُ واقفاً هنا لأنني في المعركهْ..
دُفِنْتُ واقفاً لدى الحروفِ و الأشلاءِ و المحابر الملوَّثهْ..
غُسِّلتُ بالدموعِ.. بالدماءْ
كُفِّنْتُ بالفناءْ..
لا فرقَ بينَ جثتي و الجثَّةِ السوْداءْ...!
ماذا جرى لطفلتي المشاكسة؟
هلْ كبُرَتْ؟ هل هرُمَتْ؟
هلْ أصبحتْ كأمي؟
هل أصبحت كزوجتي؟
ماذا جرى لطفلتي؟)
و يصمتُ السؤال...
...تجيبني زرقاء:
(بنيَّ، أي بنيَّا..
ليسَ الجوابُ عنديَا..
فلم أعُدْ عرافةً..
و لم أعدْ نبيَّةً مذ فُقِئت عينايْ..
أبكيتني لحالِكمْ
فحالُكُمْ كحالِيَا..
مصلوبةٌ، مذبوحةْ..
"وحيدةٌ.. عمياءْ"
"وحيدةٌ.. عمياء")

مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى