الرجل الكاتب...المرأة الكاتبة!
هل تختلف كتابة الرجل عن كتابة المرأة؟ أم أن القلم ينفي الفروق البيولوجية ويوحد الجنسين في عالم الكلمات؟ إن تعلق الأمر بالكتابة في مجال البحوث أو العلوم فلا فرق بينهما لأنهما يكتبان عن معلومات وأرقام ولا مكان للفكر أو للشعور بمثل هذه الكتابات. ولكن الفروق تتضح وتتسع أو تضيق في عالم الأدب بشكل خاص.
لكل كاتب وناقد رأي بهذا الخصوص ولكن هنا آراء تبدو مدروسة ونابعة من بحث متأني حول الفروقات بين كتابة الرجال والنساء وهي آراء كتبها عدة أساتذة في جامعات أوروبية وأمريكية. تخلص هذه الدراسات إلى النقاط التالية:
يعتقد العديد من النقاد بأن الرجال لا يستطيعون أن يقدموا أفكار نسائية لأنهم لم يجربوا حياة المرأة. ولأن حياتهم مختلفة عن حياة المرأة فإن كتابتهم أيضاً تختلف لكون تجاربهم كذلك مختلفة. فجنس الانسان له دور هام في حياته منذ ولادته وتوجد قواعد لابد من إتباعها لكل جنس والنظر للأشياء كون الكاتب رجل أو امرأة بعيداً أحياناً عن المفهوم الانساني.
أغلب أصحاب النظريات النسائية هن نساء؛ أحد الكتاب كتب من وجهة نظر المرأة ومنهم البروفسورآلان وليامسون (محاضر في جامعة هارفرد – مدرس في جامعة فرجينيا) في كتابه (تقريباً مثل فتاة) أوضح الصعوبات التي يواجهها الكاتب الرجل حين يكتب من وجهة نظر نسائية ومنها: نرجسية، إدراك مُركز للجسد، هشاشة، إستسلام رقيق للذات. يقول الكاتب بأن الرجل الذي سيكتب حول هذه المشاعر قد يواجه إنتقاد حول هويته كرجل ؛ وقد يشعر بالخجل بأن يكون غير مقبول كرجل حقيقي بسبب قابليته للتقرب من عالم المرأة أو تقمص شخصيتها. وقد يتم إنتقاده أيضاً من قبل النساء وليس الرجال فقط. ويرى بأن الكتاب الرجال لا يزالون متأثرين بطريقة إستعمال الكتاب القدامى للأفكار المتعصبة ضد المرأة. ويرى كذلك بأن العديد من الكتاب المتقربين للمرأة في كتاباتهم يبدون غير سعداء في حياتهم الحقيقة مع النساء؛ لذا يلجئون إلى الكتابة عن شخصيات نسائية تتشكل بموجب الصورة التي يرغبون بها حول المرأة.
بينما ترى الكاتبة جوديث كاغان غاردنيه (مُدرسة بجامعة ألينوي – باحثة وكاتبة في الشؤون النسائية) بأن الإختلاف في التجارب بين المرأة والرجل بنعكس على الكتابة بصورة عميقة ومنظمة ؛ فكتابة الرجل تقسم الشخصيات لأجزاء ولا تغرق في المشاعر؛ بينما في كتابة المرأة تذوب الشخصيات في بعضها البعض.
الناقدة سوزان غوبر (كاتبة معروفة في الأدب النسائي ومُدرسة في جامعة إنديانا) تعتقد بأن الرجال يرون المرأة مثل الصفحات البيضاء ولكن النساء أحياناً يرين أنفسهن بهذه الصورة ايضاً وأنهن يستعملن الكتابة لإعادة تشكيل ذواتهن لذلك تبدو غارقة في عملها ككاتبة بينما الرجل الكاتب يكتب عن شيء خارج ذاته ولا يعيد تشكيل ذاته عبر الكتابة.
الكاتبة آنيس بارت (كاتبة وناقدة ) تركز على أن طبيعة الجنسين تؤثر على طريقة الكتابة. فتجربة المرأة الأدبية مختلفة بشكل جذري عن الرجل وتعتقد بأن الأدوار المُسبقة المرسومة للجنسين والقامعة للمرأة تبدو كذلك قامعة لها في عالم الأدب. وتضيف المرأة لا تمتلك إستقلالية في الحياة العادية وكذلك في عالم الكتابة وأنه يُملى عليها ما يجب أن تكتبه وما لا يجب أن تكتبه. وأن تجربة المرأة تجربة خاصة بها بينما تجربة الرجل تجربة للجميع.
وتقول روث روبنز (دكتورة في الأدب الإنجليزي – مُدرسة في جامعة ليدز- متخصصة في الأدب النسائي) بأن الكتابة كانت مقبولة للمرأة لأنها لم تتعارض مع دورها المنزلي؛ فبإمكانها الكتابة عن نساء مستقلات ولهن شخصية ولكنها وبذات الوقت تحافظ على دورها التقليدي في المنزل وبعلاقتها مع الرجل. وأن كتابة المرأة تأثرت كذلك بالنزعة الإستقلالية للمرأة التي طرأت على المجتمعات الغربية. فالروايات القديمة تعكس أفكار مختلفة تماماً عن المرأة عنها في الروايات الحديثة ، فالتركيبة الإجتماعية تلعب دوراً حاسماً في الأدب أيضاً. وتعكس كذلك وصفاً مختلفاً عن المرأة التي كانت مطيعة، سلبية وجميلة ولكنها أصبحت تعكس صور مختلفة للمرأة من خلال الروايات الحديثة.
كما وأن الطريقة التي يتم بها تقبل القاريء للرواية تعتمد على جنس الكاتب بالدرجة الأولى؛ ويُعتقد دائماً بأن الرجال يمثلون التجربة الكونية بعكس المرأة التي تمثل تجربتها الخاصة وهي أفكار ومقولات أضرت بالمرأة بكونها غير قادرة على الكتابة بصورة شمولية وهي مقولات أدت لوجود حُكم مسبق حول النص وأوجد فجوة بين تجربة المرأة وتجربة الرجل.
وبمقارنه بعض روايات الرجال بروايات النساء يرى بعض النقاد الغربيين بأن المرأة بكتاباتها تنسب أغلب الأحداث التراجيدية للرجل ورغم صعوبة الأحداث إلا أن الرواية تنتهي بصورة سعيدة. الروائيات المتقدمات بالسن يقدمن أفكار تقليدية بعكس الصغيرات بالسن وتميل المرأة في رواياتها للتعايش مع المشكلة وطلب المساعدة. أما الرجل الكاتب، فيكتب عن الحقائق والمعاني بينما المرأة تكتب عن وصف للتجارب. الرجل يحاول أن يكتشف الحياة والمعنى الذي تحمله. أما المرأة فتعيش حياة خاضعة فهي تعلمت أن تعيش لأجل الآخرين خصوصاً زوجها وأولادها وإذا لم تفعل ذلك سوف يتم إنتقادها وأنها غير مفهومة لأنها تخلت عن عائلتها. ولكن التناقض هو أنه إذا لم يُسمح للمرأة بأن تقود الحياة التي تريد وأن يتم تشجيعها لإكتشاف الحياة فلن تتمكن من إيجاد معنى خاص بها أو معنى يقبله الآخرون كأنه لهم.
الكتاب الرجال لم يكتبوا الكثير من الروايات حصرياً من وجهة نظر المرأة ربما لأنهم لا يقدرون على ذلك أو أنهم يخشون بأن يُتهموا بهويتهم الأدبية؛ فالعديد من الدراسات حول هذا الموضوع تمت من قبل المرأة لأن المرأة تُعتبر الخبيرة بمجال المرأة ولأن الرجل لا يشعر بأن له سلطة في عالم المرأة الأدبي.
ولكن توجد كاتبات كتبن باسم مستعار لرجل منهن : كريستينا لانش، ميغ هوري والأخوات برونتي. ويقلن بأنهن لجأن للكتابة باسماء رجال مستعارة لأنهن شعرن بأن الكاتبات يُنظر لهن بأحكام مسبقة وكان هذا منذ 150 ولا يزال النساء الكاتبات يشعرن بهذا التوجه. وهو ما يبدو صحيح حيث أن الدراسات أشارت إلى أن الرجال يقرأون للرجال أكثر مما يقرؤون للنساء؛ وتشير الدراسات أيضاً بأن المرأة نادراً ما تحصل على جوائز عالية القيمة وأن حظ النساء بالفوز أقل من الرجال بالنظر إلى العدد القليل من النساء الحاصلات على جائزة البوكر فقط 12 منذ عام 1909.
الدراسات الغربية عديدة حول هذا الموضوع؛ ولكن ماذا عن مجتمعنا العربي! ما هي مكانة كتابة المرأة مقارنة بكتابة الرجل؟ اعتقد أن إجراء المقارنة منذ البداية لا يغير من واقع الأمور، لأنه هناك فروق عديدة وتفرض نفسها بين الجنسين ولكن العالم الغربي يحاول جاهداً إلغاء الفروق حتى في عالم الأدب ولكن في عالم الأدب وبشكل خاص لا يمكن إلغاء هذه الفروق ، فتبدو الآراء منتقدة وبشدة لنظرة الرجل لكتابة المرأة بل ولنظرة المجتمع ككل لكتابة المرأة. هذه الفروق يمكن تجاهلها، تجاوزها، التحايل أو السيطرة عليها في العالم الواقعي ولكن في عالم الأدب لا يمكن إلا أن تظهر وبشكل واضح وصارخ لأنها تمس الطبيعة البيولوجية السيكولوجية والفطرية للمرأة والرجل.
ولكن هناك خصوصية عميقة لا يمكن تجاهلها تتعلق بكتابة المرأة؛ فالمرأة تكتب غالباً عن تجربتها الخاصة أو تجربتها النسائية سواء بمنظور سلبي أو إيجابي؛ ولكن إن استطاعت المرأة أن تتجاوز حدود هويتها لا بتقليد الرجل ولا بالإنتماء لعالمه الذكوري معنوياً بل بأن تكون لها بصمتها الخاصة في عالم الأدب؛ أن تكتب عن الحياة بشموليتها لا عن المرأة بمحدودية تجاربها أو ثرائها. فمهما كانت تجربة المرأة ثرية فإن الحياة أكثر ثراءً وعمقاً وهو ما أدركه الرجل مبكراً بحكم مسؤولياته المتعددة وبحكم تنشئته بأن يكون على تواصل مع الحياة أكثر مما يكون على تواصل مع ذاته. فالفرق الجذري يكمن بهذا التواصل مع الذات؛ فالثقافة الذكورية سواء في الغرب أو الشرق لا تشجع الرجل على التواصل مع ذاته ولكن تدفعه دائماً وقسراً أو طواعيةً نحو التواصل مع العالم الواقعي من حوله. بينما تجذر في شخصة ومفاهيم المرأة ومنذ الصغر بأن تكون على تواصل حميم مع ذاتها؛ وهوما يخلق الفجوة بين الجنسين، فالرجل يراها غارقة في عالمها الشعوري والعاطفي، بينما ترتبط أفكاره بعالم الحياة من حوله ولا يشكل الشعور سوى جزء من حياته يمكنه تشكليه، إحتوائه بل وتجاهله أيضاً.
ربما لابد أن تتعلم المرأة المعاصرة وخصوصاً الكاتبة بأن تتجنب الغرق في مشاعرها لكي تكون أقرب للقُراء من الرجال وأن تكون المرأة أكثر فهماً وقرباً لعالم الرجل؛ فالأدب له عدة رسائل لا تقتصر على الوصف والسرد وإالتقاط الفكرة والعبرة، بل إيضاً محاولة فهم الطرف الآخر ومحاولة تطوير الذات بما يتناسب مع عالم معاصر لم تعد به المرأة الشخصية الوديعة الصامتة والمنسحبة. فإن كانت المرأة تًصر على أن تتفاعل مع الحياة في العمل والدراسة فلابد للمرأة الكاتبة أن تتفاعل مع عالم الأدب بأن تقدم عمل أدبي لا يغرق بمعاناتها الخاصة أو بمعاناة بنات جنسها. لابد لها من مراقبة المجتمع عبر منظار انساني لا أنثوي يتقمص بأغلب الأحيان صورة ضحية الرجل والمجتمع. إن لم تتمكن من ذلك يمكنها دائماً أن تكتب وقد تكون فعلاً مبدعة ولكنها لن تكون شمولية. وإن تمكنت من الكتابة بمنظور انساني، فهي لا تنافس الرجل بل تُضيف إليه شيء جديد وللمجتمع أيضاً؛ تضيف رؤية انسانية متجددة لقضايا جادة هامة يكتب عنها الرجل ولابد أن تكتب عنها هي أيضاً ولكن بهوية انسانية لا نسائية.