الجمعة ١ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٠
مجلة فصول في عدد جديد
بقلم بوشعيب الساوري

الرواية البوليسية العربية

صدر العدد السادس والسبعون من مجلة فصول القاهرية الفصلية المختصة في النقد الأدبي(صيف وخريف 2009)، المجلة التي ترأس تحريرها الدكتورة هدى وصفي. وقد خصص العدد بالكامل لـ ملف الرواية البوليسية. وهو الشكل الروائي، الذي بقي في الهامش، ولم يحظ بالاعتراف فضلاً عن غياب اهتمام نقدي جاد به. ويعد هذا أول ملف عربي أكاديمي مفصل عن هذا الشكل الأدبي.

وللمرة الثانية تعمل فصول بتقليد (المحرر الضيف)، وكان المحرر الضيف لملف الرواية البوليسية هو الناقد والأستاذ الجامعي المغربي شعيب حليفي. الذي قدم له بورقة تمهيدية مما جاء فيها: ان العدد الجديد من مجلة فصول «يقدم تشريحا لوضعية الرواية البوليسية في الأدب العربي، من أجل فهم واقع الحال والتقليب في القضايا التي يطرحها الموضوع من جهة أولى؛ ومن جهة ثانية مقاربة نصوص في هذا الاتجاه للدنو من متخيلها وباقي عناصرها الأساسية، مساهمة منها في تجديد الأسئلة النقدية حول أشكال التعبير المُعبرة والتي استطاعت أن تكون تجليا من تجليات عصرنا».

تضمن العدد عدة محاور افتتحها الكاتب المصري نبيل فاروق بنص استهلالي عنونه ب"حرب قلم" تحدث فيها عن تجربته في كتابة الرواية البوليسية.

في باب الدراسات افتتحه شعيب حليفي بموضوع (التخييل ولغة التشويق : مقاربة في البناء الفني للرواية البوليسية في الأدب العربي). ممهدا بالحديث عن قدرة التخييل الروائي وما يحققه من توسع بفعل استثماراته اللامحدودة لكل العناصر الممكنة، وباعتبار الرواية نصا ثقافيا يوظف كل المعارف والحقائق والأحلام ضمن رؤية فنية ذات شكل. وضمن ذلك ظهر التخييل المؤطر بقضايا التحري والتحقيق وفك الألغاز، أو ما يسمى بالرواية البوليسية، مما يمكن من خوض تحليلات لعلاقة الرواية بالتاريخ الاجتماعي والسياسي والتوظيف المتنوع لعناصر الحياة المدينية وما تفرزه من جرائم واختفاءات.

وتوقف الكاتب عند عنصر «التشويق» في المحكي البوليسي باعتباره محركا لباقي العناصر الفنية يرسم في الرواية مسارات تحتاج إلى عدد من التقنيات والعناصر تجعل منه أساسا قائما في النص وضمن بنية التخييل. مستخلصا أن الرواية العربية قد حفلت بنصوص في هذا الاتجاه بأشكال مختلفة ،ومتوقفا عند نوعين كبيرين: الأول من نصوص تستثمر الحبكة البوليسية دون نية كتابتها؛ والثاني نصوص جُنست على أنها روايات بوليسية تقوم بدورها على لغة التشويق مع التركيز على عنصر الصراع وتأويلاته، ثم اللغة وقدرتها في تحقيق وقيام هذا النوع الروائي الذي ما زال لم يُستثمر بالشكل التام في السرد العربي.وقد اتخذ الباحث نصوصا روائية عربية من مصر وتونس والجزائر والمغرب خلفية لمقاربته.
وحاولت دراسة بوشعيب الساوري المعنونة بـ(مفارقة الإنتاج والتلقي في الرواية البوليسية في الأدب العربي) التوقف عند نوع روائي ظل، وما يزال، في أدبنا العربي في الهامش، هو الرواية البوليسية، انطلاقا من تقديم نظرة تاريخية حول ظهوره ومكانته في الغرب وكيف استطاع أن يحتل موقعا داخل الأدب ويحظى باهتمام النقاد والدارسين الغربيين. وكيف نال مقروئية لا بأس بها، تجاوزت القارئ العادي إلى الناقد والباحث الأكاديمي مثل جاك ديبوا وتودوروف وجيل دولوز وغيرهم. مثلما أبرزت الدراسة مكانة الرواية البوليسبة والانتشار الواسع الذي أصبحت تحظى به، خصوصا مع روايات اعتمدت الحبكة البوليسية مثل اسم الوردة لأمبرتو إيكو وشيفرة دافينشي لدان براون.

ثم تطرق الكاتب إلى وضع الرواية البوليسية في الوطن العربي، ومفارقة وجود قاعدة واسعة لتلقي الرواية البوليسية، في حين أن إنتاجها متعثر وشبه منعدم، الأمر الذي لم يسمح بتبلور رواية بوليسية عربية بالمواصفات المعروفة في الآداب الغربية.

متسائلا عن وضع هذا الإبداع في الأدب العربي وتجلياته وأشكاله من خلال المنجز الروائي. وكذا عن العوامل الثاوية وراء وضعه المفارق، مستحضرا مجموعة من المواقف لروائيين مثل محمد لبساطي وإدوار الخراط والميلودي الحمدوشي، ولنقاد أمثال إلياس خوري وعبد القادر شرشار.

في دراسة عبد الرحيم مؤدن (القصة البوليسية في الأدب المغربي الحديث) ينطلق من محاولة التمييز بين القصة البوليسية النموذجية (جريمة/ مجرم أو عصابة/ ألغاز/ تحقيق...) وبين القصة ذات الإيقاع البوليسي (اللص والكلاب لـ نجيب محفوظ) والتي قد تشترك مع القصة البوليسية في عناصر عديدة( جريمة / تحقيق/مطاردة...) دون أن تكون قصة بوليسية، بالمعنى الأجناسي، كما حددها منظرو هذا الجنس الأدبي.

ويستعرض الكاتب أنماط القصة البوليسية، التي انسحبت على الرواية والقصة القصيرة أيضا، من خلال نماذج معينة مثل القصة البوليسية ذات اللغز، والرواية البوليسية السوداء، فضلا عن تفاعلات النص البوليسي مع قصص الجاسوسية، وقصص الخيال العلمي.

تأسيسا على ما سبق حاولت الدراسة رسم خطاطة لوضعية القصة البوليسية في الأدب المغربي الحديث، انطلاقا من نماذج محددة شملت المراحل التالية:

أ- مرحلة الرواد الأوائل من خلال تجربة «عبد العزيز بنعبد الله» الذي جمع بين الترجمة والاقتباس، بين البنية القصصية البوليسية الثاوية وراء بنيات أخرى، والبنية التاريخية.
ب- مرحلة الستينيات من القرن الماضي الذي شهد ظهور نماذج من القص البوليسى- رواية وقصة قصيرة- الذي اختفى ، مرة أخرى، وراء البنية الواقعية، فتحول النص البوليسي إلى أداة لطرح القضايا الاجتماعية( محمد بن التهامي/ أحمد عبد السلام البقالي).

ج- تجربة «الميلودي الحمدوشي» في المرحلة الحالية والتي تمثل طفرة مميزة في الكتابة البوليسية‘ بحكم امتلاك المؤلف لتقنيات هذه الكتابة، فضلا عن انتسابه إلي ميدان العمل الجنائي، تدريسا وبحثا وممارسة مهنية،مما مكنه من تقديم تراكم هام ، في هذا الميدان،اتسم بخصائص مميزة في الرؤية والكتابة.

وختم الباحث الدراسة بموقفه من المسألة بفحص أهم العوامل والأسباب من وجهة نظر سياقية، على المستوى الخارجي والداخلي، والتي كانت لها اليد في تعثر الرواية البوليسية..وذلك بربط هذه الظاهرة الأدبية بسياقها الثقافي العام وفواعله وثوابته ومتغيراته.

وفي باب شهادات قدم احمد خالد توفيق ورقة بعنوان «من فعلها؟» أكد فيها أن اول كاتب مصري حاول كتابة الرواية البوليسية هو محمود سالم من خلال سلسلته المغامرون الخمسة التي كانت موجهة للصبية لكنها خلفت آثارها في جيل كامل. وتفاءل بظهور كتاب آخرين.

وضم العدد اربع ترجمات؛ الأولى قام بها حسن المودن وهي عبارة عن ثلاثة فصول من كتاب (من قتل روجر اكرويد؟) يقدم فيها المؤلف بيير بيار رؤية جديدة في نقد الرواية البوليسية وعلاقته بالتحليل النفسي. والثانية قدمتها نادية جمال الدين محمد وهي عبارة عن قراءة في رواية" محاولة جريمة" للكاتب المكسيكي أودولفو أوسيجلي، وقد اعتبرت إلى أن الرواية تمتح من أشكال سردية سابقة على الرواية البوليسية. أما الترجمة الثالثة فقد كانت لـهناء عبد الفتاح بعنوان مولد أدب الجريمة الروائي في بولندا، للكاتبة البولندية دوروتا متولي التي تطرقت إلى سياق ظهور الرواية البوليسية في الأدب البولندي. أما الترجمة الرابعة فكانت بعنوان دليلك لكتابة الرواية البوليسية لوود هاوس وقام بها احمد خالد توفيق.

وفي باب نقد تطبيقي قدم محمد العبد قراءة في رواية مقتل فخر الدين لعز الدين شكري مركزا على حضور الإثارة فيها. وكتب بوجمعة الوالي تحت عنوان التوظيف الدلالي للجريمة.. دراسة مقارنة بين (موسم الهجرة إلى الشمال) للطيب صالح و(الغريب) لألبير كامو. وختم هذا الباب بورقة لـ محمد الفارس عن رواية ميس ايجيبت للكاتبة سهير المصادفة.

وفي باب نص وقراءتان، دراستان لرواية (الحوت الأعمى) وهي إحدى الروايات المغربية المهمّة التي تنتمي إلى الأدب البوليسي، الأولى قدمها عبد الرحمن غانمي والثانية كانت للأستاذين محمد يحيى قاسمي ومحمد المحراوي.

وفي باب افاق الذي خصص للرواية البوليسية في بعض الآداب العالمية. إذ تحدث فوزي عيسى عن الرواية البوليسية في إيطاليا. وقدم جان بدوي لمحة عن القصة البوليسية في الصين. كما شارك أحمد سامي العابدي بورقة عن الرواية البوليسية في الأدب الأذريبيجاني المعاصر. وقدم شعبان يوسف ورقة حول المؤسس المجهول للرواية البوليسية في مصر وهو حافظ نجيب.

وختم الملف بشخصية العدد وكانت حول الروائي صالح مرسي، وهو أحد رواد أدب الجاسوسية الذي استطاع أن يجعل من بعض الأوراق في ملفات المخابرات المصرية أعمالاً روائية تحولت بعد ذلك إلى أفلام سينمائية ومسلسلات تلفزيونية لاقت نجاحاً جماهيرياً كبيراً. كانت عبارة عن تأملات في تجربة صالح مرسي لكل من حلمي النمنم ومحمد قطب. وقدمت إيناس علي احمد بيبلوغرافيا لأعماله.


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى