حوار مع الشاعرة والروائية ليلى مقدسي
الشاعرة والروائية السورية ليلى مقدسي تبوح لـ ديوان العرب شجونها وتقول: حساسيتي الزائدة وأنا طفلة كانت هي بداياتي على طريق الإبداع
ولدت الشاعرة ليلى مقدسي في مدينة صافيتا السورية، وعاشت مرحلة من العمر في كنف جدها في مدينة حلب التي أحبتها وكتبت عنها الكثير من الأشعار ووصفتها بـ "عرافة الفن والطرب"..
صدر لها شعراً: ثالوث الحب.. غمامة ورد..عرس قانا.. وردة أخيرة للعشق، لغة الجمر.. ونصف القلب.
كما صدر لها رواية: لأننا لم نفترق، ورواية: ذاكرة البحر تقرأ..
ولها أيضاً مجموعات قصصية نذكر منها: عنود، ورسائل وصلت، وقطوف وأوراق..
ديوان العرب التقت الشاعرة والروائية ليلى مقدسي وكان هذا الحوار:
– كلنا نحب البدايات، فهي اللبنة الأولى التي نبدأ بالصعود منها إلى ما لا نهاية.. ماذا عن بداياتك؟
أنا من صافيتا قرب الساحل السوري، ولكن عشت في حلب طفولتي قضيتها عند جدي في القرية من عمر سنتين حتى سبع سنوات، وكنت عنده الأميرة المدللة، وقد أخذني من أهلي بعد ما رُزِقت أمي بأخي فايز، وانصب اهتمام الأهل على الطفل الذكر وأُهمِلت ومرضت من غيرتي وحساسيتي،، جاء جدي وسافر بي وكان عنده مضافة في منزله وفي كل يوم في المساء يزوره كل أعيان "الضيعة" وهو يلقي شعر الزجل والقصص القديمة لهم وتفتحت طفولتي على نغم الشعر وقد جمعت كل ذكرياتي مع جدي وقصصي معه ومشاغباتي وولعي بالحيوانات والزهور في كتاب للأطفال عنوانه -ليلى والحيوانات - وحين توفي رجعت إلى أهلي وكانت صدمة فقدانه صعبة وشعرت بغربة مع أهلي ولأني وحيدة بين أربع إخوة كانت والدتي تخاف علي من جو المدينة ولا تسمح لي بزيارة حتى رفيقاتي بالمدرسة وعشت مع الراهبات في المدرسة وتأثرت بالجو الروحي التأملي، وسافرت معهم إلى القدس بسبب حادث ألمِّ بعيني اليسرى وفقدت النظر فيها وهناك تعمقت تجربتي الروحية وحين رجعنا كنت املأ وحدتي بالمطالعة وأصبح الكتاب صديقي الدائم، وبدأت اكتب خواطري كل مساء.. وذات يوم زارنا عمي وكان يعمل مترجما في الإذاعة والتلفزيون بدمشق وشجعني وكان ينشر لي في الصحف، وفي الصف الثامن أُعجب أستاذ اللغة العربية بموضوع إنشاء لي وبارك لي بموهبتي وفوجئت بعد أشهر ينشر موضوعي في كتاب من تأليفه عنوانه - التعبير الفني في الإنشاء، وقدمه لي هدية وكانت دهشة فرحي وأنا أرى اسمي مع كبار المبدعين كل من جدي وأستاذي وعمي كان لهم الفضل في إنماء موهبتي والمطالعة عبر سنوات العمر الطويل زادي وسلوتي.
– "يا رب لا تعلمني الحكمة بل علمني المحبة".. برأيك المحبة أهم من الحكمة؟ وماذا كنتِ تقصدين من هذا التجلي الواضح في دعاءك؟
الحب الإنساني هو محور كل كتبي لأن العالم ممزق بالأنانية والتعصب والمادة والحروب أعبر في الشعر والنثر والقصص والرواية عن معاناة الإنسان وعبرت عنه بلغة صوفية وروحية ووجدانية من خلال الطبيعة لأن الإنسان هو حالة تجانس مع الطبيعة في تقلباتها والتجربة لا تنفصل عن التعبير عنها بصدق كما قال شكسبير: " يلجا المتألمون للكتابة كيلا يمتصهم الألم".. والشعر هو صلاة الروح والبوح للمشاعر الصافية أما الحب فهو قيمة إنسانية أُضيفت إلى قيم الحق والخير والجمال والحب يقود الإنسان إلى اسمي درجات المحبة وهو الخير المطلق والقوة الخفية التي يقف أمامها العقل قاصرا والبشر لم يعلموني الحب إنما دفعني محبتي للإنسانية لأكتبه بكل ألوانه حب الوطن، الأم، الأرض، الأولاد، الحبيب، وقلب الشاعر لا يشيخ ويبقى قلب المحب عرش الرحمة والتسامح، قال احد المتصوفة "مثقال ذرة من الحب أحب إلي من عبادة سبعين عاما بلا حب، أا لقب أيقونة الحب والشعر من عمق ما أكتبه لأني أهيم بين ضفتي الهوى والشعر والحب والشعر حالة لا تفسر.
– "المرأة" كانت بطلة في معظم قصصك وكتاباتك: "يارا.. في طوفان الزمن".. و"هي.. في دموع الشموع".. وغيرها من القصص الكثيرة.. برأيك:هل المرأة بطلة "فعلياً"؟
المرأة كانت ضمن أشواك التقاليد والعرف بين أشواك الجهل والتخلف ولكن بدأت تجتاز الأشواك من خلال العلم والثقافة والوعي وخلعت ثوب التبرج والزينة، حتى تثبت قوة في العطاء والإبداع وحريتها مسؤولية اكبر ورغبت أن تكون المرأة بطلة لا تستسلم، وتسعى نحو طموحها مهما اشتدت الصعاب لأن المرأة نصف المجتمع وهي تبني الأجيال، ولا تتحرر المرأة إلا إذا تحرر المجتمع من التخلف والجهل والمرأة عقلا مغلف بالحنان والعاطفة وقد تغلغل الشاعر نزار قباني إلى عمق إحساسها وعبر عنها وطالب بحريتها وكرامتها كإنسانة والأمثلة كثيرة في التراث الإنساني والإبداعي.
– "خلف آخر وردة لنا، تدخل طقس احتضارها، بكى الغمام، في عينيك، في عينيي، ياحبيبي".. هذا من ديوانك "آخر وردة للعشق".. برأيك: العشق ينتهي؟
العشق، تعمقت في مطالعة الكتب الصوفية وهي فلسفة المحبة والإنسانية ويسعون من خلال الحب إلى التوحد مع الخالق فالحياة لديهم محب ومحبوب، والله محبة، وفي كتابات هؤلاء وجدت الاستغراق في جمال الملكوت وهي فلسفة إشراقية بنور العشق وأشعارهم عاطفة وهوى ومزامير، وقال ابن عربي: أدين بدين الحب إني توجهت ركائبه فالحب ديني وإيماني، وهم يعشقون الله لا خوفاً من ناره ولا طمعاً في جنته بل يحبونه لذات الحب. ويقول جلال الدين الرومي - يا حامل المشعل ومختطف القلب في السحر أرسل الروح وراء القلب فالقلب مكان الإيمان -.. وكذلك العرب تاريخهم حافل بأخبار العشق وماهيته وحين يوجد العشق يفنى العاشق في وجود المعشوق، وكانت وردتي للعشق الأخيرة أي للعشق السماوي الأزلي ومتى انتهى العشق فقدت الحياة أسمى معانيها: "اصمت وانزع اشواك الوجود من القلب كي ترى داخل نفسك رياض الورود".
– عشتِ في حلب، وحلب عانت ويلات الحرب والحصار والإرهاب..كيف وصفتِ هذه المعاناه "إبداعاً"؟
حلب يا قديسة الضنى يا عراقة الفن والطرب، ما أقسى غربة قلعة حلب تجرح راحة الفجر تاجي الرباب الأبيض وخماري سماء الوطن... - كانت مدينة حلب رعب وقصف وخراب مروع ولكن هذه الحرب السوداء دفقت مشاعري عبر الحروف لأن الأديب مرآة للواقع والقلم أقوى من السيف به ينشر نور المعرفة في الظلام بالوعي والفكر والتعبير عن معاناة شعب وبعض مما كتبت:" يا وطنا جريحا عطرت خبز الحروف باسمك يا شام وسطر ياسمينك أبجدية اللغات".. كان القلم بيد والدمع الحبر يروى ما أعانيه من خوف وقلق وحزن ولم أتوقف طيلة الحرب عن الكتابة للوطن، للشهيد، للطفل، ومنها: "مذرور براية وطن حنون هذا الجندي حبق البراري رحيقه عنفوان وطن مسلوب كيف أفسر حرقة دمعي وأغصان الطفولة تبكي ضنى الأمهات عليل وجع الشهيد ينقط جرحه نورا ونار أيغتم ليل سورية ما أشقى السؤال وبحة ناي حماة الديار يرجفها دمع طفل ورغيف مشرد، سورية يا فينيق الشرف علمك يبقى حراً على اكف جيش وشعب ملتفا بوطن الانتماء المعرفة مناهل الفكر والوعي لحمة جيش وشعب يضيء جحافل الظلام والأرض أم شهيد مزهر بشقائق النعمان.
– كيف تصفين المشهد الثقافي العربي بشكل عام؟
محزن ما أشعر به، كانت الثقافة والمعرفة من مناهل الكتب نغرف منها بسخاء لكن الحضارة ذو حدين بقدر ما أعطت للإنسان بقدر ما جعلته يبتعد عن المطالعة والقلم والورق وذلك بظهور الأنترنت والكومبيوتر والهاتف المحمول وبقي الكتاب منزويا على الرفوف ينتظر محبيه وفرغت المكتبات من سمارها وبدا المشهد الثقافي يتضاءل ويخف مع الزمن وكان الكتاب الغذاء الروحي والصديق الوفي كشجرة مورقة تعطيك بسخاء ولا تأخذ منك شيئاً.
– في عام 2004، أجرت مجلة ديوان العرب حواراً معكِ.. هل تتابعين المجلة حتى الآن؟
اعتز جدا بالحوار الذي نشر في مجلتكم العريقة وهي مجلة شاملة لنبع الفكر والأدب والإبداع، اشكرك جدا على حوارك الشيق والجميل وأشكر الأستاذ عادل سالم على اهتمامه وتحية معطرة لكل أسرة مجلة ديوان العرب دمتم ذخرا للعطاء والإبداع وأتمنى أن ينقرض الشر والمرض وأن يحل الخير والسلام ونتعاون في رسالة المحبة والإنسانية ويتحرر كل وطن جريح وتنتهي الحروب الفتاكة لأنها تنتقل إلى الأفكار وتشوهها.
– بماذا تختمين هذا الحوار؟
بالعودة إلى حلب وما عانته من حرب ودمار وحصار وإرهاب.. حضرتني قصة تراجيدية وطريفة بآن ممكن أختم بها: من عادتي أن أستيقظ باكرا واذهب للحديقة كل يوم، وأيام الحرب خرجت والقذائف تتهاوى وأنا أمشى فيها لمحت قطة عالقة في بركة الماء وصوتها يستغيث، مر شاب وهو يركض رجوته أن ينقذ القطة، قال لي: الحرس لا يسمحوا أن انزل للبركة، ذهبت معه للحرس وطلبت أن يسمحوا له بإنقاذها، نظر إلي الحارس مستغربا وقال: اما خفتِ على نفسك وتخافين على القطة، جاوبته: إن لم تسمح له فسوف أنقذها أنا، ضحك وسمح له، حضنت القطة وهي ترتجف من البرد نشفتها بسترتي، ثم وضعتها في مكان امن ورجعت للبيت